عصر تيمور وخلفائه
يعتبر عصر تيمور وخلفائه من أزهى عصور التصوير الفارسي، فقد كان مجيء هذا الفاتح التتري واتخاذه سمرقند عاصمة لملكه منذ سنة ٧٧٢ﻫ/١٣٧٠م فاتحة لهدوء نسبي ساد بلاد إيران، التي عرفت في عهده وعهد ابنه وخليفته شاه رخ ٨٠٧–٨٥٠ﻫ/١٤٠٤–١٤٤٧م سلامًا لم تكن عرفته منذ مدة طويلة؛ وقد كان تيمور على فظاظته وقساوته محبًّا للفن والأدب، مغرمًا بقراءة أشعار حافظ ونظامي، وكان هو وخلفاؤه من أكبر المشجعين للفنانين والعلماء والأدباء.
وقد مهدت العصور السابقة لهذا العصر، فكانت فيها مراحل الاقتباس والاختيار والتأثر الكبير بالفنون الأجنبية، وقدر لعصر تيمور وخلفائه أن يشهد ازدهار طراز إيراني قوي إلى حد كبير، وغني بما اكتسبه من صناعة الشرق الأقصى، وأصبح جزءًا أساسيًّا فيه.
وفي المصادر التاريخية أن تيمورلنك عمل على أن يجمع في عاصمته سمرقند أكبر عدد ممكن من الفنانين والصناع، فنقل إليها مئات المصورين من بغداد وتبريز وغيرهما من البلاد التي استولى عليها. ومع ذلك فقد ظلت بغداد وتبريز مركزين لصناعة التصوير؛ وإن يكن التاريخ قد حفظ لنا اسم مصور بغدادي شهير هو عبد علي عاش في بلاط سمرقند، فأكبر الظن أن هذه المدنية لم تبلغ في عهد تيمور ذلك المركز الكبير الذي بلغته هراة منذ أوائل القرن الخامس عشر في عهد شاه رخ وخلفائه.
على أن هناك مخطوطين في المتحف البريطاني يرجع عهدهما إلى عصر تيمور نفسه، ويمثلان حلقة الاتصال بين المدرسة الفارسية التترية وبين مدارس التيموريين.
والمخطوط الثاني يرجع إلى العهد نفسه ويشمل عدة قصائد منها تاريخ منظوم كتبه أحمد التبريزي لفتوح جنكيز خان.
وفي صور هذين المخطوطين كثير من الصفات الزخرفية التي أصبحت فيما بعد من مميزات مدرسة هراة في القرن التاسع الهجري (الخامس عشر)، فالأشجار الطويلة والمناظر الطبيعية ذات الجبال والتلال المرسومة على شكل الإسفنج، والنباتات الصغيرة التي تزيد في زخرفة الصورة وتمنحها طابعًا خاصًّا، والألوان القوية التي لا يكسر من حدتها أي تدرج، كل هذا يفرق بين صور هذين المخطوطين وبين الصور الأولية في القرنين السابع والثامن (القرن الثالث عشر وأوائل القرن الرابع عشر).
على أن الأفضل أن لا ننسب صور هذين المخطوطين إلى أي مدرسة تيمورية؛ إذ الواقع أنها تمثل آخر تطور للمدرسة التترية. فعصر المغول يمتد إلى أوائل القرن التاسع (الخامس عشر)، وأسرة الجلائيريين المغولية التي حكمت في العراق واتخذت بغداد عاصمة لها جعلت هذه المدينة تترية طول القرن الثامن (الرابع عشر)، وجزءًا من القرن التاسع (الخامس عشر)، بالرغم من استيلاء تيمور عليها سنة ٧٩٥ﻫ/١٣٩٣م.
وفي المصادر التاريخية أن السلطان أويس، من أواخر ملوك أسرة الجلائيريين، كان من الملوك الذين عالجوا التصوير وأصابوا فيه نجاحًا كبيرًا.
اللوحة رقم ١٠
فالشبه إذن بين هذه الصورة وبين الصور التيمورية يرجع إلى أن الأولى تمثل، كما ذكرنا، حلقة الاتصال بين المدرسة الفارسية التترية وبين مدارس التيموريين، والواقع أن تيمور نفسه، بالرغم من غرامه بالفنون الجميلة، لم يكن السبب المباشر في نشأة الطراز التصويري الذي ننسبه إلى العصر المسمى باسمه، والذي هو نمو طبيعي لفن التصوير في القرن الثامن (الرابع عشر). لم تكن لذلك الفاتح يد كبيرة فيه، ولكن الذي يجعل هذه التسمية عادلة هو الرعاية السامية التي شمل بها خلفاء تيمور المصورين وفن التصوير.
اللوحة رقم ١١
اللوحة رقم ١٢
وقصارى القول أن مجموعة المخطوطات التي كتبت في آخر القرن الثامن الهجري (السنين العشر الأخيرة من القرن الرابع عشر) لها ميزات لا يستهان بها؛ ففيها تظهر الألوان الساطعة، ومناظر الحدائق والزهور والربيع، التي أصبحت بعد ذلك من خصائص الفن الفارسي. وقد وصل الفنانون فيها إلى إيجاد نسبة جميلة للأشخاص، وتوافق حسن بين متن المخطوط وبين الصور المصغرة. وفي بعض هذه الصور رسوم لمنسوجات وسجاد لم يصل إلينا منه شيء. ولا ريب أن أكبر الفضل في العناية بالتصوير الفارسي في هذه المرحلة يرجع إلى السلاطين الجلائيريين.
مدرسة هراة
على أن التصوير الفارسي يصل إلى العصر الذهبي في عهد خلفاء تيمور: ابنه شاه رخ، وأحفاده: بيسنقر، وإبراهيم سلطان، وإسكندر بن عمر شيخ. ولا غرو فقد أصبح في عصرهم وحدة قوية تمثل الروح الإيرانية، ويصعب كشف العوامل الأجنبية فيها.
وقد أدى النظام السياسي لإمبراطورية تيمورلنك إلى نشأة مراكز فنية عديدة؛ فبينما كان في عاصمة الدولة إمبراطور يشرف على إدارتها، كان في الأقاليم المختلفة أمراء يحكمونها ويجعلونها أشبه شيء بممالك مستقلة متحدة، وكان لكل أمير منهم بلاطه، وفي بعض الحالات نظامه الوراثي للحكم على النحو المتبع في عاصمة الإمبراطورية نفسها. فنرى مثلًا أن شاه رخ كان حاكمًا على خراسان في حياة والده تيمورلنك، ولما توفي هذا خلفه ابنه وظل مقيمًا في خراسان، واتخذ هراة عاصمة لملكه، وعين أولوغ بك حاكمًا على بلاد ما وراء النهر ومقره سمرقند، وإبراهيم سلطان حاكمًا على شيراز وإقليم فارس.
وكان شاه رخ ملكًا رشيدًا، عرفت إيران في عصره السكينة والهدوء، وأصبحت هراة مركزًا كبيرًا لصناعة التصوير، وأسس فيها الإمبراطور مكتبة واسعة. ولما نصب ابنه بيسنقر حاكمًا عامًّا على إقليم هراة، أسس الابن مكتبة أخرى ومجمعًا للفنون، جمع فيه المصورين والمذهبين والخطاطين والمجلدين؛ فلعب هذا المجمع دورًا كبيرًا في صناعتي التصوير والتذهيب، اللتين انتقلتا من شيراز وتبريز وسمرقند إلى هراة.
ومن مميزات الصور المصغرة في مدرسة هراة رسم الرءوس الآدمية الحيوانية في زخرفة الفروع النباتية على النحو الذي نعرفه في الصور المصغرة الأرمنية، التي يرجع تاريخها إلى أواخر القرن السابع وأوائل القرن الثامن (أواخر القرن الثالث عشر وأوائل القرن الرابع عشر).
وقد كانت الصور المنسوبة إلى عصر تيمور لا يعرف منها إلا عدد قليل، حتى كان معرض الفن الفارسي في لندن سنة ١٩٣١، فظهر عند الهواة ومؤرخي الفن عدد كبير منها، وكذلك لدى حكومة جلالة الشاه التي أرسلت إلى هذا المعرض أنفس ما عندها. ولا يتسع المجال هنا لدراسة هذه الصور، فنكتفي بأن نحيل القارئ إلى المؤلفات والمقالات التي كتبت عن المعرض المذكور، وخاصة إلى كتاب الصور المصغرة الفارسية الذي كتبه لورنس بنيون وولكنسون وجراي.
وقصارى القول أن فن التصوير في عصر تيمور وخلفائه نما وترعرع، وأصبح قاب قوسين أو أدنى من الكمال الذي وصل إليه في عصر بهزاد وتلامذته.
على أنه بعد وفاة شاه رخ سنة ٨٥١ﻫ/١٤٤٧م دب الانحلال إلى الإمبراطورية التي جاهد طويلًا في سبيل توحيدها وإعلاء شأنها، وأخذ خلفاؤه في النزاع؛ فما لبث غرب بلاد إيران أن سقط في يد خصومهم من قبائل التركمان التي تعرف باسم آق قويونلو أو ذوي الخروف الأبيض، وقرايونلو أو ذوي الخروف الأسود، نسبة إلى شعارهم الحربي. ومات السلطان أبو سعيد سنة ٨٧٣ﻫ/١٤٦٨م وهو يحاول استرداد هذه الأقاليم. وظهرت إمبراطورية الأوزبك في بلاد ما وراء النهر، واستطاعت في آخر القرن الثامن الهجري (الرابع عشر) أن تقضي على نفوذ التيموريين في تلك البلاد وفي شرقي إيران، وبقيت هراة عاصمة خلفاء تيمور ولم تزدها هذه المحن إلا تقدمًا وازدهارًا. فكان حكم السلطان حسين بيقرا ٨٧٣–٩١٢ﻫ/١٤٦٨–١٥٠٦م من أزهى عصور التيموريين. وتسابق إلى هراة رجال الأدب والفن والتاريخ، واستطاع السلطان الاحتفاظ بعرش أجداده؛ وكان ساعده الأيمن وزيره ورفيق صباه مير علي شير الذي كان شاعرًا مثله، وراعيًا كبيرًا للأدباء والعلماء ورجال الفن.
اللوحة رقم ١٣
اللوحة رقم ١٤
اللوحة رقم ١٥
اللوحة رقم ١٦
اللوحة رقم ١٧
اللوحة رقم ١٨
وعلى كل حال فقد ظهر في خدمة حسين بيقرا ووزيره مير علي شير أكبر مصوري الفرس، وأشهر رجال الفن الإسلامي: بهزاد.