مفاجأة … غير متوقعة بالمرة!
توقف «أحمد» لحظة في مدخل القاعدة، وتلفت حوله. فسألته «إلهام»: ماذا هناك يا «أحمد»؟
أجابها في توتر: إنَّني أشعر بإحساس خفي بأنَّ هناك ما يريب حولنا … فدخولنا القاعدة بمثل هذه السهولة أمر غريب، ثم الباب الذي انفتح تلقائيًّا.
قال «عثمان» هامسًا: لا يمكن لأحد اكتشاف حقيقتنا ونحن بهذه الأقنعة والملابس التي تغطينا … هيا ننفذ خطتنا ونزرع المتفجرات في المكان قبل اكتشاف حقيقتنا.
أحمد: هيا بنا.
وتقدم الشياطين في مدخل القاعدة، فاتجه نحوهم قائد الحرس، وكانت شارة النجمة فوق كتفه تدل على مكانته، وسألهم: كيف الحال بالسطح؟
أجاب «قيس»: إنَّهم لا يزالون يقاومون، وقد هبطنا لتغيير الأقنعة ومزيد من الذخيرة.
قال القائد: سأرسل مزيدًا من الرجال لأعلى.
تبادل الشياطين الستة النظرات، وتفرقوا، وكان من السهل عليهم الاهتداء إلى أركان القاعدة، فقد كانت هناك لوحات إرشادية وإشارات ضوئية تُشير إلى أماكن قاعة الأبحاث والتجارب، وقاعة الرصد والمتابعة، وقاعدة الإطلاق، ومحطة الكهرباء، وأماكن إقامة العاملين.
اتجه «عثمان» و«زبيدة» باتجاه قاعة الأبحاث والتجارب، واتجه «قيس» و«بو عمير» إلى قاعة الرصد والمتابعة، على حين اتجه «أحمد» و«إلهام» إلى قاعدة الإطلاق … وتفرق الشياطين الستة، على أمل اللقاء خارج القاعدة، قبل بزوغ الفجر.
كان المكان الذي دخله «عثمان» و«زبيدة» مليئًا بالشاشات العريضة والأجهزة الإلكترونية ولوحات الأزرار الدقيقة، وهناك عدد من العلماء والفنيين في ملابسهم البيضاء، قد جلسوا أمام الأجهزة والشاشات، يضغطون فوق أزرارها، وعدد آخر يتلقى تقارير مغناطيسية مثقوبة من بعض الأجهزة الأخرى … وكان هناك باب يؤدي إلى قاعة أخرى أقل حجمًا، تشبه مختبرًا كيميائيًّا، وكان العاملون بالمكان منشغلين بالأجهزة أمامهم، فلم يلحظوا دخول «عثمان» و«زبيدة»، وتفاهم الاثنان، فاتجهت «زبيدة» إلى المختبر الكيميائي، وغافلت الموجودين به، وألصقت عددًا من القنابل المغناطيسية الصغيرة … وفي نفس الوقت، ألصق «عثمان» عددًا آخر منها خلف بعض الأجهزة الإلكترونية. وفجأة، تقدم أحد العلماء من «عثمان»، وأمسكه من كتفه، وسأله بدهشة: ماذا تفعل هنا؟ … ولماذا دخلت هذا المكان؟ … أنت تعرف أنَّه من غير المسموح للحراس دخول هذا المكان.
تمالك «عثمان» نفسه بسرعة، وأجاب: إنَّ القائد يريد محادثة مستر «إكس».
قال العالم بدهشة: مستر إكس … لا يوجد أحد بهذا الاسم هنا.
عثمان: إذن لعله في قاعة أخرى … سأذهب لأبلغه رسالة القائد.
واتجه «عثمان» خارجًا، ونظرات العالِم تتبعه في دهشة وشك … ولحقت «زبيدة» ﺑ «عثمان». فقال لها بارتياح: لقد كاد يُكتشَف أمري، ولكن الأمور سارت على ما يرام.
زبيدة: هل نخرج الآن إلى خارج القاعدة؟
عثمان: ليس قبل أن نطمئن على نجاح بقية المجموعة في مهمتها … دعينا نحاول الاختفاء عن الأنظار إلى أن يتم الباقون عملهم.
وقبل أن يتحرك «عثمان» و«زبيدة» فوجئا بعشرة من المسلحين يصوبون مدافعهم الرشاشة إليهما. وظهرت الدهشة في عين «عثمان» للحظة، ومدَّ يده نحو مدفعه الرشاش، ولكن «زبيدة» أمسكت بيده قائلة: لا فائدة من المقاومة يا «عثمان» … سيحصدوننا برصاصهم قبل أن نتمكن من الدفاع عن أنفسنا.
استسلم «عثمان» و«زبيدة» للحراس، فقادوهما إلى زنزانة ضيقة، أغلقوها عليهما. وقالت «زبيدة» ذاهلة: هل اكتشف الحراس حقيقة مجموعتنا؟
ولم يكن «عثمان» يملك إجابة مفيدة لسؤالها.
وكان المكان الذي دخله «قيس» و«بو عمير» يشبه إحدى القاعات التي تظهر في أفلام الخيال العلمي، فقد كان مليئًا بالشاشات الإلكترونية العريضة، التي ظهرت فوقها النجوم والكواكب البعيدة، وكان بعضها يرصد الأقمار الصناعية التي تدور حول الأرض، ويَصدُر من الأجهزة طنين خافت، وتقارير مستمرة.
لم يلتفت أحد لدخول «قيس» و«بو عمير»، وفي خفة اتجه الاثنان لزرع متفجراتهما، وما كادا ينتهيان منها، حتى فوجئا بالمدافع الرشاشة المحيطة بهما من كل اتجاه.
ولم يكن باستطاعة الشياطين شيئًا، فاستسلما في صمت، وسؤال رهيب يدور في ذهنهما: تُرى، هل كان هذا هو مصير بقية الشياطين؟
قام «أحمد» و«إلهام» بتتبع الأسهم والإشارات الضوئية التي أشارت لهما باتجاه قاعدة الإطلاق داخل قلب الجبل … وتوقفا أمام باب إلكتروني انفتح لهما على الفور، فانكشفت أمامهما قاعة متسعة جدًّا قطرها لا يقل عن خمسمائة متر، وارتفاعها لا يقل عن مائة متر … وفي منتصفها انتصب صاروخ ضخم عابر للقارات، لا يقل طوله عن خمسين مترًا، فوق قاعدة أسمنتية ضخمة، وحول الصاروخ أقيم برج عالٍ يدخل منه العاملون ويخرجون إلى قلب الصاروخ … وكان هناك العديد من الأجهزة في كل مكان. وتلاقت نظرات «إلهام» و«أحمد» … كان المكان معجزة تكنولوجية بلا أدنى شك، فتجهيز المكان نفسه داخل قلب الجبل يتطلب إمكانيات تكنولوجية هائلة، ورفع الصاروخ من الأرض إلى قلب الجبل يتطلب إمكانيات أكبر.
وتساءلت «إلهام» هامسة: وكيف ينطلق الصاروخ إلى الفضاء؟
ألقى «أحمد» نظرة إلى سقف القاعة العالي، وقال: لا بد أن هذا السقف يفتح أتوماتيكيًّا عند الإطلاق ليمرق منه الصاروخ.
إلهام: إنهم كما قال رقم «صفر» يمتلكون تكنولوجيا عالية جدًّا.
وفجأة هتف: انظر يا «أحمد».
ومن اليسار انفتح باب كبير، وظهرت منه إحدى القاطرات الصغيرة التي تسير بلا ضوضاء، وهي تجر خلفها عربة مسطحة فوقها قمر صناعي كبير يصل قطره إلى المترين.
همست «إلهام»: إنه يشبه القمر الصناعي الذي نسفناه في الفضاء.
أحمد: لا شك أنَّه قمر تجسسي يستعدون لإطلاقه داخل الصاروخ.
وتلفت حوله، ثم أكمل: فلننتهز فرصة انشغالهم برفع القمر الصناعي وتركيبه داخل الصاروخ لنزرع قنابلنا في كل مكان.
أومأت «إلهام» برأسها موافقة، واتجه كل منهما إلى ركن، وبدآ في زرع متفجراتهما المغناطيسية بدون أن يلحظهما أحد.
وفجأة شاهد «أحمد» بعض الحراس يتجهون إلى «إلهام» شاهرين مدافعهم الرشاشة، وعلى الفور دارت في ذهنه آلاف التساؤلات، تُرى هل انكشف أمرهم؟ هل وقع الباقون في الأسر؟
وصاح «أحمد» في «إلهام»: حاذري يا «إلهام»!
وقفز قفزة واسعة، فطار في الهواء وضرب أقرب الحراس فطوحه إلى الوراء، وجذب «أحمد» «إلهام» من ذراعها واندفعا يحتميان خلف القمر الصناعي. وهتفت «إلهام» في ذهول: ماذا حدث؟ … كيف اكتشفوا حقيقتنا؟
كزَّ «أحمد» على أسنانه قائلًا: هذا ما توقعته منذ البداية.
إلهام: والباقون … هل وقعوا في الأسر؟
أحمد: أظن ذلك. ولكنَّنا لن نكون صيدًا سهلًا … إنهم لن يغامروا بإطلاق النَّار علينا؛ حتى لا يصيبوا قمرهم الصناعي.
وأمسك «أحمد» بمدفعه الرشاش وأخذ يطلقه نحو الحراس، فتراجعوا إلى الوراء واحتموا في مدخل القاعة، وجاء صوت قائدهم محذرًا ﻟ «أحمد» و«إلهام»: لا فائدة من المقاومة، لقد أسرنا بقية زملائكما، إن لم تستسلما؛ فسوف نقتلكما.
أطلق «أحمد» دفعة رصاص أخرى، وصاح في «إلهام»: اتبعيني بسرعة.
واندفع يجري نحو باب قريب و«إلهام» خلفه، وما كادا يمرقان منه، حتى أحسا أنَّ الأرض تميد بهما وأنَّهما يسقطان من ارتفاع هائل، بعد أن وطِئا شركًا خداعيًّا.
انفتح باب الزنزانة الضيقة، ودفع الحراس «أحمد» و«إلهام» بداخلها … وكان هناك خيط رفيع من الدماء يسيل من جبهة «أحمد». أما «إلهام» فكانت تسير وهي تعرج فوق قدمها اليسرى، واندفع بقية الشياطين نحوهما، وسألهما «عثمان» بلهفة: ماذا حدث لكما؟
قصَّت «إلهام» على الباقين كيف تم أسرهما وسقوطهما في أحد الشراك قبل القبض عليهما، وقصَّ بقية الشياطين على «أحمد» و«إلهام» ما جرى لهم.
أحمد: لقد كان شكنا في محله … لقد أحسست منذ اللحظة الأولى أنهم يريدون اقتناصنا والقبض علينا؛ ولذلك سمحوا لنا بدخول القاعدة بسهولة.
عثمان: ولكن لماذا؟! لقد كان باستطاعتهم قتلنا عند دخولنا المكان.
أحمد: إنهم يريدوننا أحياء … هذا لا شك فيه … لعلهم يريدون الحصول منا على بعض المعلومات.
قال «قيس» غاضبًا: إنهم لن يحصلوا منِّي على كلمة واحدة، ولو قتلوني.
أحمد: ليس هذا هو المهم. لقد شاهدناهم يجهزون لإطلاق الصاروخ بالقمر الصناعي، ويجب إيقاف ذلك مهما كان الثمن.
همست «زبيدة» بقلق: تُرى هل اكتشفوا القنابل المغناطيسية التي زرعناها في القاعدة؟
أجاب «أحمد»: هذا ما ستجيب عنه الساعات القادمة.
قال «بو عمير» بقلق: ولكن هل سننتظر إلى أن تنفجر القنابل … ونحن محبوسون هنا؟
أحمد: إن كان ثمن نجاح مهمتنا هو موتنا … فلا بأس.
وتلاقت نظرات الشياطين … كان «أحمد» محقًّا … فإذا كان ثمن حياتهم هو الأمان لوطنهم العربي؛ فإنهم على استعداد لبذلها عن طيب خاطر.
وفجأة انفتح باب الزنزانة، وظهر عشرة حراس يصوبون مدافعهم الرشاشة نحو الشياطين الستة، وقال قائدهم: اتبعوني … ولا تحاولوا المقاومة؛ وإلا حصدناكم برصاصنا … إنَّ الزعيم يريد رؤيتكم. وكانت هذه هي نفس الرسالة التي نقلها «أحمد» لزملائه بعينيه … ألا يقاوموا، حتى يقابلوا الزعيم، فقد كانت هناك فكرة تدور في ذهنه ويريد التأكد منها.
سار الشياطين في هدوء والمدافع الرشاشة حولهم في ممر ضيق، وانفتح باب في نهايته وظهرت خلفه قاعة عظيمة فخمة، كأنَّها قاعة ملَكِية بأثاثها ورياشها … وكان هناك مقعد مذهب يجلس فوقه أحد الأشخاص ولا تظهر ملامح وجهه.
وعندما دخل الشياطين إلى القاعة تحدث قائد الحرس قائلًا: لقد قبضنا على المجموعة كلها أيُّها الزعيم.
عندئذ تحرك الرجل الجالس فوق المقعد المذهب ونهض واقفًا … ولم يكن غير «مارشيللو»!