حادثة عابدين
أخذ عزيز يسعى في نيل مرغوبه، فباشر قراءة القوانين العسكرية، وحضور الاستعراضات، وملاحظة الحركات الجندية، إلى أن كانت حادثة عابدين؛ يوم أحاط الجند بسراي الجناب العالي بالمدافع والفرسان. وكان عزيز في جملة من حضر، فرأى الطوبجية بالمدافع والجند محدقين بالسراي، والساحة غاصة بالجماعات من أجانب ووطنيين، ونوافذ البيوت المجاورة وأسطحتها ملأى بالنساء والأولاد، ثم جاءَت مركبة الخديوي يتقدمها الياوران، فوقفت أمام شرفة السراي (السلاملك)، والتفت الخديوي مشيرًا إلى عرابي أن يقترب، فتقدم على جواده مشهرًا سيفه، ومِن حوله الضباط للمحافظة عليه، فأمره بإغماد سيفه والترجُّل، وإبعاد الضباط عنه، ففعل، ثم خاطبه بقوله:
ألم أكُ سيدك ومولاك؟
فقال عرابي: نعم.
فقال الخديوي: ألست أنا الذي رقيتك إلى رتبة أميرالاي؟
فقال عرابي: نعم، ولكن بعد ترقية نحو الأربعمائة.
فقال الخديوي: وما هو سبب حضورك بالجيش إلى هنا؟
فقال عرابي: لنيل طلبات عادلة.
فقال الخديوي: وما هي هذه الطلبات؟
فقال عرابي: هي إسقاط الوزارة، وتشكيل مجلس النواب، وزيادة عدد الجيش، والتصديق على قانون العسكرية الجديد، وعزل شيخ الإسلام.
فقال الخديوي: كل هذه الطلبات ليست من خصائص العسكرية.
ثم انقلب الخديوي إلى داخل السراي وجاء مكانه قنصل الإنكليز، فقال لعرابي: إن إسقاط الوزارة من خصائص الخديوي، وطلب تشكيل مجلس النواب من متعلقات الأمة، ولا وجه لزيادة الجيش؛ لأن البلاد في طمأنينة، فضلًا عن أن مالية البلاد لا تساعد على ذلك. أما التصديق على القانون، فسينفذ بعد اطلاع الوزراء عليه. أما عزل شيخ الإسلام، فلا بدَّ من إسناده إلى أسباب.
فأجاب عرابي: اعلم يا حضرة القنصل أن طلباتي المتعلقة بالأهالي لم أُقدم عليها إلَّا لأنهم أنابوني في تنفيذها بواسطة هؤلاء العساكر؛ لأنهم أخوتهم وأولادهم، فهم القوة التي ينفذ بها كل ما يعود على الوطن بالمنفعة، واعلم أننا لا نتنازل عن هذه الطلبات، ولا نبرح من هذا المكان ما لم تنفذ.
القنصل: إذن تريد تنفيذ اقتراحاتك بالقوة؛ الأمر الذي يخشى منه ضياع بلادكم.
عرابي: ذلك لا يكون. ومن ذا الذي ينازعنا في إصلاح داخليتنا، فاعلم أننا نقاومه أشد المقاومة إلى أن نفنى عن آخرنا.
القنصل: وأين هذه القوة التي ستقاوم بها.
عرابي. في وسعي أن أحشد في زمن يسير مليونًا من العساكر طوع إرادتي.
القنصل: وماذا تفعل إذا لم تنل ما طلبت.
عرابي: أقول كلمة ثانية.
القنصل: وما هي؟
عرابي: لا أقولها إلَّا عند القنوط.
ثم انقطعت المخابرات بين الفريقين نحوًا من ثلاث ساعات؛ تداول القناصل والخديوي والنظار أثناءها داخل السراي، وعزيز يفكر فيما سمعه من حديث عرابي، وما عاين من جراءته، فإذا بالأمر قد استقر على إجابة طلبات عرابي وتنفيذها تدريجًا؛ لأن بعضها يحتاج إلى مخابرة الباب العالي، فأصرَّ عرابي على تنزيل الوزارة قبل انصرافه، فنزلت واستُدعي شريف باشا، وبعد اللتيَّا والتي قبل بأن يُشكِّل وزارة جديدة، بشرط أن يتعهد له رؤساء الحزب العسكري بالامتثال لأوامره، وأن يقدم عُمد البلاد ضمانةً على ذلك، فحصل وتشكلت الوزارة.