مذكرات
«جرَت العادة المألوفة بين الأمم المتمدِّنة ألا يجوز لسياسيٍّ نشرُ ما عرفه من خفايا الأمور في إبَّان وظيفته وإباحتُه إلا بعد مُضِي خمس وعشرين سنة على الأقل من تاريخ حدوثها. ولا تسمح الوزاراتُ الخارجية بالاطِّلاع على التقارير السِّرية المحفوظة في خزائنها، إلا بعد تَصرُّم خمسين سنة على وفاة محرِّرها. هذا هو السبب الذي من أجله تَربَّصتُ إلى هذا اليوم لنشر بعض الحوادث السياسية التي مثَّلتُ بها دورًا، أو وقفتُ على خفاياها طيلةَ السبع عشرة سنةً التي تَولَّجتُ في أثنائها القنصلياتِ الأربعَ الكبيرة؛ وهي بوردو، وباريس، وبروكسل، وبونس إيرس.»
تُعَد هذه المذكرات في غاية الأهمية؛ حيث كُتِبت بقلم أحدِ القناصل العرب المشهورين، وكان شاهدَ عِيانٍ على الكثير من الأحداث، وهو الأمير «أمين أرسلان»، وذلك في أواخر عهد الحُكم العثماني. وبحكم وظيفته المهمة، استطاع الاطِّلاعَ على الوثائق السِّرية ومعرفةَ الكثير من الأمور السياسية التي من الصعب الوصول إليها. وفي ثنايا صفحات هذه المذكرات، يُحدِّثنا «أمين أرسلان» عن بعض الأمور السياسية التي شهِدَتها الدولة العثمانية في سِنِي حُكمه بالقنصلية، والتي لا نعلم عن خباياها الكثير، فيكشف لنا أسبابَ قطعِ العلاقات الدبلوماسية بين فرنسا والدولة العثمانية في عام ١٩٠١م، وسببَ تأزُّم العلاقات بين ملك بلجيكا «ليوبولد الثاني» والدولة العثمانية، وكذلك الخطة السياسية الحربية التي وضعَتها كلٌّ من اليابان والدولة العثمانية لأجل مُهاجَمة الاتحاد السوفييتي في ذلك العهد، وغير ذلك الكثير.