داخل عرين الأسد!
وصل زورق الشياطين إلى الجزيرة في الظهر تمامًا، وكانت حالة «إلهام» قد تحسنت وانضمت إلى بقية الشياطين، وقام الجميع بتفريغ حمولة الزورق من السلاح والملابس الخاصة بالبراكين، والخرائط التي تشرح الطريق الصاعد إلى قمة جبل القاعدة الأرضية.
وودع الشياطين «مارشيللو» الذي تمنى لهم حظًّا طيبًا، ثم انطلق بزورقه عائدًا إلى «سانتياغو». وقسَّم الشياطين أنفسهم إلى مجموعتين؛ الأولى: مكونة من «أحمد» و«إلهام» و«عثمان»، في السيارة الجيب فورد الكبيرة الأولى، والثانية: من «زبيدة» و«بو عمير» و«قيس». وانطلقوا بالسيارتين خارج الجزيرة، فوق عَبَّارة كبيرة حملتهم إلى الساحل، ثم انطلقوا في طريق جبلي متعرج، باتجاه مدينة «بونتاريناس» … فبلغوها بعد أربع ساعات؛ بسبب وعورة الطريق … ومن بعيد ظهرت لهم قمم البراكين التي يندلع اللهب من فوهتها، وينطلق الدخان كثيفًا لأعلى، فيحجب السماء، ويصبغها بلون أسود كئيب … وتوقفت السيارتان على حدود المدينة، وتجمع الشياطين. وأشارت «زبيدة» إلى مكان على الخريطة، أحيط بدائرة حمراء، يبعد مسافة خمسين كيلومترًا عن المدينة، جهة الشمال، وقالت: هذا هو الجبل الذي يحتوي على القاعدة … ما رأيكم؟ هل نواصل أم نحصل على بعض الراحة قبل أن نغادر المدينة؟
قالت «إلهام» بإصرار: سوف ننطلق فورًا.
واعترض «أحمد» قائلًا: لا يا «إلهام» … لقد قضينا وقتًا طويلًا في السفر، ونحن جميعًا بحاجة إلى الراحة، خاصة أنتِ … وسيكون من الأفضل أن نبدأ مهمتنا غدًا في الصباح الباكر.
وافق الجميع؛ فقد كان الإرهاق والتعب يبدو عليهم.
واتجهوا إلى فندق صغير قريب، سجلوا فيه أنفسهم باعتبارهم طلبة بإحدى الكليات العملية قدموا في بعثة لدراسة براكين المنطقة. وقال لهم موظف الاستقبال مندهشًا: أنتم طلبة تريدون دراسة البراكين في هذا المكان … هذا شيء لم أسمع عنه من قبل، فإنَّ أقسى الرجال جسارة يخشون الدنو من هذا المكان … فالبراكين هنا قد تنفجر في أيَّة لحظة برغم كل أجهزة الرصد والتنبؤ، فتحيل المكان إلى جهنم.
ولكن الشياطين لم يهتموا، واتجهوا إلى غرفهم، بعد أن قسموا أنفسهم إلى ثلاث مجموعات لحراسة السيارتين بالتبادل. وفي الصباح، كانوا قد استعادوا نشاطهم، فركبوا السيارتين وانطلقوا إلى وجهتهم الأخيرة، وقد تسلحوا بالمدافع الرشاشة والقنابل اليدوية، تحسبًا لأي خطر قد يواجهونه في الطريق.
ولكن … لم يكن هناك أي خطر بشري حولهم، وكان الخطر الأكبر متمثلًا في الطريق المتعرج المليء بالصخور الحادَّة والحمم الباردة. وانطلق الشياطين صاعدين الطريق الجبلي المتعرج الخطر في بطء، والدخان الكثيف يصل إلى أنوفهم، يحمل رائحة حادَّة.
أوقف «أحمد» السيارتين، وقال: من الأفضل ارتداء الأقنعة الواقية من الغازات، وملابس البراكين المقاومة للحرارة.
وفي دقائق، ارتدى الشياطين الملابس والأقنعة، وواصلوا صعودهم البطيء، وعلى مسافة لا تزيد عن كيلومترات قليلة. كانت البراكين المتفجرة تُلقي بلهيبها إلى السماء، فتحيل الجو حولهم إلى حرارة خانقة، تكاد تشوي الإنسان حيَّا …
وفجأة، ظهر أمام الشياطين صدع هائل في الطريق أمامهم، يستحيل عبوره بالسيارتين، وتوقف الشياطين أمام الصدع مفكرين، وقالت «زبيدة»: ليست هناك سوى وسيلة واحدة لعبور هذا الصدع، وهي أن نُلقي حبلًا إلى أيِّ نتوء بارز في الناحية الأخرى، ونشده إلى السيارتين، ثم نعبر الصدع فوق الحبال.
قالت «إلهام» بقلق: وأسلحتنا، هل سنتركها في السيارتين؟
أجاب «أحمد»: لن يكون في استطاعتنا غير حمل القليل منها … إنَّنا لن نستطيع أن نخاطر بحملها كلها والسير بها فوق الحبال.
وكان «أحمد» محقًّا … ولم يكن هناك أي وقت لكي يُضيعه الشياطين في محاولة حمل أسلحتهم كاملة إلى الناحية الأخرى، وأسرع الشياطين بإلقاء الحبال من سيارتهم إلى صخرة ناتئة في الجانب الآخر، وثبتوا الحبال جيِّدًا، وحمل كل منهم مدفعًا رشاشًا وعددًا من القنابل المغناطيسية والخرائط، ثم بدءوا السير فوق الحبال المشدودة، فعبروا الصدع إلى الناحية الأخرى …
ورفع «أحمد» يديه بعلامة النصر، وواصل الشياطين صعودهم البطيء، والحرارة تشتد كلما صعدوا أكثر، وبالرغم من وقوعهم قريبًا من القارة القطبية الجنوبية المتجمدة، وعلى البعد كانت هامات الجبال البعيدة الساكنة يكسوها الثلج، على حين كان الهواء حولهم يبدو وكأنَّه مشتعل بالنَّار.
وعندما حلَّ المساء على المكان، كان الشياطين قد أوشكوا على إكمال صعودهم البطيء، ووقفوا يلتقطون أنفاسهم ويتناولون بعض البسكويت الجاف. وقال «بو عمير» مندهشًا: من العجيب أنَّ أعداءنا لم يحاولوا منعنا، أو التصدي لنا في صعودنا للجبل.
عثمان: لعلهم ظنُّوا أنَّ الزورق انفجر بسبب سمكتهم الملغومة.
بو عمير: لا أظنُّ، وإلا لكانوا ظنُّوا أنَّ الصخرة قد سحقتنا في الطريق الجبلي.
أحمد: معك حق يا «بو عمير»، ولا بد أنَّهم ينتظرون صعودنا إلى قمة الجبل قبل أن يبادرونا بالهجوم، فيوفروا على أنفسهم المشقة، وربما يفكروا في أنَّنا لن نستطيع بلوغ قمة الجبل أبدًا.
قال «عثمان» في حماس: سوف نثبت لهم أنَّهم مخطئون.
وأكمل الشياطين صعودهم، وعلى البعد ظهرت أمامهم الأبنية الصخرية القليلة فوق الجبل … فهمس «أحمد»: لقد وصلنا.
وما كاد ينهي عبارته حتى دوت طلقات الرصاص حولهم في كل مكان. وألقى الشياطين بأنفسهم خلف بعض الصخور يحتمون بها، وبادلوا مهاجميهم بالمدافع الرشاشة.
وتسلل «أحمد» زاحفًا وسط الصخور الحادة، ودار دورة كاملة، حتى وصل خلف المهاجمين، وكان عددهم يزيد عن العشرين، ففتح مدفعه الرشاش عليهم، وقفز بعض المهاجمين هاربين، وظهرت «إلهام» من الظلام، وأخذت تُلقي القنابل اليدوية عليهم. فصاح «أحمد» بها: دعيهم يا «إلهام» … إننا نريدهم أحياء ليرشدونا إلى الباب السري لدخول القاعدة.
توقفت «إلهام» عن إلقاء القنابل، وقفز «أحمد» بخفة خلف مهاجميه الذين انطلقوا باتجاه آخر المباني الصخرية، فوق الجبل، فعرف «أحمد» أنَّه يؤدي إلى قلب القاعدة، وبمدفعه الرشاش، حصد مهاجميه، قبل أن يندفعوا للاحتماء بالمبنى الصخري.
وعاد الهدوء يسود المكان، وتجمع الشياطين، وهتف «أحمد» في زملائه: سوف نبدل ملابسنا بملابس الحراس، ونرتدي أقنعتهم، وندخل إلى القاعدة كأنَّنا بعضهم.
بو عمير: ألن يكتشفوا حقيقتنا؟
أحمد: لا أظنُّ؛ لأنَّ أقنعة الغازات التي يرتديها الحراس ستخفي ملامحنا وتفاصيل صوتنا.
إلهام: وماذا ستكون خطتنا بعد دخولنا القاعدة؟
أحمد: سوف ننقسم إلى ثلاث مجموعات: أنا و«إلهام»، و«عثمان» و«زبيدة»، و«بو عمير» و«قيس»، وكل مجموعة ستتجه إلى أحد أقسام القاعدة لتقوم بزرع القنابل فيها، بحيث تنفجر في الفجر … وقبل ذلك الوقت سنكون قد غادرنا القاعدة إلى الأبد، ونهبط الجبل قبل أن ينفجر.
أومأ الشياطين برءوسهم موافقين. واتجهوا إلى المبنى الصخري، وقاموا بتبديل ملابسهم وأقنعتهم وسلاحهم، بأشياء الحراس، وفي قلب المبنى، كان هناك باب إلكتروني، ما إن اقترب منه الشياطين الستة، حتى انفتح أتوماتيكيًّا، فمروا من خلاله إلى قلب القاعدة، وانغلق خلفهم مرة أخرى … ولم يدرك الشياطين أنَّهم وقعوا في مصيدة إلا متأخرًا …