الدين الجديد
ولقد كتبت أكثر من مرة أن الدين الأمريكي الجديد أو المسيحية اليهودية أو اليهودية
المسيحية، ويُسمُّونها Judo-Christianity، هو النخاع الشوكي
الفكري لأمريكا الرأسمالية مثلما كانت البروتستنتية أو الكاثوليكية هي النخاع الشوكي
العقائدي للإمبراطورية البريطانية أو للإمبراطورية الفاتيكانية في الزمن الوسيط. كل
إمبراطورية لا بد أن يكون لها نواة عقائدية ما. ولقد نجح اليهود والمهاجرون لأمريكا،
وحتى
الباقون في إنجلترا وفرنسا وأوروبا، أن يظلُّوا يُمطرون البروتستنتية بالذات بوابل من
النقد
المُغرِض الهادف لخلق إحساس بالذنب قِبَل اليهود، إحساس رهيب بالذنب من المسيحيين كلهم،
إلى
حد إجبار البابا الكاثوليكي إلى إصدار تكذيب لما جاء في الإنجيل عن أن اليهود هم الذين
صلبوا المسيح. ولو أن هذا ليس موضوعنا الأساسي إلا أن المُتتبِّع للأسلوب الفريد الرهيب
الذي استطاع به اليهود، وبطريقةٍ غير ملموسة تمامًا، إدخال اليهودية كجزء من العقيدة
المسيحية أولًا، ثم الدفع في هذا الاتجاه إلى حد الإيمان بأنهما ليستا عقيدتين مُنفصلتين،
وإنما هما عقيدةٌ واحدة متصلة، بحيث بدلًا من كلمة التوراة وكلمة الإنجيل أصبحا كتابًا
واحدًا؛ التوراة فيه هي العهد القديم، والإنجيل فيه هو العهد الجديد.
في تلك المرحلة التي وصلت فيها العقيدة اليهودية المسيحية قمَّتها المُوحَّدة، وأصبحت
تُشكِّل عقل أمريكا وقلبها، كان طبيعيًّا جدًّا أن يُعيَّن وزير الخارجية لأول مرة في
التاريخ الأمريكي يهوديًّا، ليس هذا فقط، بل يُتجاوز عن شرط أن يكون مولودًا في أمريكا
أو
من أبوَين أمريكيين، ويحدث هذا دون أي اعتراض علني من رجال الكنيسة البروتستينية الأمريكية،
مع أن تلك الكنيسة كانت من التعصب بحيث تعتبر أن كل من ليس بروتستينيًّا أمريكيًّا هو
مُواطن من الدرجة الثانية؛ وبالتالي أيضًا لم يعترض الكاثوليك الأمريكان باعتبار أن
الكاثوليك أقليَّة في أمريكا، يعني أمريكا كلها، وافقت ورحَّبت بتعيين هذا المهاجر اليهودي
الألماني، ليس فقط وزيرًا لخارجية أمريكا، أي في المنصب المقابل لرئيس الوزراء في الدول
الأخرة، بل «يتصادف» أيضًا، وبالضبط بعد إتمام هذا التعيين، أن تُكتشف وتُروَّج فضيحة
«ووتر
جيت» بحيث تشلُّ فاعلية الرئيس الأمريكي نيكسون، ويصبح كيسنجر وحده الرجل الحقيقي الأول
في
الولايات المتحدة.