٣
لكن النهار كان لا شيء مُقارنة بالليل.
أعتقد أنني قد نمتُ لمدة أربع ساعات تقريبًا، عندما استيقظتُ فجأة معتقدًا أنني سمعت ضوضاء في الحديقة. وعلى الفور، وقبل أن أفتح عيني، تملكني خوف رهيب جمَّد أوصالي، ليس خوفًا من شيء كان يحدث، مثل الخوف الذي شعرتُ به في الغابة، ولكن خوفًا من شيءٍ قد يحدث.
كانت غرفتنا في الطابق الأول، وتطل على الحديقة؛ أو على الشرفة، التي كانت بالأحرى عبارة عن كتلة من الأرض على شكل إسفين مُغطاة بالورود وأشجار الكروم، وتتقاطع مع ممرَّات أسفلتية صغيرة. كان يحدُّها المنزل من الجانب القصير، وعلى طول الجانبين الطويلَين امتدَّ جدار يبلغ ارتفاعه ثلاث أقدام فقط فوق مستوى الشرفة، ولكنه انخفض مسافة ٢٠ قدمًا إلى داخل مزارع الزيتون؛ لأن الأرض كانت شديدة الانحدار.
تسللتُ إلى النافذة وكل جسدي يرتجف. هناك، رأيت شيئًا أبيض اللون يركض بخفة على الأسفلت ذهابًا وإيابًا. لقد كنتُ مفزوعًا للغاية لدرجة أنني لم أرَ بوضوح؛ وفي ضوء النجوم الملتبِس، اتخذ هذا الشيء جميع أنواع الأشكال الغريبة. كان الآن كلبًا ضخمًا، ثم خفاشًا أبيض هائلًا، والآن كتلة من السحاب الذي يتحرك بسرعة. كان يقفز مثل الكرة، أو يطير لمسافاتٍ قصيرة مثل الطيور، أو ينزلق ببطءٍ مثل الشبح. لم يصدر عنه أي صوت، باستثناء صوت وقع أقدامٍ ما لا بد أنها أقدامٌ بشرية في نهاية المطاف. وأخيرًا، فرض التفسير الواضح نفسه على ذهني المضطرب، وأدركتُ أن يوستاس قد نهض من الفراش، وأننا مُقبلون على شيءٍ أكبر.
ارتديتُ ملابسي على عجل، ونزلت إلى غرفة الطعام المفتوحة على الشرفة. كان الباب مفتوحًا بالفعل. تلاشى رُعبي على نحو شِبه تام، ولكن لمدة خمس دقائق تقريبًا كنتُ أعاني من شعورٍ غريب بالجبن، توسَّل إليَّ ألا أتدخل في شأن الصبي الغريب المسكين، وأن أتركه لتصرُّفاته الممسوسة، وأُراقبه فحسب من النافذة لأتأكد أنه لم يلحق به أي ضرر.
ولكن انتصرت دوافع أفضل على الجُبن، وفتحتُ الباب وصحتُ قائلًا:
«يوستاس! ماذا تفعل بحق السماء؟ ادخل على الفور.»
توقف عن تصرفاته الغريبة، وقال: «إنني أكره غرفة نومي، لم أستطع البقاء فيها، فهي صغيرة جدًّا.»
«كفى! كفى! لقد سئمتُ التظاهر. إنك لم تشتكِ منها على الإطلاق من قبل.»
«وفوق ذلك، لا أستطيع رؤية أي شيءٍ منها، لا زهور ولا أوراق شجر ولا سماء؛ فقط جدار حجري.» بلا شكٍّ كان المنظر الذي تطل عليه غرفة يوستاس محدودًا؛ ولكنه لم يشتكِ من ذلك من قبل، كما أخبرته.
«يوستاس، إنك تتحدث كطفل. ادخل! اسمع الكلام فورًا، إذا سمحت.»
ولكنه لم يتحرك.
أضفتُ قائلًا: «حسنًا، سأحملك إلى الداخل بالقوة.» وتقدمت بضع خطواتٍ نحوه. لكنني سرعان ما اقتنعت بعدم جدوى ملاحقة صبي عبر مجموعة متشابكة من الطرق الأسفلتية، وبدلًا من ذلك، ذهبتُ لأستدعي السيد ساندباتش وليلاند لمساعدتي.
عندما عدت معهم كان يوستاس يتصرف أسوأ من أي وقتٍ مضى. حتى إنه لم يرد علينا عندما تحدثنا إليه، بل شرع يُغني ويثرثر مع نفسه بطريقةٍ مقلقة للغاية.
قال السيد ساندباتش وهو يُربت على جبهته بجدِّية: «إنها حالة تستدعي طبيبًا الآن.»
كان قد توقف عن الركض وكان يُغني، بصوتٍ منخفض في البداية، ثم بصوتٍ عالٍ — غنى تمارين الخمس أصابع، والسلم الموسيقي، وألحان ترنيمة، وأجزاء من موسيقى فاجنر — أي شيء يخطر في ذهنه. علا صوته النشاز أكثر فأكثر، وانتهى بصرخةٍ هائلة دوَّت مثل صوت طلقة مسدس بين الجبال، وأيقظَتْ كل من كان لا يزال نائمًا في الفندق. أطلَّت زوجتي المسكينة والفتاتان من نوافذهن، وسُمع صوت السيدات الأمريكيات وهن يقرعْنَ جرسهنَّ بعنف.
صرخنا جميعًا قائلين: «يوستاس، توقف، توقف أيها الفتى العزيز، وادخل المنزل.»
هزَّ رأسه، وانطلق ثانية، ولكنه تحدَّث هذه المرة. لم يسبق لي أبدًا أن سمعت كلامًا غريبًا مثل هذا. في أي وقتٍ آخر، كان من الممكن أن يكون الأمر مُثيرًا للسخرية؛ إذ ها نحن أمام صبي، يفتقر إلى أي إحساسٍ بالجمال ويستخدِم لغةً صبيانية في حديثه، يحاول تناوُل موضوعاتٍ وجد أعظم الشعراء تقريبًا أنها تتجاوز قدراتهم. كان يوستاس روبنسون، الصبي البالِغ من العمر ١٤ عامًا، واقفًا بقميص نومه يُحيي ويمدح ويبارك قوى الطبيعة وتجلياتها العظيمة.
تحدث أولًا عن الليل والنجوم والكواكب التي تدور بالأعلى فوق رأسه، وعن أسراب الخنافس المضيئة أسفله، وعن البحر غير المرئي أسفل الخنافس المضيئة، وعن الصخور الضخمة المغطَّاة بشقائق النعمان والمحار النائم في البحر غير المرئي. تحدَّث عن الأنهار وشلالات المياه، وعن عناقيد العنب الناضجة، وعن مخروط بركان فيزوف الذي ينفُث الدخان، وقنوات الحِمم الخفية التي تصنع الدخان، وعن الأعداد التي لا تُعَد ولا تُحصى من السحالي التي تستلقي ملتفةً حول نفسِها في شقوق الأرض الحارة، وعن زخَّات أوراق الورود البيضاء المتشابكة في شعره. ثم تحدث عن المطر والريح اللذَين يُغيران كل شيء، وعن الهواء الذي يعيش فيه كل شيء، وعن الغابة التي يمكن أن يختبئ فيها كل شيء.
بالطبع، كان الأمر برمَّته مبالغًا فيه بشكلٍ يبعث على السخرية، ومع ذلك كنتُ على وشك ركل ليلاند لأنه أشار بصوتٍ مسموع أنه كان «صورة هزلية شيطانية لكل ما هو أقدس وأجمل في الحياة.»
«وبعد ذلك» — واصل يوستاس حديثه المثير للشفقة الذي كان في صورة شعرٍ حواري رديء، والذي كان أسلوبه الوحيد في التعبير — «ثم هناك رجال، ولكنني لا أستطيع تمييزهم جيدًا.» ركع عند الحاجز، وأراح رأسه على ذراعَيه.
همس ليلاند: «حان الوقت.» أنا أكره التسلل خلسة، ولكننا اندفعنا للأمام وحاولنا الإمساك به من الخلف. ابتعد في لمح البصر، لكنه استدار على الفور لينظر إلينا. بقدْر ما استطعت رؤيته في ضوء النجوم، كان يوستاس يبكي. اندفع ليلاند نحوَه مرة أخرى، وحاولنا محاصرته بين الممرات الأسفلتية، لكن دون أدنى مقاربة للنجاح.
عدنا لاهثين ومرتبكين، تاركين إيَّاه لجنونه في الزاوية البعيدة من الشرفة. لكن ابنتي روز أُلهِمت فكرة.
نادت من النافذة قائلة: «أبي، إذا أحضرت جينارو، فقد يتمكن من الإمساك به نيابةً عنك.»
لم أكن أرغب في طلب معروف من جينارو، ولكن بما أن صاحبة المنزل قد ظهرت الآن في المشهد، فقد توسلتُ إليها أن تستدعِيَه من حاوية الفحم التي كان ينام فيها، وتجعله يُحاول أن يفعل كل ما يمكنه فعله.
سرعان ما عادت، وتبعها جينارو بعد فترةٍ وجيزة، مُرتديًا معطفًا طويلًا، بدون صدرية أو قميص أو سترة، وسروالًا مُمزقًا، مقطوعًا فوق الركبتَين لأغراض الخوض في الماء للصيد. وبَّختْه صاحبة المنزل، التي كانت قد تعلمت العادات الإنجليزية إلى حدٍّ كبير، على المظهر غير اللائق حدَّ عدم الاحتشام الذي ظهر به.
«إنني أرتدي معطفًا وبنطالًا. ماذا تُريدين أكثر من ذلك؟»
قلت: «لا يهم يا سيدة سكافيتي، بما أنه لا تُوجَد سيدات هنا، فليس لمظهره أي تأثير.» ثم التفتُّ إلى جينارو وقلت: «عمَّات السيد يوستاس يرغبنَ في أن يُدخلنه المنزل.»
لم يُجب.
«هل تسمعني؟ إنه ليس على ما يُرام. آمُرك بأن تُدخله المنزل.»
قالت السيدة سكافيتي وهزَّته بقوة وهي تُمسك بذراعه: «أحضره! أحضره!».
«يوستازيو بخير في مكانه.»
«أحضره! أحضره!»، صرخت السيدة سكافيتي، وأطلقت وابلًا من السباب بالإيطالية، الذي يسرني أن أقول إنني لم أتمكن من فهم مُعظمه. ألقيت نظرة سريعةً قلقة على نافذة الفتيات، لكنهن مثلي بالكاد فهمنَ ما قيل، وأنا مُمتنة للقول إن أحدًا منَّا لم يفهم كلمة واحدة من إجابة جينارو.
صاح الاثنان وصرخ كلٌّ منهما في وجه الآخر لمدة ١٠ دقائق تقريبًا، وفي النهاية اندفع جينارو عائدًا إلى حاوية الفحم الخاصة به، وانفجرت سينيورا سكافيتي في البكاء، كما هو مُتوقع؛ لأنها كانت تقدِّر ضيوفها الإنجليز كثيرًا.
قالت وهي تبكي: «لقد قال، إن السيد يوستاس بخير كما هو، وأنه لن يُحضره. لا أستطيع أن أفعل أكثر من ذلك.»
ولكن أنا يُمكنني ذلك؛ لأنني، بأسلوبي البريطاني الغبي، لديَّ بعض المعرفة عن الشخصية الإيطالية. لقد تبعتُ السيد جينارو إلى مكان نومه، ووجدتُه مستلقيًا يتلوَّى على كيس نوم قذر.
استهللتُ قائلًا: «أريدك أن تُحضر لي السيد يوستاس.»
ووجه إليَّ ردًّا غير مفهوم.
«إذا أحضرته، سأُعطيك هذه.» وأخرجتُ من جيبي ورقةً نقدية جديدة من فئة العشر ليرات.
لم يرد هذه المرة.
وتابعت: «هذه الورقة تساوي ١٠ ليرات من الفضة»؛ لأنني كنت أعرف أن الإيطالي الذي ينتمي إلى الطبقة الفقيرة لا يستطيع تخيُّل مبلغٍ كبير دفعةً واحدة.
«أعرفها.»
«أي إنها تساوي ٢٠٠ سولدي.»
«لا أريدهم. يوستازيو صديقي.»
وضعت الليرات العشر في جيبي.
«كما أنك لن تُعطيني إيَّاها.»
«أنا رجل إنجليزي. الإنجليز يُنفذون دائمًا ما يَعِدون به.»
«هذا صحيح.» من المذهل كيف يثِق بنا أكثر شعبٍ مخادع. في الواقع، غالبًا ما يثِقون بنا أكثر مما يَثِق بعضنا ببعض. ركع جينارو على كيس نومه. كان الظلام شديدًا بحيث لم أتمكن من رؤية وجهه، لكنني شعرتُ بأنفاسه الدافئة التي تفوح برائحة الثوم تخرج من فمه في شهقات، وأدركتُ أن جشع الجنوبيين الأبدي قد سيطر عليه.
«لا يُمكنني إدخال يوستازيو إلى المنزل. قد يموت هناك.»
أجبتُ بصبر: «ليس عليك أن تفعل ذلك. عليك فقط أن تحضره إليَّ، وسوف أقف بالخارج في الحديقة.» وافق الشاب المثير للشفقة على هذا، كما لو كان شيئًا مختلفًا تمامًا عن طلبي السابق.
«ولكن أعطِني أولًا الليرات العشر.»
«لا»، رفضتُ لأنني كنت أعرف أي نوعٍ من الأشخاص كان عليَّ التعامُل معه. من يخون مرة، يخون دائمًا.
عدنا إلى الشرفة، وانطلق جينارو، دون أن ينبس ببنت شفة، وهرول نحو صوت الخطوات المسرعة التي يمكن سماعها في الطرف البعيد. ابتعدتُ أنا والسيد ساندباتش وليلاند قليلًا عن المنزل، ووقفنا في ظل الورود البيضاء المتسلقة، وكنا غير مرئيَّين تقريبًا.
سمعنا جينارو ينادي على «يوستازيو»، تلا ذلك صيحات سرور عبثية من الصبي المسكين. توقف صوت الخطوات المسرعة وسمعناهم يتحدَّثان. اقتربت أصواتهما، وسرعان ما تمكنت من تمييزهما من خلال فروع الشجرة المتسلِّقة، رأينا هيئة الشاب البشعة، والصبي الصغير النحيل ذا الرداء الأبيض. وضع جينارو ذراعَه حول رقبة يوستاس، وكان يوستاس يتحدث الإيطالية بطلاقةٍ غير مُتقنة.
سمعته يقول: «أنا أفهم كل شيء تقريبًا. الأشجار، التلال، النجوم، المياه، أستطيع رؤية كل شيء. لكن أليس هذا غريبًا! لا أستطيع تمييز الرجال نوعًا ما. هل تعرف ما أعنيه؟»
قال جينارو بجدية: «أجل، فهمت»، ورفع ذراعه عن كتف يوستاس. لكنني حركت ورقة النقود الجديدة في جيبي، وسمع ذلك. مد جينارو يدًا مرتعشة، فقبض عليها يوستاس بيده بلا تشكك.
تابع يوستاس: «هذا غريب!»، — كانا الآن قد اقتربا جدًّا — «يبدو الأمر تقريبًا كما لو … كما لو …»
اندفعتُ للخارج وأمسكتُ بذراعه، وأمسك ليلاند بالذراع الأخرى، وتشبَّث السيد ساندباتش بقدمَيه. أطلق صرخاتٍ حادة تخترق القلب. وتساقطت عليه الورود البيضاء، التي كانت تتساقط في وقتٍ مبكر من ذلك العام، بينما كنَّا نسحبه إلى داخل المنزل.
بمجرد دخولنا المنزل توقف عن الصراخ، لكن انفجر صامتًا يبكي بدموع غزيرة، سالت على كل جزء من وجهه المضطرب.
توسَّل قائلًا: «لا تأخذوني إلى غرفتي. إنها صغيرة جدًّا.»
ملأتني نظرته الحزينة حزنًا مُطلقًا بشفقةٍ غريبة، لكن ما الذي يُمكنني فعله؟ علاوة على ذلك، كانت نافذته هي الوحيدة المثبت بها قضبان.
قال السيد ساندباتش الطيب: «لا تقلق يا فتاي العزيز. سأرافقك حتى الصباح.»
عند هذا بدأ يصارع بتشنُّج مرة أخرى. «أوه، أرجوك، لا تأخذني إلى غرفتي. أي شيء غير ذلك. أعدك بأن أبقى ساكنًا وألا أبكي أكثر مما أطيق، إذا تركتموني وحدي.»
وهكذا وضعناه على الفراش، وغطَّيناه بالملاءات، وتركناه يبكي بمرارة، ويقول: «لقد رأيتُ كل شيء تقريبًا، والآن لا أستطيع رؤية أي شيءٍ على الإطلاق.»
أبلغنا الآنستَين روبنسون بكل ما حدث، ثم عُدنا إلى غرفة الطعام، حيث وجدنا السيدة سكافيتي وجينارو يتهامسان معًا. أخذ السيد ساندباتش قلمًا وورقة، وبدأ يكتب رسالة إلى الطبيب الإنجليزي في نابولي. سحبت النقود على الفور، وألقيتُها على الطاولة لجينارو.
قلت بصرامة لأنني كنتُ أفكر في الثلاثين قطعةً من الفضة: «هذا هو أجرك.»
قال جينارو: «شكرًا جزيلًا لك يا سيدي»، وأخذها.
كان يهم بالمغادرة عندما سأله ليلاند، الذي كان اهتمامه ولامبالاته دائمًا في غير محلهما، عما كان يقصده يوستاس بقوله: «إنه لا يستطيع تمييز الرجال نوعًا ما.»
«لا يمكنني القول. السيد يوستازيو …» (كنتُ سعيدًا بملاحظة القليل من الاحترام في كلامه أخيرًا) «لديه عقل حاذق. وهو يفهم أشياء كثيرة.»
أصر ليلاند قائلًا: «لكنني سمعتُك تقول إنك تفهم ما يَعنيه.»
«أفهم، ولكن لا أستطيع الشرح. أنا صيَّاد إيطالي فقير. ومع ذلك، اسمع؛ سأُحاول.» تنبهتُ أن أسلوبه كان يتغير، وحاولتُ إيقافه. لكنه جلس على حافة الطاولة وبدأ يقول بعض الملاحظات غير المترابطة على الإطلاق.
أشار أخيرًا: «إنه أمر مُحزن. ما حدث أمر محزن للغاية. ولكن ما الذي يُمكنني فعله؟ أنا فقير. لست مسئولًا عن ذلك.»
استدرتُ بعيدًا في ازدراء. واصل ليلاند طرح الأسئلة. أراد أن يعرف من كان يقصده يوستاس عندما تحدث.
أجاب جينارو بجدية: «هذا يسهل معرفته. إنه يقصدك، ويقصدني. ويقصد كل من في هذا المنزل، والكثير ممَّن خارجه. إذا أراد أن يمرح، ضايقناه. وإذا طلب أن يكون بمُفرده، أزعجناه. لقد اشتاق إلى صديق، ولم يجده لمدة ١٥ عامًا. ثم وجدَني، وفي الليلة الأولى، أنا من كنت في الغابة وفهمتُ أشياء أيضًا، خنتُه وسلمتُه إليكم ليموت، ولكن ما الذي يُمكنني فعله؟»
قلت: «رويدًا، رويدًا.»
«أوه، إنه سيموت بالتأكيد. سيرقد في الغرفة الصغيرة طوال الليل، وبحلول الصباح سيكون ميتًا. إنني أعلم هذا على وجه اليقين.»
قال السيد ساندباتش: «هذا يكفي. سأجلس معه.»
«لقد جلست فيلومينا جيوستي طوال الليل مع كاترينا، ولكن كاترينا ماتت في الصباح. لم يسمحوا لها بالخروج، على الرغم من أنني توسَّلت إليهم، وصليت، ولعنت، وطرقتُ الباب، وتسلقتُ الجدار. لقد كانوا حمقى جهلة، وظنوا أنني أرغب في حملها بعيدًا وفي الصباح كانت ميتة.»
سألت السيدة سكافيتي: «ما كل هذا؟»
فأجابت: «تنتشر جميع أنواع الشائعات حول هذا الأمر، وهو من بين كل الناس على الأقل، له الحق في ترديدها.»
تابع جينارو قائلًا: «وأنا على قيد الحياة الآن؛ لأنه لم يكن لديَّ آباء ولا أقارب ولا أصدقاء؛ لذا، عندما حلَّت الليلة الأولى، كان بمقدوري الركض في أرجاء الغابة، وتسلُّق الصخور، والغطس في الماء، حتى حققتُ رغبتي!»
سمِعنا صرخةً قادمة من غرفة يوستاس، صوتًا خافتًا لكنه ثابت، مثل صوت الريح في غابة بعيدة، يسمعه من يقف في هدوء.
قال جينارو: «كان هذا هو آخر صوت أصدرتْه كاترينا. كنتُ معلَّقًا بنافذتها في ذلك الوقت، واندفعت روحها على مقربة مني وتجاوزتني.»
وبينما كان يرفع يده، التي كانت تُمسك بنقودي، لعن السيد ساندباتش وليلاند ولعنني، ولعن القدر؛ لأن يوستاس كان يموت في غرفته بالطابق العلوي. هذه هي الطريقة التي يعمل بها عقل الجنوبيين، وأعتقد حقًّا أنه لم يكن ليتحرك حتى في ذلك الوقت، لولا أن ذلك الأحمق الرهيب ليلاند، دفع المصباح بمرفقه دون قصد. لقد كان مصباحًا مبتكرًا يُطفأ ذاتيًّا، اشترته السيدة سكافيتي، بناءً على طلبي الخاص، بدلًا من المصباح الخطير الذي كانت تستخدمه. وكانت النتيجة أنه انطفأ. وكان لمجرد التحول الملموس من النور إلى الظلام قوة أكبر على الطبيعة الحيوانية الجاهلة لجينارو، كانت تلك القوة أكبر من أكثر الأشياء بداهةً التي يُمليها المنطق والعقل.
لم أره، ولكنني شعرت أنه غادر الغرفة، وصرخ في وجه السيد ساندباتش قائلًا: «هل تحمل مفتاح غرفة يوستاس في جيبك؟» لكن السيد ساندباتش وليلاند كانا كلاهما على الأرض، بعدما ظن كلٌّ منهما أن الآخر جينارو، وأُهْدِرَ وقت ثمين آخَر في العثور على عود ثقاب. بالكاد كان لدى السيد ساندباتش الوقت ليقول إنه ترك المفتاح في الباب، في حالةِ رغبت الآنستان روبنسون في الاطمئنان على يوستاس، عندما سمِعنا ضجيجًا على الدرَج، ورأينا جينارو يحمل يوستاس إلى الأسفل.
هرعنا وأغلقنا الممر، ففقدا شجاعتهما وتراجعا إلى أعلى الدرج.
صاحت السيدة سكافيتي: «لقد أمسكنا بهما. لا يُوجَد طريق آخر للخروج.»
كنا نصعد الدرج بحذَر، عندما سمِعنا صرخة مُرعبة آتية من غرفة زوجتي، أعقبها ارتطام قوي على الممر الأسفلتي. لقد قفزا من نافذتها.
وصلت إلى الشرفة في الوقت المناسب ورأيت يوستاس وهو يقفز فوق حاجز سور الحديقة. هذه المرة كنتُ أعلم يقينًا أنه سيلقى حتفه. لكنه وقع على شجرة زيتون، وهو يبدو كعثة بيضاء كبيرة، وانزلق من الشجرة إلى الأرض. وبمجرد أن لامسَت قدماه العاريتان تراب الأرض، أطلق صرخةً عالية غريبة، لم أكن أعتقد أن الصوت البشري يقدر أن يُصدرها، واختفى بين الأشجار بالأسفل.
صاح جينارو، الذي كان لا يزال جالسًا على الممر الأسفلتي: «لقد فهم وخُلِّصَ. والآن، بدلًا من أن يموت، سيحيا!»
«وأنت، بدلًا من الاحتفاظ بالليرات العشر، ستُعطيني إيَّاها»، هكذا أجبتُ لأنني لم أعُد قادرًا على احتواء نفسي بعد هذا التعليق المسرحي الذي قاله.
هسهس بصوتٍ بالكاد مسموع: «الليرات العشر ملكي.» وضع يدَه على صدره لحماية مكسبه غير المشروع، وبينما كان يفعل ذلك، تأرجح إلى الأمام وسقط على وجهه على الممر. لم يكسر أيًّا من أوصاله، وقفزة كهذه لم تكن لتقتُل رجلًا إنجليزيًّا على الإطلاق؛ لأن مسافة السقوط لم تكن كبيرة. لكن هؤلاء الإيطاليين البائسين لا يتحلَّون بالقدرة على التحمُّل. لقد حدث خطبٌ ما بداخله، ولقي حتفه.
كان الصباح لا يزال بعيدًا، ولكن بدأ نسيمه يحل، وتساقط علينا المزيد من أوراق الورد ونحن نحمِله إلى الداخل. انفجرت السيدة سكافيتي بالصراخ عندما رأت الجثة، وفي مكانٍ بعيد أسفل الوادي باتجاه البحر، كانت صيحات وضحكات الصبي الهارب ما يزال يتردَّد صداها.