الغباء أمام عبقرية التعصب
أصدفةٌ أن يتزامن مجيء السادات مع مجيء كيسنجر مع مجيء بيجن بحيث تتم المهزلة الكبرى؟
الغباء الأكبر في مواجهة الذكاء الأعظم والتعصُّب العنصري الأعمى مُجتمعين، أو لتكون المعادلة دقيقةً نضعها هكذا:
إنسانٌ مُتعاوِن متَّفق لحدِّ التفريط بلا أي مُقابل (راجعوا ما قاله كيسنجر عن طرد الخبراء السوفييت، الذي كانت الولايات المتحدة مستعدَّة أن تدفع ثمنه جلاءً كاملًا غير مشروط عن سيناء على أقل القليل)؛ إنسان كهذا في مُقابل أعظم عقلية اكتشفتها الرأسمالية الأمريكية لتنقل أمريكا من مرحلة الدولة العظمى القوية إلى مرحلة الدولة الأعظم الوحيدة المُهيمنة على العالم كله، المُحاصِرة للكتلة الاشتراكية تمامًا تمهيدًا للانقضاض عليها أو اختراقها؛ وبهذا يصبح العالم كله في قبضة أمريكا.
أما أن يلحق بيجن بعقلية كهذه، فهذا أيضًا ليس مصادفة أو عدم ثقة في كفاءة كيسنجر، إنما ربطٌ تامٌّ بين الذكاء والولاء، بين اليهودي الأمريكي العبقري في هندساته الاستراتيجية والتكتيكية وبين اليهودي الإسرائيلي المجنون إلى حدِّ الهوس بالتوراتية والعنصرية اليهودية؛ أي الإيمان المطلق الذي لا يمكن أن ينكص أو يتغيَّر؛ فذكاء كذاك لا بد له ليصبح ذا فاعلية من تعصُّب شرير يُشكِّل نقطة انطلاقه ويحكم توجيهه، وهو في النهاية تحقيق نهائي للحُلم الذي داعَب الصهيونية كثيرًا وطويلًا؛ حكم العالم عن طريق التحكم في أقوى دولة يستطيعون بها أن يحكموا العالم. هكذا حاولوا مع إنجلترا حين كانت القوة المُهيمنة، ثم مع ألمانيا حين تصوَّروا أنها ستَخلفها، ولكن حين هُزمت وقام هتلر لينسب الهزيمة لهم وينقضَّ عليهم أدركوا أن القوة العظمى القادمة ستكون إما روسيا الشيوعية أو أمريكا الرأسمالية، وإلى الدولتَين تسلَّلوا، وأصبح اليهود في العالم أكبر دعاة الشيوعية من ناحية وأعتى أصحاب البنوك والمُسيطِرين على الفن والفكر والكتاب ووسائل الإعلام في المعسكر الرأسمالي كله من ناحيةٍ أخرى. وحين تكشَّفت النوايا تمامًا، وبدأ المعسكر الشرقي ينحاز إلى العرب، أصبح الطريق الأوحد هو السيطرة التامة على أمريكا، وتقويتها إلى درجة تستطيع معها أن تقهر العالم الثالث كله والعرب ومعسكر عدم الانحياز، ثم التهام المعسكر الاشتراكي نفسه أخيرًا.