كيف حصل الفيل على خرطومه؟
ثم جلس طفل الفيل على مؤخرته الصغيرة، وسحب، وسحب، وسحب، حتى بدأ أنفه في التمدد. ودخل التمساح إلى الماء متخبطًا إلى أن استحال الماء مزبدًا إثر ضربات ذيله الهائلة، وسحب، وسحب، وسحب. استمر أنف طفل الفيل في التمدد، وبسط طفل الفيل أرجله الصغيرة الأربع، وسحب، وسحب، وسحب، واستمر أنفه في التمدد، وضرب التمساح بذيله كما لو كان مجدافًا، وسحب، وسحب، وسحب، وفي كل مرةٍ ازداد أنف طفل الفيل طولًا، وقد آلمه هذا بشدة! ثم شعر طفل الفيل بأن أرجله تزلُّ، وقال عبر أنفه الذي بلغ طوله الآن حوالَي خمس أقدام: «يا لهذه الوحشية!» ثم هبطت الأَصَلة الثعبانية الصخرية الثنائية اللون من الضفة، وعقدَت نفسها في عقدةٍ مزدوجةٍ حول أرجل طفل الفيل الخلفية، وقالت: «يا لك من مسافر ساذج، أرأيت وقد دفعت بنا الآن إلى الشجار؛ إنني إن لم أفعل ذلك، فإنَّ تلك البارجة الحربية المدرعة» (وكانت بهذا، يا أعز الأحباب، تقصد التمساح) «ستحطم مستقبلك إلى الأبد!» هكذا تتحدث جميع الأصلات الثعبانية الصخرية الثنائية اللون دائمًا. سحبت الأصلة، وسحب طفل الفيل، وسحب التمساح، لكن طفل الفيل والأصلة الثعبانية الصخرية الثنائية اللون كانا أكثر قوة، وأخيرًا أطلق التمساح سراح أنف طفل الفيل، فأطلقت الأصلة جلجلةً كان يمكن سماعها في جميع أنحاء ليمبوبو.
الأفيال كائنات رائعة حقًّا؛ فحجمها هائل، وذكاؤها مذهل، وآذانها عملاقة، ولها أيضًا خرطوم تستخدمه أداةً متعددة الوظائف. كانت الأفيال الآسيوية حيوانات مهمة للعمل لآلاف السنين، واستُخدِمت في الحروب في العصور القديمة لتشتيت تشكيلات العدو من المشاة. وكانت أيضًا رموزًا ثقافية ذات أهمية لفترة طويلة، لا سيما في حضارات أفريقيا وجنوب آسيا التي كانت على اتصال وثيق بالأفيال البرية. فكان للإله الهندوسي جانيشا رأس فيل، وتحظى الأفيال بحضور واسع في فنون العديد من الثقافات. وغالبًا ما ترمز الأفيال إلى القوة والبأس والحكمة وطول العمر والقدرة على التحمل والقيادة والمؤانسة والرعاية والولاء. وفي الثقافة الغربية الشعبية، تأتي أغلب معرفتنا عن الفيلة من السيرك وحدائق الحيوان، بل إنها أصبحت رمزًا للحزب الجمهوري. والأفيال أيضًا كثيرة الذكر في الأدب؛ فنجدها في مجموعة كيبلينج القصصية الشهيرة (ومنها الاقتباس الوارد في بداية الفصل)، وقصص بابار، ودامبو ديزني، وهورتون للدكتور سوس.
أكبر الثدييات الحية على اليابسة، وقلة قليلة من المفترسات الطبيعية هي التي يمكن أن تؤذيها بعد أن تتخطى مرحلة الطفولة. تستطيع الأفيال أن تعيش في البرية فترة تتراوح بين ٦٠ و٧٠ عامًا، لكنها نادرًا ما تعيش حتى تصل إلى مرحلة البلوغ الكامل في معظم الأماكن بسبب الصيد الجائر. في أواخر عام ۱۹۷۹، كان هناك ما يصل إلى ۳ ملايين فيل في أفريقيا وحدها، لكن أعدادها انخفضت الآن بنسبة ۹٠ في المائة أو أكثر في معظم أنحاء أفريقيا؛ بسبب ضراوة الصيد الجائر للعاج الذي هو أغلى ثمنًا من الكوكايين. فعلى الرغم من الجهود العالمية لحظر بيع العاج لا تزال السوق السوداء مربحة للغاية، كما أن عدم الاستقرار السياسي في أفريقيا (إضافةً إلى وجود وفرة من الأسلحة نتيجة لنشوب العديد من الحروب) يجعل من الصعب حماية الأفيال من الصيادين إلا في عدد قليل من المحميات الجيدة الحراسة. فما دام الطلب على العاج هائلًا في الصين وفيتنام المزدهرتين حديثًا، فالأمل ضئيل للغاية في أن تبقى الأفيال لفترة أطول في البرية، بخلاف تلك الموجودة في قليل من المحميات.
عرفت الحضارات القديمة حفريات الأفيال، واعتقدت خطأً أنَّ جماجمها الضخمة ذات الفتحة الأنفية المركزية هي فتحات أعين العملاق ذي العين الواحدة؛ «السايكلوب». غالبًا ما كانت عظامها الضخمة تُجمَع لدى اكتشافها، وكان الإمبراطور الروماني أغسطس يمتلك مجموعة من العظام التي عُثِر عليها بالقرب من داره في كابري (قبالة خليج نابولي). علاوةً على ذلك، وثَّق المؤرخ الروماني بليني العثور على قطع ضخمة من العاج في الأرض، وقد نُسِبت هذه العظام الضخمة خلال العصور الوسطى إلى عمالقة من البشر يرد ذكرهم في الكتاب المقدس، بالآية الرابعة من الإصحاح السادس من سِفر التكوين: «كان في الأرض طغاة في تلك الأيام.»
لم يكن المثقفون في ذلك الزمان على وئام مع فكرة انقراض أي حيوان؛ إذ إنها تُخِل بمبدأ العناية الإلهية. فمثلما كتب ألكسندر بوب في قصيدته الشهيرة «مقالة عن الإنسان»: «هو مَن يرى، رب الأجمعين، بطلًا يهلك أو عصفورًا يهوى.» ثم إنَّ انقراض أي مخلوق من شأنه أن يكسر «سلسلة الوجود العظمى» المتصلة التي وضعها الرب. وبعبارات بوب، «حيثما تُخرَق أي حلقة، تُدمَّر السلسلة العظمى، أيًّا ما كانت تلك الحلقة التي تضربها في سلسلة الطبيعة، سواء أكانت رقم عشرة أو عشرة من ألف، تُخرَق السلسلة على حد سواء.» وبالرغم من ذلك، استمر العلماء في اكتشاف المزيد من حفريات المخلوقات الضخمة الشبيهة بالأفيال، التي لم تَعُد موجودةً في أوروبا كما يتضح. ولم تقتصر الاكتشافات على الإنكوجنيتوم الأمريكي وحسب، فكان منها أيضًا جثث الماموث السيبيري المجمَّدة، إضافةً إلى وفرةٍ من أسنان هذه الكائنات وعاجها وعظامها. وفي عام ۱۷٤۹، استنتج جورج لويس لوكلير، كونت دي بوفون في كتابه «نظرية الأرض» أن معظم الحيوانات التي كان يُفترض أنها منقرضة، كانت مختبئة في مكان ما في منطقة غير معروفة، ومن المحتمل أن الثدييات الأرضية الكبيرة، مثل الماموث والإنكوجنيتوم، قد هلكت. بحلول عام ۱۷۷۸، كان بوفون يربط اختفاءها بأفكاره عن كوارث عنيفة وقعت خلال أزمنة سحيقة. خلال هذا الوقت، كان المناخ أكثر دفئًا، وكانت المناطق القطبية استوائية، وكانت الأفيال (أي الماموث) تعيش في سيبيريا. كان هذا يعني ضمنيًّا أن الأرض أكثر قِدمًا بكثير مما وصفته روايات الكتاب المقدس. اقترح بوفون أن عمر الأرض يتراوح بين ۷٥ ألف سنة و۳ ملايين سنة، بدلًا من الستة آلاف سنة التي قال بها معظم دارسي الكتاب المقدس الحرفيين. لم تلقَ مثل هذه الأفكار الثورية رواجًا لدى اللاهوتيين في جامعة السوربون بطبيعة الحال. لكن الملك كان يحمي بوفون؛ لذلك لم يتعرض للاضطهاد بسبب هرطقته، لكن أفكاره لم تجد قبولًا كبيرًا في الوقت ذاته.
لم يكن الرئيس الأمريكي توماس جيفرسون سياسيًّا وكاتبًا وزعيمًا فحسب، بل كان أيضًا عالم طبيعة وجامع حفريات متحمسًا. كان مؤمنًا بسلسلة الوجود العظمى، وعن ذلك كتب في عام ۱۷۹۹ يقول:
إن العظام موجودة؛ مما يعني أنَّ الحيوان كان موجودًا. فالطبيعة تتحرك في دائرة لا تنتهي. والأرجح أنَّ النوع الحيواني الذي دُفِع للحركة أو وُضِع في مسارٍ ما لا يزال يتحرَّك في هذا المسار. ذلك أنه إذا أمكن أن تضيع حلقة من سلسلة الطبيعة، فقد تضيع باقي الحلقات واحدة تلو الأخرى، إلى أن يتلاشى هذا النظام الكامل خطوة خطوة، وهذا استنتاجٌ لا يسوِّغه اختفاء نوعٍ من الحيوانات أو نوعَين، وتعارضه آلاف الحالات التي تتجسَّد في ممارسة الطبيعة باستمرارٍ لقواها المُجدِّدة بغرض تكاثر جميع الكائنات الحية.
كان جيفرسون على يقين من أن الإنكوجنيتوم العظيم لا يزال يعيش في البراري غير المستكشَفة في غرب أمريكا الشمالية. ويتضح هذا الرأي مما كتبه عام ۱۷۸۱، ومنه ما يلي:
قد يسأل أحدهم: لماذا أدرجُ الماموث، كما لو كان لا يزال موجودًا. وأنا أسأل في المقابل: لماذا يجب عليَّ أن أحذفه كما لو أنه لم يوجد؟ ذلك هو دَأْب الطبيعة؛ فلا وجود لحالةٍ سمحتْ فيها لأي سلالة من حيواناتها بالانقراض، ولا لمثالٍ يفيد بأنها شكَّلت في عظيم صنعها أيَّ حلقةٍ ضعيفة بالدرجة التي تسمح بخرقها. إضافةً إلى ذلك، فإن شهادة الهنود بأن هذا الحيوان لا يزال موجودًا في الأجزاء الشمالية والغربية من أمريكا؛ هي بمثابة إضافة ضوء شمعة إلى ضوء شمس الظهيرة. إنَّ هذه الأقطار لا تزال على حالتها الأصلية لم تتغيَّر، لم نكتشفها بعدُ ولا اكتشفها آخرون لصالحنا. فمن المحتمل جدًّا أن يكون الماموث موجودًا هناك الآن، مثلما كان يوجد سابقًا حيث نجد عظامه … ولهذا سيكون من الخطأ أن نعزو تناقص الحيوانات في أمريكا إلى بلاهة عمليات الطبيعة أو افتقارها إلى الاتساق؛ إذ سيكون في ذلك مخالفةٌ للقاعدة الفلسفية التي تعلِّمنا أن نعزو التأثيرات المتشابهة إلى الأسباب المتشابهة … إن الحيوانات التي تُنقَل إلى مناخات غير مواتية لها؛ إما تغيِّر طبيعتها وتكتسب دفاعاتٍ جديدةً ضد الصعوبات الجديدة التي توضع فيها، أو لا تتكاثر على النحو الملائم؛ ومن ثَم تنقرض.
عندما منعت التأخيرات ويليام لويس وميريويذر كلارك من المغادرة حتى عام ۱۸٠۳، أمرهما الرئيس جيفرسون بالذهاب إلى بيج بون ليك وجَمْع المزيد من عينات ذلك الحيوان الضخم الغامض. وعندما تلقَّى جيفرسون مخالب عملاقة من بعض الرواسب الكهفية، أمر لويس وكلارك بالبحث عن أسدٍ عملاق في أثناء بعثتهما إلى الشمال الغربي العظيم. (تبيَّن أن المخالب ليست مخالب أسد، بل لكسلان أرض عملاق، يُدعى الآن ميجالونيكس جيفيرسوني.)
وفي عام ۱۷۷۹، وصف عالم الطبيعة الألماني بيتر سيمون بالاس، الذي كان يعمل في سانت بطرسبرج في روسيا، جثةً مجمدة لوحيد قرن في سيبيريا. خَلَص بالاس إلى أن هذا كان «دليلًا مقنعًا على أنَّ فيضانًا غاية في الشدة والسرعة حمَل هذه الجثث نحو مناخاتنا الجليدية ذات مرة، وكان ذلك قبل أن يُتاح الوقت لفساد أجزائها اللينة». (نحن نُدرك الآن أن هذه الجثة كانت تعود لوحيد القرن الصوفي، وهو نوع يتكيف مع البرد.)
أُثبِتت حقيقة الانقراض أخيرًا على يد أحد أعظم علماء الأحياء على الإطلاق، البارون جورج كوفييه. كان كوفييه شخصية بارزة في الوسط العلمي الفرنسي، وقد شهد عهد لويس السادس عشر، والثورة الفرنسية، وعهد الإرهاب، ونابليون، والملوك الفرنسيين اللاحقين دون أن يفقد مكانته أو منصبه. أصبح كوفييه مؤسس علم التشريح المقارن وعلم الحفريات الفقارية؛ إذ طور مهارة هائلة في وصف عظام الفقاريات والتعرف عليها. أكثر ما اشتهر به هو «قانون ارتباط الأعضاء». يتمثل هذا القانون ببساطة في قاعدة مفادها أن تشريح الفقاريات يتسم بالعديد من الأنماط التي يمكن التنبؤ بها وفقًا لموئل الحيوان ونظامه الغذائي. فعلى سبيل المثال، لا يمتلك الحيوان المفترس أسنانًا حادة لتقطيع اللحوم وحسب، بل يمتلك أيضًا مخالب حادة، أما الثدييات العاشبة فعادةً ما يكون لديها أسنان طاحنة وحوافر. وثمة قصة مختلَقة تُروى عن محتال اقتحم حجرة نوم كوفييه في إحدى الليالي متشبهًا بالشيطان، وأخبره أنه سيؤكل حيًّا. ويُزعم أن كوفييه أجاب: «لا يمكنك أكلي. لديك قرون وحوافر، من المؤكد إذن أنك آكل للنباتات.»
في عام ۱۷۹٦ قرأ كوفييه على المعهد الفرنسي ورقة علمية عن الأفيال الحية والأحفورية. كان أول عالم يدرك الفارق بين الأفيال الآسيوية والأفريقية. وأثبت بعد ذلك أن الماموث والإنكوجنيتوم الأمريكي لا ينتميان إلى نوع الأفيال الحية نفسه، على الرغم من صلتهما بالفيلة، ولم يكونا بحاجة لأن تكون الأرض أكثر دفئًا في الماضي. أشار كوفييه إلى أنَّ هذه الحفريات والحيوانات الكبيرة الأخرى — مومياء وحيد القرن السيبيري، وكسلان الأرض العملاق، وأولى حفريات الموزاصوريات — ضخمة جدًّا بدرجة يستحيل معها ألا تكون قد اكتُشِفت في عالمنا هذا الذي نستكشفه بسرعة بالغة. إنها «تثبت وجود عالم قبل عالمنا، وقد [فنيتْ] بفعل كارثة ما». واصل كوفييه تطوير أفكاره عن كارثة عظيمة سبقت عالمنا، ولكنها لم تُذكَر في سِفر التكوين. كان هذا هو العالم العتيق «ما قبل طوفان نوح»، زمن الظلمات، والوحوش العظيمة، والتغيرات الكارثية. أُثبتَ الانقراض كحقيقة بما لا يدع مجالًا للشك، على الرغم من أن فكرة كوفييه عن عالم ما قبل الطوفان انهارت بعد فترة قصيرة، مع معرفة تفاصيل السجل الأحفوري، واتضاحها بشكلٍ أفضل.
خلال ما تبقَّى من القرن التاسع عشر، عُثِر على المزيد والمزيد من الهياكل العظمية للماموث والماستودون، مما أكَّد أن هذه الوحوش العظيمة جابت جميع القارات الشمالية خلال العصور الجليدية (وهو مفهوم ظهر لأول مرة في عام ۱۸۳۷). إضافةً إلى ذلك، أسفرت صخور عصر الميوسين في أوروبا عن المزيد من الخرطوميات الأولية، وهي أقرباء الفيل. كان من بينها دينوثيريوم الضخم («الوحش الرهيب» باليونانية)، الذي قام بتسميته يوهان جاكوب فون كاوب في عام ۱۸۳۱. كان خرطوميًّا أكبر في الحجم من أكبر ماموث، لكنه لم يمتلك من الأنياب سوى نابَين فقط، وكلاهما في فكه السفلي الذي كان منحنيًا لأسفل. واكتُشِفت أيضًا ماستودونتات غريبة أخرى في أوراسيا وأمريكا الشمالية، مما دلَّ على أن الخرطوميات قد جابت نصف الكرة الشمالي منذ أوائل العصر الميوسيني قبل حوالي ۱۸ مليون سنة. ورغم ذلك، لم تُكتشَف خرطوميات أحفورية أقدم من هذه في أوراسيا أو أمريكا الشمالية. فمن أين أتت الأفيال؟
يمكننا تتبع النسل الرئيسي للخرطوميات من باليوماستودون في أوائل عصر الأوليجوسين إلى الجومفوثيرات في أوائل عصر الميوسين ووسطه. كانت الجومفوثيرات منتشرة على نطاق واسع في كلٍّ من أمريكا الشمالية وأوراسيا خلال هذه الفترة الزمنية، وكانت تؤدي الدور الذي أدته الماموث والفيلة لاحقًا بصفتها أكبر الحيوانات العاشبة. بلغ ارتفاع الجومفوثيرات حوالي ۳ أمتار (۱٠ أقدام) عند الكتف، وكانت تزن من ٤ إلى ٥ أطنان. كانت جماجمها طويلة مسطحة من الأعلى، مع نابَين متطورَين في كلٍّ من الفكَّين العلوي والسفلي، وربما كان لديها خرطوم قصير. كانت الأنياب السفلية على شكل ملاعق مسطحة، وكان يُعتقد أنها مفيدة في نبش الجذور والطعام، وكذلك إزالة اللحاء من الأشجار.
تطوَّر العديد من مجموعات الخرطوميات المختلفة المتشعِّبة من الجومفوثيرات. ومن هذه المجموعات، ذوات الأنياب المُجرِّفة (الفصيل الفرعي أمبيلودونتيني، والذي تنتمي إليه خمسة أجناس)، والذي يشير اسمها إلى أن أنيابها السفلية على شكل زوج من المجارف العريضة. تطورت هذه المجموعة في أمريكا الشمالية منذ حوالي تسعة ملايين سنة، ثم انتشرت إلى آسيا في أواخر العصر الميوسيني. كان يُعتقد قبل ذلك أن ذوات الأنياب المُجرِّفة تستخدم أنيابها السفلية لجمع النباتات المائية في الموائل المستنقعية، لكن التحليل التفصيلي للتآكل الموجود على «مجارفها» أظهَرَ تآكلًا ناتجًا عن كشط اللحاء من الأشجار؛ ولهذا فالأرجح أنَّ نظامها الغذائي كان يتألَّف من أوراق الشجر والأغصان واللحاء مثل معظم حيوانات الماستودونات. اختفت ذوات الأنياب المُجرِّفة من أمريكا الشمالية في نهاية العصر الميوسيني، بالتزامن مع اختفاء وحيد القرن، والقرنيات الأولية، والدرومريسين، والأيل المسكي، والعديد من المجموعات الأخرى المعتادة في السافانا الأمريكية.
أخيرًا، في نهاية العصر الجليدي الأخير منذ حوالي ١٠ آلاف عام، اختفت جميع حيوانات الماموث من جميع القارات، واختفت معها بقية ثدييات العصر الجليدي الكبيرة. غير أنَّ مجموعة متقزمة من الماموث تمكنت من البقاء على قيد الحياة في بعض جزر القطب الشمالي، ومنها جزر ألوتيان وبالقرب من سيبيريا، وتمكنت من البقاء حتى قبل ٦ آلاف عام تقريبًا. كانت هناك أيضًا مجموعات من الماموث المتقزمة في جزر أخرى، مثل جزر القناة الإنجليزية قبالة سواحل سانتا باربرا في ولاية كاليفورنيا.
إن تطور الخرطوميات يتجسد في تسلسل أحفوري موثَّق بشكل رائع، يوضح التاريخ المتفرِّع المعقد لهذه المجموعة، والتي تبدأ بكائناتٍ بحجم الثعلب ليس لها من سمات الفيلة إلا القليل، ثم نمَت خراطيمها تدريجيًّا، وامتلكت مجموعة متنوعة من الأنياب الخارجية العلوية والسفلية، إلى أن نصل إلى الأفيال الحديثة والماموث المنقرض. إن كيفية حصول الفيل على خرطومه لم يعد لغزًا، بل واحدة من أفضل القصص الموثقة في السجل الأحفوري.
وأخيرًا، لدينا سؤال آخر مُلِح؛ من أين أتت الخرطوميات؟ ما أقرب أقربائها؟ في عام ١٩٧٥، اقترح مالكولم ماكينا، الذي كان المشرف عليَّ في المتحف الأمريكي للتاريخ الطبيعي في نيويورك، أنها مجموعة تسمَّى وحشيات بحر تيثس (تيثيثيريا). كانت التيثيثيريات مجموعة من الثدييات التي نشأت في الأصل على ما يبدو حول حوافِّ ممر تيثس البحري الاستوائي، الذي كان يمتد ذات يوم من جبل طارق إلى إندونيسيا. اقتصرت التيثيثيريات بالأساس على الخرطوميات وعلى مجموعة أخرى معروفة، وهي الخيلانيات أو أبقار البحر (يعرفها معظم الناس من خلال خراف البحر والداجونج). ومثلما أشار ماكينا، كانت التيثيثيريات تتمتع بعدد كبير من السمات التشريحية الفريدة في جماجمها، ومن ذلك أنها لم تكن في معظم الأحوال تستبدل بأسنانها اللبنية أسنانًا بالغة تندفع من الأسفل، بل أسنانًا جديدة تندفع من الجزء الخلفي من الفك، حيث تتساقط الأسنان القديمة البالية في مقدمة الفك. إن الأفيال وخراف البحر فقط هي التي تقوم بذلك اليوم، ومن بين جميع الكائنات المنقرضة، لا يظهر هذا النمط الغريب المعروف باسم الاستبدال الأفقي للأسنان، إلا لدى أقرب أقرباء الأفيال وخراف البحر. في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، أكدت الدراسات الجزيئية أن الأفيال وخراف البحر هما أقرب الكائنات الحية أحدهما للآخر.
إن عددًا قليلًا من عظام الماموث وضرسًا وحيدًا من الإنكوجنيتوم الأمريكي؛ قدَّمت لنا أول فكرة عن الأقرباء المنقرضين للأفيال، لكننا نمتلك الآن سجلًّا أحفوريًّا غنيًّا يتتبع تاريخ هذه الأنواع إلى أقدمها منذ أكثر من ٦٠ مليون سنة. علاوةً على ذلك، فإن ما أضافه علم الأحياء الجزيئي يوحِّد هذه الأنواع مع مجموعةٍ كاملةٍ من الحيوانات الغريبة، كخراف البحر، وخنازير الأرض، والوبريات، والمداليات، والعسربيات. وتلك قصة لم يكن أحدٌ ليتخيَّلها حتى قبل ٥٠ عامًا.
قراءات إضافية
-
Gheerbrant, Emmanuel, “Paleocene Emergence of Elephant Relatives and the Rapid Radiation of African Ungulates,” Proceedings of the National Academy of Sciences 106, no. 26 (2009): 10717–10721.
-
______, “A Palaeocene Proboscidean from Morocco,” Nature 383, no. 6595 (1996): 68–70.
-
Prothero, Donald R., The Princeton Field Guide to Prehistoric Mammals: Princeton, NJ: Princeton University Press, 2016.
-
Prothero, Donald R. and Robert M. Schoch, Horns, Tusks, and Flippers: The Evolution of Hoofed Mammals, Baltimore, Md.: Johns Hopkins University Press, 2002.
-
Rose, Kenneth D., and J. David Archibald, eds., The Rise of Placental Mammals: Origins and Relationships of the Major Extant Clades, Baltimore, Md.: Johns Hopkins University Press, 2005.
-
Savage, Robert J. G. and M. R. Long, Mammal Evolution: An Illustrated Guide, New York: Facts-on-File, 1986.
-
Shoshani, Jeheskel, Elephants: Majestic Creatures of the Wild, New York: Rodale Press, 1992.
-
Shoshani, Jeheskel and Pascal Tassy, “Advances in Proboscidean Taxonomy and Classification, Anatomy and Physiology, and Ecology and Behavior,” Quaternary International 126–128 (2005): 5–20. https://doi.org/10.1016/j.quaint.2004.04.011.
-
______, eds., The Proboscidea: Evolution and Paleontology of Elephants and their Relatives, New York: Oxford University Press, 1996.
-
Turner, Alan and Mauricio Anton, National Geographic Prehistoric Mammals, Washington, D.C.: National Geographic Society, 2004.