بالضبط، ماذا حدث؟
وهكذا أخذت على عاتقي مهمة أن أفرغ وأنتهي إلى رأي أخير عن الموضوع كله.
ما هذا الذي حدث؟
وكيف حدث؟
وهل هو لا يزال يحدث أم إن الرواية قد انتهت فصولها؟
كان لا بد أن أقوم بدراسةٍ عميقة جادَّة لما حدث خلال وقُبَيل حكم السادات وإلى الآن، دراسة لنفسي أولًا كي أستطيع أن أفهم شخصيًّا وأن أرى. ولم يكن في نيَّتي نشر هذه الدراسة، أو على الأقل كتابتها للنشر، كنت فقط أريد أن أسلِّح نفسي بضوءٍ كافٍ أرى على هداه كل ما تلا وما لا يزال يتلو من أحداث.
وفي سبيل القيام بهذه الدراسة ناقشت عددًا كبيرًا من الناس، أُوثر أن أحتفظ بأسمائهم؛ فبعضهم يحتلُّ مناصب خطيرة، وبعضهم لا يريد الجهر بآرائه، وبعضهم لا أحب أن أحمِّله مشقة إيراد اسمه في موضوع أكتبه، خاصةً إذا كنت قد قرَّرت أن أنشر الموضوع، وقد بقي أسابيع كثيرة قابعًا أمامي فوق ركن المكتب، إلى أن وجدت أنه ليس هناك من حرج أبدًا في نشره على أوسع نطاق؛ فهي مسائل لا تخصُّني وحدي، وإذا كنت قد سعيت إلى كثير من الناس أسألهم الرأي وأناقشهم، فلمَ لا أُشرك معي كل من يريد الاشتراك من القرَّاء وغير القرَّاء؟
بل لم أكتفِ بالمناقشات وبالتأمل الذاتي.
عكفت على دراسة مذكرات هامَّة جدًّا نُشرت خلال العام الماضي؛ ففي العام الماضي والأشهُر القليلة الأخيرة من العام الذي سبق قرأت: مذكرات هنري كيسنجر، أو على الأقل كل ما نشره إلى الآن منها، ومذكرات جيمي كارتر، وأجزاءً من كتابات كثير من الذين عاصَروا وشهدوا أحداث ووقائع زيارة القدس وكامب ديفيد، مثل مذكرات عزرا فايتسمان، وما نشره سعد الدين الشاذلي عن حرب ٧٣، ومقالات ومذكرات إسماعيل فهمي وزير الخارجية المصرية الأسبق، الذي استقال احتجاجًا على مبادرة القدس.
وأخيرًا قرأت مذكرات محمد إبراهيم كامل وزير الخارجية المصرية، الذي عيَّنه السادات ليَخلف إسماعيل فهمي؛ بمعنى أنه بقَبوله هذا التعيين وعقب استقالة إسماعيل فهمي وبعد مبادرة القدس كان مُوافقًا، وجاء ليُنفِّذ — مُقتنعًا — إطار ومضمون السلام المفروض أن يقوم بين مصر وإسرائيل.
محمد إبراهيم كامل هذا نفسه الذي كان عضوًا في وفد المفاوضات المصري إلى كامب ديفيد؛ ذلك الراضي و«القابل» لمبادرة القدس وقيام السلام، والذي اعتُبر حين عُيِّن واحدًا من الدائرة الداخلية الأساسية للنظام الساداتي أن يستقيل رجلٌ كهذا بسبب بما اكتشفه، وما دار في كامب ديفيد، مسألة ليست مُحيِّرة فقط، ولكنها وكأنما تقولها عالية عريضة لكل أصم: إن ما حدث في كامب ديفيد مسألةٌ مرفوضة تمامًا، حتى من الرجل الذي تحمَّس السادات لتعيينه وترقيته فجأةً من سفير إلى وزير خارجية، وعن حماس أيضًا قبل أن يكون رجل السادات ومُعينًا له في مهمة كانت ممجوجة تمامًا، حتى من أناس داخل النظام الساداتي، ألا وهي مهمة عقد معاهدة سلام شبه مُنفردة بين مصر وإسرائيل.
أن يستقيل رجلٌ كهذا، وأن يبدأ ينشر مذكراته ويشرح لماذا استقال، وماذا دار داخل، على رأي العقيد القذافي كما وصفها أيامها، «إسطبل داود»؛ مسألة كان مفروضًا أن تستوقفنا طويلًا وعميقًا أمامها.