الموت … حرقًا!
شهق الشياطين من المفاجأة، أما «أحمد» فقد كانت عيناه تعكس ما توقعه بأن يد «مارشيللو» هي التي كانت تجذب كل الخيوط حولهم …
صاح «عثمان» بغضب ﻟ «مارشيللو»: أنت أيُّها الخائن.
تقدم «أحمد» بهدوء نحو «مارشيللو» وقال: … إنَّه لم يخنَّا ولكنه خدعنا … كان يجب علينا من البداية أن نكتشف أنَّ «مارشيللو» ليس هو العميل الذي ننتظره … ومن المؤسف أننا لم نلاحظ أنَّ محاولات أعدائنا لِقَتْلنا خلال الطريق كانت محاولات ساذجة … أولًا: ذلك الحجر الضخم الذي هوى من فوق رءوسنا في الطريق الجبلي … وثانيًا: تلك السمكة الملغومة … ولا بد أن «مارشيللو» عندما عرف برغبتي في الغوص أراد أن يلهو معي قليلًا، فأرسل تلك السمكة بواسطة أعوانه وهو يعلم تمامًا أنني سأصيدها … وسيبدو الأمر كما لو كان مصادفة أنني هبطت للغوص لحظة هجوم السمكة الملغومة …
ابتسم «مارشيللو»، وأشعل سيجارًا، وقال: إنني أحب الأشخاص الأذكياء … وكل ما ذكرته صحيح تمامًا … كنت أريد أن تصلوا أحياء إلى هنا؛ ولذلك تركتكم ترتقون الجبل وتدخلون هنا بدون أن يهاجمكم رجالي … ويجب أن تتوقعوا طبعًا أنني استطعت أن أقتنص العميل الحقيقي الذي كان بانتظاركم. وبعد أن قمت بتعذيبه عرفت كلمة السر منه، وكذلك مكان الزورق وكل تفاصيل العملية، وها أنتم ترون أنَّ الأمور كلها سارت كما خططنا لها … لقد كسبتم أنتم الجولة السابقة … وكسبنا نحن هذه الجولة كما ترون …
هتف «قيس» باحتقار: إنَّ الجولة لم تنتهِ أيُّها الماكر … لا زال هناك بقية.
ابتسم «مارشيللو» ساخرًا وقال: إذا كنت تقصد بقولك إنَّ قنابلكم المغناطيسية ستفعل فعلها قبل الفجر، فأنتم جميعًا مخطئون.
وأشار بيده فدخل بعض العاملين، وهم يحملون القنابل المغناطيسية التي زرعها الشياطين حول الأجهزة في القاعدة …
ظهر الغضب في عيون الشياطين. وقال «مارشيللو»: هكذا ترون أنَّ الجولة قد انتهت بالفعل لصالحنا … وفي الحقيقة لم أشأ التخلص منكم قبل أن أجعلكم تشاهدون المكان وتدركوا مدى تقدمنا العلمي وقوتنا الهائلة وتكنولوجيتنا المتقدمة … إنَّ هناك العديد من الدول العظمى التي تتمنى لو كان لها قاعدة سرية مثل قاعدتنا … والتي هي على استعداد لدفع البلايين لكشف هذه القاعدة واختراقها ومعرفة أسرارها … ولذلك يا أصدقائي؛ فإن من يدخل هذه القاعدة لا يخرج منها أبدًا حيًّا … أو ميتًا …
وساد صمت في القاعة، ووقف الشياطين صامتين يحسون بغضب مشتعل والحراس يصوبون مدافعهم الرشاشة نحوهم، ولأول مرة يشعرون أنَّهم وقعوا في مصيدة حقيقية انغلق بابها عليهم، بدون أن يكون هناك أمامهم أيَّة فرصة للخروج منها …
قال «أحمد»: إذن ماذا تنتظر؟ … لماذا لا تأمر رجالك فيطلقون رصاصهم علينا وينتهي الأمر؟ …
اتسعت ابتسامة «مارشيللو» وقال: سيكون هذا عملًا عقيمًا … أنتم الآن ضيوفي لمدة اثنتي عشرة ساعة … إلى أن ينطلق صاروخنا العظيم حاملًا القمر الصناعي إلى الفضاء، فيسبح فيه إلى الأبد، ويرسل لنا من الصور ما نشاء، ونكشف كل ما يدور فوق أرضكم … ولا بد أنَّكم مندهشون من تقديم موعد الإطلاق الذي كان مقررًا بعد يومين … ولكنَّني لا أستطيب صحبتكم يومين كاملين، علاوة على أنَّ الأوامر جاءت بسرعة الإطلاق … وسرعة التخلص منكم …
قيس: إذن فسوف تجعلنا نشهد إطلاق الصاروخ، ثم …
قاطعه «مارشيللو»: لا تخشَ شيئًا … سوف يكون موتكم بطيئًا هينًا … دفعة غاز سام ثُمَّ ينتهي الأمر … ولكن قبل ذلك سنقوم بتصوير كل شيء … إنَّ الفيديو جهاز ممتع … وسيكون ممتعًا أكثر لنا عندما نصوركم، وأنتم تتلوَّوْن تحت تأثير الغاز السام قبل أن يقضي عليكم … ثم نرسل الفيلم إلى رؤسائكم … مع تحياتنا …
هتفت «إلهام» بغضب رهيب: أيُّها المجرم السفاح.
قال «مارشيللو» في هدوء: هذه تحية أعتز بها … فإنكم في بلاد يُكرَّم فيها المجرمون، وتُمنح الأوسمة للسفاحين … وأعتقد أنَّني أستحق وسامًا بتخلصي منكم … فإنَّ التخلص من ستة شياطين أمر لم تقدر عليه أكبر العصابات وأقواها حتى الآن … ولكن لكل شيء نهاية … ونهايتكم ستكون على يدي …
بو عمير: إنَّك واهم أيُّها الغبي … إننا بسبعة أرواح، ولن تستطيع قتلنا أبدًا.
مارشيللو: وكيف ستنجون هذه المرة … إنَّ المكان محاصر بمائة حارس وأشعه الليزر القاتلة، أنتم في مكان أشبه بقلعه مصفحة … لقد تركناكم تدخلون بإرادتنا … أما الخروج فمسألة أخرى … إنها الجحيم بعينه …
فجأة قفزت «زبيدة» بسرعة البرق نحو «مارشيللو»، وضربته ضربة هائلة أطاحت به إلى الوراء مترين، وفي الحال دوى صوت الرصاص من مدافع الحراس باتجاه «زبيدة»، ولكنها تدحرجت بسرعة لتحتمي خلف المقعد المُذهَّب، وكانت حركة «زبيدة» إيذانًا للشياطين ببدء المعركة، فاندفعوا نحو الحراس، وقبل أن يتمكن الحراس من الضغط فوق الزناد كانت أيدي وأقدام الشياطين قد أخذت طريقها إلى الحراس في ضربات سريعة ساحقة، وسقط الحراس سريعًا. وتسلح الشياطين بمدافعهم الرشاشة … واندفعوا نحو مكان … «مارشيللو» فوق الأرض، ولكنه لم يكن في أيِّ مكان بالقاعة … وفي نفس اللحظة، انغلقت الأبواب بشدة، ولم يعد هناك أي منفذ للخروج، ومن مكان ما جاء صوت «مارشيللو» في ميكروفون داخل القاعة يقول: أخبرتكم من قبل أنَّه لا أمل وإذا شئتم الموت حالًا فلا مانع لدي … انظروا إلى الأسقف والحوائط حولكم ستجدون ألف فتحة، يكمن خلف كل منها مدفع رشاش … وبضغطه واحدة منِّي يمكنني حصدكم بمليون رصاصة. أما إذا أردتم البقاء أحياء لمشاهدة إطلاق الصاروخ؛ فإنني لا زلت على ترحيبي بكم … وإن كانت تلك الفتاة التي هاجمتني ستنال ترحيبًا خاصًّا … خاصًّا جدًّا.
صرخ «عثمان» بغضب هادر: أيُّها السافل.
وما كاد يضغط فوق زناد مدفعه الرشاش ليطلقه على الحوائط والجدران، حتى أمسك «أحمد» بذراعه وبلغة العيون قال له: لا فائدة مما ستفعله … إنَّنا داخل مصيدة رهيبة بالفعل، من الأفضل أن نطيع ذلك الرجل حتى نخرج من هذا المكان …
ونقل «أحمد» الرسالة إلى بقية الشياطين، فألقوا أسلحتهم فوق الأرض، وجاء صوت «مارشيللو»، يقول: هذا حسن … والآن فلتسيروا باتجاه اليسار نحو الباب الصغير أمامكم …
سار الشياطين باتجاه الباب، وانفتح لهم، فظهر عدد من الحراس شاهرين أسلحتهم، فاستسلم لهم الشياطين في صمت …
وقاد الحراس الشياطينَ إلى زنزانتهم مرة أخرى، وفتح أحد الحراس الباب لهم ودفعهم داخلها، وهنا فقط تنبه الجميع إلى غياب «أحمد».
قال قائد الحراس ذاهلًا: لقد كنتم ستة … أين ذهب سادسكم؟
وتلفت الشياطين حولهم ذاهلين … كان «أحمد» قد اختفى بالفعل بدون أن يشعر به أحد، كأنما انشقت الأرض وبلعته …
وأغلق الحراس الباب على الشياطين الخمسة، وقالت «إلهام» مذهولة: أين ذهب «أحمد»؟ وكيف اختفى بمثل تلك الطريقة؟
عثمان: لا بد أنَّه تمكن من الهرب بطريقة ما … إنَّ الشياطين لا يستسلمون أبدًا …
زبيدة: ولكن ماذا بإمكان «أحمد» أن يفعل … إنَّه وحده لن يستطيع مواجهة مائة حارس، مسلحين داخل قلعة مصفحة …
بو عمير: وهل كنت تنتظرين منه الاستسلام … لقد أحسست عندما نقل «أحمد» إلينا رسالته بأن نطيع الحراس ونستسلم لهم، أحسست أنَّه يخطط لشيء ما، وإن لم اهتدِ إلى هذا الشيء …
وساد الزنزانة صمت عميق، والشياطين الخمسة يفكرون، تُرى كيف اختفى «أحمد»، وما الذي ينوي أن يفعله؟ وهل سينجح وحده في إنقاذ بقية الشياطين ونسف المكان؟ …
وبدد الصمت حولهم صوت «مارشيللو» الذي جاء عبر الميكروفونات العديدة في المكان، وهو يقول: إلى الأسير الهارب … إلى الأسير الهارب … أمامك خمس دقائق لتسليم نفسك؛ وإلا ستتسبب في أبشع ميتة يلاقيها زملاؤك …
وعاد يكرر النداء، ثم ساد الصمت والسكون … وتلاقت نظرات الشياطين: تُرى هل سيستسلم «أحمد»؟
ومضت الدقائق الخمس كأنَّها خمس سنوات، وجاء صوت «مارشيللو» يقول: انتهت المهلة، تقرر التعجيل بإطلاق الصاروخ والقمر الصناعي إلى الفضاء الخارجي … أيُّها الحراس عليكم بتقييد الأسرى الخمسة، ووضعهم أسفل الصاروخ، ولنرَ كم من الوقت يمكن للإنسان أن يتحمل تلك النَّار الجهنمية عند إطلاق الصاروخ …
وتلاقت نظرات الشياطين الخمسة في ذهول رهيب غير مصدقين …