الأم المتعبة
دراما عائلية في فصل واحد
القاهرة سنة ١٩٤٥١
القاهرة سنة ١٩٤٥١
المنظر الأول
(رأفت – محمود – مديحة – الأم)
رأفت
:
فين فطوري؟
الأم
:
يا فتاح يا عليم يا رزاق يا كريم! إنت أول ما تفتح عينك على الأكل … ما تطلب
من أبوك.
رأفت
:
خلاص اسكتي … موش عاوز آكل … هاتي شاي بس.
الأم
:
التموين فرغ … لا شاي ولا سكر … النهارده ١٥ في الشهر.
رأفت
:
عندك تعريفة أجيب عسل؟
الأم
:
عندي … آدي قرش من فلوس أخوك ذكري، اتفضل … حاكم انت مدبأني بالعسل!
رأفت
:
تعرفي يا ماما إن ما كنتيش تديني أربعة صاغ دلوقت أعمل حاجة وحشة.
الأم
:
أطلب من أبوك، أهو نايم في الدور الفوقاني … هوه انت مالكش لسان؟
رأفت
:
طيب والله ما انا فاطر ولا واكل حاجة (يخرج ويغلق
الباب خلفه بغضب).
الأم
(بصوت عالٍ)
:
خد بيضة أهه اشتريتها لك … اندهيله يا بهية … شوف الواد نازل من غير فطور
إزاي؟ أعمل إيه؟ … يتفلق رأفت.
المنظر الثاني
(الأم – محمود – بهية – يوسف – ذكري – رئيفة – أحلام – لطيفة)
محمود
(بصوت غليظ وهو يعضُّ بالنواجذ على شفتيه ويده في جيب
البنطلون ورأسه إلى أسفل)
:
هاتي ثلاثة ثاغ علشان أجيب كرَّاث وإرث ثاغ للترمواي أحثن الكمثاري
ينزلني.
الأم
:
وأنا أجيبك ثلاثة صاغ منين يا واد؟
محمود
(بصوت أغلظ)
:
مش رايح المدرثة.
الأم
:
عنَّك ما رحت … (محمود يزمجر ويصدر أصواتًا مثل
النحلة، ورأفت مطلًّا برأسه من الباب).
رأفت
:
بهية … هاتي البيضة والكتاب الإنجليزي اللي نسيته.
الأم
:
الله! هو انت جيت؟ البيضة ما خدها أخوك محمود … خبر أبيض اشرب كباية الشاي دي
بتاعته (يُسمَع صوت من داخل المنزل) عا …
قميصي … يا بهية تعالي … (يرفع عقيرته
ويجأر) … ها … ها … ها يا ناس قميصا … ي حاجا باردا … (ثم كلام غير مفهوم).
الأم
:
ده ذكري صحي … ده ما بقلوش ساعتين جي … مين صحَّاه يا أولاد؟
بهية
(مرتبكة)
:
أنا اللي صحيته … واحد صاحبه عاوزة ف التلفون (بهية
تهمس في أذن أمها) … ده بيملى المسدس سامعه الصوت! (تظهر مديحة وتسرح شعرها وتقول للأم).
مديحة
:
عوزه قرش وده خللي في بالك غير قرش ركوب الترمواي.
الأم
:
والقرش اللي ادَّاهولك بابا؟ … إنت تخدي وتنكري زي القطط.
مديحة
:
حاروح لوحدي.
رئيفة
(أختها)
:
روحي … خليكي توفري … بس ما تنسيش آية الكرسي (تشرع
مديحة في الذهاب إلى المدرسة بغير فطور، وتخرج الأم من جيب جلبابها لقمة عيش
وبصلة وتقول لها).
الأم
:
كُلي دول على ما يجي الفول (يسمع صوت بائع الفول
المدمس) البليلة السخنة … مدمس … بياع اللوز …
الأم
(لابنتها بهية)
:
اندهيله يا بت لحسن بيجري … لحسن يخلَّص (تخرج بهية
ويظهر الأخ الأكبر يوسف).
يوسف
:
يا بت يا مديحة.
الأم
:
مديحة راحت المدرسة.
يوسف
:
يا بهية.
الأم
:
بهية بتجيب فول مدمس.
يوسف
:
يا محمود!
الأم
:
محمود غضبان وقاعد بره ولسه ما فطرش.
يوسف
:
مين اللي بيزعق ده؟
الأم
:
ده أخوك ذكري … معاه مسدس وخمسين رصاصة في كيس جلد، وبيصوَّت علشان قميصه البنت
بهية هبَّبته عند المكوجي.
يوسف
:
وإيه يعني؟ (يُسمَع صوت ذكري).
ذكري
:
هاتي الجرايد … فين الجرنال … مين بيقراها (يجأر
بصوت مرتفع) ها … ها … (يظهر ذكري على
المسرح وهو يغطي جسمه بملاءة سرير، ويجرجر في رجليه حذاءً قديمًا، ويظهر
كمصارع روماني، ويقول لأخيه يوسف) صباح الخير.
يوسف
:
سعيدة مبارك … (لأمِّه) فين النص ريال …
ناوية تاخديه؟
الأم
:
ما خدتهوش من رأفت؟
يوسف
:
فين ده رأفت؟
أحلام
(من تحت البطانية على السرير)
:
حرام عليكي رأفت ما عندهوش نص ريال.
الأم
:
أنا بس بقول كده علشان أخلص منه.
يوسف
(لوالدته وهو ألثغ في حرف الراء)
:
طيب دي أخغ مغة تاكلي عليَّ فلوسي (يخرج).
لطيفة
:
فين فلوسي يا ماما؟
الأم
:
اسألي اللي بيخدو الفلوس.
لطيفة
:
حرام عليك … تصبحي تفطري إنت وأولادك وأنا ماكلشي.
الأم
(تخرج لسانها وتشاور عليه بأصبعها)
:
آهوه على ريق النوم أنا ما كلتش حاجة.
رئيفة
(لأختها لطيفة)
:
خدي الفلوس أهيه … سابهم رأفت (يسمع صوت بائعة فول
نابت).
لطيفة
(تنادي)
:
يا بتاعة الفول النابت … إديني بقرش.
بائعة الفول
:
اسم الله عليكي النبي حارسك وضمنك يا نور عيني … ربنا يخليك لاخواتك
وابوك.
لطيفة
:
فولك معفن وحامض.
البائعة
:
دي فولة حلوة والنبي زي الشهد.
لطيفة
:
ماتكيِّلي كويس … مال إيدك مربوطة؟
البائعة
:
والنبي يا ست متوصيَّة بك … أنا وأختي على باب الله … وكانت أمنا تشكر فيكو
أوي وموصيانا عليكو.
لطيفة
:
الله يرحمها.
البائعة
:
الشر بره وبعيد … دي لسه عيشه، ربنا يخليها هي بس اللي ماتبنش كتير … أهي
قاعدة على بنتي هدى … أنا محدش تاعبني إلا جوزي كل يوم في المحكمة مسخِّم على
عينه.
الأم
(تتدخل)
:
هو فولك فيه شطة؟ مرقته زي الفلفل.
البائعة
:
دا والنبي زي القشطة … والَّا أقولك أنا موش جاية (يُسمَع ذكري من الداخل يجأر بصوت مرتفع).
ذكري
:
فين فطوري؟
أحلام
(تتيقظ منزعجة على صوت ذكري)
:
يا ماما … يا ماما بابا صحي بينده لك.
رئيفة
:
ده موش بابا يا أحلام … ده ذكري عاوز فطوره (أحلام
تعود إلى النوم وتغطي رأسها بالبطانية) طيب.
لطيفة
(لأمها)
:
متعملي لذكري فول نابت، ده كله حديد وفوسفور وفيه فيتامين.
الأم
:
فيتامين … فيتامين إيه؟ … كلهم بيفطروا إلا أنا (يُسمَع جرس تليفون وترد عليه رئيفة).
رئيفة
:
ألو … حضرتك مين؟ … عاوز ذكري … أقول له مين؟ مين؟ بتقول إيه؟ (لأمها) واحد لذكري.
ذكري
(في التليفون بكل أدب)
:
صباح النور … لا … خلاص الوزراء سحبوا استقالتهم … آه الرجل بتاعنا كان بيهوش
… مشفتهوش … إنت عاوز بدلة والمعلم فصَّل القماش اللي جبته له … إزاي أخوك حسن؟
… ده عاوز ستة متر … قابلني في قهوة الفردوس نشرب قهوة هناك (ذكري يخرج من المنزل).
لطيفة
:
إملي لي الزجاجة ديه زيت يا ماما.
الأم
:
وأنا عندي زيت منين … استني أول الشهر.
لطيفة
:
بقي علشان أحط شوية زيت على الفول أستنى تلاتين يوم … ديه بقت عيشة ما حدش
يقدر عليها!
الأم
(متهيجة)
:
اطلعي لأبوك فوق وقولي له لحسن هو ناقص، اطلعي له علشان يديلك قرش تشتري به
زيت … ما حدش ناهب الزيت غيرك … والتموين كله والسكر رايح عليكي!
لطيفة
:
يا شيخه حرام عليكي.
الأم
:
إيه اللي حرام عليكي؟ … أنا حآبل ربنا بوش أبيض محدش يعرف ديانة أدِّي ولا
تسوُّف أدِّي.
لطيفة
:
تسوُّف إيه ونيلة إيه … عاوزة تقولي تصوُّف … بقي اكْمِنْ بابا قرأ لك القصيدة
العينية تبقي متصوِّفة؟
أحلام
(من تحت البطانية)
:
بابا قرأ إيه؟ قرأ لك إيه يا ماما؟ … العينية … يا بختك … دي فيها وحدة
الوجود.
رئيفة
:
وحدة وجود إيه؟
أحلام
:
اسكتي أنت ماتعرفيش الحاجات ديه … ماتعرفيش غير تمن الصوف والحرير والجزم
المودة … خليكي انت عند باتا وشيكوريل.
رئيفة
:
هو ربنا قال إني ما ألبسش كويس؟
الأم
:
يا حسرة عليَّ … لا جزمة ولا بالطو زي الستات ولا شراب في رجلي والشتا داخل
عليَّ، وبقى لي تلات سنين أطلب شال من أبوك ويقول لي شال جنسه إيه؟ اكتبي لي
قايمة بطلباتك … اشمعنى زمان كان يعرف … والله لأنا كاتبة له قايمة … ويبقى
عملت اللي عليَّ.
لطيفة
:
يا ماما القميص بتاعك مقطَّع.
الأم
:
الحمد لله! أنا مبسوطة، ربنا عاوز تقطيع الهدوم ده لأنه هو اللي عاوز كده، وهو
اللي مخليني أقول كده، وهو اللي مخليني راضية بكده.
أحلام
(من تحت البطانية)
:
حرام الكلام ده … دا كفر … ربنا ما قالش تستني بالهدوم المقطعة … بابا ديك
النهار خلاني أخيط لك القميص، وانت اللي قلت مش عاوزة.
الأم
:
بتعيِّريني! … ياما خيَّطت لك وخيطت لإخواتك.
لطيفة
:
تستاهلي يا ماما إنك إديتي لإخواتي الشنطة بتاعة التيل والحرير والفوال …
اللي إشي أحمر واللي إشي أخضر وبني … ولا عرفتيش تخلي لنفسك حاجة.
رئيفة
:
وكمان ادَّوروا على شنطة بابا ونهبوا البفتة والتيل الأبيض … وكان ناقص ياخدوا
البنطلونات والياقات والفانلات (يُسمَع صوت تصفيق من
أعلا).
الصوت
:
فين الفطور يا ست … الساعة تسعة ونص … هي بتاعة الفول النابت ماجاتش؟
الأم
:
يا بهية … هو الفول اتسلق؟
بهية
:
ولا انحط على النار.
الأم
(تخبط على صدرها)
:
يوه … يا ندامة … ليه … وبابا حيفطر إيه؟
بهية
:
البابور اتخرب.
الأم
:
خرَّبتيه؟
بهية
:
لا … عاوز له البلف.
الأم
:
الفونية؟
بهية
:
البلف بقول لك … حاجة تمنها زي أربعين قرش.
الأم
:
أهو بقى يفطر لبن زبادي وفول سوداني … لما يبقى يصلَّح حاجة بيته يبقى يأكل …
أنا تعبت تلاتين سنة في البوابير الخربانة والبلاليع المسدودة … اللي يفطر يفطر
واللي ما يفطرش ما يفطرش!
المنظر الثالث
(ينزل الأب من الطابق العلوي وكان قد سمع ما قالته الأم.)
الأب
:
بتقولي تعبت تلاتين سنة خدمة؟
الأم
(بانفعال)
:
أنا مجنونة اللي بخدم واحد زيك … أنا خدمتي بملايين الجنيهات … إنت خلاص موش
عاوز تديني ريال أتصحح به … أنا عاوزة أجيب دوا … واحدة خدمت زي خدمتي تستاهل
مليون ريال … ولكن أنا الحق عليَّ اللي باخدمك وأخدم أولادك … خلاص مابقتش أطلب
منك حاجة … أنا مالي ومال أولادي تحاسبني على فلوسهم ومصروفهم … هو علشان تصرف
على بيتك تخلي صحتي مهملة؟
الأب
:
يا ست روقي دمك وقولي لنا إنت عاوزة إيه.
الأم
:
أنا معرفش … هو كلامي ده كله موش مفهوم … أنا عاوزة ريال … أنا مالي تشتري
حمام وبيض لأولادك أهم بياكلوا قناطير وأنا لسه على ريق النوم … أنا ظهري وجعني
بعيد عنك … أنا رايحة أرتاح محدش له عندي كلام … أنا مش إنسان … إنت عايز حاجة
مني؟
الأب
:
لأ … اتفضلي روحي ارتاحي (يُسمَع صوت جرس التليفون
والأم ترد).
الأم
:
مين حضرتك؟ … مين؟ نمرة غلط … نعم … عاوزة مين؟ غلطانة.
الأب
:
يعني يا ست موش عاوزنا.
الأم
:
دا بيقول نمرة غلطانة … قطيعة.
(ستار)
١
قال لطفي جمعة في مذكراته المخطوطة في يوم ١٤ / ١٢ / ١٩٤٥: «قضيت اليوم من صباحه
الباكر مع أولادي رابح وأنوار ورفيعة في حلوان وقد دعوت مطيعة فاعتذرت وزرنا بستان
الحياة وجلسنا في الشمس وصعدنا وهبطنا في الجبال وجلسنا على هضبة عالية بجوار
المرصد، وأكلنا أكلًا بسيطًا وضحكنا كثيرًا واشتركنا في تأليف قصة مضحكة عن حياة
المنزل «الأم المتعبة» وعدنا في الغروب وكانت الشمس مشرقة طول اليوم فنحمد الله
ونشكر فضله.» وهذا كل ما كتبه لطفي جمعة عن هذه المسرحية.