بين الحلم والحقيقة
(أحدهما شبح الآخر.)
هو
:
صانع تماثيل، قد جلس أمام تمثال صنعه لأميرة فرعونية.
هي
:
زوجته، جميلة تشبه التمثال.
هو
(يرنو إلى التمثال)
:
نفريت! ما أجملك! عيناك في صمتهما العجيب تابوتان لامعان،
يرقد في أحدهما الحب، وفي الآخر … الحب.
هي
(لزوجها الفنان)
:
ألن تكفَّ عن مخاطبة هذا التمثال الصخري؟
هو
:
نفريت ليست من الصخر.
هي
:
إنك جننتَ.
هو
:
إني أحب.
هي
:
تحب تمثالًا من الصخر؟
هو
:
إنها ليست من الصخر، أللصخر حرارة وأنفاس؟
هي
:
تلك حرارتك وأنفاسك.
هو
:
نفريت! ألمس جسمك الحارَّ فيرتجف جسمي الملتهب.
هي
:
إنما جسمك يلتهب من الحمَّى.
هو
:
ما أجملك يا نفريت! رأسكِ ذو الشعر الأسود شمس من الأبنوس،
رأسك اللامع كرة ساحر تبهر بصري وتثقل رأسي. إنني أشعر الآن
بدوار.
هي
:
لا تُطل النظر إلى هذا الصخر اللامع (ترده عن
التمثال).
هو
:
دعيني يا امرأة!
هي
:
كلَّا. لن أدعكَ هذه المرة. لقد ضقت ذرعًا بهذا التمثال … لا
تحدق فيه ببصرك … إنك تحلم … أقسم أنك في حُلم.
هو
:
دعيني يا امرأة!
هي
:
أصغِ إليَّ لحظة، أتوسل إليك أن تصغي إليَّ.
هو
:
نفريت. ما أجملك يا نفريت! صوتك الرقيق فراش جميل الألوان
يطير في لطفٍ ورقةٍ من جوف زنبقة حمراء!
هي
:
وصوتي أنا، ألا تسمعه؟
هو
:
نفريت!
هي
:
إنما أنا التي تحبكَ … ألا تسمع صوتي أنا؟ ألم يعد رقيقًا
كأجنحة فراش جميل الألوان، وشعري … ألم يعد شمسًا من الأبنوس.
لِمَ تنادي نفريت بما كنت تناديني به من قبل؟
هو
:
نفريت! لن يُصنع مثلك بغير أن تفنى عبقرية ألف إله. ولن
يَخلُق نظيرك إلهٌ دون أن يُجن!
هي
:
أيها المجنون … لا سواي في الوجود؟ … انظر إليَّ أنا … لِمَ
تنعت نفريت بما كنت تنعتني به من صفات؟
هو
:
بي ظمأٌ إليك يا نفريت!
هي
:
وأنا … أما بكَ ظمأ إليَّ؟ لماذا لا تأخذ رأسي بين يديكَ كما
كنت تفعل، لترتشف من فمي عصير اللآلئ؟
هو
:
قبلات نفريت … عسل من نار، بل خمر من عصير اللآلئ في كأس من
نار.
هي
:
ويحك! تلك صفاتي … أسمائي التي كنت تُطلقها عليَّ أنا وحدي …
أنا جمالكَ الوحيد، أنا عندكَ منبع الحسن الخالد.
هو
:
من أنتِ؟
هي
:
من أنا؟! ألا تعرفني؟ إني أبغضكَ
هو
:
إنها لا تبغضني، إنها تحبني، إنها لا تحب «أسرتسن» … آه …
الغيرة.
هي
:
الغيرة؟
هو
:
جعران مخيف يسير فوق شغاف قلب.
هي
(تضحك)
:
أنا؟ أغار من تمثال؟ أنا أغار من جمال كاذب!
هو
:
أنا الذي يغار من زوجها «أسرتسن». إنه إلى جانبها أبدًا …
فوق عرش واحد … تحوطهما هالة من أنفاس الآلهة … وتحفهما العبيد
بمراوح النخيل.
هي
:
أنتَ في حُلم … أقسم أنكَ في حُلم.
هو
:
بل في يقظة هنيئة … إنها معي أبدًا، إنها ترنو إليَّ بعينَين
من ذهب.
هي
:
أيها النائم … وعيناي أنا … ألا تراهما؟
هو
:
من أنتِ؟
هي
:
انظر إلى عيني.
هو
:
عيناكِ من نحاس
هي
:
إنكَ لم تبصرهما، أنتَ لا تريد أن تبصرهما، آه. لِم صُنع هذا
التمثال؟
هو
:
نفريت … رأسك اللامع بين يدي كوكب أسود بين يدي إله، كوكب لا
نهار له.
هي
:
ورأسي أنا أيها المجنون، ألا تراه؟
هو
:
من أنتِ؟
هي
:
انظر إلى شعري الأسود اللامع.
هو
:
رأسكِ ليل له نهار.
هي
:
إني أمقتكَ مقتًا شديدًا، وأبغضكَ أكثر مما تبغضني، وأمقت من
تحب، وأبغض هذا التمثال.
هو
:
نفريت! أنتِ لي وحدي، أنتِ كوكبي، فلنسبح سويًّا في بحار
الفضاء تاركَين خلفنا أسرتسن … ولنبحث عن جزيرة الهناء الدائم
… تلك الجزيرة التي خلقَتها الآلهة لأنفسها ثم فقدَتها … هلمي
بنا نبحث عنها معًا فربما حظنا أوفر من حظ الآلهة.
هي
:
أقسم أنك في حُلم، لكني سأوقظكَ.
هو
:
نفريت … جزيرة الهناء الدائم ليست في محيطات الفضاء كما تزعم
الآلهة … عبثًا تبحث عنها الآلهة في محيطات الأثير … جزيرة
الهناء الدائم المفقودة لا يعرف مقرها غيري … ميلي بأذنكِ نحوي
كي أهمس لكِ بمكانها. أتدرين أين جزيرة الهناء الدائم؟ هي ليست
في محيطات الفضاء، هي في محيط … عينيكِ.
هي
:
محيط عينيها … سأجعلكَ تفيق من تأثير عينيها. انظر، ماذا ترى
بيدي؟
(تأتي بمطرقة من الحديد.)
هو
:
لا تقرَبي نفريت.
هي
(تحطم رأس التمثال)
:
انظر هذا الكوكب الأسود تمحوه المطرقة!
هو
:
آه.
هي
:
وهذا الجسد الجميل الحار يتفتت قطعًا باردة تحت ضربات
المطرقة.
هو
:
آه.
هي
:
والآن … انهض واجمع أجزاء نفريت الخالدة!
هو
(يفيق)
:
أين أنا؟ … أحس دوارًا، أين الرأس اللامع؟
هي
:
ها هي ذي تحت قدمَي نفريت ورأسها اللامع … وعيناها اللامعتان
اللتان أنامتَاك طويلًا … الآن أنتَ لي وحدي.
هو
:
أين أنا؟ وأين كنتُ؟
هي
:
لست أدري أين كنتَ! إنما أنتَ الآن هنا معي وقد عدتَ
إليَّ.
هو
(ينظر إليها مليًّا)
:
أيتها العزيزة، أنا هنا معكِ! اجلسي إلى جانبي.
هي
:
لماذا تطيل إليَّ النظر هكذا؟
هو
:
كأن رأسك شمس سوداء.
هي
:
بل ليل له نهار.
هو
:
كوكب من الأبنوس … وعيناك، كأن عيناك من ذهب.
هي
:
عيناي من نحاس.
هو
:
عيناك بحيرتان صافيتان يسبح في إحداهما الحب وفي الأخرى …
الحب!
هي
:
ألي هذا القول أم لنفريت؟
هو
:
مَن نفريت؟
هي
:
ألا تعرفها؟
هو
:
لا أعرف سواكِ يا عزيزتي في الوجود. ما أجملكِ! كم أودُّ لو
تناولتُ رأسكِ الأبنوسي بين يدي وأرشف من فمكِ رحيقًا في لون
الورد. بل خمرًا من عصير اللآلئ في كأس من ورد.
هي
:
أرجو منكَ ألا تخاطبني بما كنتَ تخاطب به نفريت.
هو
:
من نفريت؟
هي
:
ألم ترَها؟
هو
:
كلا … لم أرَ غيرك. إني أريد أن أبحث في محيط عينيكِ عن
الهناء الدائم.
هي
:
دعني! إنك ترى فيَّ الآن ما كنتَ ترى في الأخرى.
هو
:
مَن هي الأخرى؟! ليس في الحياة غيركِ أنتِ؛ لأن الطبيعة لن
تخلق سواكِ. وأي إله يصنع مثيلكِ دون أن يتهم بالتزييف!
هي
:
آه! هذا ما قلته لها أيضًا!
هو
:
لمن؟
هي
:
أترى …
هو
:
ماذا؟
هي
:
تُرى أكنت أنا هي؟ أم شبحها؟
هو
:
من هي؟
هي
:
أشربت شيئًا؟
هو
:
كلَّا.
هي
:
أتذكر أسطورة «السكير وزوجته»؟ لقد كان يسرق حلى زوجته؛ كي
يسبغه على خليلته، ثم يسرق حلى خليلته كي يخلعه على
زوجته.
هو
:
ومن خليلته؟
هي
:
زوجته.