الفصل الثالث

(غرفة الطعام في منزل سورين. من اليمين واليسار بابان، صوان بوفيه. صوان أدوية. في وسط الغرفة طاولة. حقيبة وعلب كارتون. آثار الاستعداد للرحيل ظاهرة. تريجورين يفطر، وماشا تقف بجوار الطاولة.)

ماشا : كل هذا أرويه لك ككاتب. يمكنك أن تستخدمه. أقول لك عن صدق: لو أنه جرح نفسه جرحًا خطيرًا لما عشت لحظة واحدة، ولكني شجاعة مع ذلك. ها قد قررت:
سأنزع هذا الحب من قلبي، سأنزعه من جذوره.
تريجورين : بأي طريقة؟
ماشا : سأتزوج من مدفيدينكو.
تريجورين : من المدرس؟
ماشا : نعم.
تريجورين : لا أفهم، ما الداعي؟
ماشا : لا معنى للحب بلا أمل، وانتظار شيء ما سنوات طويلة … ما إن أتزوج حتى لا يعود هناك وقت للحب، الهموم الجديدة ستطغى على كل القديم. ثم إنه، رغم كل شيء، تغيير. ألا نكرر؟
تريجورين : ألن يكون كثيرًا؟
ماشا : ماذا تقول؟! (تصبُّ كأسَين) لا تنظر إليَّ هكذا. النساء يشربن أكثر مما تظن، الأقلية يشربن علانية، مثلي، أما الأغلبية فسرًّا. نعم. ويشربن في الأغلب فودكا أو كونياك. (تقرع كأسها بكأسه) تمنياتي! أنت رجل بسيط، ومن المؤسف فراقك.

(يشربان.)

تريجورين : أنا نفسي لا أرغب في الرحيل.
ماشا : فلتطلب منها أن تبقى.
تريجورين : كلا، الآن لن تبقى. ابنها أصبح سلوكه بعيدًا عن أي لباقة. مرة أطلق النار على نفسه، والآن يقال إنه ينوي دعوتي للمبارزة. فلأي غرض؟ يغضب، ويبدي سخطه، ويدعو لأشكال جديدة … حسنًا، ولكن هناك متسع لها جميعًا. الجديدة والقديمة، فلماذا التزاحم؟
ماشا : ثم الغيرة منك. وعمومًا فليس هذا شأني.

(صمت.)

(ياكوف يمر من اليسار حاملًا حقيبة، تدخل نينا وتتوقف عند النافذة.)

مدرسي هذا ليس كبير الذكاء ولكنه رجل طيب وفقير، ويحبني جدًّا، أنا أرثي له. وأرثي لأمه العجوز. حسنًا، دعني أتمنى لك كل خير. لا تذكرني بسوء. (تصافحه بقوة) ممتنة لك جدًّا على حسن معاملتك. فلترسل لي كتبك، وعليها إهداء حتمًا، لكن لا تكتب «الموقرة» بل ببساطة: «إلى ماريا التي لا تذكر القرابة والتي لا يُعرف لأي غرض تعيش في هذه الدنيا.» وداعًا! (تنصرف).
نينا (تمد نحو تريجورين يدها بقبضة مضمومة) : فردي أم زوجي؟
تريجورين : زوجي.
نينا (متنهدة) : كلا. ليس في يدي غير حبة واحدة. وقد خمنت لنفسي: هل أتجه نحو التمثيل أم لا؟ لو ينصحني أحد.
تريجورين : هنا لا يمكن النصح.

(صمت.)

نينا : إننا نفترق و… على الأرجح لن نلتقي أبدًا. أرجو أن تقبل مني للذكرى هذه الميدالية الصغيرة. لقد أمرت بحفر الأحرف الأولى من اسمك عليها … ومن هذه الناحية عنوان روايتك «الأيام والليالي».
تريجورين : يا لها من رشيقة! (يقبِّل الميدالية) هدية ساحرة!
نينا : تذكَّرْني أحيانًا.
تريجورين : سأتذكر. سأتذكرك كما كنت في ذلك اليوم المشرق، أتذكرين؟ منذ أسبوع، عندما كنت في فستان فاتح … تحدثنا آنذاك … وعلى الأريكة كان ممددًا نورس أبيض.
نينا (مستغرقة في التفكير) : نعم، نورس …

(صمت.)

لا يمكننا مواصلة الحديث، إنهم قادمون … قبيل السفر أعطني دقيقتَين، أتوسل إليك … (تنصرف يسارًا).

(يدخل من اليمين دفعة واحدة أركادينا وسورين مرتديًا حلة رسمية بنجمة، ثم ياكوف المهموم بترتيب المتاع.)

أركادينا : ابقَ أيها العجوز هنا. إلى أين تريد الذهاب بروماتيزمك هذا؟ (لتريجورين) من الذي خرج من هنا؟ نينا؟
تريجورين : نعم.
أركادينا : Pardon، أزعجناكما … (تجلس) يبدو … رتبت كل شيء. تعبت للغاية.
تريجورين (يقرأ على الميدالية) : «الأيام والليالي» صفحة ١٢١ السطران ١١، ١٢.
ياكوف (ينظف الطاولة) : أتأمرون بجمع السنانير أيضًا؟
تريجورين : نعم، سأحتاج إليها. أما الكتب فأعطها لأي شخص.
ياكوف : حاضر.
تريجورين (لنفسه) : صفحة ١٢١، السطران ١١، ١٢، ترى ماذا في هذَين السطرَين؟ (لأركادينا) هل توجد مؤلفاتي هنا في البيت؟
أركادينا : عند أخي في مكتبه، في الصوان الركني.
تريجورين : صفحة ١٢١ … (ينصرف)
أركادينا : حقًّا يا بتروشا، فلتبقَ في البيت …
سورين : أنتم راحلون، سأشعر بالكآبة بدونكم هنا.
أركادينا : وماذا في المدينة؟
سورين : لا شيء ذو أهمية، ومع ذلك (يضحك) سيضعون حجر الأساس لمبنى مجلس الإقليم وخلافه … أريد ولو لساعة أو ساعتَين أن أنفض عني هذه الحياة التافهة؛ فقد بقيت ملقًى كمبسم سجاير قديم. أمرت بتجهيز الخيول في الساعة الواحدة، سنرحل معًا.
أركادينا (بعد فترة صمت) : حسنًا. ابقَ هنا ولا تضجر، لا تمرض. راقب ابني. حافظ عليه. أرشده.

(صمت.)

ها أنا ذا أرحل دون أن أعرف لماذا أطلق قسطنطين النار على نفسه. يبدو لي أن السبب الرئيسي كان الغيرة، وكلما أسرعت بإبعاد تريجورين عن هنا كان أفضل.
سورين : ماذا أقول لك؟ كانت هناك أسباب أخرى. شيء مفهوم؛ فهو شاب، ذكي، يعيش في قرية، في ركن معزول، بلا نقود، بلا مركز، بلا مستقبل. بدون أي عمل. يخجل من فراغه ويخشاه. إنني أحبه للغاية، وهو أيضًا متعلق بي، ومع ذلك، وفي نهاية الأمر، يبدو له أنه زائد عن الحاجة في البيت، وأنه طفيلي، عالة. شيء مفهوم، عزة النفس …
أركادينا : يا ويلي منه! (مستغرقة في التفكير) ربما ينبغي أن يلتحق بوظيفة …
سورين (مصفرًا، ثم بتردد) : يبدو لي أن أفضل شيء لو أنك … أعطيته بعض النقود. فقبل كل شيء هو بحاجة إلى ملابس تليق بإنسان وخلافه. انظري، إنه لا يخلع عنه هذه البدلة الحقيرة ثلاث سنوات، وليس لديه معطف … (يضحك) ثم إن الشاب بحاجة إلى التسلية قليلًا … ربما يستحسن أن يسافر إلى الخارج … هذا لا يكلف كثيرًا.
أركادينا : بل يكلف … ربما أقدر على البدلة، أما السفر إلى الخارج … كلا، الآن لا أقدر حتى على البدلة. (بحزم) ليس لديَّ نقود!

(سورين يضحك.)

ليس لديَّ!
سورين (مصفرًا) : هكذا. عفوًا يا عزيزتي، لا تغضبي. أنا أصدقك … أنت امرأة سمحة، نبيلة.
أركادينا (من خلال الدموع) : ليس لديَّ نقود!
سورين : لو كان لديَّ نقود لأعطيته، هذا مفهوم، ولكني لا أملك شيئًا، ولا خردة. (يضحك) كل معاشي يستولي عليه الخولي وينفقه على الزراعة، وتربية المواشي، وتربية النحل، وتضيع نقودي هباءً؛ فالنحل ينفق، والأبقار تنفق، أما الخيول فلا يقدمونها لي أبدًا …
أركادينا : نعم، أنا لديَّ نقود، ولكني ممثلة. الأزياء وحدها أفلستني تمامًا.
سورين : أنت طيبة، رقيقة … أنا أحترمك … نعم … ولكني أشعر ثانية بذلك اﻟ… (يترنح) رأسي يدور. (يتشبث بالطاولة) أشعر بدوار وخلافه.
أركادينا (بذعر) : بتروشا! (تحاول إسناده) بتروشا يا عزيزي … (تصرخ) ساعدوني! ساعدوني! …

(يدخل تريبليف معصوب الرأس، ومدفيدينكو لديه إغماء!)

سورين : لا بأس، لا بأس … (يبتسم ويشرب ماءً) انتهى كل شيء … وخلافه …
تريبليف (لأمه) : لا تخافي يا ماما، هذا ليس خطيرًا. أصبح ذلك يحدث له كثيرًا. (لخاله) يلزمك أن ترقد في الفراش يا خالي.
سورين : قليلًا، نعم … ومع ذلك سأذهب إلى المدينة … سأرقد قليلًا ثم أسافر … شيء مفهوم … (يسير معتمدًا على عصًا).
مدفيدينكو (يقوده من تحت إبطه) : اسمع هذا اللغز: في الصباح يسير على أربع، وفي الظهر على اثنتَين، وفي المساء على ثلاث …
سورين (يضحك) : بالضبط. وفي الليل على ظهره. أشكرك، أستطيع أن أمشي بنفسي …
مدفيدينكو : دعك من الكلفة!

(ينصرف مع سورين.)

أركادينا : كم أفزعني!
تريبليف : الحياة في الريف ضارة بصحته. إنه يشعر بالوحشة. لو أنك يا ماما تكرمت عليه وأقرضته حوالي ألف وخمسمائة أو ألفَين، لاستطاع أن يعيش في المدينة عامًا كاملًا.
أركادينا : ليس لديَّ نقود. أنا ممثلة ولست بنكيرة.

(صمت.)

تريبليف : ماما، غيِّري لي الضمادة. أنت تجيدين ذلك.
أركادينا (تستخرج من الصوان اليودفورم ودرجًا به مواد التضميد) : لقد تأخر الدكتور.
تريبليف : وعد أن يأتي في العاشرة، وها نحن الآن في الضحى.
أركادينا : اجلس (تنزع الضمادة عن رأسه) كأنك ترتدي عمامة. بالأمس في المطبخ سأل أحد الوافدين عن جنسيتك. جرحك التأم تقريبًا. لم يبقَ إلا شيء بسيط (تقبِّل رأسه) ألن تعود إلى هذا في غيابي؟
تريبليف : نعم يا ماما. كانت تلك لحظة يأس جنوني لم أتمالك فيها نفسي. هذا لن يتكرر. (يقبِّل يدها) يداك ماهرتان. أذكر منذ عهدٍ بعيدٍ — عندما كنت تعملين في مسرح حكومي وكنت أنا صغيرًا آنذاك — وقع شجار في فنائنا، وضربوا بشدة غسالة من ساكنات البيت. أتذكرين؟ رفعوها فاقدة الوعي … وكنت تتردَّدين عليها، وتحملين لها الأدوية، وتحمِّمين في الطست أطفالها. أحقًّا لا تذكرين؟
أركادينا : كلا (تضع ضمادة جديدة).
تريبليف : كانت تقطن راقصتا باليه أيضًا في نفس المنزل الذي كنا نقطنه … كانتا تزورانك لشرب القهوة …
أركادينا : أذكر هذا.
تريبليف : وكانتا، كما أذكر، تقيتَين.

(صمت.)

في الآونة الأخيرة، في هذه الأيام، أحبك برقة وتفانٍ كما كنت أحبك في الطفولة. لم يعُد لديَّ الآن أحد سواك. ولكن لماذا، لماذا وقف بيني وبينكِ هذا الرجل؟
أركادينا : أنت لا تفهمه يا قسطنطين. إنه من أنبل الناس …
تريبليف : بيد أنه عندما أبلغوه أنني أنوي تحدِّيه في مبارزة لم يمنعه النبل من أن يظهر جبنه. يسافر. هروب مزرٍ!
أركادينا : يا للهراء! أنا التي أبعده عن هنا. وإن علاقتنا لا يمكن أن تعجبك بالطبع، ولكنك ذكي ومهذب، ومن حقي أن أطالبك بأن تحترم حريتي.
تريبليف : أنا أحترم حريتك، ولكن اسمحي لي في المقابل أن أكون حرًّا وأنظر إلى هذا الشخص كما أريد. من أنبل الناس! ها نحن نكاد نتشاجر بسببه، أما هو فيجلس في مكان ما، في غرفة الجلوس أو في الحديقة ويضحك مني ومنك، وينوِّر نينا ويحاول أن يقنعها نهائيًّا بأنه عبقري.
أركادينا : إنك تجد متعة في إيذائي. أنا أحترم هذا الرجل وأرجو ألَّا تتحدث عنه بسوء في حضوري.
تريبليف : أما أنا فلا أحترمه. أنت أيضًا تريدينني أن أعتبره عبقريًّا، آسف، إنني لا أجيد الكذب، وقصصه ترفضها روحي.
أركادينا : هذا حسد. الأشخاص المجردون من الموهبة ولكن يدَّعونها، لا يبقى أمامهم إلا أن يعيبوا المواهب الحقيقية. يا لها من سلوى بائسة!
تريبليف (بسخرية) : المواهب الحقيقية! (بغضب) أنا أكثر موهبةً منكم جميعًا إذا أردت الحقيقة! (ينزع الضمادة عن رأسه) أنتم الروتينيون، قد استوليتم على السبق في الفن ولا تعتبرون مشروعًا وحقيقيًّا إلا ما تصنعونه أنتم، وما عدا ذلك تضطهدونه وتخنقونه! أنا لا أعترف بكم! لا أعترف لا بك ولا به!
أركادينا : عبثي! …
تريبليف : اذهبي إلى مسرحك اللطيف ومثِّلي هناك في مسرحياتك الحقيرة الفاشلة!
أركادينا : أنا لم أمثل أبدًا في مسرحيات كهذه. دعني! أنت غير قادر حتى على كتابة فودفيل تافه. أيها الضيق الأفق! أيها العالة!
تريبليف : يا مقتِّرة!
أركادينا : أيها الشحاذ!

(تريبليف يجلس ويبكي في صمت.)

أيها التافه! (تذرع الغرفة بانفعال) لا تبكِ. لا داعيَ للبكاء … (تبكي) لا داعي … (تلثم جبينه وخدَّيه ورأسه) يا طفلي العزيز، اعذرني … اعذر أمك الخاطئة. اعذرني أنا التعيسة.
تريبليف (يعانقها) : آه لو تدرين! لقد فقدتُ كل شيء. إنها لا تحبني، ولم أعد قادرًا على الكتابة … ضاعت كل أحلامي …
أركادينا : لا تيئس … كل شيء سيعود. الآن سأحمله فتعود هي إلى حبك (تمسح دموعه) كفى. لقد تصالحنا.
تريبليف (يلثم يدَيها) : نعم يا ماما.
أركادينا (برقة) : تصالح معه أيضًا … لا داعي للمبارزة … لا داعي، أليس كذلك؟
تريبليف : حسنًا … لكن أرجوك يا ماما، أنا لا أريد أن أقابله.
هذا صعب عليَّ … فوق طاقتي …

(يدخل تريجورين.)

طيب … سأخرج (يضع الأدوية في الصوان بسرعة).
الضمادة سيضعها لي الدكتور …
تريجورين (يفتش في الكتاب) : الصفحة ١٢١، السطران ١١، ١٢ … ها هما … (يقرأ) «إذا احتجت إلى حياتي في وقت ما، تعال وخذها.»

(يرفع تريبليف الضمادة من الأرض وينصرف.)

أركادينا (تنظر إلى الساعة) : سيحضرون الخيول قريبًا.
تريجورين (لنفسه) : إذا احتجت إلى حياتي في وقت ما، تعالَ وخذها.
أركادينا : هل كل أمتعتك جاهزة؟
تريجورين (بنفاد صبر) : نعم، نعم … (مستغرقًا في التفكير) لماذا أحسست بالحزن في هذا النداء من روح طاهرة، وانقبض قلبي متألمًا هكذا؟ … إذا احتجت إلى حياتي في وقت ما، تعال وخذها. (لأركادينا) فلنبقَ يومًا آخر!

(أركادينا تهز رأسها سلبًا.)

لنبقَ!
أركادينا : أيها العزيز، أنا أعرف ما الذي يشدك هنا، لكن تمالك نفسك. أنت ثمل قليلًا، أفق.
تريجورين : أفيقي أنت أيضًا، وكوني ذكية، عاقلة، أتوسل إليك، انظري إلى كل ذلك نظرة صديق حقيقي … (يضغط على يدها) أنت قادرة على التضحية … كوني صديقي، واتركيني …
أركادينا (بانفعال شديد) : هل أنت عاشق هكذا؟
تريجورين : إنها تجذبني! ربما كان ذلك هو بالضبط ما أحتاجه.
أركادينا : حب فتاة ريفية؟ أوه إنك لا تعرف نفسك!
تريجورين : أحيانًا ينام الناس وقوفًا، وهكذا أتحدث إليك وأشعر وكأني نائم وأراها في الحلم … اتركيني …
أركادينا (ترتعش) : كلا، كلا … أنا امرأة عادية، لا ينبغي أن تتحدث معي هكذا … لا تعذبني يا بوريس … إنني خائفة …
تريجورين : بوسعك أن تصبحي غير عادية لو أردتِ. الحب الفتي، الساحر، الشاعري، المحلق بك في عالم الأحلام … هذا الحب هو وحده القادر على منح السعادة على وجه الأرض! أنا لم أجرب بعد مثل هذا الحب … في الصبا لم يكن لديَّ وقت، كنت أتمسح بأعتاب المجلات والصحف، كنت أصارع الفاقة … والآن، ها هو هذا الحب، قد جاء أخيرًا، ويجذبني إليه … فأي معنًى لأن أهرب منه؟
أركادينا (بغضب) : لقد جننت!
تريجورين : فليكن.
أركادينا : تآمرتم كلكم عليَّ اليوم لتعذيبي (تبكي)!
تريجورين (يمسك برأسه) : إنها لا تفهم! لا تريد أن تفهم!
أركادينا : أأنا حقًّا عجوز وقبيحة إلى هذه الدرجة، حتى إنه يمكن التحدث معي دون حرج عن نساء أخريات؟ (تعانقه وتقبله) أوه، أنت جننت! يا حبيبي الرائع، المدهش … أنت آخر صفحة في حياتي! (تجثو على ركبتَيها) يا سعادتي، يا عزتي، يا نعمتي … (تعانق ركبتَيه) لو تتركني، ولو ساعة، فلن أحتمل، سأجن، يا حبيبي الرائع، البديع، يا مولاي …
تريجورين : قد يدخل أحد هنا (يساعدها على النهوض).
أركادينا : فليكن، أنا لا أخجل من حبي لك … (تقبل يدَيه) يا كنزي، أيها المتهور، أنت تريد أن تستسلم للجنون، وأنا لا أريد، لن أدعك … (تضحك) أنت لي … لي … وهذا الجبين لي، والعينان لي، وهذا الشعر الحريري الرائع أيضًا لي … أنت كلك لي. كم أنت موهوب، ذكي، أنت أفضل الكتاب المعاصرين. أمل روسيا الأوحد … كم لديك من صدق، وبساطة، وطزاجة، وفكاهة حية … بوسعك بلمسة واحدة أن تعبر عن أهم ما يميز الشخص أو المنظر، وأبطالك كأنهم أحياء. لا يمكن للمرء أن يقرأ لك دون إعجاب! أتظن ما أقول مديحًا؟ تملقًا؟ حسنًا، حدق في عيني … حدق … هل أشبه الكاذبة؟ هكذا ترى، أنا الوحيدة التي تعرف قدرك. الوحيدة التي تقول لك الحقيقة يا عزيزي يا روحي … سترحل؟ نعم؟ لن تهجرني؟ …
تريجورين : ليس عندي إرادة … لم يكن لديَّ أبدًا إرادة … طري، رخو، مطيع دائمًا، أمن المعقول أن ذلك يعجب النساء؟ خذيني، احمليني، لكن لا تتركيني أبتعد عنك خطوة …
أركادينا (لنفسها) : الآن أصبح لي. (بلهجة استهتار، وكأنما لم يحدث شيء) وعمومًا، إذا أردت، تستطيع أن تبقى. سأسافر أنا وتأتي أنت فيما بعد، بعد أسبوع. وبالفعل علامَ تستعجل؟
تريجورين : لا، بل سنسافر معًا.
أركادينا : كما تشاء. فليكن معًا …

(صمت.)

(تريجورين يدوِّن في مفكرته.)

ماذا بك؟
تريجورين : سمعت صباحًا تعبيرًا جيدًا: «غابة العذارى» … قد ينفع (يتمطى) إذن سنسافر؟ مرة ثانية هذه العربات، والمحطات، والبوفيهات، والكستليتة، والأحاديث …
شمرايف (داخلًا) : أتشرف بإخطاركم بمشاعر الحزن بأن الخيول جاهزة. حان الوقت يا سيدتي الموقرة للرحيل إلى المحطة. القطار يأتي في الثانية وخمس دقائق. وهكذا أرجوك يا إيرينا نيكولايفنا ألَّا تنسَي أن تستعملي … أين يوجد الآن الممثل سوزد التسف؟ هل هو حي؟ وكيف صحته؟ في وقت ما كنا نشرب معًا … في «البريد المسروق» لعب بصورة فذة … أذكر أنه كان يخدم معك آنذاك في مدينة يليزافيتجراد الممثل التراجيدي إيزمايلوف، أيضًا شخصية رائعة … لا تستعجلي يا سيدتي الموقرة ما زال في الوقت متسع لخمس دقائق. ذات مرة كانا يمثلان في ميلودراما دور المتآمرين، وعندما اكتشفوهما كان ينبغي أن يقولا: «وقعنا في الفخ»، ولكن إيزمايلوف صاح: «وقعنا في الخف» … (يقهقه) في الخف! …

(أثناء حديثه يسعى ياكوف بجوار الحقائب، والخادم تحمل لأركادينا القبعة، والمانطو، والمظلة، والقفاز والجميع يساعدون أركادينا على ارتداء ملابسها. من الباب الأيسر يطل الطاهي الذي يدخل بعد ذلك بقليل مترددًا. تدخل بولينا أندرييفنا، ثم سورين ومدفيدينكو.)

بولينا أندرييفنا (تحمل سلة) : إليكم برقوقًا للطريق … حلو جدًّا. ربما أردتم تذوقه …
أركادينا : أنت طيبة جدًّا يا بولينا أندرييفنا.
بولينا أندرييفنا : الوداع يا عزيزتي! سامحينا إذا كان وقع منا خطأ.

(تبكي.)

أركادينا (تعانقها) : كان كل شيء جيدًا، كان كل شيء جيدًا. أما البكاء فلا لزوم له.
بولينا أندرييفنا : زماننا يولِّي!
أركادينا : وما العمل!
سورين (في معطف، ودثار، وقبعة، وبعصًا، يخرج من الباب الأيسر. يعبر الغرفة) : حان الوقت يا أختي، أخشى أن نتأخر في نهاية الأمر. سأذهب لأركب (يخرج).
مدفيدينكو : سأذهب إلى المحطة على الأقدام … لأودعكم … بسرعة … (ينصرف).
أركادينا : إلى اللقاء يا أعزائي … إذا عشنا فسنلتقي في الصيف القادم …

(الخادم وياكوف والطاهي يقبلون يدها.)

لا تنسوني (تعطي الطاهي روبلًا) هذا روبل لكم الثلاثة.
الطاهي : مع جزيل الشكر يا سيدتي. تصحبك السلامة! ممتنون لك جدًّا!
ياكوف : في رعاية الله!
شمرايف : أسعدونا برسالة! الوداع يا بوريس أليكسييفتش!
أركادينا : وأين قسطنطين؟ قولوا له إنني راحلة. يجب أن أودع. حسنًا، لا تذكرونا بسوء. (لياكوف) أنا أعطيت الطاهي روبلًا. إنه لكم الثلاثة.

(الجميع ينصرفون إلى اليمين. خشبة المسرح خاوية. تتردد خلفها الضجة المميزة للرحيل والوداع. الخادم تعود لتأخذ من على الطاولة سلة البرقوق، وتنصرف ثانية.)

تريجورين (عائدًا) : لقد نسيت عصاي. يبدو أنها في الشرفة.

(يذهب فيلتقي عند الباب الأيسر بنينا التي تدخل.)

أهو أنت؟ إننا راحلون …
نينا : كان عندي إحساس بأننا سنلتقي ثانية. (بانفعال) بوريس أليكسييفتش، لقد اتخذت قراري القاطع، قُضيَ الأمر، سألتحق بالمسرح. غدًا لن أكون هنا، سأترك أبي، سأهجر كل شيء وأبدأ حياة جديدة … أنا راحلة مثلكم … إلى موسكو. هناك سنلتقي.
تريجورين (يتلفت) : انزلي في فندق «سلافيانسكي بازار» … أخطريني على الفور … مولتشانوفكا، منزل جروخولسكي … أنا مستعجل …

(صمت.)

نينا : دقيقة أخرى …
تريجورين (هامسًا) : أنت رائعة … أوه يا لها من سعادة أن أفكر في لقائنا القريب!

(تميل على صدره.)

وأرى من جديدٍ هاتَين العينَين الرائعتَين، وهذه البسمة الرقيقة البديعة بما لا يوصف … هذه القسمات الوديعة، وتعبير الطهارة الملائكية … أيتها الغالية …

(قبلة طويلة.)

(ستار)

(بين الفصلَين الثالث والرابع يمضي عامان.)

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤