الفصل السادس
تلفيق الأخبار
أسرع مراسل أجنبي يعمل لحساب صحيفة أمريكية ومسئولٌ في الحكومة الإسرائيلية، في سيرهما
وهما
يتفاديان المارَّة في شارع مزدحم في القدس، في طريقهما للغداء في مطعم بيتزا شهير. حينما
وصلا إلى هناك، كان المطعم ممتلئًا عن آخره، وكان الناس يتدافعون بالمناكب ليمروا من
خلال الباب. تقدَّم شاب — يرتدي قميصًا قصير الأكمام، ويضع حقيبةً سوداء في خصره، ويبدو
أنه آتٍ لتناول الغداء — على المراسل. بدأ المراسل والمسئول في البحث عن مطعم آخر؛ إذ
استقر رأيهما على أن المكان كان مزدحمًا للغاية.
بعد أن سارا أقل من ٣٠ ياردة، سمعا دويَّ انفجار؛ كان الشاب قد فجر قنبلة بداخل المطعم،
وهو ما خلَّف مشهدًا مروعًا. كتب المراسل في التحقيق الذي نشرته صحيفته:
تساقطت أذرع الضحايا وأرجلهم كالمطر في الشارع، وقُذِف ثلاثة رجال — كانوا
يتناولون البيتزا بالداخل — خارج المطعم وهم على الكراسيِّ التي كانوا يجلسون
عليها. عندما اصطدموا بالأرض، انفصلت رءوسهم عن أجسادهم، وتدحرجت في
الشارع.
رأى المراسل أن عيونهم كانت لا تزال ترمش؛ ما زاد من الرعب الذي كان يشعر به. كان
الشارع ممتلئًا بالمصابين، ولمح المراسل رجلًا تخترق صدغه قطعةٌ طويلةٌ من زجاج مكسور،
وشابًّا آخر مصابًا كان ينزف بغزارة «من حيث كانت أعضاؤه التناسلية موجودة في
السابق.»
ثم بدأ شرطي وعمال إنقاذ في الوصول. سنحت للمراسل فرصة أن يحتك احتكاكًا مباشرًا
بالحياة اليومية في هذه البؤرة المضطربة، ووصف ذلك في تحقيقه هكذا:
فجأة، ركض رجل فلسطيني حتى وصل إلى إسرائيلي مصاب كما لو كان يساعده؛ فلكز
جندي إسرائيلي الفلسطيني في صدره ببندقيته، مسقطًا إياه على الأرض.
«أنا ممرِّض! أنا ممرِّض!» صاح الفلسطيني. وما إن نهض حتى دفعه جندي إسرائيلي
آخر قبالة حائط، وأمسك به من عنقه، وألقى القبض عليه.
وساقه جنديان آخران، وهما يضربانه في رأسه أثناء سيرهما.
1
نادرًا ما يكون الصحفيون شهود عيان على الأخبار العاجلة، أما جاك كيلي من صحيفة «يو
إس إيه توداي»، فقد رأى كل شيء في يوم عمل واحد.
قبل ذلك بعامين في منطقة البلقان، كان يتبع زمرة من مقاتلي جيش تحرير كوسوفو أثناء
شروعهم في نصب كمين للصرب. ساق الجنود قطيعًا من الماعز أمامهم لتفجير أي لُغْم أرضي
وهم يسيرون في طريقهم، صاعدين ممرات جبلية جليدية، وأتَوْا على قرية تتعرض للهجوم. قال
كيلي إنه صُعق عند سماعه أصوات جنود المليشيات الصربية «يتحدثون ويضحكون في الوادي
الهادئ بينما يُضرمون النار في قرية.» ثم فتح القناصة الصرب النار على مقاتلي جيش تحرير
كوسوفو؛ فاختبأ كيلي خلف جلمود صخر والرصاصات تدوِّي من حوله.
لاحقًا، في مقابلة مع مجلة «أمريكان جورناليزم ريفيو»، قصَّ أنه شاهد قذيفة انفجارية
تمزق جسد أحد مرافقيه، وقال لمُجري المقابلة إنه بدأ في الصلاة. وكان قد رأى ما حدث
لآخرين كانوا قد وقعوا في أسر الصرب: شُقَّت حناجرهم، وأُخرجت عيونهم من محاجرها،
وأُخصي الرجال. وقال: «لقد صدقت حقًّا أنهم سيطاردوننا ويقتلوننا جميعًا.»
لماذا يجب على رجل أن يقدم على مخاطرة كهذه قبل أقل من أسبوعين على يوم زفافه؟ قال
لمُجرِي المقابلة: «لم أثق بحلف الناتو … لم أثق بالدعاية العدائية ضد جيش تحرير
كوسوفو؛ أردت أن أرى بنفسي.» ولكن استخلاص القصة ترك أثره عليه؛ إذ قال:
أنا لا أنام، وحينما أفعل، أُعاني من كوابيس؛ لا يمر يوم إلا وأحيا فيه تلك
الأحداث من جديد. أسوأ شيء كان رؤية تلك القذيفة الانشطارية تسكن في عنق سكالا.
إنني حقًّا رأيتها تصيبه؛ لقد قطعت قصبته الهوائية.
2
أتاحت قدرة كيلي على التواجد في المكان المناسب في الوقت المناسب أن تمتلئ كتابته
بالتفاصيل المذهلة التي شكَّلَت وعي الكثيرين من القراء بالأحداث الدولية. وفي تحقيق
صحفي من مدينة الخليل كتب يقول:
بعد صلاة وجيزة، ارتدى آفي شابيرو و١٢ آخرون من المستوطنين اليهود طاقياتهم
الدينية، وأمسكوا ببنادقهم نصف الآلية، وتوجهوا صوب طريق شارع ٦٠ … وبينما جثموا
في خندق على جانب الطريق، أعطى شابيرو قائد المجموعة تعليمات للمستوطنين أنْ
«طوِّقوا أي سيارة أجرة، «وافتحوا النار» على هؤلاء «العرب الغاصبين»، واقتلوا أكبر
عدد ممكن منهم.»
3
جعل تحقيق كيلي النابض بالحياة من آفي شابيرو التجسيد للإسرائيليين المقاتلين
المعادين للعرب.
بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر بوقت قصير، كان كيلي في المكان المناسب من أجل تحقيق
كبير آخر؛ فقد عثر على مدرسة إسلامية في باكستان حيث يُهيَّأ التلاميذ لليوم الذي يمكنهم
فيه أن يصبحوا انتحاريين. قال إن أحد التلاميذ أخبره قائلًا: «سأنال من أطفالك، سأنال
من ساحات لعبهم، سأنال من مدارسهم كذلك. سأنال منكم جميعًا.» ثم رفع تلميذ آخر صورة
لأبراج سيرز في شيكاجو وقال: «هذا المبنى من نصيبي.»
4 مرة أخرى، يستمر أثر تحقيق كيلي لفترة طويلة بعدما أشار كُتَّاب أعمدة
ومدونون إلى «فتى سيرز» كنموذج لعقلية الثقافة الباكستانية.
5
كتب كيلي عشرات من التحقيقات الإخبارية الهائلة، واعتبره كثيرون أرفع مراسلي صحيفة
«يو إس إيه توداي». رشحه محررو الصحيفة لجوائز بوليتزر خمس مرات. كانت المشكلة أن
الكثير من قصصه المختَلَقة إما لم تكن حقيقية أو كانت منمَّقة كثيرًا: لقد قتل انتحاريٌّ
الكثيرَ من الناس في مطعم بيتزا، لكن لم تنفصل رءوس عن أجسادها، ولم يشبه الانتحاري على
الإطلاق الرجل الذي وصفه كيلي. وكشفت تحريات قامت بها صحيفة «يو إس إيه توداي» أنه لم
يذهب مطلقًا إلى مدرسة باكستانية كما لم يتسنَّ التحقق من وجود آفي شابيرو. وكما أوضح
كثيرون، إنه لأمرٌ مستبعَد أن يتلو يهودي متدين صلواته قبل أن يلبس طاقيته التقليدية.
كشفت صحيفة «يو إس إيه توداي» عن العديد من التناقضات الجوهرية الأخرى في تحقيقات كيلي
تعود إلى عام ١٩٩١م.
6
توضح أفعال كيلي واقعًا مؤسفًا: فبعض الصحفيين يتورطون في انتهاكات مخزية في نقلهم
للأخبار؛ فيصطنعون أخبارًا، أو ينتحلون أو يلفقون استشهادات، أو ينمقون الوقائع. هذه
الأنواع من التزييف نادرة، إلا أن مجرد وقوعها هو أمر مقلق لأولئك الذين ينشدون صحافة
أكثر أخلاقية.
(١) اصطناع الأخبار
فيما مضى، اسْتَمْرَأت الصحف اختلاق الأخبار لقرائها، حتى بنجامين فرانكلين لفَّق
أخبارًا لصحفه ذات الشعبية الكبيرة. بعد الثورة الأمريكية، كان من المعتاد أن يخترع
الصحفيون أخبارًا لمهاجمة الساسة الذين لا يلقَوْن تأييدًا من صحفهم. قد يكون الخداع
الصحفي الفج وصل إلى أقصاه عام ١٨٣٥م عندما اكتشفت صحيفة «نيويورك صن» «رجال وطاويط»
على القمر. ساعدت التحقيقات المستفيضة — التي تكملها رسوم لمخلوقات مجنحة تشبه
البشر — صحيفة «نيويورك صن» على تحقيق أكبر توزيع لصحيفة يومية في العالم، وبعد أن
فُضِح الخداع، قال محررو الصحيفة للقراء إنها كانت فترة عانت من قلة الأخبار، وإنهم
أرادوا فقط أن يملئوا أيام قرائهم بهجةً وسرورًا.
تعلم المؤسسات الإخبارية أن قراء هذه الأيام أقل مغفرة، إن اصطناع الأخبار لا
يقوض وظيفة نقل الحقيقة التي تضطلع بها الصحافة فحسب، بل إنه أيضًا يخرق الثقة بين
المراسلين والمحررين. في معظم المؤسسات الإخبارية، يقرأ المحررون نسخًا، ويبذلون
أكبر قدر ممكن من التحقق من الوقائع. إلا أنه في الصحافة اليومية نادرًا ما يوجد
لديهم وقت كافٍ للتحقق من كل واقعة؛ فيكون واجبًا على المحررين أن يثقوا بمراسليهم.
وتكون ردة فعلهم الغريزية الأولى عندما يتصدَّوْن لتحقيقٍ ما أن يساندوا مراسليهم،
وعندما يكتشفون أن الثقة قد تعرضت للخيانة، يكون رد فعل بعض المحررين فوريًّا؛ فقد
كشفت دراسة أن نحو ثلثي المراسلين المذنبين يُفصلون فورًا.
7 ويُعطى الآخرون تحذيرات شديدة. في الحالات الحرجة، يتعرض المحررون
أيضًا للفصل. استُبدِل محرر صحيفة «يو إس إيه توداي» بعد كشف إخفاق كيلي الذريع
بوقت قليل.
أُسقِط اثنان من أكبر محرري صحيفة «ذا نيويورك تايمز» جراء الأفعال المشينة التي
ارتكبها مراسل منفلت آخر. كان جيسون بلير يتقدم تقدمًا سريعًا في صحيفة «ذا نيويورك
تايمز»، ومع أن المحررين الأدنى كان لديهم مخاوف بشأن عمله، إلا أنه استمر في تلقي
مهام مميزة، لا سيما لمراسل صغير مثله. ثم ظهرت الحقيقة. جمَّع محققو صحيفة «ذا
نيويورك تايمز» قائمة مذهلة من عمليات الاحتيال الصحفي التي ارتكبها بلير، وفي تحقيق
صحفي في الصفحة الأولى، أوردت الصحيفة أنه «قدَّم برقيات زُعِم أنها مرسلة من
ماريلاند وتكساس وولايات أخرى — في حين كان في نيويورك أغلب الأحيان — وتعليقات
مصطنعة ومشاهد مفتعلة وموادَّ منقولة من صحف ووكالات أنباء أخرى.» بدلًا من الذهاب
إلى موقع الحدث، كان من شأنه أن يطالع الصور الفوتوغرافية والتقارير الإخبارية
التليفزيونية، ثم يصف مواقع الأحداث كما لو كان هناك بالفعل، مُضيفًا تعليقًا أو
تعليقين من مصدر تخيلي، أو مستعيرًا استشهادًا من تقارير إخبارية لمراسلين آخرين. ووقت
فصله من الصحيفة، اكتشف باحثو صحيفة «تايمز» مشكلات خطيرة في ٣٦ من التحقيقات
الإخبارية الثلاثة والسبعين التي كان قد كتبها لمكتب الأخبار الوطني.
8 وبعد نحو شهر من فصل بلير، استقال محرر مجلة «تايمز» هويل رينز ومدير
التحرير جيرالد بويد.
عادةً ما يتخذ الصحفيون المخادعون إجراءات قصوى كي لا يتم اكتشافهم. اختلق ستيفان
جلاس — كاتب شاب واعد في مجلة «ذا نيو ريببليك» — تحقيقًا صحفيًّا حول فتًى في
الخامسة عشرة من عمره اخترق أنظمة الكمبيوتر الخاصة بشركات كبرى، وكان مخترقًا
جيدًا جدًّا لدرجة أن إحدى الشركات بعد أن تعقبته وأمسكت به، اختارت ألا تعاقبه.
عوضًا عن ذلك، عينته الشركة ليُدخل تحسينات على الأمن في أنظمة الكمبيوتر الخاصة
بها.
لكي يمنع جلاس المحررين من تبين أن هذا التحقيق كان عملية خداع، أنشأ موقعًا
إلكترونيًّا للشركة الوهمية، وجاء بهاتف خلوي حتى إذا ما اتصل أيٌّ من محرريه بالرقم
المُدرج على الموقع، يمكنهم ترك بريد صوتي. عندما اكتُشِفَت عملية الاحتيال هذه،
قرر المحررون أن جلاس كان له تاريخ من اختراع الوثائق المزيفة ليُخفي خداعه؛ حيث
إنه كان قد زيَّف رسائل فاكس وخطابات من مصادر لا وجود لها ليثبت أن أخباره كانت
دقيقة؛ حتى إنه أعطى للمحررين أرقام هواتف خاصة بأصدقاء له كان قد اتفق معهم على أن
يتظاهروا بأنهم مصادره.
9
(١-١) جانيت كوك وعالم جيمي
عانت صحيفة «ذا واشنطن بوست» بشدة جراء أشهر عملية خداع خلال الحقبة الحديثة
للصحافة الأمريكية. كان التحقيق رواية مؤثرة تتعلق بصبي في الثامنة من عمره
مدمن للهيروين. أعطته الكاتبة، جانيت كوك، اسم «جيمي»، وحمل مقالها الذي نُشِر
في الصفحة الأولى عنوان «عالم جيمي: صبي مدمن للهيروين عمره ثماني سنوات يعيش
على الحقن بالمخدر.» استُهِل مقال كوك بما يلي:
جيمي هو صبي في الثامنة من عمره، ويمثل الجيل الثالث من أسرة مدمنة
للهيروين، صبي صغير يفوق عمرَه ذكاءً، لديه شعر أصفر رملي اللون، وعينان
بُنيتان ناعمتان كالمخمل، وآثار حقن بالإبر تبقع البشرة الناعمة الطفولية
ليديه البُنيتين الرفيعتين.
وتابع المقال ليرسم صورة كئيبة ويائسة لعالم جيمي في جنوب شرق واشنطن. كان
يعيش مع أمه، عاهرة سابقة، وعشيقها رون تاجر مخدرات، وهو من جعل جيمي مدمنًا
للهيروين. في ختام المقال وصفت كوك صورة جيمي وقد «استثيرت حواسه» بحقنة مخدر:
يعود رون إلى غرفة المعيشة، يحمل مِحقنًا في يده، ويستدعي الصبي إلى
مقعده: «دعني أرى ذراعك.»
يمسك بذراع جيمي اليسرى من فوق المرفق مباشرة، تطوق قبضته الهائلة
بإحكام طرف الطفل الصغير. تنزلق الإبرة إلى داخل جلد الطفل الناعم مثل
شفاط مشروبات غُرِز في وسط كعكة حديثة الطهي. يتراجع السائل من المحقن،
ليحل محله دم أحمر براق، ثم بعد ذلك يُعاد حقن الدم في الطفل.
أغمض جيمي عينيه خلال العملية بأكملها، لكنه الآن يفتحهما، ناظرًا
سريعًا في أرجاء الغرفة. ويصعد إلى كرسي هزاز ويجلس، تنخفض رأسه وتنتصب
مستقيمةً ثانيةً، فيما يطلق عليه المدمنون «الإيماءة».
يقول رون: «قريبًا جدًّا، يا رجل عليك أن تتعلم كيف تفعل هذا
لنفسك.»
أحزنتْ قصة جيمي الكثيرين من مواطني واشنطن وأصابتهم باستياء شديد، بما في ذلك
العمدة الذي أمر بالبحث عن الطفل. هدد قائد الشرطة بجلب وإحضار كوك ومحرري
صحيفة «ذا واشنطن بوست» إذا لم يكشفوا عن هوية جيمي. رد محامو صحيفة «ذا واشنطن
بوست» بأن الصحيفة لديها الحق بموجب التعديل الأول للدستور في أن تحمي
مصادرها.
شاركت صحيفة «ذا واشنطن بوست» بذلك التحقيق الصحفي في مسابقة جائزة بوليتزر،
ومنحه الحكام — باستثناء التصويت المعارض لمحرر صحيفة «سان بيترسبرج تايمز»
يوجين سي باترسون، الذي دعا التحقيق الصحفي «انحرافًا» وأنه ما كان ينبغي أن
يُطْبَع — جائزةَ بوليتزر لكتابة التحقيقات الخاصة. فازت كوك، التي كانت قد
أمضت ضمن مجموعة العاملين بصحيفة «ذا واشنطن بوست» ما يزيد على ثمانية شهور
بقليل، بجائزة بوليتزر وهي في سن السادسة والعشرين.
إلا أن بيت الأكاذيب الذي أقامته بدأ في التداعي؛ فقد قررت صحيفة «ذا توليدو
بليد» — التي كانت كوك تعمل بها قبل أن تنتقل إلى صحيفة «ذا واشنطن بوست» — أن
تُجري تحقيقًا صحفيًّا عنها من نوعية التحقيقات عن النساء المحليات اللواتي يقمن
بأفعال حسنة، ولكنهم سرعان ما اكتشفوا أن المعلومات المتعلقة بسيرتها الواردة
في تحقيق وكالة «أسوشيتد برس» الذي يعلن فوزها بجائزة بوليتزر لم يوافق سجلات
الصحيفة؛ فبدلًا من كونها عضوة جمعية فاي بيتا كابا المتخرجة من كلية فاسار، هي
حاصلة على درجة البكالوريوس في الآداب من جامعة توليدو، ولم تَدْرُس في جامعة
السوربون في باريس، ولم تُجِدْ بطلاقةٍ اللغات الفرنسية والبرتغالية والإيطالية
والإسبانية، كما كتبت في استمارة الالتحاق بالعمل التي قدمتها لصحيفة «ذا
واشنطن بوست». كانت قد درست اللغة الفرنسية في المدرسة الثانوية وفي الجامعة.
سلَّم محررو صحيفة «ذا بليد» اكتشافاتهم إلى محرري صحيفة «ذا واشنطن بوست.» في
وقت مبكر من صباح اليوم التالي، اعترفت كوك لمحرريها أن مقال «عالم جيمي» كان
مختلَقًا؛ فهي لم يسبق لها مطلقًا أن التقت أو أجرت مقابلة مع مدمن مخدرات في
الثامنة من عمره. كان المقال «مزيجًا» من المعلومات عن المدمنين الصغار الذين
أخبرها عنهم الأخصائيون الاجتماعيون. استقالت كوك، وردَّت صحيفة «البوست» جائزة
بوليتزر.
(٢) لماذا يحتال الصحفيون؟
بالطبع، كل المهن بها غشاشون؛ فالمحامون يُدخِلون في قائمة الحساب لزبائنهم ساعات
لم يعملوا بها مطلقًا، أو يسرقون أموالًا من الصناديق الائتمانية الخاصة بالزبائن.
والأطباء يحتالون على الرعاية الطبية، أو يُجرون عمليات جراحية غير ضرورية لزيادة
أرصدة حساباتهم البنكية. والمديرون التنفيذيون للشركات يفبركون دفاترهم ليجعلوا
مخزون ممتلكاتهم أعلى قيمة. وصف المؤلف ديفيد كالاهان أمريكا في القرن الحادي
والعشرين بأنها «ثقافة الغش».
10
لا يملك الباحثون أرقامًا موثوقة حول قدر الغش الذي يَرتَكِبه الأشخاص الذين
يعملون في الوظائف الفنية، ويُعزى ذلك من جانبٍ إلى أن الإجراءات المتعلقة بشئون
الموظفين غالبًا ما تكون خاصة، ومن جانب آخر لأنه من المرجح أن يكذب الغشاشون في
الاستقصاءات. تُتاح أرقام أفضل من الجامعات، التي يُقدر فيها أن الغش ازداد بنحو ٣٥
بالمِائة في العَقد الأخير.
يعتقد كالاهان أن هوس أمريكا بالمال يدفع الناس إلى الغش. بالإضافة إلى أن الآباء
والمدارس يضغطون بشدة على الشباب ناصحين إياهم بأن يبحثوا عن وظائف يتقاضَوْن فيها
رواتب مرتفعة، وتُحقق لهم مكانة اجتماعية، وبأن يحتفظوا بتلك الوظائف. الغش هو وسيلة
للتعامل مع هذه الضغوطات؛ فعندما يخسر الأشخاص الذين لا يغشون لصالح الغشاشين،
فإنهم يشعرون بأنهم كالبلهاء، وقد يصبحون هم أنفسهم غشاشين عندما تسنح الظروف
المناسبة.
زد على ذلك، أن الآباء قد يعلِّمون أطفالهم بغير عَمْد أن عدم الأمانة هو سبيل سهل
للتعامل مع المشكلات. وقد أظهر بحثٌ أجراه متخصصون في علم الاجتماع أن الآباء الذين
يغشُّون (ولو في أمور «صغيرة» مثل القرصنة على قنوات الكابل التليفزيونية) يُرجح
أن يغش أطفالهم في المدرسة.
للوهلة الأولى، يبدو غريبًا أن يكون من شأن الغشاشين أن ينجذبوا إلى الصحافة؛
المهنة التي تُولي كل هذا القدر من الأهمية نُصب المصداقية والدقة. ومع ذلك، فحتى
الصحفيون ذوو الموهبة الكبيرة قد سقطوا في شرَك إغراء الطرق المختصرة. كانت باتريشيا
سميث إحدى أرفع كُتَّاب التحقيقات الصحفية الخاصة والأعمدة في صحيفة «ذا بوسطن
جلوب» تمتلك قدرًا كبيرًا جدًّا من الموهبة، لدرجة أنها كانت متحدثة مألوفة في ندوات
الكتابة، وبعدما فُصِلَت من صحيفة «ذا جلوب» لتلفيقها مصادر لتقاريرها، أُصيب
الكثيرون بالذهول لدى علمهم بأن لها تاريخًا من هذا السلوك غير القويم. كان لدى
محرري «ذا جلوب» شكوك بشأن تحقيقات صحفية سابقة لها، وكانوا قد أعطوها تحذيرات. قبل
الانضمام إلى صحيفة «ذا جلوب»، كانت سميث تعمل في صحيفة «شيكاجو صن تايمز»، حيث
تلقت توبيخًا على تسللها إلى نظام الكمبيوتر الخاص بالصحيفة، وتبديلها لتحقيقها كي
يُلام أحد محرري الطباعة على خطأٍ كانت سميث ذاتها هي التي ارتكبته. وكان ثمة اشتباه
في مقال نقدي كتبته عن حفل موسيقي لإلتون جون لم تكن قد حضرتْه. في مقالتها أخطأت
بيان الأغنيات التي أداها إلتون جون والملابس التي ارتداها.
11
يلجأ صحفيون آخرون إلى الغش للصمود في وجه الضغوط التنافسية؛ ففي معظم غرف
الأخبار، يتنافس المراسلون بعضهم مع بعض؛ فمن شأن الحصول على الكثير من التحقيقات
الصحفية في الصفحة الأولى أن يعزِّز التقدم المهني. في الأخبار المهمة، يتنافس
المراسلون تنافسًا مباشرًا مع مراسلين من وكالات أنباء ومنافذ إخبارية أخرى. كتب إس
سي جوين — مراسل لمجلة «تايم» — في مجلة «تكساس مونثلي» أن أحد أصعب مهامه كان
تغطية مقتل ١٢ تلميذًا على يد زملائهم في أحد فصول مدرسة كولومباين الثانوية في
ولاية كولورادو. كان أكثر من ١٠٠٠ مراسل يجوبون ضواحي دنفر بحثًا عن معلومات
جديدة، وكانت مهمة جوين أن «يخترق ما يُطلَق عليه مافيا المعاطف الطويلة؛ تلك العصبة
المنحرفة التي كان يُفترض أن مُطلِقي النار ينتمون إليها.» إلا أن المراهقين كانوا
يتحاشَوْن المراسلين. قال جوين إنه أجرى مئات المكالمات محاولًا العثور على شخص ما
يساعده في الاتصال بواحد منهم. كتب جوين يقول: «كان المحررون العاملون معي يتصلون
بي، وهم منزعجون؛ لأنهم — على الرغم من احتجاجي بأنني كنت أبذل كل ما في وسعي — رأَوْا
لتوِّهم عضو مافيا (من أصحاب المعاطف الطويلة) على شاشة التليفزيون.» توجه جوين
بسيارته إلى بيوتهم وإلى بيوت أصدقائهم، وفي كل موقع وجد عشرات من الطواقم
التليفزيونية ومراسلي الصحف مُخيِّمين بالفعل في الأفنية الأمامية لبيوتهم. وقال:
بعد أن أمضيت أسبوعًا في رعبٍ مخزٍ، وخوف من فشل محَتَّم، رد أحدهم أخيرًا
على إحدى مكالماتي؛ وقاد هذا إلى مقابلة في الثانية بعد منتصف الليل مع عضو
حسن النية من أعضاء المافيا في اللحظة الأخيرة قبل انتهاء مهلتي الزمنية.
لولا تلك المكالمة، لكنت فشلت فشلًا مزريًا، ولكان هذا أُثير في تقييمي
المهني السنوي.
12
كتب جوين أنه أستوعب «الضغوط الكاسحة» التي أدت ببعض الصحفيين إلى تزييف الحقيقة،
إلا أنه كان فخورًا بأن قلة قليلة من الصحفيين هي التي تستسلم للإغراء. وخَلُص إلى
أنه «يوجد آلاف الحالات كلَّ عام تُجابه فيها حشود الصحفيين ضغطًا تنافسيًّا طاحنًا،
ومحررين يصرخون فيهم للإتيان بأخبار. وعندما نأخذ في الاعتبار الحافز الذي يستحثهم
للمبالغة في سرد الواقع، يُذهلنا أصلًا هذا القدر من الدقة في نقل الحقائق.»
يعتقد آخرون أن بعض قواعد الكتابة الصحفية تجعل حياة المراسلين مملوءة بصعاب لا
قِبَل لهم بها. أشار جون جوشو — مراسل يعمل لحساب هيئة الإذاعة الكندية — إلى
«انشغالنا الكامل بالعثور على أشخاص عاديين من أجل إعداد أخبار.» كل صحفي يعرف
الطريقة؛ فإذا كان المراسل يكتب عن اكتشاف طبي أو قوانين جديدة تضع إطارًا لممارسات
الإقراض المبهمة، فإنه سيبدأ الخبر بالقصة المؤثرة لشخص حقيقي، ويُفضَّل أن يكون
أحد السكان المحليين الذي وقع ضحية. كتب جوشو في مجلة «ميديا» أنه يتفق مع الفكرة
القائلة بأن هذه الحكايات تجعل المواد الصحفية أكثر قابلية للقراءة. إلا أن البحث
عن هؤلاء الناس الحقيقيين يمكن أن يغري مراسلين غير متمكنين من اختلاق الوقائع كي
يمتلك الخبر «وجهًا بشريًّا لا يضيف أي قيمة صحفية.»
13
لا يقتصر الأمر على وجوب إيجاد الصحفيين لهذا الوجه البشري؛ فغالبًا ما يُحكَم
على عملهم بِناءً على عدد المصادر التي تواصلوا معها. السبب في هذا واضح، فمن المرجح
أن الأخبار التي تشتمل على عدد أكبر من المصادر أكثر توازنًا، والأخبار التي تتضمن
استشهادات أفضل ستصبح أكثر قابلية للقراءة. إلا أن البحث عن مصادر ثانوية إضافية
يمكن أن يخلق مشكلات للمراسلين من ناحية الأجَل الزمني؛ فقد فَصَلت صحيفة «أسوشيتد
برس» المراسل كريستوفر نيوتن على الرغم من أن معظم تقاريره الإخبارية كانت صحيحة
تمامًا؛ فبعد حصوله على الوقائع والتفاصيل التي احتاج إليها، بَطَّن تقاريره
باستشهادات من مصادر مُلَفَّقة. وكما أوضح جاك شافر في المجلة الرقمية «سليت»، أنه
بينما يلفق معظم الكُتَّاب استشهادات ليمنحوا كتاباتهم تأثيرًا أقوى، «اتخذ نيوتن
المسار المعاكس، وهو أن يجعل الأخبار أقل إثارة للاهتمام — إن كان ذلك ممكنًا —
بإقحام استشهادات مُختَلَقة تافهة تُعد صياغتها أقرب إلى قراءة حروفٍ مطبعيةٍ غير
واضحة.» يبدو أنه اعتقد أن محرريه أرادوا إيجاد مصادر إضافية.
14
وفصلت صحيفة «ذا ساكرامنتو بي» دنيس لوف — كاتب سياسي في السابعة والأربعين من
عمره — بسبب رفعه عدد المصادر في تقاريره الصحفية عن طريق أخذه استشهادات من صحف
أخرى. أشارت مجلة «أمريكان جورناليزم ريفيو» إلى أن غالبية الاستشهادات كانت مما
يطلق عليه بعض الصحفيين «استشهادات من أجل الحشو» التي ليست جوهرية للخبر. وعندما
سُئل عن السبب في قيامه بذلك، قال لوف:
أعتقد أن أمورًا كثيرة أسهمت فيما أَصبح عليه موقفي؛ الأمر الأول: اتخاذ
طريق مختصرة حيثما يكون هذا متاحًا لا يتعدى أن يكون مجرد ضعف بشري، فيما
يتعلق ببعض الأخبار التي ربما لم أولِها اهتمامًا كما فعلت مع بعض الأخبار
الأخرى. أعرف أن ذلك قد يوحي بشيء من الاحتيال، إلا أنني أعتقد حقًّا أن
ذلك كان جانبًا من جوانب ضعف الشخصية.
15
(٣) التعامل مع الاستشهادات
في حين أن الأمر لا يُعد تجاوزًا أخلاقيًّا بالقياس إلى اختلاق وجود مدمني هيروين
بعمر الثامنة، يشعر المحررون والمراسلون بالرضا عن أنفسهم فيما يتعلق بدقة ما
يضعونه بين علامات اقتباس. القاعدة العامة هي أن ما بداخل علامات الاقتباس من
المفترض أن يكون ما قاله الشخص بالضبط. وإذا ما أراد المراسل تغيير ما قاله المنقول
عنه، ينبغي على المراسل أن يعيد الصياغة.
استشهاد صريح (نفس الكلمات): قال العمدة: «سأُحارب بعنف أي خطة لهدم مبنى
مجلس مدينتنا التاريخي.»
إعادة صياغة: قال العمدة: «إنه سيُحارب أي خطة لهدم مبنى مجلس
المدينة.»
يستخدم بعض المراسلين الكلمات نفسها ليصنعوا استشهادات صريحة حيوية لم يقلها
الشخص قط في حقيقة الأمر؛ فينتقون ما يناسبهم من نفس الكلمات المستخدمة؛ فقد يكون
الشخص قد أعطى تعبيرًا طريفًا نوعًا ما في وقت سابق من المقابلة، وعبارةً ذكية إلى حد
ما بعد ذلك بدقائق؛ حينئذٍ يواجه المراسل إغراء مزج هاتين القطعتين وابتكار استشهاد
رائع. لا يوافق معظم المحررين على تشويه سياق الاستشهادات بهذه الطريقة.
(٣-١) ضبط التعليقات غير الواضحة
في بعض الأحيان يقول الناس أكثر الأشياء إثارة للاهتمام أثناء المقابلات
والحوارات، إلا أنه عندما تُكتَب تعليقاتهم بنصها الحرفي، تجتذب الأخطاء في
قواعد اللغة انتباه القراء على الفور. بعض التعليقات تكون واضحة عندما تتمكن من
سماع نبرات الصوت ورؤية حركة اليدين، لكنها تصبح كلامًا غير مترابط ولا واضح
اللفظ عندما تنحصر في الكلمة المطبوعة. يصبح السؤال: بأي قدر تستطيع تعديل هذه
الاستشهادات، ويظل من الناحية الأخلاقية في إمكانك أن تضعها بين علامات اقتباس.
في مقال بمجلة «كولومبيا جورناليزم ريفيو»، سأل كيفن مكمانوس صحفيَّيْن عن
كيفية تعاملهما مع هذه المشكلة. قال له أحدهما:
لدينا سياسة غير رسمية، أقصد، سياسة غير معتادة في غرف الأخبار في
شتى أنحاء البلد، وهي أنك، أعني، إن وضعت عبارة، أقصد، بين علامتي
اقتباس، فذلك يجب أن يكون ما قاله الشخص.
الصحفي الآخر قال لمكمانوس إنه نقَّح استشهادات «بطرق معينة غير مسيئة.»
حينما سُئل عن تلك الطرق، قال الصحفي:
حسنًا، أعني طرقًا، يمكن من خلالها على سبيل المثال، أولو كانت اللغة
تخالف القواعد بشدة، من شأنها أن تجعل المتحدث — كما هو الحال مع اللغة
المنطوقة، أقصد، في بعض الأحيان — أن تجعل المتحدث يبدو أحمق تمامًا،
يمكنك، أن تستشهد، أو تصحح لغته أو لغتها بعض الشيء، أو تُوَفِّق بين
الشخص وصيغة الفعل. شيء من هذا القبيل.
16
هؤلاء المراسلون هم كُتَّاب متمرسون، ويحسنون استخدام الكلمات، إلا أن لغتهم
الإنجليزية المنطوقة أبعد ما تكون عن الكمال. يتساءل مكمانوس متعجبًا إن كان
يمكنك أن تُعالِج وتستخلص استشهاديهما بطريقة أخلاقية.
زعم قلة من الصحفيين في مقال بمجلة «واشنطن جورناليزم ريفيو» أنهم لم يعدِّلوا
الاستشهادات مطلقًا. ودفعت مراسلة تكساس ذائعة الصِّيت مولي إيفينز بأن «الناس
يقفون تحت سقف المجلس التشريعي، ويجعلون أنفسهم مغفلين طوال الوقت. ليس من
مسئوليتي أن أجعلهم يبدون بصورة جيدة.»
17 كذلك قال مراسل صحيفة «شيكاجو تريبيون» تيموثي مكنولتي لمكمانوس
إنه يعتقد أن تغيير استشهاد لجعل شخص ما يبدو أفضل حالًا يشبه تعديل صورة
لتغيير أسلوب هذا الشخص في الملبس.
18
تلقَّى مايك نيدز — المحرر العام السابق بصحيفة «أكرون بيكون جورنال» — شكاوى
من قراء عندما ضبطت الصحيفة استشهاداتٍ، وأيضًا عندما لم تفعل. شكا أحد القراء
من أن نجم فريق «كليفلاند كافالييرز» لكرة السلة ليبرون جيمس تحدث مثل أستاذ
جامعي إنجليزي حينما نقلت الصحيفة استشهادًا على لسانه، لكنه كان غير ملتزمٍ
بقواعد اللغة على الإطلاق في التليفزيون. وبخ قارئ ثانٍ الصحيفة؛ لأنها نسبت
إلى مدير تنفيذي في إحدى الشركات قوله: «يوجد الكثير من الفرصة هنالك.» اعتقد
القارئ أنه كان ينبغي ضبط قواعد اللغة الخاصة برجل الأعمال العاجز لغويًّا. قال
نيدز إنه لم يعتقد أنه كان يجب على الصحيفة ضبط قواعد اللغة في الاستشهادات
الصريحة في أيٍّ من الحالتين.
19
في بعض الأحيان، تطلب المصادر من المراسلين أن يأخذوا استشهادات تلك المصادر
وأن «يصيغوا ذلك بلغة مضبوطة.» كثير من الصحفيين لديهم الاستعداد لمد يد العون.
«لا تنقل ما قلت، انقل ما أعنيه.» ذلك ما اعتاد ريتشارد جيه دايلي — الذي خدم
لفترة طويلة في منصب عمدة شيكاجو — أن يطلبه من المراسلين. كان دايلي معروفًا
بمخالفته قواعد اللغة الإنجليزية؛ ذات مرة قال للمراسلين: «رجل الشرطة ليس
موجودًا لإحداث إخلال بالنظام، إنه موجود ليحفظ الإخلال بالنظام.» فأورد صحفيو
شيكاجو العاملين بالصحافة المطبوعة ما قصده، بينما أعاد الصحفيون بالوسائط
الإلكترونية القول بالطريقة التي قالها.
20
(٣-٢) ضبط «الكلمات البذيئة»
على الرغم من أن الأفلام والتسجيلات وحتى البرامج التليفزيونية النهارية
أصبحت غير متحفظة في استخدامها للألفاظ النابية، فلا تزال الصحف في الأغلب
الحارسة المتحفظة لعفة قرائها. عادةً تُغيِّر الصحفُ الاستشهادات والصور، وفي بعض
الأحيان الوقائع نفسها؛ لتتجنب جرح مشاعر القراء. ديفيد شاو — الكاتب المختص
بوسائل الإعلام لحساب صحيفة «لوس أنجلوس تايمز» — قال إن عنوانًا رئيسيًّا في
صحيفته في سبعينيات القرن الماضي أَطلق على حادث تصادم ٦٩ سيارة على طريق سريع
أنه «حادث تصادم ٧٠ سيارة» لتجنب «دغدغة مشاعر القراء أو جرحها.» (لكون ٦٩
بالأحرف الإنجليزية يرمز إلى وضع جنسي.) وفي نفس الفترة تقريبًا، أزالت الصحيفة
الأعضاء التناسلية من صورة أسد ذَكَر في حديقة الحيوان لأن المحررين كانوا
يتخوفون من أن الأطفال قد يرَوْنها.
21
وعلى الرغم من أن هذه الحالات حالات متطرفة، فإنه من حين لآخر يتوجب على
المراسلين أن يقرروا كيفية التعامل مع استشهادات من مصادر تحفل أحاديثهم بكلمات
غير لائقة. يأخذ المراسلون ومحرروهم في حسبانهم أمورًا كثيرةً عندما يتخذون
قرارات بشأن كم العبارات الذي سيُنقَل حرفيًّا. ومن الاعتبارات الرئيسية أهمية
ومكانة الشخص المعني؛ قال بنجامين برادلي، حينما كان رئيس التحرير التنفيذي
لصحيفة «ذا واشنطن بوست» منذ سنوات عديدة: «إذا قال رئيس الولايات المتحدة
«تبًّا»، سأنقل ما قاله».
22 لربما كان برادلي يقصد بهذا المزاح، ولكن سياسيي العصر الحديث
اختبروا قاعدته. كانت صحيفة «ذا واشنطن بوست» واحدة من صحف قليلة اقتبست ألفاظ
نائب الرئيس ديك تشيني بالضبط حينما قال للسيناتور الديمقراطي باتريك ليهي تحت
سقف مجلس الشيوخ: «فلْتذهب ولْتضاجع نفسك.» مجلة «نيوزويك» وإصدارات أخرى كثيرة
اقتبستها هكذا «فلتذهب وﺗ… نفسك.» وبعض الإصدارات كانت أقل صراحةً، وقالت إن
تشيني قال للسيناتور ليهي «أن يصنع بنفسه فعلًا سيئًا.»
كان الرئيس جورج بوش أخف قليلًا في التعليقات التي سُجِّلَت عن غير قصد؛ إذ
قال لرئيس الوزراء البريطاني توني بلير: «المفارقة أن ما يلزمهم فعله هو أن
يدفعوا سوريا لتدفع حزب الله ليتوقف عن فعل هذا الخِراء، وسينتهي الأمر.» للمرة
الأولى في تاريخها، طبعت صحيفة «ذا نيويورك تايمز» لفظة «خراء»، وكذا فعلت صحف
أخرى عديدة، من ضمنها صحف «لوس أنجلوس تايمز» و«أورلاندو سنتينل» و«سولت ليك
سيتي تريبيون.» استخدمت صحيفة «شيكاجو تريبيون» كلمة «ﺧ…»، وجعلت شبكة «سي إن إن»
الكلمة صامتة بدلًا من أن تحل محلها صفيرًا».
23 ذهب بعض المحررين إلى أن استخدام الكلمة كان مهمًّا لأنها أوضحت
العلاقة غير المتكلفة التي كانت بين بوش ورئيس الوزراء البريطاني.
والديمقراطيون يمكنهم أيضًا استخدام ألفاظ غير لائقة أو بذيئة؛ فبعد عام من
خسارة جون كيري الانتخابات الرئاسية أمام بوش، قال كيري لمجلة «رولينج ستون»
إنه لم يتوقع على الإطلاق من بوش أن «يفشل» (الكلمة الإنجليزية المستخدمة هي
fuck up) فشلًا ذريعًا في العراق بهذا
القدر. لم تستخدم أي صحيفة من الصحف الكبرى التصريح الفعلي.
24
يحذف المحررون الرياضيون من تلقاء أنفسهم اللغة المستخدمة في غرف تبديل
الملابس من تحقيقاتهم الصحفية، إلا أن المدير الفني لفريق «شيكاجو وايت سوكس»
أوزي جولين تسبب في أن يعيدوا النظر في ذلك عندما وصف كاتبًا في صحيفة «شيكاجو صن
تايمز» بهذه الألفاظ: «يا له من كومة خِراء، شاذ لعين.» تجنبت الصحف الكبرى،
طبعًا، استخدام لفظتي «خِراء» و«شاذ». واستعاضت صحيفة «صن تايمز» عن الكلمتين
بكلمة «محذوف» في تحقيقات الأيام الأولى ولكنها غيرتها إلى «ﺧ…» و«ﺷ…» في
التحقيقات اللاحقة. صحيفة «سان لويس بوست ديسباتش» استخدمت عبارة «لفظ مسيء.»
اللفظة التي تسببت في المزيد من المتاعب للمحررين كانت لفظة «شاذ». استخدمتها
صحيفة «صن تايمز» وصحف أخرى. وكانت صحيفة «شيكاجو تريبيون» ضمن الصحف التي
اعتبرت اللفظة مسيئة جدًّا. بعض الصحف أوردت فقط أن المدير الفني استخدم
تعبيرًا «سوقيًّا ينم عن كراهية المثليين.»
25
استخدام التلميحات أو العبارات الملطفة لتحل محل عبارات سوقية يمكن في بعض
الأحيان أن يخلق مشكلات: عندما ترشح جيمي كارتر للرئاسة، وافق على أن يُجري
روبرت شير مقابلة معه من أجل تحقيق خاص في مجلة «بلاي بوي». استخدم كارتر —
الذي كانت الصورة المعروفة عنه هي صورة معمداني مستقيم ومتعصب نشأ في جورجيا
الريفية — كلمات «مضاجعة» و«مرافقة»، واعترف بأن قلبه قد «اشتهى» نساءً. ونقلت
معظم الصحف تعليقات كارتر. ومع ذلك، اعتبر المحررون في صحيفة «ذا نيويورك
تايمز» أن كلمة «مضاجعة» فجة أكثر مما ينبغي بالنسبة لصحيفة عائلية؛ فاستعاضوا
عنها بجملة «كلمة سوقية ترتبط بالعلاقات الجنسية.» في اليوم التالي أدرك
المحررون أن القراء قد يستنتجون أنه استخدم كلمة
fuck بدلًا من «مضاجعة»؛ فطبعوا توضيحًا أن
كارتر استخدم «تعبيرًا سوقيًّا معتادًا ولكنه خفيفٌ؛ للدلالة على العلاقات
الجنسية.» كما أشار شاو، احتاج الأمر من صحيفة «تايمز» ثماني كلمات لتوضيح
الالتباس الذي سببه في الأصل اللجوء إلى استخدام خمس كلمات لتحل محل كلمة
واحدة.
26
في بعض الأحيان تستعيض الصحف بكلمة أكثر قبولًا، وتأمل أن تنبه علامات
الاقتباس أو الأقواس القراءَ إلى التغيير. بعد أعطال ميكانيكية أجبرت السائق
توني ستيوارت على الخروج من أحد سباقات «إنديانا بولس ٥٠٠»، سأله أحد المراسلين
التليفزيونيين سؤالًا من نوعية أسئلة «ما شعورك؟» أثناء بث مباشر للشبكة. أجاب
ستيوارت قائلًا: «طوال حياتي كان هذا كل ما أردت فعله، وكل عام أتعرض للتبرز
عليَّ (أتعرض للتحقير)، ماذا سيكون شعورك؟» إلا أن صحيفة «يو إس إيه توداي»
نقلت عنه قوله: «طوال حياتي كان هذا كل ما أردت فعله، وكل عام أُلْفَظ خارجًا،
ماذا سيكون شعورك؟»
يمكن أن تخلق المعاني دائمة التغير للغة العامية مشكلاتٍ للمحررين؛ فصحيفة
«ستار تريبيون» في مدينة مينيابوليس نشرت تقريرًا عن كاتب رفض الانصياع عندما
طلبت شبكة تليفزيونية منه أن يكون جزءًا من فريق من ستة أعضاء جرى تشكيله
لكتابة سيناريو. نقلت عنه الصحيفة قوله: «إن لم أكتبها بكاملها، فلن اكتبها على
الإطلاق … ستة أشخاص لكتابة أحد مسلسلات اﻟ «سيت كوم» (كوميديا الموقف)! لا عجب
أنها كلها سيئة كلَعْق القضيب.» وضع محرر الطباعة عنوانًا رئيسيًّا للملخص ذي
الفقرات الثلاث: «ما السبب في أن حلقات السيت كوم سيئة كلعق القضيب.» كتب القراء
إلى الصحيفة يشكون من عبارة «لعق القضيب». كتب لو جيلفاند، مُفوَّض الشعب في
ذلك الوقت، معبرًا عن اتفاقه معهم:
احترام القراء ينبغي أن يكون في موقع الصدارة من هذه المناقشة. إنني
على قناعة بأن كثيرين منهم يرَوْن المعنى العامي لعبارة «لعق القضيب»
مسيئًا؛ فاستخدامها في غرف تبديل الملابس ومن شبابٍ سمعوها من
التليفزيون، لا يجعلها ضمن لغة الحياة اليومية المعتادة للناس
العاديين.
27
وعلى الرغم من أن معظم الصحف تتمسك بسياسة صارمة ضد السوقية، فإن صحيفة
«فيرجينيان بايلوت» في مدينة نورفولك قد خففت من معاييرها؛ فالصحيفة سوف تستخدم
sucks (يُقصد بها: سيئ، وتعني حرفيًّا «لعق
القضيب») و
pissed off (وتعني: حانق، وحرفيًّا
تعني «يتبول بعيدًا») إذا ما استدعى الخبر ذلك. قال ديفيد فينلي إن الهدف من
السياسة الجديدة «ليس إضافة المزيد من الألفاظ النابية إلى الصحيفة ولا أن
نُخفض معاييرنا، بل بالأحرى أن نرى المواضع التي نحتاج فيها لتقَبُّل حقيقة أن
كلمات معينة قد أصبحت جزءًا من لغتنا الدارجة، وفقدت معناها ككلمات
نابية.»
28 كيفية تفاعل القراء مع الأمر قد تكون مسألة مختلفة. تلقت الإذاعة
الوطنية العامة الكثير من الشكاوى من مستمعيها — الذين يُعتبرون بوجه عام أكثر
تحررًا من غالبية الأمريكيين — عندما سأل مراسلٌ مسئولًا في فيلق القوات البرية
الهندسي السؤال التالي بشأن قلة الاستعداد لإعصار آخر بحجم إعصار كاترينا في
ولاية نيو أورلينز: «إنك تسمع أناسًا ساخطين (مستخدمًا عبارة
pissed at) من الفيلق؛ ماذا تقول لأولئك
الناس؟»
29
(٤) تهيئة الأخبار
أحد الأسباب في أن الناس يشاهدون الأخبار التليفزيونية هو أن ذلك يمكِّنهم من
مشاهدة الأحداث فور وقوعها. يريد قراء الصحف أيضًا صورًا فوتوغرافية تسجل الحدث. في
بعض الأحيان، يضع هذا الاحتياجُ إلى الصور وسائلَ الإعلام في ورطة أخلاقية.
غالبًا ما ينخرط مصورو الصحف في صور حميدة من تهيئة الأخبار؛ فمن الممكن أن
يطلبوا من الناس أن يتظاهروا بأنهم يتحدثون على الهاتف أو ينهمكون في نشاط يبدو
متلائمًا مع الخبر. يفترض المحررون أن العامة سيدركون أن هذه الصور مصطنعة.
في بعض الأحيان يمارس مراسلو القنوات التليفزيونية خداعًا آخر غير خطر؛ فقد يقدم
مذيع الأخبار أخبارًا معدة مسبقًا بقوله: «ومعنا مراسلتنا فلانة والتقرير التالي.»
فلانة ستنقل التقرير من موقع حدث إخباري ما. في النهاية، ستقول: «أنقل الميكروفون
إليك، يا هاري»، وسيشكر المذيع فلانة على تقريرها الممتاز. يتشكل لدى المشاهد
الانطباع بأن التقرير منقول على الهواء مباشرة، وأن الشخصين يتحدثان أحدهما إلى
الآخر. عادةً لا يكونان كذلك؛ إنه ما يُطلِق عليه البعض: تقرير «أشبه بالمباشر.»
فالمذيع في الحقيقة يقدم تقريرًا إخباريًّا مسجلًّا. يقول المؤيدون للتقارير
الإخبارية التي تبدو كالمباشرة إنهم يُلبون رغبة الجمهور في التغطية الحية المباشرة
دون أن يُضْطَر المراسل إلى قضاء وقت انتظار ثمين في موقع الحدث ليقدم فقرة مباشرة؛
إلا أن بعض الصحفيين لا يقبلون ذلك. قال أل تومكينز — أحد المراسلين التليفزيونيين
ذوي الخبرة — لصحيفة «ذا صن» في مدينة بالتيمور: «هذا الأمر له علاقة بخداع
المشاهد؛ إذا كان من شأن محطة تليفزيونية الكذب عليك في ذلك الأمر، فلماذا إذن بأي
حال من الأحوال يتعين علينا تصديق صحافتهم؟»
30 ويزعم أن التقرير الإخباري سيكون له نفس القيمة إذا قال المذيع:
«مراسلتنا فلانة نقلت لنا التقرير.» وتُنهي المراسلة تقريرها دون محاولة الإيهام
بأن الفقرة صُوِّرَت على الهواء مباشرةً.
في أحيان أخرى، عندما يبدو المراسلون أنهم يذيعون بثًّا حيًّا من موقع الحدث
الإخباري، قد يكونون يذيعون بالفعل بثًّا حيًّا ولكنهم قد لا يكونون في موقع الحدث.
إنهم يقفون في ساحة انتظار السيارات الخاصة بالمحطة التليفزيونية وفي الخلفية طريق
سريع أو سور أو بحيرة، أيًّا ما كان مناسبًا للتقرير الإخباري. ويقدمون تقاريرهم
«المباشرة»، ويُجري المذيعون، الذين يجلسون في الاستوديوهات على بُعد بضع مئات من
الأمتار، مقابلات معهم عبر سماعات الأذن.
31
قد يلاحظ مشاهدو برامج الشبكات التليفزيونية اليقظون مقدار التشابه الذي تبدو
عليه المباني الحكومية في نشرات الأخبار المسائية. يستخدم المراسلون أحيانًا كنيسة
لها أعمدة بيضاء ضخمة من بين كنائس وسط المدينة بمثابة خلفية لتقارير إخبارية عن
الكونجرس أو البيت الأبيض أو المحكمة العليا للإيهام بوجودهم عند تلك
المباني.
32 بعضهم صار معروفًا بأنه لا يغادر الاستوديو في الشتاء؛ فيرتدون معاطفهم
الثقيلة ويقفون أمام صور مُعدَّة للمباني المناسبة.
(٤-١) صور الخداع غير المبرر
في إحدى الحالات التقليدية، سعى مصور فوتوغرافي يعمل لحساب صحيفة «سان
بيترسبرج تايمز» لأن يضفيَ طابعًا من الإثارة على التغطية الرتيبة لمباراة في
البيسبول بين كليتي «إيكرد» و«فلوريدا ساذرن.» فطلب من طالب عاري القدمين في
المدرجات أن يكتب بالحبر على باطن قدميه «نعم، إيكرد». عندما اكتشف محرروه
حيلته، فُصل من الصحيفة. قال أحد محرري صحيفة «تايمز» مفسرًا: «إحدى الخطايا
التي لا تُغتَفر لأي صحفي هي أن يكذب.»
33 اتبع مصور فوتوغرافي يعمل لحساب صحيفة «ذا إنديانا بولس ستار»
طريقة مختصرة مماثلة عندما أراد المحررون صورة لطفل يتلقى جرعة تطعيم في عيادة
صحية تابعة للمقاطعة. عندما وصل إلى هناك، لم يكن يوجد أي أطفال يتلقَّوْن جرعات.
وهكذا، انتقى طفلًا كان هناك من أجل إجراء آخر، وطلب من ممرضة أن تتظاهر بإعطائه
الجرعة. في «رسالة إلى القراء»، قال محرر الصحيفة:
إن تشويه الحقائق بهذه الطريقة هو خرق لسياستنا بشأن الأخلاقيات،
ولالتزامنا نحو قرائنا بأن نكون أمناء دومًا في إيصالنا للخبر. تعتذر
صحيفة «ذا ستار» عن المغالطة والتقدير السيئ الذي أدى إليها.
34
بعض المراسلين كانوا أكثر ابتكارًا باسم الصحافة: في مينيسوتا، أراد مراسل
تليفزيوني يعمل لحساب محطة «كيه سي سي أو» صورًا ليعزز بشواهد تحقيقًا عن تناول
الكحوليات من جانب مَن هم دون السن القانونية، وعندما لم يتمكن من العثور على أي
مراهقين يشربون الكحوليات، أحضر صندوقَيْ بيرة لستة مراهقين، وبعد ذلك التقط لهم
صورًا يتجرعون البيرة دفعةً واحدةً وهم مسرورون. عندما كُشِفت الحيلة، لم
يُطرَد المراسل والمصور فحَسْب، بل اتُّهِما أيضًا بانتهاك قوانين الولاية الخاصة
بالمشروبات الكحولية. أقر الاثنان بجريمتيهما، وحُكِم عليهما بغرامة ٥٠٠ دولار،
وبعشرة أيام في السجن، وأُلزِما بأداء خدمات مجتمعية.
35
أحيانًا يلجأ الصحفيون إلى حيل أكثر إحكامًا: في أوائل التسعينيات من القرن
العشرين رُفعت دعاوى قضائية عديدة ضد شركة جنرال موتورز تحمل اتهامات بوجود عيب
في تصميم شاحنات جي إم الصغيرة زاد من احتمال انفجار خزان الوقود في شاحناتهم
عند وقوع اصطدامات، وأراد القائمون على برنامج «ديت لاين إن بي سي» أن يُظهِروا
المشكلة؛ فأحضر المعدون إحدى الشاحنات، وملئوا خزان وقودها بالبنزين، وجعلوا
سيارة تصطدم بها؛ فانفجرت الشاحنة وسط كم هائل من ألسنة اللهب، وفي نفس الوقت
كانت الكاميرات تسجل الحدث من الجهتين ومن داخل المركبة. وبعد أن عُرِضَت
الفقرة، تتبع محققو شركة جنرال موتورز بقايا حطام الشاحنة حتى وصلوا إليه،
وأحضروه من مقلب للمخلفات، ثم صوروا خزان الوقود بالأشعة السينية، واكتشفوا أنه
لم ينفجر، كما كانت شبكة «إن بي سي» قد ألمحت. عوضًا عن ذلك، اكتشفت شركة جنرال
موتورز أجهزة تفجير عن بعد وُضِعت بالشاحنة للتيقن من أنه ستنطلق نار عند
اصطدام الشاحنة بالسيارة. وبعدما أعلنت شركة جنرال موتورز النتائج التي توصلت
إليها في مؤتمر صحفي، اتخذ مسئولو شبكة «إن بي سي» خطوة غير معتادة بتقديمهم
اعتذارًا مدته أربع دقائق ونصف قُرئ أثناء البرنامج. تعهد المذيعان جين بولي
وستون فيليبس — اللذان لم يعلما على ما يبدو بالخدعة — بأنه لن يجريَ أبدًا
استخدام «براهين غير علمية» كهذه مجددًا في البرنامج.
36
لسوء حظ شبكة «إن بي سي» أنه تقريبًا في نفس الوقت الذي كانت تطعن فيه شركة
جنرال موتورز في صحة ذلك التقرير الإخباري، عرض برنامج «إن بي سي نايتلي نيوز»
فقرة عن الضرر البيئي الذي يُحدِثه قطعُ أشجار الغابات بسبب صناعة الأخشاب. أظهر
التقرير أسماكًا طافية على ظهرها في نهرٍ؛ أسماكًا قالت عنها «إن بي سي» إنها
نَفقت بسبب قطع الأشجار في غابة كليرووتر الوطنية. بعد بضعة أيام، أقرت شبكة «إن
بي سي» أنه كان يوجد مشكلتان في التقرير: فالأسماك لم تكن في مجرى مائي في غابة
كليرووتر الوطنية، كما أنها لم تكن نافقة. كانت الأسماك قد صُعقت على يد مسئولي
الغابات كجزء من إجراء إحصاء للأسماك في مجرى مائي آخر. عقب هاتين الحادثتين
بفترة قصيرة، استقال مايكل جارتنر من منصبه كرئيس لشبكة «إن بي سي»
الإخبارية.
37
اللقطات المأخوذة من مواد أرشيفية يمكن أن تكون وسيلة سهلة لكي تحتوي الأخبار
التليفزيونية على لقطات مصورة أكثر؛ فمن أجل تقرير عن الانخفاض في عدد
المسافرين بالطائرات، يمكن للمعدين أن يستخرجوا صورًا لطائرات تُقلِع وتهبط.
إلا أن اللقطات المأخوذة من مواد أرشيفية يمكن أيضًا أن تُضلِّل المشاهدين.
أجرت محطة «كيه إس تي بي» التليفزيونية في مدينة مينيابوليس تحقيقًا حول ما
اعتبره المراسلون إنفاقًا ببذخ على اجتماعات لموظفي الولاية عُقِدَت في منتجعات
مُكَلِّفة، وخلال التقرير عرضت المحطة صورًا لعائلات تقضي وقتًا رائعًا في
المنتجعات التي يُشار إليها. افترض مشاهدون كثيرون أن هذه اللقطات كانت صورًا
لموظفي الولاية، بينما لم تكن تلك الصور صورهم في حقيقة الأمر. كان أحد المعدين
قد وجد مقطع فيديو يصور المنتجعات، جرى التقاطه صيفًا. كانت اجتماعات الموظفين
خلال فصل الشتاء. وفي مينيسوتا يصنع ذلك اختلافًا هائلًا.
38
لا يزعم أحد بأن هذه التقارير تمثل الصحافة التليفزيونية النمطية؛ إنها
انحرافات، إلا أنه يبدو أن الجمهور لا يفهم ذلك؛ فبعد شهور من التلاعب الذي
قامت به شبكة «إن بي سي» الإخبارية بإضرام النار في شاحنة جي إم، سألت صحيفة
«لوس أنجلوس تايمز» الناس عن مدى شيوع التزييف في وسائل الإعلام الإخبارية. ما
يبعث على الدهشة أن ٥٦ بالمائة قالوا إنهم يعتقدون أنه أمر شائع.
39
(٥) التلاعب بالصور الفوتوغرافية
يود معظم الصحفيين أن يصدق الجمهور أن الصور والمقاطع الصوتية ومقاطع الفيديو
التي يستخدمونها هي وصف دقيق للأخبار، إلا أن الواقع الذي يبعث على الأسى هو أن
الصور المصطنعة موجودة منذ زمن طويل؛ ففي أيام حقبة الثلاثينيات من القرن الماضي —
تلك الحقبة الصعبة المليئة بالصراعات الداخلية — حمل المصورون أغراضًا استخدموها
لإحداث تأثيرات؛ مثل الدببة المحشوة والدمى المكسورة وحقائب اليد التالفة؛ فكانوا
يرمون هذه الأغراض في مواقع الجرائم أو حوادث السير ليجعلوا صورهم أكثر مأساوية. من
المفترض أن المصورين لم يعودوا يتلاعبون بأماكن الأحداث، إلا أنهم في بعض الأحيان
يفعلون ذلك؛ فعندما أراد أحد المصورين بالقرب من مدينة سياتل المزيد من الطابع
الدرامي في تغطيته لمراسم تأبين أحد رياضيي المدارس الثانوية، نقل واحدة من الصور
الضخمة لذلك الرياضي إلى واجهة المُصلَّى حتى تكون خلف المُشيعين الذين أراد
تصويرهم.
40
لم يضف مصورو الصحف الأوائل أغراضًا وأعادوا ترتيبها فحسب، بل أعادوا تكوين مواقع
أحداث بكاملها أيضًا؛ فلصنع تقرير مثير عن محاكمةٍ ما، كانوا يجعلون ممثلين يتخذون
أوضاعًا مصطنعة كما لو كانوا في قاعة محكمة. وكان المصورون يلصقون على وجوه
الممثلين صورًا للأشخاص الذين يشكلون بؤرة اهتمام الأخبار الفعلية. وعادةً ما كانت
التعبيرات على وجوهم غير مناسبة على الإطلاق، إلا أن إمكانيات التصوير المحدودة في
تلك الأيام جعلت من الصعب على القراء أن يَفطنوا إلى أن الصور لم تكن حقيقية.
استحضرت مجلة «تكساس مونثلي» هذا العمل الخطر في تسعينيات القرن الماضي، وطبقًا
لمجلة «وايرد» ألصقت المجلة رأس الحاكمة آن ريتشاردز إلكترونيًّا مرتين على
صورتَيْن لعارضَتَيْ أزياء؛ فبدت إحداهما وكأنها تُظهر ريتشاردز وهي ترقص مع
منافسها في سباق انتخابات الحاكم، وأظهرتها الأخرى جالسة منفرجة الساقين على دراجة
نارية من نوع هارلي ديفيدسون. قالت ريتشاردز إن جسدَي العارضتين كانا جميلين جمالًا
لا تستطيع معه الشكوى. إلا أن قراءً كثيرين شكَوْا. قال محررو مجلة «تكساس مونثلي» إن
الغِلافين قد أضرَّا بمصداقية المجلة ضررًا جعلهم يتوقفون عن استخدام أي أفعال
تَلاعُب قد تخدع القراء.
41
يمكن لأجهزة الكمبيوتر وبكفاءة عالية تغيير الصور الفوتوغرافية لدرجة أنه حتى
الخبراء لا يستطيعون التفرقة بين الصورة الحقيقية والملفقة. في إحدى الحوادث
الشهيرة، كان لدى أعضاء فريق مجلة «ناشيونال جيوجرافيك» صورة رائعة لجَمل في المقدمة
وهرم في الخلفية. إلا أنه لم يكن ممكنًا قطع الصورة بحيث يمكن للجمل والهرم أن
يظهرا معًا على غِلاف المجلة؛ لذا استخدموا جهاز كمبيوتر لضبط وتعديل الصور لتحريك
الهرم بحيث يتناسب مع مساحة الغلاف. وكان لصحيفة «أورانج كاونتي رجيستر» بولاية
كاليفورنيا مقصدٌ أكثر نبلًا في الاعتبار عندما غيرت صورة شاب كان سحَّاب سرواله
مفتوحًا؛ فأغلقه له فنيٌّ مستخدمًا برنامج تعديل ضبط وتعديل الصور الخاص بالصحيفة.
صانت صحف أخرى حياء أناس جرى تصويرهم بتكبير ملابس الرياضيين والأزياء الرياضية
للاعبات رياضة الكرة اللينة. وفيما يتعلق بتقرير عن وسائل الترفيه للبالغين في
المدينة، أعاد محررو صحيفة «لويفيل كورير جورنال» إعداد الصفحة الأولى بعد أن
أضافوا رقميًّا العديد من البوصات لرداء راقصة عارية كانت تؤدي حركة ركل لأعلى،
ولكونها كانت ترتدي لباسًا داخليًّا أسود رفيعًا، لاحظ المحررون أن قراءً كثيرين قد
يعتقدون أنها كانت عارية من نصفها السفلي.
42 أقرت الصحيفة فيما بعد بأنه كان ينبغي إبدال هذه الصورة بصورة
مختلفة.
في بعض الأحيان يستخدم المصورون الفوتوغرافيون برامج تعديل الصور لتحسين صورة ما
إلى حد أنها لا تعود تمثل الحدث الفعلي؛ فقد التقط مصور فوتوغرافي يعمل لحساب صحيفة
«ذا تشارلوت أوبزرفر» لقطة رائعة لرجل إطفاء رُسِمَت له صورة ظِلِّية قبالة غروب
للشمس بينما كان يُرفَع فوق حريق باستخدام شاحنة إطفاء مجهزة بسلم. قرر المصور
الفوتوغرافي أن يجعل الصورة أفضل بتحويل السماء إلى لون أحمر أكثر قتامة ومنح الشمس
هالة أكثر بروزًا. قبل ذلك بأعوام قليلة، اضْطُر نفس المصور الفوتوغرافي إلى إرجاع
جوائز من جمعية نورث كارولاينا للصحافة؛ لأنه كان قد أجرى تحسينات مماثلة على
الصورة التي كان قد اشترك بها. قرر المحررون أنه لم يعد يمكنهم الوثوق بعمله
وفصلوه.
بدَّل بعض المصورين الفوتوغرافيين صورًا بطرق تؤدي إلى تغيير استيعاب القراء
للخبر؛ فأثناء القتال بين إسرائيل وحزب الله اللبناني في عام ٢٠٠٦م، التقط مصور حر
استأجرته وكالة رويترز صورة أظهرت دخانًا يتصاعد من مدينة لبنانية كانت قد تعرضت
لهجوم من الإسرائيليين؛ فاستخدم المصور برنامج «الفوتوشوب» ليجعل أعمدة الدخان أكثر
ميلًا إلى السواد، وبعد ذلك نسخها في الصورة بأكملها. كانت النتيجة صورة أوحت بأن
الدمار في المدينة كان أسوأ مما يظهر عليه في الصورة الأصلية. عندما أشار المدونون
إلى التغييرات غير المتقنة، تخلصت وكالة رويترز منه كمصور حر، وراجعت أعماله
السابقة. وجد المحررون أنه أضاف العديد من «القذائف» الإضافية إلى صورة لطائرة
نفاثة إسرائيلية تطلق قذائفها على أهدافٍ في لبنان، وما عرَّفه في التعليقات على
أنه قذائف تقرر لاحقًا أنه كان ألسنة لهب.
في صحيفة «أل نوفو هيرالد» — التي تنشرها صحيفة «ذا ميامي هيرالد» — دمج المصورون
الفوتوغرافيون صورتين لتكوين صورة مصطنعة بحيث تنسجم مع تقريرٍ معادٍ لكاسترو عن
الدعارة في مدينة هافانا. دافع البعض عن الإصدار لأن مثل هذه الممارسات مُصطلَحٌ
عليها في إصدارات أمريكا اللاتينية على نحو أوسع، إلا أن المحررين في صحيفة «ذا
ميامي هيرالد» لم يقبلوا بتلك الحُجة.
43
بعض أشكال التلاعب بالصور تصنع ما هو أكثر من خداع القراء؛ إنها تدفعهم إلى
الغضب؛ فعندما قُبِض على لاعب كرة القدم الأمريكية أو جيه سيمبسون فيما يتصل بجريمة
قتل زوجته السابقة، كان لكل من مجلتي «تايم» و«نيوزويك» نفس الغلاف: التقاط الصورة
الجنائية التعريفية لسيمبسون في مقر الشرطة. ولكن، وهما موضوعتان جنبًا إلى جنبٍ في
أكشاك صحف البلاد، بدت المجلتان مختلفتين اختلافًا كبيرًا؛ فصورة سيمبسون على غلاف
مجلة «تايم» بدت أكثر شرًّا بكثير من صورته على غلاف مجلة «نيوزويك»؛ فمجلة «تايم»
جعلت وجهه مائلًا إلى السواد، وأجرت تغييرات متقنة في ملامحه. قال جيمس آر جاينز —
مدير تحرير المجلة — إن العاملين معه حولوا الصورة الجنائية إلى صورة روت القصة على
نحو أفضل، وأوضح أن الصورة أُشير إليها في صفحة محتويات المجلة بوصفها
«توضيح-تصويري»، إلا أن كثيرين شعروا بالإساءة من كون المجلة من الممكن أن تعبث
بالحقيقة في تغطيتها لموضوع صحفي يُنذر بالانفجار كهذا. البعض رأى إيحاءات عنصرية
في التعامل مع الصورة، وهي تهمة أنكرها جاينز بشدة.
44 أشار صحفيون كثيرون إلى أن معظم القراء لم يكن من الممكن أبدًا أن
يعرفوا أن الصورة كانت إيضاحية لو لم تستخدم مجلة «نيوزويك» نفس الغلاف.
45
غالبًا ما يكون لدى الصحف البريطانية مخاوف أخلاقية أقل حيال التلاعب بالصور.
اتهمت الصحيفة اللندنية المحافِظة «إيفنينج ستاندرد» مرشحًا ليبراليًّا بالنفاق لأنه
— حسب الصحيفة — وصف نفسه كذبًا بأنه رجل من الشعب. ومن أجل توضيح القصة الصحفية،
التقطت الصحيفة صورة فوتوغرافية للرجل وزوجته في حانة، وبعد ذلك أبدلت رقميًّا
مشروب البيرة الذي كانا يحتسيانه بزجاجة شمْبانيَا.
46 وأراد المحررون في صحيفة «ذا جارديان» أن يُجنِّبوا القراء الآثار
الدموية التي أعقبت تفجيرًا إرهابيًّا في مدريد؛ فأزالوا العديد من الأطراف البشرية
المبتورة من إحدى الصور.
47
دفعت القدرة على التلاعب بمقاطع الصوت والفيديو الصحفيين العاملين في الصحافة
المسموعة والمرئية إلى البحث عن مبادئ توجيهية جديدة بشأن ما هو مقبول. حصلت محطة
«كيه إل إيه إس-تي في» في لاس فيجاس على مشاهد مصورة لإطلاق نار داخل كازينو «هارا
لاس فيجاس.» أمكن للمشاهدين أن يتابعوا رجلًا مسلحًا وهو يقتل سائحًا ويُطْلِق
النَّارَ على حارس أمن. التُقِطت الواقعة كلها بواسطة الكاميرات الأمنية الموزعة في
كل مكان في الكازينو، وكانت المشكلة الوحيدة التي جابهت محطة «كيه إل إيه إس»
هي أن مقطع الفيديو المُلتَقط عبر كاميرات المراقبة لا يحتوي صوتًا؛ لذا سجل أحد
الفنيين صوت القعقعة المميز لماكينات القمار، ووجد بعض التسجيلات الصوتية للطلقات
النارية؛ فأضاف الأصوات إلى شريط الفيديو الخاص بواقعة إطلاق النار بالكازينو. قال
كارل جوتليب — مدير أخبار تليفزيونية سابق ونائب مدير المؤسسة البحثية غير الربحية
المسماة «مشروع الإجادة في الصحافة» — لصحيفة «لاس فيجاس ريفيو جورنال»:
إن إضافة تلك الأشياء كانت في حقيقة الأمر بلا داعٍ. من المؤسف أن
المحطات تشعر بأنه يجب عليها أن تفعل هذا. ماذا أضافت إلى استيعاب
المشاهدين للقصة الخبرية؟ فيما يتعلق بالأخبار، من المفترض في القصة
الخبرية أن تعرض الحقيقة، والحقيقة أنه لم يكن ثمة صوت (في مقطع الفيديو
المُلتَقط عبر كاميرات المراقبة).
48
تحاول مؤسسات إخبارية كثيرة ترسيخ سياسات للتعامل مع الأخلاقيات المتعلقة
بتكنولوجيا تعديل ضبط وتعديل الصور؛ فحظر بعضها أيَّ تلاعب بصور الأخبار، بينما ألزم
البعض الآخر المحررين بأن يذكروا تفصيلًا في التعليقات أيَّ تغييرات. سياسة صحيفة
«شيكاجو تريبيون» في هذا الشأن هي سياسة مقتضبة: «نحن لا نعدل الصور التحريرية،
انتهى.» وتتخذ صحيفة «ذا دالاس مورنينج نيوز» موقفًا مشابهًا. أما مؤسسة مديري
تحرير «أسوشيتد برس» فكانت أكثر حسمًا من ذلك؛ ففي تقرير عن ضبط وتعديل الصور
إلكترونيًّا، قالت مؤسسة مديري تحرير «أسوشيتد برس»: «من المفترض أن يكون هذا
متعلقًا بالتلاعب بالصور، ولكنه في الحقيقة أمر يتعلق بالكذب؛ كلما ازداد عبثنا
بالصور، ازددنا عبثًا بمصداقيتنا.»
49
البعض يتهكم على القلق الناجم عن التجهيزات والمعدات الجديدة. زعم لو هودجز —
حينما كان أستاذ الأخلاقيات المهنية بجامعة واشنطن ولِي — إن السبب الوحيد الذي
يجعل الناس ينزعجون من التكنولوجيا هو أنهم يصدقون الخرافة القائلة بأن الصور تصف
الحدث وصفًا موضوعيًّا. لا تلتقط الصور «ما حدث بالفعل». بدلًا من ذلك، فإن
المصورين الفوتوغرافيين يفرضون بالفعل ذاتيتهم على الصور عندما يقررون التقاط صورة
أو ألا يلتقطوا أخرى. وقال:
وما إن يُختار الحدث الجدير بالانتباه ويتواجد المصور الفوتوغرافي في
موقع الحدث، حتى يتبع ذلك أحكام تقديرية ذات أهمية بالغة: أي جانب من جوانب
موقع الحدث هو الأكثر أهمية وكيف يمكنني التقاطه؟ أي زاوية تصوير، أي
خلفية، أي إطار، أي إضاءة، أي بُعد، أي لحظة هي الأنسب لالتقاط
الصورة؟
أشار هودجز أيضًا إلى أنه حتى في غرفة تحميض تقليدية، اعتاد المصورون
الفوتوغرافيون استخدام تقنيات مثل الحرق (زيادة التعريض للضوء) والتفتيح (تقليل
التعريض للضوء) للتركيز على أجزاء من الصورة، وبعد ذلك أثناء عملية القص، يجري حذف
عناصر لا تضيف إلى ما يركز عليه المصور الفوتوغرافي في الأساس. ومن وجهة نظره أن
التحدي الحقيقي لاستخدام برنامج «الفوتوشوب» هو تعلم استخدامه لصنع صور
أفضل.
50
أعادت الجمعية الوطنية للمصورين الصحفيين النظر في مدونة القواعد الخاصة بها في
عام ٢٠٠٤م لتأخذ في الاعتبار التكنولوجيا الآخذة في التغير. في السابق أقرت الجمعية
بالحاجة إلى بعض التلاعب؛ كزيادة الضوء على وجه لاعب كرة قدم أمريكية على سبيل
المثال، ولكن تنص مدونة القواعد الجديدة على ما يلي:
ينبغي أن يحافظ التحرير على استقامة محتوى وسياق الصور الفوتوغرافية. لا
تتلاعب بالصور ولا تضف أو تعدل الصوت بأي طريقة يمكن أن تضلل المشاهدين أو
تسيء عرض موضوع ما.
51
أجرى الباحثون بجامعة ويسكونسن استطلاعًا للرأي بين مصوري الأخبار الفوتوغرافيين،
ووجدوا أن ٢٩ بالمائة منهم قالوا إنهم قد يزيلون أسلاك الهاتف من صورة ما إذا ما
انتقصت من قيمة الصورة، وقال ٢٧ بالمائة إنهم قد يغلقون سَحَّاب سروال، وقال ١٩ بالمائة
إنهم قد يدمجون صورتين لإخراج مشهد أفضل.
52 يود مصورون فوتوغرافيون آخرون أن يرَوْا وسائل الإعلام الأمريكية تطبق
نظامًا يشبه النظام الذي يطبقه النرويجيون؛ فوسائل الإعلام هناك اتفقت على وضع رمز
تحذيري على كل الصور الفوتوغرافية المُعدَّلة، حتى وإن كانت التعديلات طفيفة
نسبيًّا.
53
(٦) السرقة الأدبية
بعد أن سرق كاتب مقالات رياضي يعمل لحساب صحيفة «سان أنطونيو إكسبرس نيوز» العديد
من الصور الفوتوغرافية من عمود في صحيفة «فورت وورث ستار تليجرام»، نشرت الصحيفة
اعتذارًا في قِسْمِها الرياضي، وأقامت لقاءً جرى فيه تذكير الكتاب الرياضيين بشرور
السرقات الأدبية. في اليوم التالي كان كاتب المقالات يقرأ صحيفة «ذا هيوستن
كرونيكل» ووجد أن الصحيفة قد حذفت اقتباسات من تحقيق صحفي كان قد كتبه.
إن انعدام نزاهة كهذا أمر يصبح على درجة كبيرة من الخطورة عندما يرتكبه طالب
جامعي، ولكنه يمكن أن يكون مدمرًا للمستقبل المهني في حالة كاتب محترف؛ فبعد فترة
قصيرة من فصل صحيفة «ذا بوسطن جلوب» لكاتبة المقالات باتريشيا سميث لتلفيقها
موضوعات صحفية، أوقفت كاتب المقالات الشهير مايك بارنيكل — الصحفي المخضرم بالصحيفة
على مدار ٢٥ عامًا — لتكراره نكاتًا دون أن ينسبها إلى كتاب جديد، للكاتب والفنان
الكوميدي جورج كارلين. في بادئ الأمر قال بارنيكل للمحررين إنه لم يقرأ مطلقًا كتاب
كارلين؛ بَيْد أن محطة تليفزيونية محلية أعادت مشهدًا مسجلًّا لبارنيكل يوصي فيه
بالكتاب أثناء ظهور تليفزيوني له.
54
أجبرت صحيفة «سان بيترسبرج تايمز» مُراسِلةً على الاستقالة بعدما انتحلت ما يقارب
ثلث مقال عن بطاقات الائتمان من مجلة «تشينجينج تايمز» كما لو كان من عِندها.
فوضعت خطابًا في لوحة نشرات غرفة الأخبار في يوم استقالتها كُتِب فيه:
اثنتا عشرة عامًا من الصحافة المتفانية تذهب هدرًا بسبب خطأ سخيف. إنني
أكتب هذا التوضيح العلني لسبب أناني، سيكون من الأسهل لي أن أعيش مع ذاتي
وأنا أعرف أن الحقيقة يعرفها الجميع، ولكنني أتمنى أن يكون خطئي بمثابة درس
للآخرين. لقد خذلت صحيفة «تايمز.» ولكن الأهم من ذلك كله، أنني خذلت
المهنة؛ ولذلك السبب أنا جد آسفة.
55
ترك تحقيق إخباري عن الفقر في سان فرانسيسكو — كتبه مراسل شاب كان قد تخرج لتوه
من كلية الصحافة — انطباعًا قويًّا لدى محرري صحيفة «سان جوزيه ميركري نيوز». وكان
لديهم انطباع مختلف كثيرًا عن المراسل عندما علموا أن الفقرات الخمس الأولى كانت
نسخةً معدلةً تعديلًا طفيفًا من تقرير صحفي كان قد ظهر في صحيفة «ذا واشنطن بوست».
أجرى المراسل تغييرات من عينة تحويل كلمة «نصف-قرن» إلى «نصف قرن» و«العاملون الذين
تدفقوا على المدينة» إلى «العاملين المنعزلين الذين تدفقوا على المدينة».
56
قد تُعَبِّر هذه الأمثلة عن مشكلة قد تفشت على نحو مثير للاستغراب، وفي هذا الشأن
قال الناشر السابق لصحيفة «ناشفيل تينيسيان» ومدير تحرير صحيفة «يو إس إيه توداي»
جون سيجنثالر:
إنني على ثقة أن السرقة الأدبية تحدث بصورة أكثر تكرارًا مما يعرف أيٌّ
منا. يُعزى جانب منها إلى التكنولوجيا الحديثة، ولكنَّ جانبًا أوسع منها هو
مجرد سوء فهم عادي وغياب للإحساس. وفي بعض الأحيان تعود إلى انعدام تام
للأخلاق.
57
يمارس الصحفيون العاملون في الصحافة المسموعة والمرئية أيضًا السرقة الأدبية.
أخبر ستيفن آيزاكس — وهو معد سابق في شبكة «سي بي إس» الإخبارية والعميد المعاون
السابق لكلية الصحافة بجامعة كولومبيا — صحيفة «ذا بوسطن جلوب» قائلًا: «لقد جرت
مئات وقائع السرقة الأدبية التي أنا على علم بها.»
58
من المعلوم أن بعض محطات التليفزيون والإذاعة الصغيرة تقرأ الأخبار مباشرة من
الصحف المحلية دون أن تنسبها إليها. شعر المراسلون والمحررون العاملون بصحيفة
«تايمز آند إيجل» بمدينة ريدينج، بولاية بنسيلفانيا، بغضب شديد حتى إنهم أقنعوا
الإدارة بمقاضاة محطة محلية. يقف غالبية المديرين التنفيذيين للشبكات الإخبارية
الإذاعية موقفًا معارِضًا لسرقة الأخبار. سكوت ويت — مدير الأخبار في محطة «دبليو
دي سي بي» الإذاعية في قرية جلين إلين بولاية إلينوي — قال: «أي صحفي إذاعي يتمتع
بقدر من الكفاءة والمقدرة سينسب الخبر إلى مصدره.» إلا أن قلة عدد العاملين وخسارة
الكثير من المراسلين ذوي الخبرة بانتقالهم إلى وسائل إعلامية أخرى قد «وضعا قلم
التحرير في يد أقوام غير مؤهلين»، حسب قوله.
59
يسرت التكنولوجيا أمر جلب تقارير إخبارية من المؤسسات الإخبارية الأخرى سريعًا؛
فيمكن للمراسل أن يتصل بالإنترنت أو بقواعد بيانات مثل موقع ليكسس نيكسس، ويقرأ ما
تُقدمه الصحف والمحطات التليفزيونية والإذاعية ووكالات الأنباء في أنحاء العالم.
صرفت صحيفة «شيكاجو صن تايمز» كاتب مقالات بعد أن اعترف بأنه استخدم معلومات في
أعمدته لم يوردها بنفسه ولكنه جمعها عن طريق بحث حاسوبي في قواعد البيانات. واعترف
بفضل أمناء المكتبة العاملين بالصحيفة الذين عاونوه في البحث، ولكنه لم يفعل ذلك مع
الصحف التي أنتجت المادة الإخبارية، حسب مجلة «إديتور آند ببليشر».
60
السرقة الأدبية لا تنطوي دومًا على نسخ أجزاء من كتابات كاتب آخر؛ فبعض المراسلين
يعيدون استخدام الاقتباسات؛ فهم يرَوْن اقتباسًا جيدًا من مصدر ما في صحيفة أخرى أو
في التليفزيون. بعد ذلك يستخدمون ذلك الاقتباس في موضوعاتهم دون التنويه عن عمل
المراسل الأصلي. كتب كاتب المقالات في صحيفة «سان أنطونيو إكسبرس نيوز» — الذي
ضُبِط يسرق من صحيفة «فورت وورث ستار تليجرام» — رسالة إلى القراء يوضح فيها أنه لو
كان اعترف بفضل المراسل صاحب الاقتباسات في الأصل، «لكان قد تجنب أي مظهر من مظاهر
السرقة الأدبية، ولكان أسهم — في الواقع — في الثناء على عمل زميل من صحيفة أخرى من
صحف تكساس. مع الأسف، لم يحدث ذلك.»
61
لا يحتاج الأمر إلى كلمات كثيرة لتعترف بفضل كاتب آخر. هذه ثلاثة أمثلة نقلت فيها
صحيفة «أورلاندو سنتينل» معلومات من تقارير إخبارية أخرى ولكنها نسبت المعلومات إلى
مصدرها:
«متى وُجِدت حالة وفاة مشتبه فيها، فسيكون من شأن ذلك أن نجري تحقيقًا
لتحديد كيفية وفاة الشخص.» أخبر برادلي نيلي — كبير مفتشي مكتب الطب الشرعي
— شبكة قنوات «أسوشيتد برس» للأخبار التليفزيونية.
فرانكي أندرو وزميل سابق في فريق أرمسترونج رفض ذكر اسمه؛ لأنه ما زال
يعمل في قيادة الدراجات، أخبرا صحيفة «ذا نيويورك تايمز» أنهما لم يريا
أرمسترونج يتعاطى أي مواد محظورة مطلقًا.
تقر لافافي البالغة من العمر ٢٥ عامًا — التي أصبحت مصدر ضجة كبيرة في
صحف التابلويد بعد القبض عليها في عام ٢٠٠٤م — أيضًا بأن ضحيتها ربما —
وأقتبس كلماتها حرفيًّا — «سيواجه صعوبة في الثقة في النساء في يوم من
الأيام. أنا على يقين أنه لا بد أنه يحيا وهو يحمل وشايته بي» انتهى
الاقتباس، حسب نص مدون حرفيًّا مستخرج من المقابلة مع مات لاور التي نشرتها
شبكة «إن بي سي» يوم الثلاثاء.
على أن — وكما أشارت إليانور راندولف في صحيفة «ذا واشنطن بوست» منذ أعوام
عديدة: «أسهل الوسائل لتجنب الوقوع في السرقة الأدبية هو أن تُقر بفضل من اقتبست
منه. ومع ذلك، قلة من الصحفيين هم الذين يحرصون على أن ينسبوا الفضل
لأهله.»
62
هوامش