النجاة من الموت
وبعد أن قضوا مدة في الحديث قال حسن: ها إني ذاهب إلى المعسكر، فافعل كما قلت لك، قال: حسنًا. فخرج حسن ولبث شفيق حتى كان الفجر، فنهض جاعلًا المرقعية عليه (وكان حسن قد أعطاه إياها)، وجعل العمامة على رأسه، وجلس والسبحة في يده يتلو هذه الآية تكرارًا؛ وهي: «لا إله إلا الله، محمد رسول الله، والإمام المهدي خليفة رسول الله.»
فلما أشرقت الشمس قام الناس للصلاة، ثم جاء درويش يدعو شفيقًا لمخاطبة الأمير عبد الحليم.
أما ما كان من أمر حسن، فإنه بعد أن دبر الوسيلة سار إلى مخدعه ولم يعلم أحد، وبكر في الغد إلى منزل الأمير عبد الحليم كجاري العادة، لكنه أظهر الاضطراب والقلق.
فلما رآه الأمير عبد الحليم قال له: ما بالك يا حسن مضطرب البال؟ قال: قد رأيت حلمًا هذه الليلة أقلقني، ولا أعلم تفسيره. قال: قلْ وما هو؟
قال: حلمتُ، أيها الأمير، أني كنت في حضرتك، فجاءك شيخ متسربل بلباس الدراويش، كبير السن، عظيم الهيبة، واسع اللحية، فحالما رأيناه سقطنا على وجوهنا، فقال لك: لا تخف يا عبد الحليم، إني الشيخ البصير، ولم آتِ لأدعوكم إلى المهدوية، ولكني جئت لأدعو رجلًا حلَّ بينكم لعلكم تؤانسون منه نفعًا. فلما قال ذلك رفعت وجهي لعلي أراه، فشعرت كأن الشمس تلمع أمام عيني، فلم أر شيئًا وللحال استيقظت مذعورًا.
فقال عبد الحليم: كرم الله وجه الشيخ البصير. إنه جدُّ مولانا الإمام المهدي، وكثيرًا ما يتراءى له ويخاطبه، فلا تخف؛ إنه حلم ليس فيه شرٌّ.
ثم أمر بعض الرجال فسار ليأتي بشفيق، فلما حضر بين يديه عجب لما شاهد من لبسه المرقعية والعمامة المهدوية وهو يكرر تلك الآية. فلما وقف بين يديه خاطبه قائلًا: ما الذي ألبسك هذه الثياب؟ ألا تعلم أنك إذا لبستها إنما تكون قد دنستها؛ لأنها لباس كرام الرجال الأتقياء؟
فقال شفيق مشيرًا إلى السماء: إني لم ألبس هذه الثياب إلا بأمر مَن لم أرَ بدًّا من طاعته، فقال: ومن أمرك بذلك؟ قال: قد رأيت، يا سيدي، حلمًا سرَّني كثيرًا، وذلك أني رأيت رجلًا عظيم الهيبة، كبير السن، عريض اللحية، جاءني وفي يده هذه المرقعية وقال لي: إنك لم تأت هذه الديار إلا لتكسب آخرتك، وتصلح دنياك؛ فقُم إلى دعوة الإمام المهدي؛ خليفة رسول الله. ثم علَّمني آية وأوصاني أن أتلوها تكرارًا؛ وهي: «لا إله إلا الله، محمد رسول الله، والإمام المهدي خليفة رسول الله.» فحفظتها، ولكني سألت الشيخ عن اسمه فلم يشأ أن يُنبئني به، ولكنه قال: إني مصدر الهدي والصلاح لكل المؤمنين.
ثم رأيت كأن الشمس خارجة من باب الحجرة، ولما استيقظت رأيت هذه المرقعية وهذه العمامة بجانبي، فآمنت بصحة ما قيل لي فلبستها، ولبثت أكرر الشهادة السابق ذكرها، حتى جاءني رسول الأمير فجئت معه إليك.
فعجب الأمير عبد الحليم لذلك الاتفاق، واستنتج من اتفاق الحلمين أنهما صحيحان، وبعث إلى المتمهدي فقال: إنه ممن اختارهم الله لدعوتنا؛ فلا تقتلوه، بل ولُّوه منصبًا يليق بعلمه ومعارفه.
فلما جاء الأمر إلى عبد الحليم بطلب ذلك سأل كاتبه حسنًا أن يمتحن الرجل، ويرى ما إذا كان فيه منفعة، فاختلى به وامتحنه، وبلَّغ الأمير أنه يعرف الكتابة والرطانة باللسان الأجنبي، فأمر أن يُضم إلى كاتبه ويرافقه في الحملة.