أخبار ليلى
أخبار ليلى مع النابغة الجَعْديِّ
كتب إليَّ أحمد بن عبد العزيز، أخبرنا عمر بن شبَّة عن أبي الحسن المدائنيِّ، قال: هاجى النَّابغة الجعديُّ ليلى الأخيليَّة، فقال لها:
فقالت تردُّ عليه — وهما قصيدتان له ولها — فغلبته بقوله:
وهلا: كلمة تُقال للفرس الأنثى إذا أنزى عليها الفحل؛ لتسكن.
حدثني محمد بن إبراهيم قال: حدثنا عبد الله بن أبي سعد الوراق قال: حدثني الحكم بن موسى السلولي، أخبرني الباهلي العلَّامة قال: إنه تحاكم إلى ليلى شعراء هوزان: النابغة الجعديُّ، وحيد بن ثور الهلالي، وتميم بن أبي بن مقبل العجلاني، والعجير السلولي، فأنشأت تقول:
تعني: العجير، قال: فنمى الخبر عنها، فقال النابغة الجعدي:
قال: ثم قال:
رأى نفسه بقلًا وخيمًا، يقول: إنها ستسوخم هجائي.
قال: وبنو الأذلغ بن بني عبادة بن ربيعة البكاء وكان نكاحًا، فبلغها قوله فقالت:
ويُروى: ولم تك موبهًا، ويُروى: بين شعبين مجهلا، ويُروى: وكنت شعيبًا بين صدَّين، والصدَّان: جانبا سفح الجبل، والصني: الثميد يبض شيئًا يسيرًا يشرب به الطير، ولا يشرب به الإنسان لقتله، وصني تصغير صنو، والصنو: الشعب الصغير.
ويروى: وأي حصان. ويقال للفرس الحجر: هلا، وذلك إذا دعيت للإقرار لتنزى. فاجتمع الجعديُّون، وقالوا: والله لنأتين أمير المدينة فلنستعدينَّه عليها فإنها قد قذفتنا، وبلغها ذلك فزادت في القصيدة:
عمهم: هو عقيل، وأبوهم: هو جعدة. في ذراه: في ذرى عقيل، ويُروى: نداه.
الأعمى: النابغة، جعلته أعمى القلب.
تقول: هم يؤدون الصدقة عن إبلهم.
ويروى: تسابق سوَّارًا، وهو سوار بن أوفى بن سبرة بن سلمى بن قشير، وكان يهاجي النابغة، ويفخر عليه بأيام بني جعدة:
عضل: عيي وبلد وضاق.
وفي غيره فضل: تقول: في غير الهجاء الحسب والكرم، وليس في الهجاء خير ولا يُفضَّل به أحد. تريد: هل لك أن تدع الهجاء وتناسب سوارًا؛ حتى تعرف نفسك ونسبك وقدرك.
فجليت إلى المدينة، فأقامت بباب مروان، وأنشأت تقول:
نيرين: شيئين، ويقال: لونين من العلف.
جفيف: يابس الكلأ، والصغار من الحلي. والنصي: الذي يبس وأصابه المطر فاصفر.
الخروف من الإبل: تنتج في الخريف، والمصيف: في الصيف، والمربع: في الربيع، والهبع: في القيظ، والصقعي: وهو الربعي، والصفري: مطلع سهيل، والدفيء: في آخر الشتاء.
ثم قالت في مروان تمدحه، وتذكر أمر الجعديين:
وكتب إليَّ أحمد بن عبد العزيز: أخبرنا عمر عن شبة، وحدثني محمد بن أحمد الكاتب، قال: حدثنا أحمد بن يحيى النحوي، وحدثني أحمد بن محمد المكي، قال: حدثنا أبو العيناء، أن النابغة لما قال أبياته التي أولها: ألا حييا ليلى، أجابته بقولها الذي تقدم.
وروى أبو عمرو الشيباني أن النابغة لما قال يذكر يومي رحرحان وهو يهاجي سوار بن سبرة ويفخر عليه بأيام بني جعدة في قصيدة:
فلما قال:
قالت ليلى:
فلما أتى النابغة هذه الأبيات وما دعته إليه ليلى قال: ألا حييا ليلى. حازر: حامض. وتثمل: صار كتلًا من الرغوة، والثمالة: الرغوة، ويقال: الرعوة.
حدثني محمد بن أحمد الكاتب، قال: أنشدنا أحمد بن يحيى النحوي لليلى تمدح مروان بن الحكم:
وذكرها بطولها فاخترنا منها بعد ذكر ناقته:
قنعان: الذي يقنع برأيه. يقال: هذا قنعاني، وقنعاني: أي ما قنعت به من شيء.
معناه: لا بل تعدي عليَّ من ظلم وهجا، فخاف أن أهجو وأنتصر فيعدي عليَّ.
تخاوصت بعينيها.
العقور: الحصون والقصور. ويروى: بالأذان المثوب.
الطمار: المكان المرتفع. ومبوب، أي: له باب.
القاري: ذكر النحل الذي يجمعها، والمنوب: المسود، أي: يسود هذا النحل بما يعمل موضعه، ومنه سمي النوبي لسواده، وأنشد: في بيت نوب عوامل. ويروى: نحل مجوب.
وأنشدني محمد بن أحمد، قال: أنشدنا أحمد بن يحيى لليلى أيضًا:
الرتاج: الغلق، ومنه أرتج على القارئ. ومئران من النشاط. النيران: شحم العام الأول، وشحم عامها هذا، ويقال: ناقة ذات نيرين، أي: شحم عامي، وشحم حولي.
أخبار ليلى مجموعة
حدثني أحمد بن محمد الجوهري، قال: حدثنا الحسن بن عليل العنزي، قال: حدثنا محمد بن زياد البكراوني، قال: سمعت العتبي يقول: دخلت ليلى الأخيليَّة على عبيد الله بن أبي بكرة.
قال محمد: وسمعت ابن عائشة يقول: دخلت امرأة من هوزان على عبيد الله بن أبي بكرة، فقلت له: هي الأخيليَّة. فقال: لعلها. فقالت: أصلح الله الأمير، أتيتك من بلاد شاسعة ترفعني رافعة، وتهضبني هاضبة، لملمات من البلايا برين عظمي، ونكهن جسمي، وتركنني أمشي بالحريض قد ضاق بي البلد العريض بعد عدة من الولد، وكثرة من العدد، أفنين عددي، وأوعزن تلدي، فلم يتركن لي سبدًا، ولم يبقين لي لبدًا، فسألت في أحياء العرب من المرتجى سيبه، والمأمون غيبه، والمحمود نائله، فدُلِلت عليك — أصلحك الله — وأنا امرأة من هوازن هلك الوالد، وغاب الفاقد، فاصنع بي إحدى ثلاث.
قال: وما هن؟ قالت: تحسن صفدي، أو تقيم أودي، أو تردني إلى بلدي، فقال: بل نجمعهن لك. فجمع لها الخلال الثلاث. قال أحدهما: ثم أوصى لها بعد موته بمثل ميراث إحدى بناته.
حدثني أبو عبد الله الحكيمي، قال: حدثنا أحمد بن يحيى عن ابن الأعرابي قال: قالت ليلى الأخيليَّة لبني عبادة قومها؛ وسئلت عنهم، فقالت: شر كالتراب وخير كالصؤاب.
أنشدني محمد بن أحمد الكاتب، قال: أنشدنا أحمد بن يحيى النحوي لليلى:
نعل سمط: إذا كان طاقًا واحدًا ليست مطارقة.
أنشدنا أبو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة النحوي، وقال: هو لليلى الأخيليَّة:
حدثني عبد الله بن يحيى العسكري قال: روى أبو عمرو الشيباني لليلى تمدح أبا بكر بن كلاب بن ربيعة:
بظنته، أي: بظنه أبي جزء، وبنو جزء آل عبد العزيز بن زرارة، وهم من بني بكر بن كلاب.
قال: وروى أبو عمرو أيضًا لها تفخر:
أخبار ليلى مع الحجَّاج بن يوسف، وذلك في آخر عمرها
حدثني أبو عبد الله الحكيمي. قال: حدثني يحيى بن يموت بن المزرع قال: حدثنا رفيع بن سلمة. قال: حدثني أبو عبيدة، قال: دخلت ليلى الأخيليَّة على الحجَّاج فأنشدته:
فقال فتى من جلساء الحجاج: والله أيها الأمير ما كان في توبة عشير ما تقول ليلى.
فقالت ليلى: والله — أيها الأمير — لو رأى ذلك توبة لتمنى أن لا تبقى في داره بكر إلا حملت منه.
وأخبرني عبد الله بن يحيى قال: حدثني محمد بن جعفر، قال: حدثنا ابن أبي سعد، قال: حدثني أبي الحسن الموصلي عن سلمة بن أيوب بن مسلمة الهمذاني فقال: كان جدي عند الحجاج فذكر أن امرأة قد دخلت عليه فسلَّمت فردَّ عليها، وقال: مَن أنتِ؟ قالت: أنا ليلى. قال: صاحبة توبة بن حمير؟ قالت: نعم. قال: فماذا قلت فيه لله أبوك؟ قالت: قلت:
وذكر منها أبياتًا فقال لها أسماء بن خارجة الفزاري: أيتها المرأة إنك لتصفين هذا الرجل بشيء ما تعرفه به العرب. قال: فقالت: أيها الرجل، هل رأيت توبة؟ قال: لا. قالت: أصلح الله الأمير، فوالله لو رأى توبة فودَّ أن كل عاتق في بيته حامل من توبة. قال: فكأنما فُقئ في وجه أسماء حَب الرمَّان. فقال له الحجَّاج: وما كان لك ولها.
حدثني محمد بن أحمد الكاتب، قال: حدثنا أحمد بن يحيى النحوي عن عبد الله بن أحمد المكي، عن عبد الله بن مشهور، قال: دخلت ليلى الأخيليَّة على الحجاج، فقال لها: أنشديني ما قلت في توبة، فأنشدته:
فقال لها الحجَّاج: هل كان بينك وبينه سوء؟ قالت: لا، والله، إلا أنه أرسل رسولًا مرة، فقال: إذا أتيت حاضر بني عبادة — يعني: ابن عقيل — فنادى فيه:
فظننت أنه جنح لبعض الأمر، فناديت:
وحدثني محمد بن إبراهيم، قال: حدثنا أحمد بن أبي خيثمة، قال: أخبرنا علي بن المغيرة الأثرم عن أشياخه، قال أحمد: وأخبرنا عبد الله بن أبي كريم عن أبي عمرو الشيباني، أن ليلى الأخيليَّة قدمت على الحجاج بن يوسف، وعنده وجوه أصحابه وأشرافهم إذ أقبلت جارية، فأشارت إلى الحجاج، وأشار إليها بيده، فذهبت فما تلبث أن جاءت امرأة من أجلِّ النساء وأكملهنَّ، وأتمهنَّ خلقًا، وأحسنهنَّ محاورة، فلما دنت منه سلَّمت عليه، وقالت: أتأذن أيُّها الأمير؟ قال: نعم. فأنشأت تقول:
حتى أتت على آخرها.
فقال الحجاج لمن عنده: أتدرون من هذه؟ قالوا: ما نعرفها، ولكنا ما رأينا قط امرأة أطلق لسانًا منها، ولا أجمل وجهًا، ولا أحسن لفظًا فمن هي — أصلح الله الأمير؟ قال: هذه ليلى الأخيليَّة صاحبة توبة بن الحمير العقيلي التي يقول فيها:
ثم قال: يا ليلى أنشدينا بعض ما قال توبة فيك، فأنشدته:
حتى فرغت من القصيدة.
فقال لها: يا ليلى وماذا رابه من سفورك؟ قالت: أصلح الله الأمير! لم يرني قط إلا متبرقعة، فأرسل إليَّ رسولًا إنه ملمٌّ بنا، وفطن الحي لرسوله، فأخذوا له واستعدوا وكمنوا، ففطنت لذلك من أمرهم، فلمَّا رأى ذلك أنكره، فلم يزد على أن سلم وانصرف.
فقال الحجاج: لله درُّك يا ليلى، فهل كان بينكما ريبةٌ قط؟ قالت: لا والذي أسأله أن يصلحك إلا أنه مرة قال قولًا، فأظنه أنه خضع لبعض الأمر فقلت:
فما كلمني بعد ذلك بشيء حتى فرَّق بيني وبينه الموت.
قال: فما كان حديثكما بعد ذلك؟ قالت: لم يلبث أن قال لصاحبٍ له: إذا أتيت الحاضر من بني عبادة فقل بأعلى صوتك:
فلما سمعت الصوت خرجت، فقلت:
ثم لم لبث أن قتل.
قال: فأنشدينا بعض مراثيك إياه، فأنشدته قصيدًا كثيرًا، فكان مما أنشدته قصيدتها التي تقول فيها:
فلما أتمتها قال رجل من القوم: والله ما أظنُّه بلغ عشر ما وصفتهِ به. فنظرت إليه ليلى، وقالت: أصلح الله الأمير، إن هذا المتكلم لو رأى توبة لسرَّه ألا يكون في داره عذراء إلا وهي حبلى من توبة.
فقال الحجاج: هذا والله الجواب الحاضر، وقد كنت غنيًّا عنه. ثم قال لها: ما حاجتك؟ قالت: حاجتي أن تحملني إلى قتيبة والي خراسان على البريد، فحملها فاستظرفها قتيبة، ووصلها ثم رجعت، فماتت بساوة فقبرها بها.
أخبرني محمد بن أبي الأزهر، قال: حدثنا محمد بن يزيد النحويُّ، قال: رُوي أن ليلى الأخيليَّة قدمت إلى الحجاج فأنشدته:
قال: أتقولين غلام؟ قولي همام. ثم قال لها: أي نسائي أحب إليك أن أنزلك عندها؟ قالت: ومن نساؤك أيها الأمير؟ قال: أم الجلاس بنت سعيد بن العاص الأمويَّة، وهند بنت أسماء بن خارجة الفزاريَّة، وهند بنت المهلَّب بن أبي صفرة العتكيَّة. قالت: القسيَّة أحب إليَّ، فلما كان الغد دخلت عليه، فقال: يا غلام أعطها خمسمائة. فقالت: أيها الأمير اجعلها أدمًا. فقال قائل: إنما أمر لك بشاء. فقالت: الأمير أكرم من ذلك. فجعلها ابنًا إناثًا استحياءً، وإنما كان أمر لها بشاء أولًا. الأدم: البيض من الإبل وهي أكرمها.
أخبرني علي بن عبد الرحمن عن علي بن يحيى الأطروش بن إسحاق عن أيوب بن عباءة، قال: حدثني الهيثم بن عدي، قال: دخلت ليلى الأخيليَّة على الحجاج، فقال لأصحابه: ألا أخجلتها لكم؟ قالوا: بلى. قال: يا ليلى. قالت: لبيك أيها الأمير. قال: أكنت تحبين توبة بن الحمير؟ قالت: نعم، أيها الأمير، وأنت لو رأيته لأحببته.
وحدثني أحمد بن محمد الجوهري، قال: حدثنا العنزيُّ، حدثنا أبو السائب بن سلم بن جنادة، قال: حدثنا إبراهيم بن يوسف بن معمر التيمي، قال: حدثنا خالد بن سعيد بن عمرو بن سعيد، قال: أخبرني أبي، قال: جاءتنا ليلى الأخيليَّة، فقالت: إني أريد أن أمدح الحجاج. فأدخلناها إليه، فقالت:
فقال الحجاج: يا خيليَّة اجعليني همامًا، لاتجعليني غلامً.
ثم قال: على من أنزلك من نسائي؟ قالت: اذكر لي نساءك. قال: عندي بنت سعيد بن عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد، وعندي أم سلمة بنت عبد الرحمن بن سهيل بن عمرو، وعندي بنت المهلب بن أبي صفرة، وعندي بنت أسماء بن خارجة الفزاري، فاختارت بنت أسماء بن خارجة؛ لقرابتها منها، فنزلت عليها.
وحدثني محمد بن أحمد الوزيري قال: حدثنا محمد بن العباس، قال: حدثنا الخليل بن أسد النوشجاني، حدثني حفص بن عمر العمري، عن الهيثم بن عدي، قال: أخبرنا أبو يعقوب الثقفي، عن عبد الملك بن عمير، قال: حدثني محمد بن الحجاج بن يوسف، قال: بينما الأمير جالس — يعني: الحجاج — إذ استأذنت ليلى، فقال الحجاج: ومن ليلى؟ فقيل: الأخيليَّة، قال: صاحبة توبة، أدخلها. فدخلت امرأة طوال، دعجاء العين، حسنة المشية، حسنة الثغر، فسلمت فرحب بها الحجاج، فدنت فقال الحجاج: وراءك، ضع لها وسادة يا غلام، فجلست، فقال: ما أعملك إلينا؟ قالت: السلام على الأمير، والقضاء لحقه، والتعرض لمعروفه. قال: كيف خلفت أهلك؟ قالت: تركتهم في حالة خصب وأمن ودعة. أما الخصب ففي الأموال والكلأ، وأما الأمن فقد آمنهم الله بك، وأما الدعة فقد خامرهم من خوفهم ما أصلح بينهم. ثم قالت: ألا أنشدك أيها الأمير؟ قال: إذا شئت. فقالت:
ويروى: فراوها بصوب سجاله دماء رجال. وشرب سجال، وقال: يقيل.
ويروى:
فقال الحجاج ليحيى بن منقذ: لله بلاؤها ما أشعرها! قال: ما لي بشعرها علم. قال: عليَّ بعبيد بن موهب — وكان حاجبه — قال: أنشديه، فأنشدَته، فقال: هذه الشاعرة الكريمة قد وجب حقها. قال: ما أغناها عن شفاعتك! يا غلام. مر لها بخمسائة درهم واكسها خمسة أثواب، أحدها كساء خز، وأدخلها على ابنة عمها هند بنت أسماء بن خارجة، وقل لها: صليها. فقالت: أصلح الله الأمير أضر بنا العريف في الصدقة وقد جربت إبلنا وتكسرت قلوبنا، وأخذ خيار المال. قال: اكتبوا لها ابن الحكم بن أيوب فليبتع لها خمسة أجمال، وليجعل أحدها نجيبًا، واكتبوا إلى صاحب اليمامة يعزل العريف. قال ابن موهب: أصلح الله الأمير أأصلها؟ قال: نعم، فوصلها بأربعمائة درهم، ووصلتها هذه بثلاثمائة درهم، ووصلها محمد بن الحجاج بوصفين. قال الهيثم بن عدي: ولم أسمع أنا من حماد. قال: لما فرغت ليلى من شعرها أقبل الحجاج على جلسائه، فقال: أتدورن من هذه؟ قالوا: لا، والله ما رأينا امرأة قط أفصح، ولا أبلغ، ولا أحسن إنشادًا منها. فمن هي؟ قال: ليلى الأخيليَّة صاحبة توبة بن حمير، ثم أقبل عليها، فقال: بالله يا ليلى أرأيت من توبة أمرًا تكرهينه، أو سألك شيئًا يعاب؟ قالت: لا، والذي أسأله المغفرة ما كان ذلك منه. فقال: أما إذا لم يكن فيرحمنا الله وإياه.
وأخبرني عبد الله بن يحيى، قال: أخبرني محمد بن جعفر العطار، قال: حدثنا ابن أبي سعد، قال: حدثني أحمد بن رشد بن خثيم الهلالي قال: حدثني هاشم بن محمد الهلالين، قال: حدثني أيوب بن عمرو، عن رجل من بني عامر يقال له: ورقا قال: كنت عند الحجاج بن يوسف، فدخل الآذن، فقال: أصلح الله الأمير، امرأة بالباب تهدر كما يهدر البعير النادُّ. قال: أدخلها. فلما دخلت نسبها، فانتسبت له، فقال: ما أتاني بك يا ليلى؟ قالت: إخلاف النجوم، وكلب البرد، وشدة الجهد فكنتَ لها بعد الله الرد. قال: فأخبريني عن الأرض؟ قالت: الأرض مقشعرة، والفجاج مغبرة، وأصابتنا سنون مجحفة مظلمة لم تدع لنا متبعًا، ولا ربعًا، ولا عافطة أهلكت الرجال، ومزقت العيال، وأفسدت الأموال، وأنشدته قولها:
… وذكر الأبيات.
فالتفت الحجاج إلى أصحابه فقال: هل تعرفون هذه؟ قالوا: لا، قال هذه ليلى الأخيليَّة التي تقول:
ثم قال لها: يا ليلى أنشديني بعض شعر توبة. قالت: وأي شعر أحب إليك؟ قال لها:
ما الذي رابه من صدودك يا ليلى؟ قالت: أصلح الله الأمير إنه لم يرني قط إلا مبرقعة فأرسل لي رسولًا أنه ملم بنا، وفطن الحي برسوله فلما رأيته سفرت. فلما رأى ذلك انصرف. فقال: قاتلك الله يا ليلى فهل كان بينكما ريبة قط؟ فقالت: أصلح الله الأمير لا، إلا أنه قد قال مرة قولًا عرفت أنه قد خضع لبعض الأوامر، فقلت له:
قال: فما كان بعد ذلك؟ قالت: قال لصاحب له: إذا أتيت الحاضر من بني عبادة بن عقيل فاهتف به:
فناديت:
قال: فأنشدينا بعض شعرك فيه. فأنشدته:
قال: فقال الحجاج لحاجبه: اذهب بها اقطع عني لسانها. قال: فدعا لها الحجام؛ ليقطع لسانها، فقالت: ويلك إنما قال لك الأمير اقطع لساني بالعطاء والصلة، فارجع إليه فاسأله قال: فرجع إليه فاستشاط عليه، وهمَّ بقطع لسانه. ثم أمر بها فأدخلت عليه، فقالت: كاد العلج أيها الأمير يقطع مقولي وأنشدته:
وحدثني محمد بن أحمد الكاتب، قال: حدثنا أحمد بن يحيى النحوي، قال: حدثنا عبد الله بن شبيب، قال: دخلت ليلى الأخيليَّة على الحجاج بن يوسف وهو في السفينة يريد البصرة فقال لها: ما جاء بك يا ليلى؟ قالت: كلب البرد، وشدة الجهد، وكان إليك بعد المفر. قال: ياليلى، كيف تركت الناس؟ قالت: الفجاج مغبرة، والأرض مقشعرة، والناس مسنتون، ورحمة الله يرجون، ثم أنشدته:
فنظر الحجاج إلى مولى له قائد البخاريَّة، فقال: اذهب بهذه العجوز إلى يزيد، فقل له: أعطها ألف دينار، واقطع عني لسانها. فلم يفهم البخاري إلا قطع اللسان، فقال ذلك ليزيد، فدعا بالحجام، فقالت: وما تريد؟ قال: أقطع لسانك. قالت: ويلك! أمر لي بالعطاء. قال: ومر بها عتبة بن سعيد فنادته، فقال: ويلك! لا تعجل أنا رسوله إليك، ثم دخل على الحجاج فأخبره، فقال: عليَّ بها فلما دخلت قالت: كاد العلج — أماته الله — أن يقضب مقولي، وأنشدته:
… وذكر البيتين.
فقال لها الحجاج أين تريدين؟ أترجعين إلى بلدك، وأجهزك؟ قالت: لا، أريد الباهلي تعني: قتيبة. فخرجت إلى قتيبة فماتت بالري، أو بدون الري.
وروى علي بن المغيرة الأثرم أنه سمع الأصمعي يقول: إن الحجاج أمر لليلى بعشرة آلاف درهم، وقال لها: هل لك من حاجة؟ قالت: نعم — أصلح الله الأمير — تحملني إلى ابن عمي قتيبة بن مسلم، وهو على خراسان يومئذ، فحملها إليه فأجازها، وأقبلت راجعة تريد البادية، فلما كانت بالري ماتت، فقبرها هناك.
وحدثني أبو عبد الله الحكيمي، قال: حدثنا أحمد بن أبي خيثمة عن نصر بن علي الجهضمي، عن بعض البصريين، قال: لما أتت ليلى ابنَ قتيبة جفاها، فقالت: ردني إلى ابن عمي. فردها، فلما صارت بساوة ماتت. وإنما قالت للحجاج ابن عمي؛ لأنها من هوازن من بني عقيل، والحجاج من بني قسي بن منبه بن بكر بن هوزان.
قال أحمد: أخبرنا عبد الله بن أبي كريم عن أبي عمرو الشيباني: أن ليلى لما حملها الحجاج إلى قتيبة بخراسان على البريد استظرفها قتيبة ووصلها، ثم رجعت، ثم ماتت بساوة فقبرها بها.
آخر أخبار ليلى
أخبرنا ابن دريد، قال: أخبرنا أبو عثمان الأشنانداني عن التوزي، عن أبي عبيدة، قال: كانت ريا بنت الأعرف إحدى بني عقيل، عند ثروان بن السميع، وهو رجل من قومها. وكان شيخًا أعشى، كثير شعر الرأس والوجه. فرقد يومًا في بيتها وهي قاعدة بين يديه، فأنشأت تقول: بنو عقيل:
فأجابها ثروان، فقال:
أخبرني محمد بن يحيى، قال: حدثنا المغيرة بن محمد المهلبي سنة أربع وسبعين ومائتين، قال: حدثنا عبد الله بن محمد التوزي، قال: أنشدني أبو زيد سعيد بن أوس الأنصاري لامرأة من بني عقيل، قال محمد: وغير أبي زيد ينشده لغيرها:
وغير التوزي ينشده على الأقواء: أي عويل.
أخبرنا ابن دريد، قال: أخبرنا أبو الحاتم عن الأصمعي، قال: تزوج رجل من بني عقيل امرأة منهم، فدخل يومًا وهي تمثل بيت غزل فقال لها: ما هذا الذي تتمثلين به، لعلك عاشق؟ قالت: لا، ولكن أبيات حضرتني. فقال: لئن سمعتك إلى مثل هذا لأوجعن ظهرك وبطنك. فأنشأت تقول:
فطلَّقها.
أخبرني أبو عبد الله الحكيمي، قال: حدثنا أحمد بن يحيى عن ابن الأعرابي، قال: قالت امرأة من بني عقيل كانت نازلة في عكل، فهجت قومًا غزوهم، أو رجلًا غزاهم.
حدثني محمد بن أحمد الكاتب، قال: حدثني أحمد بن أبي خيثمة، قال: أخبرنا مصعب بن عبد الله الزبيري، قال محمد: وحدثنا محمد بن يحيى بن الزبير بن بكار: أن امرأة من بني عقيل كان أهلها مجاورين لبني النمير، وكان لها تربان قد ألفتهما، فلما أراد أهلها الترحل أنشأت تقول:
وحدثني أبو عبد الله الحكيمي، قال: حدثنا أحمد بن أبي خيثمة، قال: أخبرني مصعب بن عبد الله، قال: جاءني زبير يدعونني من غداة يومنا، فقلت له: اجلس نستمع منك؛ فإني ذكرت أبيات العقيلية:
قال: فقال لي زبير: قد ذكرتني هذه أيضًا فراقنا بالبيت الرابع من شعرها:
أخبرني الصولي، قال: حدثنا علي بن الصباح، قال: أنشدنا أبو محلم لهنيدة الخفاجية في ابنها المضاء:
القطامي: الصقر، وهو أحدُّ الجوارح نظرًا وأبعده، ومنه قول امرئ القيس:
وجدت بخط حرمي: عن ابن المرزبان لماوية العقيليَّة في ابن عم لها يقال له: كثير، وكانت تحبه: