انفجار … تحت الماء!
وصل الشياطين إلى الأرض سالمين، ولم يصدق «مارشيللو» عينيه، وهو يلمس الأرض بقدميه سالمًا، ولحسن حظهم، شاهدوا سيارة نقل تُقبل من الطريق المظلم، وفوجئ سائقها بالشياطين، الذين هبطوا أمامه من السماء، فأوقف سيارته بصوت حاد، وهو يحملق فيهم. وبهدوء، اقترب منه «أحمد»، وطلب توصيلهم إلى ميناء مدينة «فالباريزو»، فابتلع السائق دهشته، وهزَّ رأسه موافقًا، بدون أن يجرؤ على الرفض، وهو يحسب الشياطين شياطينَ حقيقية هبطت من مكان ما في السماء.
وفي الميناء، كان الزورق في انتظارهم … وتأمل الشياطين الزورق بإعجاب، فقد كان شكله أقرب إلى «يخت» فاخر، به كل مستلزمات الراحة، وتصل سرعته القصوى إلى مائتين كيلومتر في الساعة. وفي مقدمة الزورق، كانت هناك أسلحة خفيَّة مُخفاة بمهارة … مدافع رشاشة، وقنابل يدوية، وقنابل حارقة. كما كانت هناك معدات، وملابس خاصة، مما يستعملها العلماء الذين يقومون بدراسة البراكين عن قرب، ويحميهم من حرارتها العالية، وأبخرتها السامة.
قال «مارشيللو» للشياطين: إنَّ هناك سيارتين خاصتين بصعود المناطق الوعرة بانتظاركم في جزيرة «ولنجتون»، يمكنكم شحنها بكل هذه الأجهزة والأسلحة.
قال «بو عمير»: هذا حسن جدًّا، وأرجو أن نصل إلى الجزيرة بأقصى سرعة.
قال «مارشيللو»: سوف أنطلق بالزورق بأقصى سرعة للوصول إلى الجزيرة.
قالت «إلهام»: دع لي هذه المهمة فأنا أحب قيادة الزوارق، وسوف تتكفل البوصلات والخرائط الملاحية بإرشادي إلى مكان الجزيرة.
أجابها «مارشيللو»: هذا حسن، فإنني أريد الحصول على قليل من الراحة، بعد تلك المغامرة الهائلة التي صادفناها على الجبل.
وابتسم الشياطين لتشبيه «مارشيللو» سقوط الصخرة الكبيرة بأنَّه مغامرة هائلة … ترى بماذا سيسمي أعمال الشياطين العظيمة إذا ما ساقه الحظ إلى إحداها؟
وانطلقت «إلهام» بالزورق بحذاء الساحل، على مسافة كيلومترات قليلة منه باتجاه الجنوب، وكان الجو لطيفًا جدًّا في الليل، وقد أضاء السماءَ عددٌ من النجوم البعيدة الملتمعة، كأنَّها حبات ماس متناثرة في صفحة السماء. وأخذ النسيم البحري يداعب شعر «إلهام»، فيطيره إلى الخلف. وقرابة الفجر، هدَّأت «إلهام» من سرعة الزورق حتى أوقفته تمامًا، لكي يبرد محركه، واقترب «أحمد» منها، وقال لها: دعيني أقود الزورق باقي الطريق بعد أن نستريح قليلًا.
إلهام: سأظل بجوارك، فليست لي رغبة في النوم، والمكان هنا رائع جدًّا.
أحمد: ما رأيكِ في الغوص قليلًا تحت الزورق؟
هتفت «إلهام»: سيكون هذا شيئًا رائعًا.
وارتدى كل منهما ملابس الغوص، وتسلح «أحمد» ببندقية صيد مائية، وقفز الاثنان إلى الماء. أشعل «أحمد» بطاريته الكبيرة، فأضاءت الماء حوله، فغاص مبتعدًا و«إلهام» خلفه، وأخذ الاثنان يراقبان الأحياء البحرية حولهما، والأسماك المختلفة الأنواع والأحجام. وفجأة، أشارت «إلهام» مذعورة ﻟ «أحمد» أمامها، وألقى «أحمد» نظرة سريعة … وإلى الأمام، وعلى مسافة أمتار قليلة، شاهد «أحمد» سمكة قرش كبيرة تندفع نحوهما بسرعة كبيرة، وهي ترمقهما بعينيها الحادتين.
أشار «أحمد» ﻟ «إلهام» على الفور، أن تتبعه، واندفع الاثنان باتجاه صخرة ضخمة ناتئة في قلب الماء، واندفعت سمكة القرش خلفهما، وأدرك «أحمد» أنَّ السمكة ستصل إليهما حتمًا، وصوَّب بندقيته المائية نحو رأس السمكة بين عينيها، وأطلق سهمه. وما كاد السهم يخترق رأس السمكة، حتى دوى انفجار هائل، وانفجرت السمكة مثل طوربيد رهيب، وتحول قلب الماء إلى جحيم، وكان الانفجار من القوة، بحيث أطاح ﺑ «أحمد» و«إلهام» من خلف الصخرة إلى الوراء عشرة أمتار، واهتزَّ سطح الماء بأعلى بقوة، فاهتزَّ الزورق كأنَّه على وشك الغرق …
تحامل «أحمد» على نفسه، وسبح نحو «إلهام» فوجدها تغوص، فاقدة الوعي من شدة الانفجار، فأسرع إليها رغم آلامه، وحملها فوق ذراعيه، وصعد بها لأعلى. وما كاد بقية الشياطين يرونهما يبرزان من قلب الماء، حتى أسرعوا إليهما، وحملوهما لأعلى مندهشين، وهم يسألون «أحمد» عما حدث، وسبب ذلك الانفجار في قلب الماء …
قصَّ «أحمد» على الشياطين ما جرى. وقال «عثمان» مذهولًا: إذن، فقد كانت تلك السمكة مزيفة، مجرد طوربيد بحري على شكل سمكة قرش.
أحمد: هذا لا شك فيه، وقد أرسلها أعداؤنا بتوجيه إلكتروني، لتصطدم بنا وتفجر الزورق، ولحسن الحظ أنني أطلقت عليها السهم في مكان المادة المتفجرة في رأسها، بدون أن أدري حقيقتها.
قال «بو عمير» بقلق: لولا الصخرة التي احتميتما بها أنت و«إلهام» لقضى الانفجار عليكما.
قال «أحمد» بقلق: المهم الآن «إلهام»، أخشى أن تكون إصابتها خطيرة.
ولكن «زبيدة» طمأنتهم بأنَّ إصابة «إلهام» بسيطة، بعض الخدوش في ذراعيها. فتنفس الشياطين الصُّعَداء، واتجهوا إلى فراش «إلهام»، وكانت راقدة فوقه، وعلى شفتيها ابتسامة شاحبة. فقد كان الشياطين يبتسمون دائمًا، حتى في أحلك المواقف.
وانطلق «أحمد» بالزورق بأقصى سرعته، فقد كان وجودهم في قلب المحيط يمثل خطرًا عليهم، فقد تطاردهم قذيفة أخرى، في أي شكل، وتصيب زورقهم بدون أن يحسوا بها.
واقترب «مارشيللو» وهو يمسح عرقه الغزير من فوق جبهته، وقال ﻟ «أحمد» بعينين واسعتين: هل … هل كنت تعرف بأنَّ هذه السمكة ملغومة، ولذلك أوقفت الزورق، وغصت من أجل تفجيرها؟
أحمد: إنَّه نوع من الإلهام … عندما تعتاد الخطر مثلنا، فإنَّك تبدأ في الإحساس به من قبل قدومه، بل وتستطيع أن تشم رائحته أيضًا … وهكذا تصبح المسألة سهلة، ولا يمكن لإنسان أن يأخذك على غرة.
عاود «مارشيللو» تجفيف جبهته بمنديل، وغمغم بصوت خفيض: أظن أنني سأعتزل هذا العمل عندما نصل إلى جزيرة «ولنجتون» … لقد صادفت في هذه الليلة من الأخطار، ما لم أصادفه في عمري كله.
لم يردَّ «أحمد»، وزاد من سرعة الزورق حتى بلغ أقصاها، فقد كانت دماؤه تشتعل بنار الغضب لما جرى ﻟ «إلهام» … وكان هناك حسابًا يريد تصفيته … ولا سبيل إلى ذلك إلا فوق «أرض النَّار»، وأقسم «أحمد» ليُحيلها إلى أرض حقيقية للنَّار.