الشعر والقومية الإسلامية
استطاع صلاح الدين الأيوبي أن يؤسس دولة بمصر بعد أن قطع الخُطبة عن الفاطميين سنة ٥٦٧ﻫ، واستطاع أن يضم إلى دولته قسمًا كبيرًا من بلاد الشرق الأوسط؛ عملًا بالسياسة التي أخذها عن نور الدين زنكي، وهي السياسة التي ترمي إلى توحيد هذه البقعة من البلاد الإسلامية حتى يستطيع أن يواجه الإمارات الصليبية التي احتلت قُوَّاتُها معظم ساحل الشام وبعْضَ المدن الهامة — وخاصة بيت المقدس قِبلة المسلمين الأولى.
رأى نور الدين زنكي وصلاح الدين من بعده أن المسلمين كانوا متفرقين بين إمارات صغيرة ضعيفة يكيد بعضها للبعض الآخر، ويستعين أميرٌ من أمرائها بالصليبيين على أميرٍ آخر؛ مما أضعف حال المسلمين ضعفًا شديدًا؛ الأمر الذي ترتب عليه أن أصبح للصليبيين مكانةٌ في البلاد ليس من السهل مُقَاوَمَتُها، وازداد طمع الصليبيين في البلاد الإسلامية؛ حتى إنهم طمعوا في مَحْو الإسلام والمسلمين من العالم.
أدرك صلاح الدين — ببُعد نظره وكياسته — أن خير وسيلة لعلاج حالة المسلمين أن يوحد بينهم ويجمع كلمتهم ويلم شعثهم؛ حتى يستطيع أن يواجه الصليبيين بقُوًى موحدة كاملة، وكان صلاح الدين يذكر الآية القرآنية الكريمة: الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا، وكان يعلم أن عددًا كبيرًا من الأعراب المنافقين يساعدون الأعداء في سبيل دراهِمَ معدودة، وباعوا أوطانهم وإخوانهم في الإسلام لِقَاءَ منفعة عاجلة، فأراد أن يأمَنَ شَرَّ هؤلاء الأعراب الذين دمغهم الله تعالى بالكفر والنفاق؛ لهذا كُلِّه بدأ صلاح الدين حروبه مع الإمارات الإسلامية ومع هؤلاء الأعراب المنافقين، حتى إذا تم له إخضاعهم لسلطانه ووَلَّى عليهم بعض أفراد أسرته، قَصَدَ بجموعهم المتحدة إلى الإمارات الصليبية، واستطاع أن ينتزع بعضها، إلى أن استعاد بيت المقدس في يوم الجمعة السابع والعشرين من رجب سنة ٥٨٣ﻫ.
ومما لا شك فيه أن هذه الحروب التي خاضها صلاح الدين — ولا سيما حروبه مع الصليبيين — قد ألْهَبَتْ حماسة المسلمين في جميع الأقطار، وأيقظت شعورهم بعد رقدته عدة قرون، وأوجدت بينهم ما نستطيع أن نطلق عليه الاصطلاح الحديث: «الشعور بالقومية الإسلامية»، فبالرغم من أن القومية والشعور بها أَثَرٌ من آثار الثورة الفرنسية في العصر الحديث؛ فإن المسلمين في القرون الوسطى شعروا بهذا الشعور ونادوا به إبان حروب صلاح الدين، وكان الأدب — شعرًا ونثرًا — هو اللسان المُعبر عن هذا الشعور، وإذا تصفحنا كتب التاريخ أو دواوين الشعراء يَرُوعنا أن نجد هذا العدد الكبير من القصائد التي قيلت في هذا الفن — الذي أَعُدُّه جديدًا على موضوعات الشعر العربي — وهو فن الشعور بالقومية الإسلامية، واشترك في هذا الفن عدد كبير من الشعراء في مختلف البلاد الإسلامية، حتى هؤلاء الذين لم يتَّصلوا بصلاح الدين أو بأحد أفراد أسرته، إنما دفعهم إلى ذلك الشعور بالقومية الإسلامية أو الوحدة الإسلامية، ومُحِيَتْ فكرة الشعوبية التي تُفَضِّل العرب على الأعاجم، وحَلَّ محلها فكرة «نصر الإسلام» وعزة الإسلام، وأن المسلمين إخوة لا فرق بين عربي وأعجمي، وأن الله تعالى ينصر كل من يعمل على انتصار المسلمين ضد الكافرين، هذه هي المعاني السامية الجليلة التي أكثر منها الشعراء وهم ينشدون في مدح صلاح الدين، فها هو ابن سناء الملك يقول في إحدى قصائده — يهنئه بفتح حلب:
فالشاعر بدأ قصيدته بأن الأتراك الأعاجم الذين منهم صلاح الدين انتصروا لمِلَّة العرب؛ أي للإسلام، وأن الإسلام انتصر بفضل صلاح الدين، وبفضل هذا الانتصار أصبحت وحدة مصر مع الشام وحدة حقيقية إذ صارت حلب جزءًا من مصر، وأصبحت مصر جزءًا من حلب. وهذان البيتان في مطلع القصيدة يدلان على ما كان يرمي إليه صلاح الدين من توحيد البلاد الإسلامية حتى يستطيع أن يلاقي بالبلاد المتحدة قوى الأجانب المستعمرين الذين طمعوا في البلاد الإسلامية لتفرق المسلمين، ثم يمضي الشاعر في وصف جيش صلاح الدين وقوة هذا الجيش وتأييد الله له.
أما الشاعر ابن النحَّاس المصري يحيي بن عَلَم المُلك فهو يمدح صلاح الدين بصورة أخرى، فهو يقول:
فابن النحَّاس المصري يمدحه بأنه مَلَكَ أكثر البلاد العربية، وأنه أحيى بها الدين الإسلامي الصحيح بفرائضه وسُننه، وأنه أنقذ الدين والدنيا من الفتن، ولكن الشاعر بالَغَ في مَدْحه، فذهب إلى أن صلاح الدين «بُعِثَ لإصلاح الوجود»، وأنه حَلَّ في البلاد «محل الروح بالبدن»، فكأنه جعل من صلاح الدين نبيًّا بُعِثَ لإصلاح الوجود، ولا أكاد أعرف شاعرًا من الشعراء مدح ملكًا من الملوك بمثل هذه المبالغة التي ذهب إليها شاعر مسلم في مدح ملك عَمِلَ لنصرة الإسلام، ومع أن الشاعر جعل صلاح الدين نبيًّا بُعِثَ، فإني لم أعرف أحدًا من رجال عصره أَخَذَ عليه هذه المبالغة، بل يذهب الشاعر إلى أنَّ جاحِد بَعْثَته كافر، والمُزْوَرُّ عنه عابد للوثن، وهي كلها من لون المبالغة التي جرى عليها شعراء أواخر العصر الفاطمي، ونَهَجَ نَهْجَهُم شعراء المدح في الدولة الأيوبية، ولا سيما الشعراء الذين ذهب المؤرخون إلى تسميتهم بمدرسة القاضي الفاضل، فأَخَصُّ ما تختص به هذه المدرسة هذه المبالغة الشديدة التي قد تذهب إلى حد المستحيل — على نحو ما سنذكره في حديثنا عن القاضي الفاضل ومدرسته — وكانت هذه المبالغة مُحَبَّبَةً، وشاد بها النقاد — ولا سيما الذين جاءوا بعد هذا العصر — فابن النحَّاس المصري ذَهَبَ هذا المذهب في مدح صلاح الدين.
ومن قصيدة الأسعد بن مماتي في مدح صلاح الدين يقول:
فالشاعر يشير إلى ما يعانيه الكفار من نقمة صلاح الدين، وما يرتع فيه المسلمون من نعيم.
وقال الشاعر أبو الفضل جعفر بن المفضل المعروف بشلعلع في مدح صلاح الدين أيضًا:
فالشاعر يدعو لصلاح الدين بالدوام لصالح الدين الإسلامي، فالفكرة هي فكرة عُلُوِّ شأن الإسلام والمسلمين قبل كل شيء، ومثل هذا يقول الشاعر أبو الحسن بن الذروي:
وهكذا يستمر الشعراء في الإشادة بما أداه صلاح الدين إلى الدين الإسلامي، ثم انظر إلى ما قاله الشعراء في فتح القدس؛ إذ أظهر الشعراء في جميع أنحاء العالم الإسلامي فَرَحَهُم بانتصار المسلمين على الصليبيين، فشعورهم بهذا الفرح دليل على هذه الوحدة الإسلامية التي كان يعمل لها صلاح الدين، فمن ذلك قول نجم الدين يوسف بن المجاور:
فالشاعر في هذه المقطوعة يكرر نفس الفكرة التي غَمَرَت المسلمين في هذا العصر، وهي فكرة نصر الإسلام وإعلاء شأنه بعد أن ضَعُفَ بسبب تفرق المسلمين، وتذهب به المبالغة إلى أنه أُنزِل عليه القرآن في الجهاد، وأن الممدوح يقرأ هذا الكتاب المُنزل بسبعة أحرف، ثم أشار إلى جنود صلاح الدين من الأتراك الذين اختارهم لهذا الجهاد في سبيل الله.
ثم اقرأ قصيدة الشريف الجواني محمد بن أسعد النسابة المصري:
فالشاعر هنا يرى أن حقيقة فتح القدس وانتزاعه من أيدي الصليبيين حلم من الأحلام، وأن كنيسة القمامة سيزال عنها الرجس، وأن مليك الصليبيين قد أُخِذَ أسيرًا وقُيد بالأصفاد بعد أن كان الشعور السائد بين المسلمين أن ملوك الصليبيين على قسط كبير من الشجاعة، فلم يقع أحدهم في الأسر من قبل، وأن هذا النصر الذي أحرزه المسلمون هو «نصر الله والفتح» الذي وُعِدَ به الرسول صلوات الله عليه، ومن الطريف أن يَعْرِض الشاعر لهذه القصة الشعبية التي تقول: إن القدس هو المكان الذي سيُحشر فيه الناس يوم القيامة. ثم شاء الشاعر أن يصف صلاح الدين الذي تَمَّتْ على يديه هذه الفتوحات فهو يوسف الصديق، وهو «عمر بن الخطاب»، وهو «عثمان بن عفان»، وهو «عليُّ بن أبي طالب»؛ أي أنه جمع صفات الخلفاء الراشدين الذين على يديهم امتدت الفتوحات الإسلامية وحافَظوا على الأمانة التي حُمِّلُوها في العمل بالكتاب والسُّنة. ثم أخذ في وَصْف طعناته في الأعداء ووَصْف جيشه، ولكن الصورة التي تعجبني حقًّا هي أنه جعل «الرمح ينظم والمهند ينثر»، فهذه الاستعارة أن الرمح ينظم القتلى كما ينظم الشاعر قصيدته، والمهند ينثر الدماء كما ينثر الكاتب كتابته، تدل على خيال خالق يؤلِّف بين الصور المختلفة، ويَظْهَر فَنُّه في مثل هذا البيت، ويُخَيَّل إليَّ أن هذه الصورة جديدة لم يُسبق إليها.
واقرأ للشاعر فخر الكُتاب أبي عليٍّ الحسن بن عليٍّ الجويني قصيدته التي أرسلها من مصر بعد فتح القدس، يقول:
فانظر إلى ثورة هذا الشاعر النفسية التي تُظهر فرحه لهذا النصر، فهو يهجم على موضوعه منذ أول بيت بأن جند السماء أعوان لهذا الملك الذي تم على يديه الفتح، وأنه لا يشك مطلقًا في ذلك؛ لأن هذا الفتح أكبر برهان يقدمه، وفي البيت الثاني يريد أن يقول: إن هذا الفتح معجزة، وأنه فَتْح أشبه بفتوح الأنبياء، وبعد أن تحدث عن ما آل إليه ملوك الفرنج وأن هؤلاء الملوك الصِّيَّد أصبحوا صَيْدًا، ثم أخذ ينعي على ملوك المسلمين السابقين الذين ضَعُفوا أمام الصليبيين ولم يُلبُّوا دعوة المستصرخين، بل خافوا، وصُمَّتْ آذانهم، وكل ملك منهم تَهَالَكَ على لَذَّاته، أما الآن فقد انقلب الأمر، ولَبَّى صلاح الدين صرخة المكلومين؛ حتى غالى هذا الشاعر في حديثه عن هذا الفتح، فذهب إلى أنه لو كان في عهد النبي لأُنزِلت فيه آيات وقرآن، والظاهر في هذه المقطوعة هذه العاطفة الدينية التي سيطَرَتْ على كل مسلم في تلك السنوات في جميع الأقطار الإسلامية، وهو ما عَبَّرْنا عنه بالشعور بالقومية الإسلامية.
وعلى هذا النحو كان صلاح الدين ذا أثر على الناحية العقلية بجانب أثره في الناحية الأدبية، وقد وَجَدَ الشعراء في مآثر صلاح الدين مجالًا واسعًا للحديث عنه وعن مآثره. جاء صلاح الدين مصر ودولة الشعراء مزدهرة، والشعراء المصريون وإخوانهم الشاميون على درجة من الرقي الأدبي — مما تحدثنا عن شيء منه في كتاب أدب مصر الفاطمية — واستمر تيار هذا الشعر القوي في عهد صلاح الدين، فقد شاهد هذا العصر (عصر صلاح الدين) عددًا من كبار الشعراء أمثال: القاضي الفاضل، وابن سناء الملك، وابن عرام، وابن رفاعة، وابن مماتي، وابن الذروي، وابن المنجم وغيرهم، هؤلاء كونوا البلاط الأدبي الفني الذي نجده في عهد صلاح الدين. وإذن فإن نهضة الشعر التي رأيناها في أواخر العصر الفاطمي استمرت ولم تنقرض بانقراض الدولة الفاطمية، بل لا أغالي إن قلت: إنها ازدادت قوةً بفضل شخصية صلاح الدين، وبفضل هذه النواحي المتعددة التي عُرِفَ بها صلاح الدين. ولعل من الدوافع التي قَوَّتْ تيار الشعر في ذلك العصر وجود شخصية القاضي الفاضل على رأس الوزارة المصرية، والقاضي الفاضل من أبرز الشخصيات في توجيه الشعر إلى هذا اللون الفني، كما كان له أثره في جمع الشعراء حول صلاح الدين، فهو الذي قدم العماد الأصفهاني واستكْتَبَهُ، كما وَفَدَ ابن الساعاتي، وعرقلة، والعَلَم الشاتاني، وأبو عليٍّ الجويني وغيرهم على مصر، وانضموا إلى زُمرة شعرائها، فأصبحت القاهرة حاضِرَةَ الشعر العربي في ذلك العصر، وملجأَ الشعراء من جميع الأقطار الإسلامية، وكان الموضوع الرئيسي الذي اشترك فيه هؤلاء الشعراء جميعًا هو موضوع الوحدة الإسلامية، والشعور بعزة الإسلام ورَفْع شأنه والدفاع عنه. وإذن فقد ظَهَرَ في العصور الوسطى لون من ألوان الفكرة القومية بين المسلمين جميعًا، مما كان لها خطرها في التاريخ الإسلامي، فبفضل هذه الوحدة والشعور القوي بها انهزم الصليبيون وتركوا إماراتهم في الشام، كما انهزم التتار بعد ذلك.
ولكن بكل أسف لم يستطع خلفاء صلاح الدين أن يحافظوا على هذه السياسة التي وضعها مؤسِّس دولتهم، بل تفرقوا وتشاحنوا، وعادوا إلى الانقسام مثل ما كان الأمر عليه من قبل، فضَعُفوا وهانوا، واستطاع الصليبيون أن ينْشَطُوا مرة أخرى بعد أن رأوا الضعف يدب بين ملوك المسلمين بسبب انقسامهم وتفَرُّق كلمتهم، بحيث اضطر الملك المعظم عيسى صاحب دمشق إلى تخريب بيت المقدس سنة ٦١٦ هجرية، وهنا أترك أبا المحاسن يحدثنا عن هذه المأساة: ووَقَع في البلد ضجة عظيمة، وخرج النساء المخدرات، والبنات والشيوخ وغيرهم إلى الصخرة والأقصى، وقطعوا شعورهم، ومزقوا ثيابهم، وفعلوا أشياء من هذه الفعال، ثم خرجوا هاربين، وتركوا أموالهم وأهاليهم، وما شَكُّوا أن الفرنج تُصَبِّحهم، وامتلأت بهم الطرقات؛ فتوجه بعضهم إلى مصر، وبعضهم إلى الكَرَك، وبعضهم إلى دمشق، وكانت البنات المخدرات يمزِّقْن ثيابهن ويربطنها على أرجلهن من الحفا، ومات خلق كثير من الجوع والعطش، ونُهِبت الأموال التي كانت لهم بالقدس، وبَلَغَ ثمن القنطار الزيت عَشَرَةَ دراهم، والرطل النحاس نصف درهم، وذَمَّ الناسُ المُعَظَّمَ، فقال بعض أهل العلم في ذلك:
وقال القاضي مجد الدين محمد بن عبد الله الحنفي قاضي الطور في خراب القدس:
فالشاعر مجد الدين الحنفي يبكي على تلك الأيام التي انتصر فيها الإسلام والمسلمون، ويُظْهِر أَلَمَه الدفين لما حَلَّ بالقدس، وأنه تمنى لو فدى القدس بنفسه، وليس هذا شعورَه فحسب، بل هو شعور كل مُسْلِم. والواقع أن شعور المسلمين جميعًا — وهو شعور الوحدة الإسلامية — بخلاف الحكام، فقد كانوا مختلفين؛ هذا الشعور نجده واضحًا في القصيدة السابقة، ثم نراه واضحًا في هذا الشعور الذي ساد العالم الإسلامي عندما تنازل الملك الكامل عن بيت المقدس للإمبراطور فردريك الثاني، وكيف أن ابن أخيه الملك الناصر صاحب دمشق جَمَعَ مجلسًا بجامع المدينة، وخطب في هذا المجلس الحافظ شمس الدين سبط ابن الجوزي؛ ما جعل الناس يضجون بالبكاء والعويل، وفي هذه الحادثة أنشد الشاعر ابن المجاور قصيدته التي منها:
لعل هذه القصيدة تُغْنِي عن كل تعليق أو حديث عن ما ساد العالم الإسلامي من حزن دفين، وما سكبوه من دموع، وكيف عَبَّر الشاعر الأيوبيين بأن فتح القدس كانت سبب ثروتهم ومركزهم في البلاد الإسلامية، أما وقد سَلَّمَ الملك الكامل القدس مرة أخرى إلى الصليبيين فكل ما فعله صلاح الدين وكل ما قامت به أسرة بني أيوب قد ضاع هباء.
ثم نرى هذا الشعور أيضًا عندما حاول الملك لويس التاسع فتح مصر، وما قاله الشاعر ابن المطروح في قصيدته المشهورة التي فيها يقول:
فبعد انهزام الملك لويس التاسع في مصر شاء أن ينتقم من المسلمين بفتح تونس، فقال أحد شعرائها:
فتعبير الشاعر أن تونس أخت مصر هو تعبير دقيق للوحدة الإسلامية التي رَبَطَت الشعوب؛ بغض النظر عن تصرف الأمراء والحكام، فلا يمكن بأي حال من الأحوال أن يُفرِّق الملوكُ أو الرؤساء الشعوبَ الإسلامية أو العربية، فاتحاد هذه الشعوب حقيقة واقعة منذ عهد بعيد؛ بحيث خالطت دماءهم وحلت مع الروح في أجسامهم، فأي محاولة لتمزيق هذه الوحدة لون من ألوان العبث الذي يدل على قِصَرِ نظر المحاولين، كما يدل على الجهل بالحقيقة التاريخية وعَدَم فَهْم نفسية الشعوب العربية والإسلامية.