كن عدوًّا للمرأة
صِحتُ في يوم من أيام الربيع، هبَّ فيه على وجهي نسيم لطيف، ووقعَت عيني على أغصان تتمايل، وأزهار مفتحة تتضاحك: أيها الشيطان! يا شيطان الفن! يا سجاني وجلادي! أطلقني من أغلالك قليلًا! إني أريد الحب! إني أريد المرأة!
فابتسم شيطاني ولم يزِد على أن قال ساخرًا: المرأة مخلوق تافه!
– كلَّا.
– بلى. إنها ليست جديرة بك أيها الفنان الخلَّاق. إنها مخلوق تافه صُنعت من ضلعٍ تافه من أضلاع آدم، وخرجت من الجنة وأخرجته بسبب تافه. فهي في الحقيقة ما وُجدَت إلا لتحشو ثغرات الحياة، وتسدَّ فراغ الأيام والليالي بالأشياء التافهة.
– ولكن المرأة هي التي تُدخِلنا النعيم.
– وهي التي تخرجك منه. وقد أخرجت آدم من قبل بالفعل. فاحذر أن تقبل جنة ونارًا من صنع المرأة، واحرص كل الحرص أن تكون سيد نفسك، وأن تصنع لنفسك نعيمًا وجحيمًا لا تعرفهما المرأة. إن جنتك لا ينبغي أن يكون فيها حية ولا تفاح. فهي جنة هادئة صافية … جنة الفكر والتأمل والخلق والإبداع إذا دخلتها امرأة حلَّت فيها الفوضى، وانفرطَت عقود درها المنظوم، وتحطمَت تماثيلها المرمرية. أما جحيمك فهو مملوء بعذاب الشك والقلق الفكري، وعذاب القصور عن إدراك الكمال الفني؛ آلام لا تفهمها المرأة كذلك، ولا يمكن أن تعترف بها. فأنت ترى أن في نفسك «منطقة مقدَّسة» لا أسمح ولا ينبغي أنت أن تسمح لامرأة بالدنوِّ منها.
– ولكني أتوق أن أعيش لحظة مع امرأة!
– تستطيع أن تعيش دائمًا مع شبح امرأة. ولكن أي امرأة؟! إن تلك التي سمحتُ لك بإدخالها جنتكَ ينبغي أن تكون امرأة لا ككل النساء. إنها النور بغير مصباح، وهي قطرات النشوة بغير خمر. هي عروس لها جسم المرأة وكل شيء جميل في المرأة، متدثِّرة في رداءٍ من خيالك الذهبي، ولكَ ما هو جميل في نفسكَ قد أسبغته أنت عليها حُللًا رائعة. هي ملكة جنتك التي توحي إليك بخير ما تخرِج وما تبدِع. فالمرأة التي لها شأن في حياتك هي كما ترى ينبغي أن تكون من صُنع يدكَ ومن مخلوقات رأسكَ.
– إن الحقيقة أحيانًا أبرع من الخيال، وإن الحياة لقديرة أحيانًا أن تقذف إلى سطحها بلؤلؤةٍ في شكل امرأة تسطع من بين ملايين أصدافها. فلماذا أيها الشيطان لا تسمح لي مرةً بما سمحت به للآخرين؟
– لا أستطيع أن أسمح لك، ولستَ أنت وحدك، فلقد وجدتُ هذه الأسطر الدامغة في ورقة منفصلة بين مخلفات «بيتهوفن»: «الحب، ليس غير الحب، هو وحده الذي يستطيع أن يجعل حياتي سعيدة. آه يا إلهي! دعني أجدها أخيرًا، تلك التي في مقدورها أن تدعم فضائلي، تلك التي قد سُمح لي أن تكون زوجتي…» ومات بيتهوفن ولم يُسمح له.
– لماذا؟
– لأنك أيها الفنان عبقرية خالقة، وُجدتَ لتخلق وتعطي لا لتسأل وتأخذ.
– مثل الطبيعة.
– نعم، أنت والطبيعة سيَّان. كلاكما يعيش في الحرمان، وكلاكما سرُّ وجوده أن يعطي ولا يأخذ.
– آه، ولكن الطبيعة قوية جبارة، أما أنا فآدمي مسكين. إنها لا تتألم، أما أنا فأتألم إذ أرى الحياة تزول من تحت قدمي ولم يُسمح لي بحظٍّ قليل من الهناء الذي يُسخى به على بقية الآدميين!
– الآدميين؟ ومن قال إنك منهم أيها الفنان؟! عندما كتِب عليك أن تضع على منكبيكَ رداء «العبقرية والخلق» خُلعَت عنك في الحال بعض خصائص الآدميين!