من هو الفردوسي؟
انتهت في الصفحة السابقة الرواية الرائعة التي ألفها الكاتب الفيلسوف النابغة الأستاذ أمين الريحاني عن حياة «الفردوسي»، وقد رأينا بهذه المناسبة أن نأتي على ترجمة هذا الشاعر بكلمات موجزة:
نشأة الفردوسي
هو أبو القاسم منصور بن فخر الدين أحمد بن فرخ الفردوسي، ولد حوالي سنة ٣٢٩هـ في قرية اسمها باز من ناحية طبران إحدى مدينتي طوس؛ لأن طوس كناية عن مدينتين أكبرهما طبران والأخرى نوقان، وفي بعض الروايات أن الفردوسي من شاداب، وفي بعض الكتب أنه من قرية رزان قرب طوس.
الرؤيا
لما ولد الفردوسي رآه أبوه في المنام على سطح عالٍ متجهًا تلقاء القبلة يصيح فيسمع أصداء صوته من كل جانب، فذهب إلى الشيخ نجيب الدين وقصَّ عليه الرؤيا، فعبَّرها بأن الفردوسي سيكون فصيحًا يُسمع صوته في أربعة أركان العالم فيلقاه الناس بالقبول. ولما بلغ الفردوسي سن التعلُّم شغل بالعلم وَفَاقَ أقرانه وعكف على قراءة الكتب وقد شغف بتاريخ الفُرس.
سد الماء
وكان يُحبب إليه الجلوس على جدول يرفده نهر طوس، ويأنس بالماء الجاري ويغتم كلما طغى السيل فجرف السد فانقطع الماء. وكان يتمنى أن يبني سد الماء بالحجارة والآجر والحديد، ونذر أن يُنفق في هذا السبيل ما يملكه من مال.
اللقب
والفردوسي لقبه الشعري كدأب شعراء الفرس، ويقال إنه نسبة إلى بستان في طوس اسمه الفردوس كان لعميد خراسان سوري ابن المغيرة، وكان أبو الفردوسي خادمه.
والفردوسي كما يقول «دولتشاه» كان فقيرًا، وقد فرَّ إلى غزنة من ظُلم والي طوس، وظلَّ يرتزق بإنشاد الشعر حتى عرفه العنصري فقدمه إلى السلطان.
على أنَّ المؤرخ العروضي يخالف دولتشاه في رأيه بالفردوسي ويقول: إن الفردوسي كان من دهاقين طوس، وكان له شوكة عظيمة في قريته، وكان في غنى بما تغله ضياعه، ويظهر من الشاهنامه أنه كان صاحب زرع، وكان يشكو من البرد الذي أتلف الزرع وأهلك الغنم ولم يدع شيئًا، وجعل الأرض كقطعة من العاج إبان الخراج.
الشاهنامه
المتفق عليه في كتب الرواة أن الفردوسي نظم كتابه «الشاهنامه» في خمس وثلاثين سنة آخرها سنة ٤٠٠هـ أو قبلها بقليل، وقد كتبه النَّسَّاخ علي الديليمي في سبعة مجلدات. أما كيفية اتصاله بالسلطان محمود وما تم بعد ذلك من غضبه عليه ثم رضائه عنه ثم موته، فيراه القارئ مفصلًا بعض التفصيل في خلال هذه الرواية التمثيلية الطليَّة.
وفاة الفردوسي
يقول دولتشاه: إن الفردوسي توفي سنة ٤١١هـ، ويروي غيره أن وفاته سنة ٤١٦هـ. فيكون إذن أوفى على الثمانين، وهذا يلائم ما يروى في خاتمة الشاهنامه.
شاعرية الفردوسي
ويقول نلدكه: إن الفردوسي شاعر مطبوع يستولي على فكر القارئ ويُحوِّل القصة التافهة بإنطاق الممثلين أمامنا، بل كثيرًا ما تضيع الحركات في خلال الأقوال، وهو يفصل الحادثات فيبين أحسن إبانة عن حادثة لم يكتب عنها في الأصل الذي نظم عنه أكثر من أنها وقعت، ويبيح لنفسه أن يخلق حادثات صغيرة ليتم الوصف، وهو يعرف كيف يُحيي أبطاله، بل يُخرج أحيانًا البطل في صورة جديدة غير التي عرفته بها الروايات وما أقدره على تبيان ما وراء أعمال الأبطال من أسباب وأفكار. والوصف النفساني رائع جدًّا، ونغمة البطولة مسموعة في الكتاب كله، وعظمة الزمان القديم وأُبَّهته وفرحه وترحه وجلاده، مصورة في أسلوب معجب حتى لَيسمع الإنسان صليل السيوف وصدى المآدب.
موضوع الشاهنامه
الشاهنامه تجمع معظم ما وعى الفرس من أساطيرهم وتاريخهم من أقدم عهودهم حتى الفتح الإسلامي، وهي مرتبة ترتيبًا تاريخيًّا، تذكر الأسرة فتبدأ بأول ملوكها تبين تاريخه، وما كان في عهده من الحادثات، ثم تذكر الملك الثاني … وهلم جرًّا.