عاشق الإنجليزية
تعرفت عليه في ظروف عملٍ … كان محتاجًا إلى أن أُساعده في تعلُّم اللغة الإنجليزية، رغم أنه لم يكن طالبًا بالجامعات المصرية، ولا بالجامعة الأمريكية.
الأستاذ سمير رجلٌ كامل الرجولة، طويل القامة، أسمر اللون، جميل القسمات، رياضي الجسم، مفتول العضلات. وفوق كل ذلك، كان حلو اللسان، لا تسمع منه إلا كل ما هو جميلٌ مفيد ولا ينطق أبدًا بأية ألفاظٍ بذيئةٍ أو نابية، مما يدل على سمو خلقه وعريق منبته وحسن تربيته … ويتصف كذلك بالشجاعة وعلو الهمة والكرم الحاتمي الأصيل.
زارني الأستاذ سمير بمنزلي، بعد ظهر أحد الأيام، فجلس قُبالتي يحكي لي طرفًا من حياته، ويبين لي السبب أو الأسباب التي جعلته لا يعرف كلمة واحدة في اللغة التي يشعر نحوها بعشقٍ لا يعرف مصدره، ربما لأنها اللغة الوحيدة التي إذا تكلم بها الإنسان في أي ميناء، أو في أي مطار، وجد من يرد عليه بها.
لم يكن أمامي إلا أن أُشجِّعه على الإلمام بهذه اللغة التي أهواها أنا شخصيًّا وأجيدها كل الإجادة، وساعدني على التبحر فيها والتعمق في كل قواعدها، مهما تكن غامضةً، أن تخصصي الأصلي هو اللغتان اللاتينية والإغريقية القديمة … وكلنا يعلم أن اللغة الإنجليزية مشتقَّة من اللاتينية، وكثير من جذور ألفاظها مأخوذ من اللغة الإغريقية القديمة.
ذكر لي الأستاذ سمير أن الإنجليزية تُفيده في تحقيق نجاح أكبر في عمله الذي يتفانى في إجادته وتوسيع آفاقه.
كنت أذهب إلى مكتبه الأنيق في تلك الشقة المتواضعة بحي باب الخلق … ولم أجد صعوبةً في العثور على مكان عمله، فقد اكتشفت أنه هناك أشهر من نارٍ على علم، يعرفه كل أصحاب المتاجر بتلك المنطقة التي يقوم فيها دكانه ومكتبه الخاص، ومخازنه.
استمات معي الأستاذ سمير في تلقي خفايا اللغة الإنجليزية … فإذا ما تعثَّر في الإلمام بأحد حذافيرها، أو قابلته عقدة كأْداء، قال: لست متعجلًا … فلا تقلق، ولا مانع عندي من الوقوف هنا، للإعادة والمراجعة، ولا داعي للمرور على أي شيءٍ مرَّ الكرام، فالوقت أمامنا طويل … دعني أستوعب ببطءٍ، فما يُستوعب ببطء يُنسَ ببطء، وما يُستوعب بسرعة يُنسَ بسرعة … وهكذا أدركت مدى حكمته وجِديته في الإلمام بكل شيءٍ في تلك اللغة العالمية.
اكتشفت شخصية الأستاذ سمير الفريدة، من معاملته وتصرُّفاته مع الموظفات اللائي يعملن معه في مكتبه بتلك الشقة … كان يعاملهن بالحسنى وبكل عبارات المحبة والعطف والحنان والرقة … لا يشخط ولا يأمر، وهو صاحب العمل ومن حقِّه أن يفعل ذلك، بل إذا أراد شيئًا من أحدى موظفاته، قال لها: أتسمحين، يا فلانة، بأن تفعلي كذا وكذا، أو تعطيني كذا وكذا؟
كانت هذه هي لغته معهن؛ يحنو ويلاطف ويسخو، كلما واتته فرصة لذلك … وكان لا تفوته فرصة للمداعبة البريئة.
توطدت الصلة والثقة بيني وبين الأستاذ سمير … فراح يحكي لي قصة زواجه بتلك الفتاة الفذَّة الأخلاق، التي صارت أم ولديه دينا وأسامة … تحدث عن زوجته هذه بكل ما في الوجود من كلمات حلوة وصفات جميلة يمتدحها بها ويثني على سجاياها … أما عن فرط حبه لولديه دينا وأسامة، فحدِّث ولا حرج … كان يقول: إنني أتعلم منهما بعض الكلمات الإنجليزية، فكلاهما بمدرسةٍ أجنبية، اللغة الأولى بها هي الإنجليزية … وهما في غاية الشقاوة الحلوة، وهذا ما يسرني ويُثلج صدري، إذ الشقاوة وليدة الذكاء، والخمول وليد الغباء.
– وهل تساعدهما في استذكار درسهما وعمل واجباتهما المدرسية؟
– بصراحة، أنا لا أساعدهما في ذلك، بل أتركه لزوجتي، نظرًا لانشغالي في العمل من الساعة السابعة صباحًا حتي السابعة مساءً … لذا لا يتنسى لي أن أخلو مع طفلَيَّ هذين إلا لحظات قليلة ليلًا في كل يوم … أمَّا يوم الأحد، الذي هو يوم راحتي الأسبوعية، فأقضيه مع الأسرة كلها، ولا أخرج من البيت اليوم بطوله … وهنا أجد فرصة لمداعبة طفلَيَّ … وأحيانًا ألقنهما ما تلقنني أنت إيَّاه في الدرس، والعكس صحيح.
مضى سمير، بعد ذلك، يحكي لي السبب وراء تركه مواصلة العلم عمومًا، فقال: مات والدي الثري ثراءً واسعًا، وكنت إذ ذاك في الخامسة عشرة من عمري … وورثت جزءًا كبيرًا من ثروة أبي … فكرَّست كل جهدي ووقتي لاستغلال المال الموروث، واستثماره في التجارة التي علمنيها أبي، وكان يتقنها، ويُعتبر رائدًا فيها.
– ألم تحاول أن تنحرف بعد أن ورثت كل ذلك المال الوفير، مثلما يفعل معظم أبناء الأثرياء في بلدنا بعد موت آبائهم؟
– كلا، لم يحدث البتة … رغم أن طريق الانحراف كان أمامي سهلًا ميسورًا … وكان رفقاء السوء يدفعونني إلى الفساد دفعًا، ويزيِّنون لي طريق الكباريهات والغواني، وعشق الراقصات والتمتع بحركاتهن الدنيئة المُثيرة للعواطف الجنسية … إلا أنني كنت حريصًا على ألا أنحرف في ذلك التيار إطلاقًا … وركزت كل اهتمامي ومجهودي في استثمار الأموال التي ورثتها عن المرحوم أبي، في تجارةٍ ناجحةٍ، تحميني مستقبلًا … وكنت أضع نصب عيني الحكمة القائلة: «لعن الله الحرام في كل شيء.»
– هل أفهم من هذا أنك كنت تجمع بين دراستك الثانوية، وعملك في التجارة؟
– للأسف إنني لم أدرس أي شيء من المرحلة الثانوية، إذ تركت المدرسة بعد أن حصلت على الشهادة الإعدادية، وتفرَّغت تمامًا للتجارة بالطرق التي تعلمتها من أبي … وتستطيع يا أستاذ أن تعتبرني من أصحاب الملايين.
– بارك الله فيك، وزادك من نعمته. وهل تُخرج جزءًا من أرباحك لعمل الخير والتصدق على الفقراء والمحتاجين؟
– نعم، أنا أوتي الزكاة الشرعية لمن يستحقها بحق، وأحيانًا أتصدق بأكثر من قيمة الزكاة التي حددها الشرع الحنيف.
– في رأيي، إن هذا من أسرار نجاحك.
– نعم، هو كذلك، إذ أمرنا سبحانه وتعالى بأن نعطي كل ذي حقٍّ حقه، وللفقير والأقارب الفقراء حق في ثروتنا، فقال جلَّ شأنه: وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا «صدق الله العظيم».
– نعم الرجل أنت يا سمير، وأرجو ألا تغرَّك ثروتك فتحيد عن الطرق المثلى في إدارة تجارتك.
– أنا لا أخدعك ولا أغشُّك يا أستاذ … فمع كوني من أصحاب الملايين، إلا أنني أحترم عملي وأُقدِّسه، وأزاوله خاضعًا لقوانين ونظم صارمةٍ، أطبِّقها على نفسي قبل أن أطبقها على موظفيَّ.
– لقد لمست فيك ذلك يا أستاذ سمير … فأنت تحترم مواعيد العمل … فما من مرة كان بيننا ميعادٌ لدرس إلا ووجدتك في انتظاري قبل الميعاد.
– أنا أغادر بيتي بمصر الجديدة في الساعة السابعة صباحًا، لأكون في مكتبي في الساعة الثامنة أو قبلها بدقائق، أي قبل مجيء الموظفين بنصف ساعة على الأقل فيرَونني في العمل قبلهم ويتخذون منِّي قدوة لهم … كما أنني لا أعفو عمن يتأخر عن ميعاد الحضور، فأُرسل له في أول مرة لفت نظر ثم الخصم فيما بعد المرة الأولى … لا حق لأي واحد منهم في التأخير. فأنا أكافئهم مكافأة لا يجدونها في أي عملٍ آخر، إذ أمنحهم مرتب نصف شهر في كل عيد لمواجهة مطالب أولادهم وزوجاتهم، ولتزيد فرحتهم بالعيد.
– إنك تتبع معهم نظامًا أوربيًّا خالصًا … فعندما زرت إنجلترا، كنت أجد الموظفين في الصباح واقفين مزدحمين أمام مقارِّ أعمالهم، حتى إذا ما فُتِحَ باب العمل في الميعاد الصحيح، هرعوا بالدخول … ولن تجد هناك مكانًا شاغرًا في أي وقت.
– نعم، أتبع النظام الأوروبي، لأنني سافرت إلى معظم بلاد أوروبا وعواصمها، وخصوصًا إنجلترا التي يُضرَب بها المثل في دقة المواعيد، وكذلك إيطاليا، فلي بهاتين الدولتين معاملات تجارية واسعة. وقد أعجبت بالأخلاق الأوروبية، وآمنت بجمالها، وأحاكي الأوروبيين في كل تصرفاتي وحركاتي ومعاملاتي … أما احترام الوقت والمواعيد فهو جزءٌ لا يتجزأ من ديني وديدني.
– ألم تفدك زياراتك إنجلترا في تعلم اللغة الإنجليزية؟
– قد يُدهشك أنني التحقت بمدرسة إنجليزية بالقسم الداخلي، حيث مكثت ستة شهور عسى أن أتعلم مبادئ قواعد اللغة عن طريق التعليم البريطاني، والاختلاط مع طلبة وطالبات تلك المدرسة.
– والنتيجة؟
– النتيجة كما ترى، وإلا لما لجأت إليك لتساعدني … والآن، والحمد لله، تعلمت على يديك في بضعة أشهر، ما لم أستطع أن أتعلمه من الإقامة الكاملة في إنجلترا.
– وهل تعدني بالمثابرة على التعلم بهذا النشاط وهذه الهمة وعدم التراخي؟
– أعدك بذلك … فإن هدفي الذي أُصرُّ عليه، هو أن أتمكَّن يومًا من التحدث بهذه اللغة بطلاقةٍ وسهولةٍ … ولا أكون مغاليًا إن قلت لك إنني أحب اللغة الإنجليزية أكثر من حبِّي اللغة العربية التي هي لغتي الأصلية ولغة بلدي.
– ولكن هذا يتطلب منك مجهودًا شاقًّا، قد يستغرق زمنًا طويلًا يجعلك تمَلُّ الدروس وتضيق بها ذرعًا.
– اطمئن يا أستاذ … فهذا هو المُحال بعينه … فأنا الآن غني، ومن حقي أن أُعلم نفسي ما فاتني أن أتعلمه في صغري، مهما أنفقت من مالٍ، فهو أفضل من إنفاقه في الفساد والمكيفات وما يغضب الله تعالى … وربما لاحظت أنني لا أُدخِّن إطلاقًا، سواء بالسجائر أو بالنارجيلة.
– فعلًا، لاحظت ذلك.
– وحفاظًا على علاقتي بخالقي وعدم إغضابه، آثرت أن أتزوج وأنا صغيرٌ، فأنجب ذريةً صالحة … كذلك، إمعانًا في طاعة الله والعمل بأوامره والامتناع عما ينهى عنه، أقضي وقتي في العمل نهارًا وفي بيتي مع أسرتي ليلًا، وأتفانى في إتقان عملي إذ يقول الحديث الشريف: «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملًا أن يتقنه» (صدق رسول الله).
– ألم تفلح أية موظفة ممن يعملن لديك في أن تنسيك زوجتك، وتغريك بشتى الطرق، إلى أن تكُون علاقتُك بها جنسيةً آثمة؟
– حدث هذا أكثر من مرة، ولكني كنت بعكس ما تتصور … أطردهن من العمل شر طردةٍ، إلى أن قيَّض الله لي موظفتين محجبتين لم أر منهما أي انحرافٍ عن السلوك القويم، ولذا أعتبرهما ابنتيَّ، وأعاملهما على هذا الأساس.
– هذه عملٌ طيب، فكم من موظفةٍ لعبت بعقل رئيسها، وفرَّطت له في عرضها، ثم ألزمته بأن يتزوجها، وفعلًا كان يتزوجها بدلًا من عقاب القانون بالسجن لمدد طويلة نظير هتك العرض.
– كفانا الله شر أولئك اللعينات. والواقع أن الرئيس الذي ينساق تبعًا لأهواء موظفة عنده تكون على قدرٍ من الجمال، يستحق السجن وأكثر من السجن.
– وما هي مُثُلُك العليا في العمل؟
– المعاملة الطيبة، وألا أغمط أحدًا حقَّه، بل أعطيه حقَّه وأكثر منه في بعض الأحيان … كما أن شعاري هو: المحبة والأمانة والشرف وتقوى الله في كل خطوة أخطوها.
– كم تبلغ الآن من العمر يا أستاذ سمير؟
– أنا في الثامنة والثلاثين من عمري … أهم شيء عندي هو: عملي وبيتي وأسرتي وطفلاي وزوجتي الفاضلة بحق، التي تعمل في صمت وكأنها بلا طلبات في هذه الدنيا غير إسعادي وإسعاد أولادي وتهيئة جو راحتنا جميعًا … تصور يا أستاذ أنها لم تطلب مرة واحدة أن تزور أهلها!
– هذه بحق زوجةٌ نادرة، بارك الله لك فيها وفي طفليك دينا وأسامة ليكونا مصدر سعادتكما وارتباطكما معًا ارتباطًا وثيقًا، أبد الدهر … فإنكما أهل لكل خير … «والطيبون للطيبات».
– ليت السماء تستجيب لدعائك يا أستاذ!
– الله سميع مجيب، يجيب دعوة الداعي إذا دعاه، وها أنا ذا أدعو الله من أجلك.
– ونعم بالله … وعلى فكرة، قرأت بعض القصص الغرامية وغير الغرامية في كتبك. فهل هي واقعية كما تبدو للقارئ، وأنت صادق فيما كتبت، أم هي من نسج الخيال، ثم نسبتها إلى نفسك، كي تجعل من نفسك «دون جوان» مثلما يحلو لكثير من مؤلفي القصص؟
– هذا بحق، سؤال وجيه! فكرة «دون جوان» هذه لم تخطر على بالي إطلاقًا في أي وقت، ولم يذكرها لي أي قارئ قبلك، إذ يصلني نقد من كثير من القراء والقارئات، غالبيتهم يقرظون ما كتبت، وبعضهم يُنحِي عليَّ باللوم، ولا سيما النساء، إذ يغضبهن ما كتبته عنهن صادقًا، لذا أرسلن إليَّ العديد من خطابات يتهمْنَني فيها بأنني عدو للنساء، وتتمادى بعضهن فتَكِيل لي الشتائم … ولكن يعلم الله يا أستاذ سمير أنني توخيت كل الصدق في جميع ما كتبت من قصص غرامية وغير غرامية، حدثت لي فعلًا، وكنت فيها البطل المقاوم لأهواء معظم الإناث من فتيات ومتزوجات.
– هل تصدق يا أستاذ أنني شخصيًّا تعرضت لبعض المواقف التي ذكرتَها في بعض قصصك، وكنت مِثلك في المقاومة والابتعاد عمَّا يغضب الخالق … لذلك أميل إلى تصديقك في أنك لم تكتب شيئًا على الإطلاق من الخيال، الذي كثيرًا ما يسرح في مجالات واسعة.
– وهل ذلك الذي تعرضتَ له في تلك المواقف، كان قبل أن تتزوج، أم بعد الزواج؟ فالموقفان يختلفان تمام الاختلاف في الغرض والهدف. فقبل الزواج تسعى المرأة إلى الإيقاع بالرجل في غرامها، وتغريه إلى أن يسلبها عرضها، لكي يكون أمام الأمر الواقع فيتزوجها مُكرهًا. أما بعد الزواج فالأغراض متعددة شتى: إما للحصول على المال، وإما للحصول على اللذة المحرمة، وإما للزواج أيضًا.
– بعض تلك المواقف كان قبل الزواج، والبعض الآخر بعد أن تزوجت … وفي كلتا الحالتين كنت نقي الثوب، طاهر الذيل. وما ذلك إلا بفضل الله عز وجل الذي عصمني من الانزلاق في تيار الرذائل.
– ما قبل الزواج معروف … ولكن ماذا فعلت في مواقف الإغراء بعد الزواج؟
– مارست فيها ما مارستَه أنت في معركتك مع الرذيلة، مع فارقٍ واحد: هو أنني لم أرتكب الفحشاء أو آت منكرًا مع أية واحدة منهن، بل حافظت على شرف أسرتي وطهارة سيري، وعلى مبادئي التي ألتزم بها أمام الله … فالنساء كما قالت إحداهن لأحد الخلفاء الراشدين:
فأجابها الخليفة على الفور بقوله:
– هو ذلك بالضبط يا أستاذ سمير … فالمرأة المستهترة أعنف شرًّا، وأشد بلوى وضررًا من إبليس بكل زبانيته.
– بل هن زبانية إبليس المفضلات عنده، يستخدمهن في تحقيق أغراضه من نشر الفساد والرذائل في كافة أنحاء الدنيا.
– وهن زبانيتنا أيضًا يا سمير.
– صدقت يا أمين … فما من رجل يستغني عن المرأة رغم شرورها وكثرة مطالبها، ودهائها ومكرها في ابتزاز الجنس الآخر.
– هل أفهم من قولك هذا، أنك مع النساء ولكنك غير راضٍ عن سياستهن مع الرجال، حتى ولو كانوا أزواجهن؟
– لست مع النساء، ولا أستسيغ سياستهن مع الرجال، وجشعهن وحرصهن على نيل كل ما مع الرجل من أموالٍ وممتلكاتٍ. لذا تزوجت كي أتفرَّغ تمامًا لعملي وتربية أولادي … فالزواج عصمة من الفساد، وهو كما يقولون: «نصف التدين» … ولقد وهبني الله بفضله زوجةً عاقلة، حكيمة، متزنة، تخشى الله في كل مسلكها … ليس لها أية طلبات ترهقني … كما أنني لا أجعلها تحس بأن شيئًا ما ينقصها أو ينقص الأولاد أو البيت نفسه.
– لقد أحببت دينا وأسامة من عذب كلامك عنهما، ولكونهما أولاد هذه الزوجة الكاملة القانعة، والتي هي نموذج للزوجة الصالحة التي تحكِّم عقلها في تدبير حياتها الزوجية والقيام برسالتها في هذا العالم، لا سيما في هذا العصر الذي امتلأ بالمساخر بسبب ما يُسمِّيه الجهلاء «التفرنج»، وتسميه المستهترات «الحرية»، وأسميه أنا شخصيًّا: «عصر الدعارة السافرة.»
– شكرًا، وأرجو أن تكون أستاذ دينا وأسامة من أول العام المقبل، إن شاء الله، ووافقتَ على الاضطلاع بهذه المهمة التي تسعدني وتطمئنني على مستقبل أولادي.
– إنه لشرفٌ عظيمٌ لي أن تُسند إليَّ مهمة تدريس طفليك، كما أشكر لك هذه الثقة … ومما يشرفني أكثر وأكثر أنني سأكون أستاذًا للأب ولأولاده، وأعتز بهذا التقدير العظيم.
– إذن، فاستعد للمهمة الجديدة، ابتداء من بداية الإجازة الصيفية، باستثناء شهر أغسطس الذي أخبرتني بأنك تقضيه كل عام، منذ أكثر من عشرين سنة، في الخارج، في أرض اليونان مهد الفلاسفة.
– ولم لا تسافر معي إلى بلاد الأغارقة، كي تحظى برحلة العمر، ويا حبذا لو صحبت معك السيدة الكريمة حرمك المصون، وطفليك!
– يا لها من فكرة رائعة بحق … سأحاول تنفيذها، بإذن الله.
– على شرط.
– وما هو هذا الشرط؟
– أن يكون الحديث بيني وبينك، وبين طفليك، كله باللغة الإنجليزية، كي نضرب عصفورين بحجر واحد.
– وهو كذلك … لك ما اشترطت، رغم قسوة شرطك على من كان مثلي ما زال يحبو في اللغة الإنجليزية الجميلة … غير أنني، أنا أيضًا، لي شرط آخر.
– وما شرطك هذا يا سمير؟
– أن أتكفل أنا بجميع نفقات الرحلة من ثمن تذاكر الطائرة والانتقالات والإقامة والطعام، والنفقات النثرية الأخرى؛ أي أنك لا تضع يدك في جيبك إطلاقًا.
– الواقع، أن هذا أحلى شرط يصدر من فم شاب كريم مثلك. وشكرًا جزيلًا.