تقديم
يضم هذا الكتاب مجموعة من الدراسات في الفلسفة الحديثة والمعاصرة التي نُشر بعضها في مجلات ثقافية متنوعة على فترات زمنية مختلفة، وما زال البعض الآخر — حتى كتابة هذا التقديم — قيد النشر. وقد كانت بعض هذه الدراسات مساهمة في مناسبات خاصة؛ فالدراسة الأولى التي جعلناها العنوان الرئيسي لهذا الكتاب «الحصاد الفلسفي للقرن العشرين» تمَّت في إطار المشروع الكبير الذي تبنَّته مؤسسة عبد الحميد شومان الأردنية عن «حصاد القرن العشرين»، وهو المشروع الذي رصد كل ألوان المعرفة من علوم وفنون وآداب على مدى قرن من الزمان، واختصت هذه الدراسة بالحصاد الفلسفي للقرن العشرين.
وكانت الدراسة الخاصة ﺑ «المفارقة التاريخية عند نيتشه» مشاركة في احتفال العالم بمرور مائة عام على رحيل نيتشه. وقد كنت في ذلك العام في مهمة علمية بالولايات المتحدة الأمريكية، وعاصرت هذه الاحتفالات التي تمثلت في إقامة عددٍ كبير من المؤتمرات والندوات التي اهتمت بإعادة إحياء فكر نيتشه واكتشافه من جديد، ومحاولة تقييمه، وإعادة الاعتبار له. وفي هذه الفترة الزمنية نفسها — أي فترة وجودي بالولايات المتحدة الأمريكية — تعرفت عن قرب على فكر الفيلسوف الأمريكي ريتشارد رورتي عندما حضر إلى ولاية فرجينيا حيث كنت أقيم — وقد كان يعمل بجامعتها أستاذًا للعلوم الإنسانية قبل انتقاله إلى ولاية كاليفورنيا — وذلك للمشاركة في احتفال قسم الفلسفة بجامعة فرجينيا التكنولوجية ببلوغ إحدى عضوات هيئة التدريس فيه عامها التسعين. وينظر الأمريكيون إلى ريتشارد رورتي على أنه الفيلسوف الأول للدولة ومجدِّد البراجماتية. وقد دفعتني هذه المناسبة إلى التعرف على فكر هذا الفيلسوف، وتمكنت من الحصول على مؤلفاته، فكانت الدراسة الخاصة ﺑ «دور الفلسفة في الثقافة المعاصرة، بحث في آراء فيلسوف البراجماتية الجديدة ريتشارد رورتي».
وعلى الرغم من تنوع موضوعات هذا الكتاب وانتمائها إلى الفكر الغربي، إلا أن ما يربطها جميعًا هو التوجه النقدي لهذا الفكر الذي لم نكتفِ بعرضه، والتعريف به، والإطلال عليه فحسب، بل تناولناه تناولًا نقديًّا في محاولة للحوار مع هذا الفكر والوقوف منه مواقف تحليلية وتقييمية يمكن أن تفيد في تفعيل نشاطنا الفلسفي في العالم العربي. ولعل النقد — بعد العرض والتعريف الضروريَّين — أن يكون هو إسهامنا الحقيقي والإيجابي في الفكر العالمي — على الأقل في مرحلتنا الحالية — الأمر الذي يمكن أن يبلور لدينا نظريات ومدارس فلسفية ما زلنا نفتقر إليها في حياتنا الفكرية المعاصرة.
في النهاية أرجو أن يساعد هذا الكتاب على إعطاء القارئ فكرةً عن بعض ما يدور في الساحة الفلسفية الغربية من دراسات وحوارات ومشكلات وقضايا لا مفر لنا من الإلمام بها، والتعرف عليها، واتخاذ المواقف النقدية المناسبة منها، بحيث يؤدي ذلك كله إلى إثراء حياتنا الفكرية وحفز طموحاتنا إلى التقدم والنهضة الحقيقية.