كلمة أخيرة وبيانات
أنجزنا الآن الكتاب — والمعارك ناشبة — فسقطت أديجرات، وسقطت عدوة يوم الأحد ٦ أكتوبر سنة ١٩٣٥، واحتفل الإيطاليون بدخولها بعد قتال ثلاثة أيام بالمدافع والطائرات، ومات الألوف من الفريقين، وانسحب الرأس سيوم لأن خطة الحبشة التقهقر إلى الداخل واستغلال الجبال في قمع الطليان، وعُمِل نصب تذكاري في روما ذُكِر فيه «مارس سنة ١٨٩٦–٦ أكتوبر سنة ١٩٣٥» للانتصار في عدوة.
والمقول أن موسوليني يجنح إلى الاتفاق بعد الاستيلاء على «عدوة» وغسل الإهانة التي لحقت إيطاليا منذ ٤٠ سنة لهزيمتها في عدوة سنة ١٨٩٦.
ولا تزال الإشاعات في مصر كثيرة، والاستعدادات البريطانية بالغة، والناس يعطفون على الحبشة، وقررت لجنة الستة مسئولية إيطاليا في قتالها وعدوانها.
الألقاب الحبشية
نجوسانجوست: إمبراطور أو ملك الملوك. نجوس: ملك. رأس بيوديث: وزير. أساجي: كبير الأمناء. رأس ترك باشا: قائد مشاة برتبة جنرال. رأس: حاكم مقاطعة أو بلاد. أدجاتز ماتش أودجاتش: أمير. أزماتش: قائد فرقة. كنز ماتش: قائد الميمنة. جراز ماتش: قائد الميسرة. فتيواري: قائد المقدمة. بارامباراس: حارس الحدود. بلاتا: رئيس أركان حرب. بيجرند: رئيس مصلحة أو صناعة. صحافي تيزاز: كبير السكرتيريين. باشا: رئيس الجمارك أو مديرها. تشوم: رئيس مقاطعة أو مجموعة قرى أو قرية واحدة. تشيكا: رئيس قرية صغيرة.
المعارك الحبشية السابقة
- معركة مجدلة: في أبريل سنة ١٨٦٨ مع الإنجليز، وكان الفوز فيها للإنجليز.
- معركة جوندت: في نوفمبر سنة ١٨٧٥ مع الجيش المصري، وكان الفوز فيها للأحباش.
- معركة جورا: في مارس سنة ١٨٧٦ مع الجيش المصري، وكان الفوز فيها للأحباش.
- معركة كوفيت: في سبتمبر سنة ١٨٨٥ مع الدراويش، وكان الفوز فيها للأحباش.
- معركة دوجالي: في يناير سنة ١٨٨٧ مع الإيطاليين، وكان الفوز فيها للأحباش.
- معركة جوندار: في خريف سنة ١٨٨٧ مع الدراويش، وكان الفوز فيها للدراويش.
- ومعركة وجرا: في أغسطس سنة ١٨٨٨ مع الدراويش، وكان الفوز فيها للأحباش.
- معركة القلابات: في مارس سنة ١٨٨٩ مع الدراويش، وكان الفوز فيها للأحباش.
- معركة كواثيت: في يناير سنة ١٨٩٥ مع الإيطاليين، وكان الفوز فيها للإيطاليين.
- معركة سنافي: في يناير سنة ١٨٩٥ مع الإيطاليين، وكان الفوز فيها للإيطاليين.
- معركة إمبا ألاجي: في ديسمبر سنة ١٨٩٦ مع الإيطاليين، وكان الفوز فيها للأحباش.
- معركة مكال: في ديسمبر سنة ١٨٩٥ ويناير سنة ١٨٩٦ مع الإيطاليين، وكان الفوز فيها للأحباش.
- معركة عدوة: في مارس سنة ١٨٩٦ مع الإيطاليين، وكان الفوز فيها للأحباش.
مجلس العصبة
اجتمع مجلس العصبة في ٧ أكتوبر وسمع خطاب البارون ألوازي مندوب إيطاليا، الذي قال إن تقرير لجنة الثلاثة عشر قد أغفل أن الاعتداء المستمر من الحبشة هو الذي اضطر إيطاليا إلى العمل، فهي في موقف دفاع مشروع، وخطب مندوب الحبشة مستر تكلا هواريات، فقال إن الحبشة ترفض أي نوع من الحماية والانتداب، ووافق المجلس على تقرير لجنة الثلاثة عشر وتقرير لجنة الستة.
لجنة الستة
أما لجنة الستة المشار إليها فهي اللجنة التي قرر مجلس العصبة في اجتماعه في ٦ أكتوبر ١٩٣٥ تأليفها على أثر ورود الأنباء بزحف الإيطاليين على الأراضي الحبشية، واللجنة مؤلفة من مندوبي بريطانيا وفرنسا والبرتغال ورومانيا والدنمارك، وقد حققت في معرفة المعتدي في الحرب القائمة، وقدمت تقريرها يوم الاثنين ٧ أكتوبر، وقررت بالإجماع أن إيطاليا هي البادئة بالقتال، وهي الدولة المعتدية التي يجب توقيع العقوبات عليها، وأنها خالفت المادة ١٢.
في الصومال الفرنسي
حصنت فرنسا ميناء «جيبوتي»، وأرسلت الجنود والسفن الحربية إلى الصومال الفرنسي لحمايته.
عطف أهالي الصومال على الحبشة
قد تألفت فرق المتطوعين في الصومال الفرنسي والإنجليزي لمساعدة الحبشة، وفر كثير من أهالي الصومال الإيطالي إليها للقتال في صفوفها، وفر كثير من الأريتريين للقتال مع الحبشة.
الاستعمار الإيطالي
الاستعمار أنواع: استعمار للسكنى، واستعمار لصون المواصلات، واستعمار للاستغلال، واستعمار لإيجاد مراسٍ بحرية. وإيطاليا تبغي استعمار الحبشة ليسكنها ملايين الإيطاليين ويعملوا فيها كما يعملون في بلادهم التي أصبحت تضيق بهم. وأكثر الاستعمار الإنجليزي للاستغلال والمواصلات والمراكز الحربية والمحطات لتوريد الفحم للبواخر، ولكن بريطانيا استعمرت أستراليا وكندا ونيوزيلندا لإسكان المهاجرين الإنجليز، الذين أصبحوا سكانها.
الرأي العام العالمي
وقد أصبح هناك رأي عام عالمي ضد إيطاليا، وزاد نفوذ إنجلترا لأنها تتزعم العصبة وتحمل لواء الدفاع عنها وتشايعها الدول الأخرى.
من قواد الحبشة
الرأس سيوم قائد جيوش الشمال، وحاكم مقاطعة التيجري، وحفيد الإمبراطور يوحنا كاسا وابن الرأس منجاشا خصم منليك سنة ١٨٩٥، الرأس كاسا، الدجاز ماشي هايتي ميخاييل، الجنرال ناسيب و«قائد جيوش الجنوب»، الجنرال التركي محمد وهيب باشا، ولي العهد أصفاوصن قائد جيوش أوجادن ومعه ٢٠٠ ألف مقاتل، والسيدة دترورو جابي ابنة زعيم حبشي وأغنى نساء الحبشة وتقود ١٥٠٠٠ مقاتل.
الجنرال دي بوتو وقواد إيطاليا
هو القائد العام للجيوش الإيطالية في أفريقيا الشرقية وواضع خطط الحرب الحبشية، وهو شيخ في التاسعة والستين من عمره، حضر — شابًّا — حرب إيطاليا في «عدوة». ومن القواد: رودلفو كرسياني، سانتيني، مارافيجنا، برتسيورلي. وسافر المارشال بادوليو رئيس أركان الحرب إلى الحبشة للتفتيش.
إيطاليا تخرج من العصبة
قررت الحكومة الإيطالية الخروج من العصبة إذا وقعت العصبة عقوبات تُعَد «محاصرة» لإيطاليا.
رأي المتشرعين الفرنسيين في إقفال القناة
كتب بعض كبار المتشرعين الفرنسيين إلى إدارة شركة ترعة السويس في باريس رسالة في ٦ أكتوبر سنة ١٩٣٥ يقولون فيها إن جامعة الأمم لا تستطيع أن تأمر الشركة بإقفال الترعة في وجه الملاحة الإيطالية؛ فإن اتفاق ترعة السويس الذي وقعته تسع حكومات سنة ١٨٨٨ وأبرمته معاهدة فرساي قد نُصَّ فيه بصراحة على أنه لا يجوز حصر الترعة ولا إقفالها في وجه أي أمة.
والمقول أن مجلس إدارة الشركة قد أخذ بهذا الرأي، ولكن لن يستطيع تنفيذه إذا شاءت العصبة وبريطانيا.
شريط عن الحبشة
شركة أوفا الألمانية وضعت شريطًا سينمائيًّا عن الحبشة، تمثِّل حياتها وإمبراطورها.
عرض عسكري بريطاني مصري
عند الساحة العاشرة من صباح الجمعة ١١ أكتوبر سنة ١٩٣٥ شهدت الإسكندرية لأول مرة عرضًا عسكريًّا اشتركت فيه جميع القوات البريطانية والجيش المصري والبوليس، بحضور المندوب السامي السير مايلز لامبسون ودولة توفيق نسيم باشا رئيس مجلس الوزراء وتوفيق عبد الله باشا وزير الحربية والبحرية وقواد القوات البريطانية والجيش المصري، وبدأ العرض في ميدان محمد علي، ثم مر من الشوارع الأخرى. وانتقدت الصحف المصرية هذا العرض الغريب غير المألوف وقد حصنت طوابي الإسكندرية، وبثت الألغام حوالي الشواطئ.
قرار الجمعية العمومية لعصبة الأمم
اجتمعت يوم الأربعاء ٩ أكتوبر سنة ١٩٣٥ الجمعية العمومية لعصبة الأمم، واشترك فيها ٥٦ دولة، ووافقت بالإجماع ما عدا النمسا والمجر وإيطاليا على معاقبة إيطاليا، وقررت تأليف «لجنة التوفيق» من مندوبي: اتحاد جنوب أفريقيا، إيران، شيكوسلوفاكيا، بلجيكا، فنزويلا، هولاندا، أستراليا، يوغوسلافيا، السويد، سويسرا، اليونان. وستدرس لجنة التنفيذ المؤلفة من أعضاء العصبة جميعًا العقوبات وتنفيذها. وقررت اللجنة تأليف لجانٍ أخرى، ورفع الحظر عن تصدير السلاح إلى الحبشة وبقاءه بالنسبة لإيطاليا، والموافقة على تقرير لجنة الثلاثة عشر واللجان الأخرى في أن إيطاليا هي الدولة المعتدية المخالفة لنص المادة ١٢، والواجب توقيع العقوبات عليها.
آخر أنباء القتال والعصبة
- (١)
عبر الإيطاليون نهر مأرب، واستولوا على مقاطعة تيجري، واحتلوا جبل موسى علي والمدن التالية — وهي على خط حربي واحد: أديجرات، عدوة، منطقة أكسيوم المعروفة باسم «المدينة المقدسة» عند الحبشان وعاصمة الحبشة سابقًا. وينوي الإيطاليون الاستيلاء على مكالي ووادي تكازي، والتريث أيامًا لإقامة المعسكرات، وتثبيت المراكز، وتعبيد الطرق، وحفر الآبار قبل الهجوم الثاني، الذي يقال إنه متجه للاستيلاء على «أديس أبابا»، ولكن الحبشان أعادوا الكَرَّة على أكسيوم وعدوة وأديجرات لاستردادها.
- (٢)
انسحبت جيوش الرأس سيوم من تيجري، ولكنها أعادت الكَرَّة، والإمبراطور نفسه يقود الجيش لاسترداد مقاطعة تيجري وعدوة.
- (٣)
استعمل الإيطاليون الطائرات والدبابات والمدافع والغازات السامة، وألقوا المنشورات، واستخدموا الجواسيس، في سبيل الاستيلاء على هذه البلاد.
- (٤)
استولى الحبشان على واحة ولوال في الصومال الإيطالي، ويتقدمون في حدود الأريتريا شمالًا بقيادة بعض رجال الرأس كاسا — قائد الحبشة في هذه المنطقة.
وقد هاجم الرأس الدجاز ماشي هايتي ميخائيل الإيطاليين في أوجادن.
- (٥)
خطة الحبشان في المقاومة بالعصابات وانسحاب الجيش النظامي إلى الداخل عند الجبال والغابات هي خطة مُدبَّرة.
- (٦)
يُستدَل من الأنباء الواردة من أديس أبابا أن القتال دائر في أربعة ميادين: ميدان عدوة حيث واجه الرأس سيوم جيوش الزاحفين، وميدان يمتد من أكسوم إلى حدود السودان حيث بدأ الأحباش بالهجوم على أمل الوصول إلى حدود الأريتريا شمالًا، في حين أن جيشًا آخر من جيوشهم يحاول تطويق الجناح الإيطالي الأيسر، وقد انضم الرأس كاسا إلى الرأس سيوم لوقف زحف الإيطاليين هناك ومعه جيش كبير قاعدته مدينة غندار.
والميدان الثالث في الجنوب حيث اجتاز الإيطاليون الحدود قادمين من الصومال الإيطالي وزحفوا شمالًا عن طريق دولو، في حين أن الأحباش يسيرون على خطة الهجوم في الميدان الرابع بطريق ولوال.
فالإيطاليون يزحفون إذن من ناحيتين وهدفهم حدود الأريتريا شمالًا وحدود الصومال الإيطالي جنوبًا، والميدانان الشماليان واقعان في حدود ولاية تيجري والميدانان الجنوبيان واقعان في حدود ولاية أوغادن.
وتسير الأمور على خلاف ما كان العارفون يعتقدون؛ أي إن الأحباش لم ينسحبوا أمام الغزاة بل قاوموهم مقاومة عنيفة، وزادوا على ذلك بأن سلكوا من ناحيتهم خطة الهجوم في ميدانين مختلفين.
ومما يسترعي النظر، أن الأحباش عمدوا إلى حرب العصابات في الوقت الذي تواجه فيه جيوشهم المنظمة أو شبه المنظمة جيوش الإيطاليين الزاحفة.
- (٧)
قُطِعت العلاقات السياسية بين الحبشة وإيطاليا، وعاد ممثل كل منهما إلى وطنه، ووزير الحبشة في روما هو أفيفورك جيفريس، ووزير إيطاليا في أديس أبابا هو الكونت فينسي.
- (٨)
هجم الأحباش على عدوة في ١١ أكتوبر، ويُقال إنهم استردوا عدوة وإن ثورة في أريتريا قد نشبت ضد إيطاليا.
من نتائج المسألة الحبشية
- (١)
وقوع عصبة الأمم في أزمة؛ لمخالفة إيطاليا للعهد ضد دولة الحبشة عضو العصبة.
- (٢)
صعود نفوذ بريطانيا الأدبي بقيامها بحمل لواء الدفاع عن العصبة.
- (٣)
حرص الدول الصغرى على بقاء العصبة؛ حماية من مطامع الدول الكبرى.
- (٤)
توكيد صداقة تركيا واليونان لبريطانيا.
- (٥)
ظهور اسم الحبشة في العالم كله.
- (٦)
إيجاد رأي عام عالمي لمصلحة الحبشة وضد إيطاليا، مع أن الحبشة دولة شرقية معدودة متأخرة عند الأوروبيين.
- (٧)
الحبشة — بالرغم من تأخرها — أمة نامية الروح الاستقلالية إلى أبعد حد، وتنفرد في أفريقيا بهذه الروح العسكرية الاستقلالية المتفانية.
- (٨)
توحيد الحبشة مسلمين ومسيحيين وقبائل ورءوسًا.
- (٩)
ظهور نهضة اجتماعية في الحبشة سيكون لها نتائج مفيدة وبعيدة.
- (١٠)
قلق مصر، ثم يقظتها نحو استقلالها ودستورها واحتمال صيرورتها ميدانًا من ميادين الحرب واقتراب العالم من الحرب العالمية، والاستعداد الهائل للحرب الكبرى المنتظرة.
- (١١)
استعمال الأسلحة الحديثة الحربية.
- (١٢)
العودة إلى البحث في الاستعمار وفوائده ومضاره.
- (١٣)
ألمانيا — التي لا تزال تشعر بأنها غُبِنت في معاهدة الصلح وحُرِمت من مستعمراتها الأفريقية الغنية — ترى في الحوادث الجارية فرصة لاستعادة نفوذها ومستعمراتها، ولكنها تعمل في صمت وسكون ولم تعلن خطتها بعدُ.
- (١٤)
العالم مفعم بالمفاجآت، وقد تؤدي الحوادث الجارية إلى انقلاب في خريطة العالم لا مثيل له في التاريخ.