دراسة علم الأخلاق
تخيل أنك تجلس مع مجموعة من الأصدقاء، تضحكون وتتحدثون، وتنهمكون في القيل والقال عن أشخاص ليسوا موجودين معكم، وتتناقشون في الرياضة، بل تتجادلون حول السياسة والأحداث الجارية، ثم يبدأ واحد من أصدقائك الأكثر عمقًا في التفكير ومراعاةً لحقوق الآخرين ومشاعرهم يتحدث بهدوء.
يقول الصديق: «نحن نُمْضي الكثير من الوقت ونحن نحط من قدر الآخرين؛ الرياضيون الذين يتصرفون كما لو أن القوانين لا تسري عليهم، والميكانيكيون الذين يُصلحون أشياءَ ليست مُعطَّلة، والساسة الذين يَعِدون بأشياءَ لا يُوفون بها أبدًا، والمديرون التنفيذيون للشركات الذين يتلاعبون بالمستندات والقوائم المالية للشركة ويحققون الثراء.
يروق لنا الاعتقاد بأننا لن نفعل أشياء كهذه لأننا نعتقد أننا أناس «صالحون، ومستقيمون»، ولكن ماذا لو أُعطيتَ خاتمًا يمتلك القدرة على جعلك خفيًّا؟ يمكنك أن تتسلل خلسة إلى أي بيت، أو مكتب، أو شركة؛ لن يكون في مقدور أحد أن يراك مُطلقًا. يمكنك أن تسترق السمع إلى أي محادثة؛ يمكنك أن تكذب وتغش ولن تُكتشفَ أبدًا؛ يمكنك أن تجمع كلمات السر، وتخترق أنظمة الكمبيوتر، وتضع أموالًا في حسابك البنكي، وترفع كل تقديراتك إلى درجة امتياز؛ يمكنك أن تصنع أي شيء شئت؛ يمكنك أن تسرق، وحتى أن تَقتُل، وأنت تعلم أن لا أحد سوف يراك تفعل ذلك.
كيف سيكون سلوكك لو كان بحوزتك خاتم كهذا؟ إن كنت صادقًا مع نفسك، فأنت تعلم أنك حين تلبس الخاتم ستنسى كل شيء بشأن كونك شخصًا «صالحًا ومستقيمًا»، سوف تصنع أي شيء من شأنه أن يجعلك سعيدًا.»
في هذا الفصل، سنتأمل الكيفية التي حاول بها بعض الفلاسفة الإجابة عن هذه الأسئلة. من دراسة أفكار هؤلاء الفلاسفة، قد يكون في مقدورك أن تضع بعض الاستراتيجيات الجديدة حول كيفية استطاعتك معالجة المعضلات الأخلاقية.
(١) نشأة دراسة علم الأخلاق
من أوجه كثيرة، فيما يتعلق بالحضارة الغربية بدأت الدراسة المنهجية للأخلاق منذ ٢٥٠٠ سنة مع سقراط، الذي كان معلمًا في بلاد الإغريق قديمًا. كان أسلوبه في التعليم هو أن يُلقي بأسئلة تزداد صعوبة على تلاميذه وأي شخص آخر أراد أن يخضع لاستجوابه. ومما قد يقوله: «أنت رجلٌ معروفٌ بمعاييرك الأخلاقية العالية؛ لذا ستكون شخصًا مناسبًا لأن أطرح عليك هذا السؤال: ما الذي يعنيه أن يكون المرء متسمًا بمراعاة الأخلاق؟» فيقدم الشخص — شاعرًا بالإطراء من الطريقة التي طُرِح بها السؤال — جوابًا. ثم يُلقي سقراط بسلسلة من الأسئلة المتتابعة التي تكشف أوجه التناقض والضعف في إجابات الرجل. زعم سقراط أنه لم يكن خبيثًا عندما قلل من شأن حُججهم، وقال إنه اعتقد أن هذا الاستجواب المتواصل سوف يؤدي في آخر الأمر إلى حقائق أساسية. وفيما يبدو فإن الكثير من التلاميذ استمتعوا بمنهجه، الذي نطلق عليه حاليًّا «طريقة سقراط»، وأصبح معلمًا ذائع الصِّيت بين الناس. بَيْد أن ذوي السلطة كانوا منزعجين منه، وقدَّموا سقراط للمحاكمة، وأدانوه بتقويض الأخلاقيات والمعبودات الأثينية، وأمروه بأن يشرب مادة قاتلة تُسمى الشوكران.
لم يُخلف سقراط وراءه مؤلفات. الكثير مما نعرفه عنه أتى من مؤلفات أُناس عرفوه، وبخاصة تلميذه الأشهر أفلاطون. تبدو كتب أفلاطون وكأنها محادثات، وتتناول موضوعات تتراوح من السياسة إلى ماهية العالم الحقيقي. هذه المحادثات ليست محاضرات جافة؛ فبعضها أشبه بمسامرة حانات؛ ففي واحدة من محاورات أفلاطون يشرب المشاركون حتى يغيب بعضهم عن الوعي، وطيلة الوقت، يستمرون في مناقشة قضايا فلسفية تتراوح من دور الحكومة إلى طبيعة الجنس الممتع.
أكرم أفلاطون معلمه العجوز بتسمية الشخصية الرئيسية في هذه المحادثات سقراط. في الوقت الحاضر، تواجه أساتذةَ الفلسفة معضلة محاولة فرز ما اعتقده سقراط الحقيقي وما اعتقده أفلاطون ولكن جعل الشخصية المسماة سقراط تقوله.
بدأ أفلاطون مدرسته في أثينا، وتتلمذ على يده هو الآخر تلميذ شهير، وهو أرسطو، الذي أصبح واحدًا من أهم الشخصيات في كلٍّ من الفلسفة الغربية والعلم. هؤلاء الرجال الثلاثة، سقراط وأفلاطون وأرسطو، لعبوا دورًا في صياغة مفاهيم الأخلاق في الثقافة الغربية.
(٢) العفة والإغريق
عندما طرح قولاكن سؤاله حول لماذا ينبغي أن ينشغل الناس بالأخلاق والفضيلة، من الواضح أنه حسِب أنه وضع سقراط في حيرة؛ فعلى أي حال، الذي يلبس الخاتم السحري يمكنه أن يقترف أي فعل دون أن يخشى الإمساك به، فلماذا ينشغل أي شخص بالأخلاق أو الفضيلة إن لم يكن ثمة عقوبة يتعرض لها.
وفوجئ قولاكن بسقراط يوافقه الرأي. قال سقراط إنه كان واضحًا أن الناس يفعلون أي شيء من شأنه أن يجعلهم سعداء. لا يتخذ الناس المتزنون عن عمد أبدًا قراراتٍ تضرهم. يرى أفلاطون أن الأخلاق والفضيلة لم تمثلا قوائم بقوانين حالت دون استمتاع الناس بالحياة. عِوضًا عن ذلك، قدمت الأخلاق دليلًا ليساعد الناس أن يعيشوا حياة طيبة.
جادل أفلاطون في محاورة مطولة تُسمى «الجمهورية» بأن الناس يتألفون من ثلاث طبائع: تتمثل إحداها في الغرائز الأساسية التي تدفع الناس إلى الرغبة في الطعام والجنس ووسائل الراحة الأخرى. والثانية هي طبيعة قاطعة وهي التي تقودهم إلى الدفاع عن أنفسهم والتنافس مع الآخرين والبقاء في العالم العملي. والثالثة هي التفكير.
بعد ذلك طلب أفلاطون من مستمعيه أن يتخيلوا شخصًا يتحكم فيه واحد فقط من هذه العناصر. تخيل أناسًا منقادين باستمرار وراء شهواتهم الجنسية، أو أناسًا مستعدين دومًا للقتال ويجب أن ينتصروا بأي ثمن. هؤلاء الناس لا يمكنهم أبدًا أن يُشبِعوا رغباتهم؛ ومن ثَم لا يمكنهم أبدًا أن يكونوا سعداء. يرى أفلاطون أن المرء يمكن أن يكون سعيدًا فقط عندما تكون الأجزاء الثلاثة: الحاجة إلى إشباع الغرائز الحيوانية الأساسية؛ والروح التنافسية؛ والقدرة على التفكير، في حالة توازنٍ. اعتقد أفلاطون أنه ما إن يصل الناس إلى هذا الإدراك، فإنهم لن يختاروا عن دراية أن يعيشوا حياة غير سعيدة. قال سقراط لقولاكن: «فكر مليًّا، ستجد أن فعل ما هو صواب أفضل لك.»
قدم أرسطو — مطورًا مبادئ سقراط — نظرةً عامةً للكيفية التي يمكن بها للناس أن يتعلموا السلوك الملائم. وأسماها «طريقة الوسط الذهبي»، ادعى أرسطو أن التصرف السليم يقع في أغلب الأحيان بين طرفَيْ نقيض. مثال: الأكل بطريقة صحيحة يقع في موضع ما بين التجويع والشراهة؛ فمن الجلي أن بقاء المرء بلا أكل ليس صحيًّا، ومع ذلك، فتناول ٢٠ قطعة من البيتزا قد يكون غير صحي بنفس القدر. من التجربة والتفكير المنطقي والتدريب، نتعلم أن نأكل الكمية التي تناسب احتياجاتنا. ولنأخذ بعين الاعتبار أن أرسطو عندما يستخدم كلمة «الوسط»، فإنه لا يشير إلى معدل حسابي. إنه لا يقول إنه إذا كانت ٢٠ قطعة من البيتزا تُعد أكثر من اللازم وعدم تناول شيء يُعد أقل مما يلزم؛ إذن ﻓ ١٠ قطع ستكون بمنزلة المقدار المناسب؛ فالناس يكتشفون المقدار المناسب للأكل من خلال التجربة والتفكير المنطقي. مثال آخر: اعتقد أرسطو أن الشجاعة تقع في موضع ما بين الاندفاع والجُبن؛ فالجنود المندفعون طائشون ويتعرضون للقتل، والجنود الجبناء يهربون. أما الجندي الشجاع فيستخدم تدريبه وقدرات التفكير لديه ليجد اللحظة المناسبة للهجوم على العدو والفوز بالمعركة.
طبَّق بول ليستر — الذي يعمل أستاذًا جامعيًّا في الصحافة، ومتخصصٌ في علم الأخلاق — قاعدة أرسطو الذهبية على موقف كُلِّف فيه مصورون بالتقاط صور في جنازة شخص تغطي الأخبار وفاته لسبب أو لآخر. أحد ردود الفعل المتطرفة قد تكون أن يرفض مصورٌ أن يلتقط الصور لأن حضور مصور قد يُفاقِم حزن العائلة. وقد تكون هناك ردة فعل متطرفة أخرى، وهي أن يقرر صحفي أنه ما دامت الجنازة حدثًا ذا أهمية إخبارية، فينبغي أن يُسمَح للمصورين بالتحرك في أرجاء المكان بحرية، ملتقطين أي صور يودون التقاطها في أي وقت شاءوا. يقترح ليستر أن المصورين الملتزمين بالمعايير الأخلاقية سيجدون طريقة وسطًا بين طرفي النقيض هذين؛ إذ سوف يلتقطون صورًا في الجنازة، لكنهم سيرتدون ملابس لائقةً ويستخدمون عدسات ذات مدًى أبعد تسمح لهم بالبقاء في الخلفية قدر الإمكان. بالتماسه للوسط الذهبي، سيحصل المصور على الصور، ولكنه سيتجنب التسبب في إحداث ألم إضافي للعائلة.
يرى أرسطو وفلاسفة آخرون من الإغريق أن عيش حياة طيبة كان الهدف الطبيعي للبشرية. لقد اعتقدوا أن الناس عبر التعليم والتجربة والتفكير المنطقي يمكنهم تعلم كيفية عيش حياة طيبة. ولأن فلسفتهم كانت مستندة على تحرِّي الحياة العفيفة، يصفها بعض الكتاب العصريين على أنها «الأخلاق المستندة على العفة.»
(٣) العقد الاجتماعي وهوبز
يرى هوبز أن الجنس البشري فيما قبل التاريخ وجد نفسه يعيش في عالم يكتنفه الخوف المستمر، ويواجه دائمًا خطر وقوع حوادث الموت. للبقاء على قيد الحياة، اضْطُر البشر الأوائل إلى أن يكونوا عدوانيين، وأخذوا ما احتاجوا إليه، وسعَوْا إلى تخزين المواد الضرورية للحياة. في هذه الحالة الأصلية للطبيعة، كانت حياة البشر «انعزالية وبائسة وكريهة ووحشية وقصيرة»، طبقًا لهوبز. ومع ذلك، سعى الناس إلى السلام والرفاهية والحياة المديدة. من أجل إدراك هذه الأهداف، شكلوا تحالفات، وتعلموا أنه كان لشخصين فرصة أفضل للتصدي للحيوانات المتوحشة من فرصة شخص بمفرده، وتعلموا أنهم كانوا أكثر نجاحًا في التغلب على المجاعة والويلات الطبيعية الأخرى عندما اتفقوا على العمل معًا. دعا هوبز هذه الاتفاقات «العقود الاجتماعية». أبرم الناس هذه العقود الاجتماعية لسبب واحد بسيط وهو المصلحة الذاتية. اعتقد هوبز أن الناس كانت تدفعهم المصلحة الذاتية على نحو تام.
بَيْد أنه إذا كان الناس يفعلون ما هو أفضل بالنسبة لهم فحسب، فيبدو أن فلسفة هوبز يخالجها تناقض جوهري: إذا كان ما يدفع الناس هو المصلحة الذاتية فقط، فلِمَ ينبغي عليهم الالتزام بوعودهم؟ يبدو أنه سيكون من مصلحة المرء أن يقبل المساعدة، ولكن يرفض أن يمد يد العون للآخرين في المقابل.
أقر هوبز بالمشكلة، ولكنه اعتقد أن لديه إجابة؛ افترض أن صديقًا وثق بك لدرجة أنه ترك حافظة نقوده على الطاولة عندما خرجت من الغرفة لبضع لحظات، وما إن يذهب، حتى تكون أمامك إمكانية سرقة بعض نقوده. لو أخذت بضع ورقات مالية، فلن يلحظ فقدها من فوره. وبحلول وقت اكتشافه أن النقود فُقدت، من المستبعد أنه سيربط بينك وبين السرقة. النتيجة النهائية لخيانتك لثقة صديقك ستكون أنه قد صار لديك مال أكثر، ومن المرجح أنه يمكنك استخدامه لزيادة سعادتك. ومع ذلك، سيرفض معظم الناس فكرة سرقة المال، وخاصةً من صديق. زعم هوبز أن السبب في أن الناس لا يسرقون هو أنهم قد قرروا أن مخاطرة الإمساك بهم هي ببساطة كبيرة للغاية. المغامرة بخسارة صديق وأن توصَم سمعتهم بأنهم الأشخاص الذين سرقوا من صديق لا يستحق المال الذي قد يحصلون عليه.
مضى هوبز بهذه الفكرة خطوة أبعد. كان اعتقاده أن الجميع يريد أن يعيش كفرد كامل الأهلية في مجتمع مسالم ومزدهر ومستقر. يعتمد هيكل ذلك المجتمع على أناس يعيشون حياة يرقون فيها إلى مستوى عقودهم الاجتماعية. إذا نكثوا بوعودهم، فإنهم يخاطرون بالإضرار بسلام مجتمعهم. من أجل ذلك، يُسَلِّم الأشخاص العقلانيون بأنه من مصلحتهم، على المدى الطويل، الوفاء بوعودهم، في معظم الأحيان.
على غرار الإغريق، اعتقد هوبز أن معظم الناس يمكنهم استخدام العقل للفصل بين التصرف الصحيح والخطأ. وتصور أن العيش في حياة تستند على الأخلاقيات سيصبح أمرًا معهودًا. ومع ذلك، سلَّم بأن بعض الناس سَيُخِلُّون بعقودهم الاجتماعية بارتكابهم الغش أو السرقة. في المجتمعات الصغيرة البدائية سيجد الناس في الجماعة طرقًا لإجبار الآخرين على التقيد بعقودهم الاجتماعية أو مغادرة الجماعة. ولكن في المجتمعات الأكبر والأكثر تعقيدًا، فإن وجود الحكومات أمر ضروري. اعتقد هوبز أن دور الحكومة هو إنفاذ القوانين لضمان أمن ورفاهية مواطنيها.
اتفق فيلسوف إنجليزي آخر، وهو جون لوك، على أن الحكومات تتشكل عبر العقود الاجتماعية. إلا أن لوك أضاف الفكرة القائلة بأن هذه العقود تأخذ مسارها في الاتجاهين؛ فالحكومة توجد لضمان الأمن والرفاهية ولديها سلطة على الناس. ولكن إذا لم تنجز تلك الحكومة ذلك الدور، يمكن للمواطنين تغييرها. كان لفكر هوبز ولوك أصداء على الإعلان الأمريكي للاستقلال، وأقر توماس جيفرسون وتوماس بين بأنهما تأثرا بكتابات لوك.
استنادًا على نظرية العقد الاجتماعي، يمكن للصحفيين أن يتعلَّموا الموازنة بين فوائد ومخاطر سلوكهم. على سبيل المثال، قد يود المراسلون أن يستخدموا وسيلة سرية للحصول على خبر مهم، ولكنهم إن فعلوا ذلك، فإنهم معرضون/يواجهون خطر إعراض الجمهور عنهم؛ ومن ثَم تراجع قدرتهم على التأثير في المجتمع. يمكن للصحفيين أن يستخلصوا درسًا آخر من هوبز؛ فإدراكًا من هوبز بالطبيعة التنافسية للإعلام الإخباري، فقد دعا على الأرجح إلى قواعد أخلاقية حازمة وقوانين صارمة فيما يتعلق بالتشهير والخصوصية كأساليب لضمان تقيد الصحفيين بعقودهم الاجتماعية.
نادى جون رولس، الأستاذ بجامعة هارفرد، بنسخة للقرن العشرين من نظرية العقد الاجتماعي؛ فقد اعتقد أن الناس يصنعون باستمرار عقودًا اجتماعيةً مع كل شخص يلاقونه؛ فالطلاب يشكلون عقودًا اجتماعية مع أساتذتهم، ومع كل واحد من رفاقهم في الصف، ومع رفقائهم في المسكن، وهكذا. اعتقد رولس أنه ينبغي علينا أن نحاول أن نجعل كل عقد من هذه العقود سليمة أخلاقيًّا.
ما الذي تعنيه عبارة «سليم أخلاقيًّا»؟ طرح رولس اختبارًا: قبل أن يقرر الناس ما سيفعلونه، ينبغي عليهم النظر في مساراتهم المحتملة من الإجراءات كما لو كانوا لا يعرفون أي دور سيلعبونه في أي موقف. أشار رولس إلى هذا بأنه كالوجود تحت «ستارٍ من الجهل» واستخدم مثالًا ليوضح فكرته. افترض أنه طُلِب منك أن تقطع كعكة عيد ميلاد. أنت تحب الكعك وتقرر أن تقطع قطعة أكبر لنفسك وقطعًا صغيرةً للباقين جميعهم. أما إن لم تكن تعرف أي قطعة ستكون من نصيبك، فبدلًا من أن تجازف بأن تحصل على قطعة صغيرة فقد تقرر أن أفضل مسار إجرائي لك هو أن تُقطِّع القطعَ بالتساوي. فكرة رولس تتمثل في أن الناس ينبغي عليهم النظر في عواقب سلوكهم من منظور جميع الأشخاص المعنيين.
ثمَّة درس يمكن أن يتعلمه الصحفيون من رولس وهو أن أخبارهم ذات أثر كبير على الكثير من الناس. يدعو علماءُ الأخلاق كلَّ شخصٍ يتأثر بفعل ما بأنه «شريكٌ معني.» وكل موضوع إخباري له العديد من الشركاء المعنيين. وعندما يُجري الصحفيون مقابلات، فإنهم يصيغون عقودًا اجتماعية مع مصادرهم. يوافق المصدر ضمنيًّا على أن يقول الحقيقة، ويوافق المراسل على أن ينقل حديث المصدر بالضبط. وحينما يجري كتابة الخبر، يتنامى بسرعة عدد الشركاء المعنيين؛ فالأشخاص المذكورون في الخبر هم شركاء معنيون، بالإضافة إلى عائلاتهم ولربما المنظمات التي ينتسبون إليها. قد يعتقد الأشخاص الذي يمتلكون وجهات نظر معاكِسة أنهم قد أُضيروا لأن آراءهم انتُقِص منها أو أُغفِلَت كليةً. المؤسسة الإخبارية التي يعمل بها المراسل هي شريك معني. وبمعنًى أوسع، مهنة الصحافة شريك معني. وأكبر الشركاء المعنيين في موضوع إخباري هو الجمهور؛ فهم يعتمدون على المراسلين ليوضحوا لهم ما يجري.
تعزز نظرية رولس شعورًا بالنزاهة بمطالبة الصحفيين بأن ينظروا في الأثر الذي قد تتركه ممارساتهم على كل هؤلاء الشركاء المعنيين؛ ومن ثَمَّ يُقَدِّرون القيمة الأخلاقية للخبر. بالطبع، لا يستطيع المراسلون تجنب الإضرار ببعض الشركاء المعنيين؛ فيمكن لسفَّاحٍ، على سبيل المثال، أن يجادل بأن نقل خبر جريمته سيضر بسمعته ويشين عائلته. من فوائد تطبيق نهج ستار الجهل لرولس هو تحديد كل الأشخاص الذين قد يتأثرون بالخبر، ومحاولة تجنب إلحاق الضرر بأي منهم دونما سبب وجيه.
(٤) جون ستيوارت مل والنفعيون
نشأ جون ستيوارت مل في عالم من الفلسفة؛ فقد كان كل من أبيه، جون مل، وأبيه الروحي، جيرمي بنثام، فيلسوفًا. مثل الكثير من الآباء، أراد جون مل أن يسير ابنه على نهجه؛ فابتكر خطة تعليمية حسِب أنه من المؤكد أن من شأنها أن تنتج فيلسوفًا عظيمًا. بدأ مل تعليم ابنه اليونانية عندما كان عمره ٣ أعوام، واللاتينية عندما كان عمره ٨ أعوام. وبحلول فترة مراهقته، كان يصحح أبحاثًا فلسفيةً للنشر. تمنى والده أن يدعم ابنه فلسفة تُدعى النفعية؛ وهي فلسفة كان قد أوجدها هو وبنثام. ولكن، كما يحدث عادةً، لم يسر جون الشاب على نهجه. في عقده الثالث، رفض جون ستيوارت مل أوجهًا كثيرة من نظرية النفعية لوالده وبنثام، وابتكر نسخته الخاصة به. قدمت كتبه — وبخاصةٍ كتاب «عن الحرية وكتاب «النفعية» وكتاب «استعباد النساء» — إسهامات بالغة في الفلسفة السياسية الغربية وعلم الأخلاق.
من المبادئ العامة لنظرية النفعية أن الجميع ينبغي أن يجرب أن ينتهج طريقة ستحقق أعظم نفع لأكبر عدد. اختلف النفعيون فيما بينهم حول درجة صرامة تطبيق هذه المبادئ، بل حول تحديد «النفع الأعظم». زعم والد مل وبنثام أن ألعاب الأطفال أفضل من مشاهدة عرض في الأوبرا؛ لأن الألعاب تحقق سرورًا أكبر لأُناس أكثر. غير أن مل جادل بأنه كان ثَمَّة لذات أعلى وأدنى؛ فغير المتعلم قد يبدو مسرورًا بمتعة أدنى، ولكن البالغين المتعلمين يفضلون المتع الأعلى التي تتمثل في الاستقلالية والعقلانية في الحكم على الأمور. لذلك، فهو قد يدعم الإنفاق المجتمعي على كل من الألعاب وعروض الأوبرا حتى وإن كان عرض الأوبرا سيروق لعدد أقل من الناس.
يرى النفعيون أن عواقب أفعالنا هي الأمر الأكثر أهمية؛ فلنفترض أن مراسلًا يحاول أن يكشف الحقيقة بشأن مسألة صحية مهمة. ولنفترض أنه — من أجل أن يحصل على الخبر — يحتاج لأن يسرق سجلات المرضى الصحية من أحد المستشفيات؛ هل السرقة هي التصرف السليم الذي من شأنه فعله؟ يرى الكثير من النفعيين المتشددين أن الإجابة تحددها النتائج؛ فلو أنه يكتب خبرًا يؤدي حقًّا إلى تحسينات في نظام الرعاية الصحية، فإنه إذن قد أحسن التصرف. ولكن لنفترض أن السخط العام بشأن سرقة المراسلين للوثائق الخاصة بالغ إلى درجة أن مسألة الصحة قد أصبحت طي النسيان؛ إذن فأفعاله لا ينتج عنها كثير نفع وقد تعيق إجراء تحقيقات مستقبلية. من وجهة نظر الكثير من النفعيين، فإن مسلكه في هذه الظروف ليس حسنًا.
يعتقد نفعيون آخرون أن بإمكانهم إيجاد نوع من التحليل الرياضي لتحديد الصواب والخطأ؛ إذ ينظرون إلى مقدارَي النفع والضرر الذي قد يؤدي إليهما فعلٌ ما. ويعدون عدد الناس الذين سينتفعون من الفعل أو عدد الناس الذين سيتضررون منه عاملًا مهمًّا؛ وبناءً على ذلك يختارون الإجراء الذي يُعَظِّم النفع. ومع أن استخدام معادلة شبه رياضية لتقرير الصواب والخطأ قد يبدو مستغربًا، فإن استخدام البحث العلمي والرياضيات بالتأكيد يلعب دورًا في الكثير من القرارات. عندما يحاول الأصدقاء اختيار فيلم أو مطعم ما، قد ينتقون ذلك الذي يجده معظمهم مقبولًا، أو على الأقل الذي يجده أقل عدد منهم غير مقبول. على نطاق أوسع، يُقيِّم القادة السياسيون النزهاء منافع الخطط المقابِلة قبل اتخاذهم للقرارات. إذا كان لزامًا عليهم أن يختاروا عند إنفاقهم لأموال الضرائب بين توظيف المزيد من ضباط الشرطة أو إنشاء طرق جديدة، فإنهم يحاولون أن يجمعوا معلومات، ويختاروا ذلك الذي يحقق منفعة أكبر للمجتمع.
يختلف الناس الذين يقبلون النفعية كنموذج أخلاقي فيما بينهم في الرأي حول مسألة أساسية: هل ينبغي أن يسري المعيار على الأفعال الفردية أم على القواعد العامة؟ وكثيرًا ما يُعبَّر عن الخلاف في فرضية مبالغ فيها بمثل هذه الفرضية التالية: لنفترض أن مستشفًى يضم مرضى عديدين في حاجة ماسة إلى زراعة أعضاء؛ وأحدهم سيموت إذا لم يُزرع له قلب جديد، وآخر يحتاج إلى كُلية جديدة، وثالث يجب أن يحصل على كبد جديد، ورابع يجب أن يحصل على عينين جديدتين، وهكذا. إلا أن المستشفى لا يمكنه أن يجد متبرعين يمكن لأعضائهم أن تُزرع بنجاح في أجساد هؤلاء المرضى. بعدئذ يعثرون على مريض موجود فعليًّا في المستشفى ومن شأنه أن يكون متبرعًا مثاليًّا، وهو شخص بلا مأوى، وليس له أصدقاء أو أسرة، وفي حالة غيبوبة لا شفاء منها، ويموت ببطء. أيكون أخلاقيًّا أن يُسرِّع الأطباء موت الرجل كي يستطيعوا الحصول على أعضاء جسده؟ (يعارض معظم النفعيين القتل، ويجادل الكثيرون بالقول إنه يصعب معرفة ما سيفعله شخص ما بما تبقى من حياته. في هذا المثال الافتراضي، الرجل في غيبوبة ويُشرف على الموت.)
من شأن أتباع مذهب «نفعية الفعل» أن يحكموا على عواقب الفعل؛ فتسريع موت الرجل من شأنه أن يؤديَ إلى إنقاذ حياة العديد من الناس؛ ومن ثم جلب السعادة إلى عشرات من الأصدقاء وأفراد الأسرة. وهكذا، إذا تبع أتباع مذهب نفعية الفعل مذهبهم بدقة، فقد يقررون أن تسريع موت الرجل المُشرَّد هو التصرف السليم الذي ينبغي فعله.
ومع ذلك، قد يكون لأتباع مذهب «نفعية القاعدة» آراء مختلفة؛ فهم يحكمون على فعل ما بالعواقب التي قد تنشأ إذا ما أصبح الفعل هو القاعدة التي يعيش وفقها الناس. في مثال المستشفى، قد يطرحون هذا السؤال: ماذا ستكون العواقب إذا عرف الجميع أن الأطباء لديهم قاعدة تقول إنه بإمكانهم قتل بعض المرضى من أجل الحصول على أعضاء لمرضى آخرين؟ من المحتمل أن يتردد الكثير من الناس في طلب المساعدة الطبية لأنفسهم ولأحبائهم. قد تكون المحصلة النهائية أن الكثير من الناس لن يتلقوا علاجًا لأسقامهم. قد يقول أتباع مذهب نفعية القاعدة إن القاعدة في هذه الفرضية لن تكون ذات منفعة للمجتمع ومن ثَم لن يكون الحصول على أعضاء الرجل المُشرَّد أمرًا صائبًا.
يرمي خصوم النفعية نحوها بالعديد من الانتقادات. أحد الانتقادات أنه من الصعب التنبؤ بعواقب أفعالنا، حتى القرارات البسيطة يمكن أن يكون لها نتائج غير متوقعة. قد يعتقد مراسل أن خبرًا حول انتحار مراهق سيؤدي إلى أن تعي المدارس والناس حجم المشكلة ويقدمون يد العون للشباب المصاب بالاكتئاب. إلا أن الخبر قد يكون له أثر غير مقصود وهو إطلاق موجة من حالات الانتحار «المُقَلِّدة».
وهناك نقد آخر وهو أنه من الصعب تقييم مسائل المنفعة الأكبر بموضوعية. في واقع الأمر، ينبغي على الفرد أن يقرر ما هو الأفضل للآخرين. التاريخ مليء بأمثلة لأمة أو مجموعة ما من الناس يتخذون قرارات يعتقدون أنها ستحسن من حياة الأمم أو المجموعات الأخرى؛ غالبًا ما تكون النتائج كارثيةً.
أخيرًا، الكثير من الناس غير راضين عن المبدأ الرئيسي للنفعية؛ فالنفعيون معنيون في المقام الأول بعواقب فعل ما، وليس بنوايا أو دوافع الشخص. فلنفترض أن شخصين فازا باليانصيب؛ أحدهما ينغمس في الإنفاق ببذخ وفي غضون بضعة شهور يصير مفلسًا؛ والآخر يقرر أن يستخدم كل المال لبناء مأوًى للأطفال الذين تعرضوا للاعتداء. لِلأسَف، يُدمِّر حريقٌ المأوى — الذي لا تأمين له — قبل أن يكتمل بناؤه، ويغدو الشخص بلا مال ولا مأوى. عواقب فعلَي هذين الشخصين متشابهة: لم يحقق أي منهما الكثير من النفع من مكاسبهم. ومع ذلك ينضم الكثير من الناس إلى وجهة النظر التي ترى أفعال الشخص الثاني بنظرة أكثر إيجابية. في واقع الأمر، ينتقل الكثيرون بالتركيز في تقرير الموضوعات الأخلاقية من النتائج إلى دوافع ونوايا القائمين بالفعل.
(٥) كانط والضرورة الحتمية
كان إيمانويل كانط ألمانيًّا عاش تقريبًا في نفس الحقبة التي عاش فيها جون ستيوارت مل. على العكس من النفعيين، زعم كانط أن النوايا — استخدم هو لفظة «النية الحسنة» — ينبغي أن تكون أساس الأحكام الأخلاقية؛ فإذا قام المرء بأفعال نابعة من نية حسنة، اعتبر كانط هذه الأفعال أخلاقية، بصرف النظر عن العواقب.
تصرف كما لو كانت القاعدة العامة لفعلك ستصبح عبر إرادتك قانونًا كونيًّا من قوانين الطبيعة.
يعني كانط أننا ينبغي أن نتخذ قرارات أخلاقية كما لو أننا نصنع قوانين أو قواعد ينبغي أن يتبعها الجميع، وقدم بعض الأمثلة عن كيفية تطبيقه لأخلاقياته؛ فلنفترض أنك مفلس وبلا عمل، وليس أمامك فرصة للعمل، هل تقترض مالًا رغم علمك بأنك لن تستطيع رده مُطلقًا؟ يرى كانط أنه لا ينبغي عليك أن تفعل ذلك، ويطبق الضرورة الحتمية هكذا: فكرة القرض — وليس الهدية — هي أن القرض سوف يُسدَّد. إذا كانت نية الشخص هي عدم سداد القرض، فإن مفهوم القرض نفسه مدمَّر. إذا ما أصبح اقتراض المال دون وجود نية لسداده هو القاعدة، فلن يُقدم أحد على إقراض أحد مالًا.
كما طبَّق كانط نظريته عن الضرورة الحتمية على نقض الوعود والكذب. ماذا لو استُحدثتْ قاعدة في المجتمع مفادها أن الناس يمكنهم أن ينقضوا الوعود وأن يقولوا أكاذيب وقتما يشاءون؟ سرعان ما سيتوقف الناس عن تصديق الآخرين أو سيُتوقع منهم ألا يوفوا بوعودهم. لو أن قاعدة وُضعت لتبيح الكذب في العالم كله، فلن يصبح للتمييز بين الكذب وقول الحقيقة أهمية.
على خلاف مِل واليونانيين، لم يجادل كانط بأن فعل الصواب سيحقق بالضرورة منفعة لشخص ما. اعتقد كانط أنه لا ينبغي أن يُحكَم على الأفعال على أساس عواقبها. لذا فإن انتفاع أي شخص — يشمل هذا الشخص الذي يقوم بالفعل — مِنْ فِعْلٍ ما ليس أمرًا ذا أهمية. اعتقد كانط أن الاختبار الحقيقي للأخلاق هو هل الناس يفعلون الصواب، حتى وإن كان ذلك ضد مصلحتهم الشخصية. بسبب تركيزه على تلك النقطة، عادةً ما يطلَق على منهجه «الأخلاقيات القائمة على أساس الواجب.»
يدرك الكثير من الصحفيين مدى أهمية الأخلاقيات القائمة على أساس الواجب، ويقولون إن من واجب الإعلام الإخباري أن يُقدِّم للجمهور كل المعلومات الصادقة، وذات الأهمية الإخبارية؛ ففي نهاية الأمر، إطلاع الجمهور هو السبب الذي من أجله نمتلك إعلامًا إخباريًّا (على العكس من وسائل الإعلام الإعلانية ووسائل الإعلام الترفيهية). إذا لم يؤدِّ الصحفيون هذا الواجب، فإن الإعلام الإخباري بذلك لا يُسَوِّغ الأساس المنطقي لوجوده. هذه الفكرة مترسخة جيدًا لدى معظم الصحفيين. عندما يكونون بصدد اتخاذ قرار بشأن هل ينبغي تقديم خبر ما للجمهور، يبدأ معظمهم بالافتراض أنها إن كانت صادقة، فيجب أن تُقدَّم للجمهور. ويتراجعون عن هذا الاستنتاج فقط بعد اقتناعهم بأن ثمة أسبابًا مقبولة لئلا يُنقَل الخبر.
تتضح أيضًا الأخلاقيات القائمة على أساس الواجب عندما يُؤْثِر الصحفيون دخول السجن على الكشف عن مصادرهم أو إعطاء المسئولين الحكوميين مسوداتهم. حتى حينما يكون من المحتمل أن يحقق الكشف عن المعلومات هدفًا عامًّا (كالمساعدة في تحقيق العدالة في محاكمة ما، على سبيل المثال)، يعتقدون بأن من واجبهم أن يتبعوا القاعدة القائلة بأن الصحفيين ينبغي أن يظلوا مستقلين عن الحكومة وأن يوفوا بوعودهم.
(٦) اتخاذ قرارات أخلاقية
الخطوة الأولى في صندوق بوتر: هي تحديد المشكلة. لنفترض أن طالبة تتهم أستاذًا جامعيًّا بسوء سلوكه الجنسي، وتطلب من محرري صحيفة الحرم الجامعي أن يكتبوا خبرًا. قبل أن يتخذوا قرارًا، يحتاجون لمعلومات أكثر حتى يمكنهم فهم الموقف. أطلق بوتر على هذا البحث «التعريف التجريبي». من المحتمل أن يتساءلوا عمَّا إن كان المصدر جديرًا بالثقة، أو إن كان لدى الطالبة أي وسيلة لإثبات أن الواقعة قد جرت، أو إن كان للطالبة مأرب شخصي، أو إن كانت الطالبة توجهت إلى رئاسة القسم أو الجامعة بشأن المشكلة. سيرغبون في إجراء مقابلة مع الأستاذ الجامعي حول الاتهامات. وكجزء من جمع المعلومات من أجل هذا التعريف التجريبي، سيضع المحررون في اعتبارهم كل الشركاء المعنيين بالموقف؛ من الذي سيؤثر الخبر فيه؟
الخطوة الثانية في صندوق بوتر: هي تحديد القيم التي ينبغي أن تلعب دورًا في اتخاذ قرار ما. سيرغب المحررون في مراعاة بعض القيم المهنية، وقد يعتقدون أن دور الإعلام الإخباري هو توفير معلومات صادقة. هم يعتقدون أنه من المهم للوسيلة الإعلامية أن تكون عادلة، وقد يتصورون أن دور الوسيلة الإعلامية هو تصحيح الأخطاء، وقد تؤخذ في الحسبان أيضًا القيم الشخصية كالنزاهة والثقة والعدل.
-
كان النفعيون سيريدون منهم النظر في العواقب؛ هل سيستفيد المجتمع من الخبر؟ هل سيفوق مقدار النفع الذي سيلحق بالمجتمع الضرر الذي قد يسببه الخبر؟
-
كان كانط سيطلب منهم أن يأخذوا في اعتبارهم نواياهم من نشر الخبر، وكان سينبههم إلى أن ينظروا إلى ما قد يحدث لو تصرف الجميع بالطريقة التي يفكرون في التصرف بها.
-
كان هوبز سيشجعهم على النظر إلى العقود الاجتماعية التي بينهم وبين الشركاء المعنيين المختلفين.
-
كان رولس سيطلب منهم أن يضعوا ستارًا من الجهل، وأن ينظروا إلى الموقف في ضوء كل الأشخاص المتصلين به. ماذا لو كانوا هؤلاء المعنيون هم الطالبة المتورطة في الموقف؟ أو كانوا هم الأستاذ الجامعي؟ أو طلبة آخرين في الحرم الجامعي؟ أو إداريين بالحرم الجامعي؟ أو صحفيين آخرين؟ أو مديري الصحيفة ومالكيها؟ أو آباء الطلبة؟ أو سكان المدينة؟
-
كان أرسطو سينصح بأن يتجنبوا السلوك المتطرف. لربما يقع أفضل إجراء في موضع ما بين نشر كل المعلومات وعدم كتابة الخبر، ولربما يكون ثمة أخبار أخرى يمكن أن تُكتَب يكون من شأنها تحقيق الهدف المنشود.
الخطوة الرابعة في صندوق بوتر: هي تحديدك لولاءاتك. في هذا الموقف، يصبح العديد من الولاءات مؤثرًا؛ فلدى المحررين الولاءات المهنية التي تقترن مع كون المرء صحفيًّا، ولديهم أيضًا ولاءات نحو الطالبات اللائي كن قد تعرضن للتحرش، ونحو مصدر المعلومات ونحو الكلية ونحو زملائهم. لديهم ولاءات نحو ما تمليه عليهم ضمائرهم، ونحو مصلحتهم.
وأخيرًا، بعد أن تضع نتائج الخطوات الأربعة كلها، يجب عليك أن تتخذ قرارًا. إذا ما طَبق كل فرد هذه الخطوات الأربع، هل سنصل جميعنا إلى نفس النتيجة بشأن ماهية التصرف الأخلاقي؟ لا؛ فمقصد الأخلاق ليس بالضرورة حمل الجميع على الاتفاق على نفس الإجراء. تكمن قيمة هذه المبادئ التوجيهية في أنها تتطلب منك أن تتخذ قرارًا مدروسًا ومستنيرًا بدلًا من اتخاذ قرارات متسرعة بلا تدبر. ستكتشف من آنٍ لآخر أن رد فعلك المبدئي تجاه مشكلة أخلاقية ما يتغير مع تناولك لها بعمق أكبر.
قراءات إضافية
-
Almond, Brenda (1998) Exploring Ethics: A Traveller’s Tale, Oxford: Blackwell Publishers.
-
Darwall, Stephen (1998) Philosophical Ethics, Boulder, CO: Westview Press.
-
Singer, Peter (ed.) (1993) A Companion to Ethics, Oxford: Blackwell Publishers.
-
Sterba, James P. (2000) Ethics: Classical Western Texts in Feminist and Multicultural Perspectives, Oxford: Oxford University Press.