المسرح النثري
من الملاحَظ أن رواد المسرح العربي منذ مارون النقاش فالقباني فخليل اليازجي، قد كانوا يكتبون مسرحياتهم شعرًا أو زجلًا على نحو ما كانت تُكتب المسرحيات عند قدماء اليونان والرومان، ثم عند الكلاسيكيين الفرنسيين، وذلك فضلًا عن الفكرة التي كانت سائدةً عندئذٍ في العالم العربي من اعتبار الشعر المظهر الأساسي إن لم يكن الوحيد للأدب، وذلك بينما كان النثر قد أخذ يطغى على لغة المسرح في بلاد العالم المختلفة، ولم يكن بدٌّ من أن يمتد هذا الطغيان إلى أدبنا العربي، وبخاصةٍ بعد أن أخذت تظهر فيه القصة والأقصوصة النثريتين، حتى لنرى الشاعر أحمد شوقي نفسه يكتب إحدى مسرحياته وهي «أميرة الأندلس» نثرًا، بالرغم من أن موضوعها تاريخي كموضوعات مسرحياته الشعرية الأخرى، بل وبالرغم من أن أحد أبطال هذه المسرحية — وهو المعتمد بن عباد — قد كان شاعرًا، وقد ضمن شوقي فعلًا مسرحيته بعض أبيات هذا الشاعر الأندلسي الرقيق، الذي كان يجمع بين الشعر وحكم الدولة.
ومنذ سنة ١٩٢٠م أخذت المسرحيات النثرية تكثر، وأخذت تطغى على المسرحيات الشعرية، وإذا كنا — في العصر الحاضر — لا نزال نرى بعض الشعراء مثل عزيز أباظة يواصلون كتابة المسرحيات الشعرية، فإننا نرى إلى جوارهم عددًا كبيرًا من الشيوخ والشبان الذين أنتجوا عشرات — إن لم نَقُلْ مئات المسرحيات النثرية، وربما كان توفيق الحكيم ومحمود تيمور أكثرَ أدبائنا إنتاجًا لتلك المسرحيات وأوسعَهم شهرة، كما أنهما أحرص أدبائنا على نشر إنتاجهما الأدبي وإعادة طبعه باستمرار، والسهر عليه وعلى ترجمة بعضه إلى اللغات الأجنبية، وهما أديبان يجمعان بين فن القصة وفن المسرحية حتى لتختلط أحيانًا بعض معالم الفنين عندهما في العمل الأدبي الواحد.
وإذا كانت هناك بعض المسرحيات النثرية السابقة على توفيق الحكيم ومحمود تيمور تستحق النظر فيها كأعمال أدبية مثل مسرحية «السلطان صلاح الدين ومملكة أورشليم» لفرح أنطون ومسرحية «أبطال المنصورة» لإبراهيم رمزي وغيرهما، فإننا نترك كل ذلك للكتابين اللذين نعدهما لهذه المجموعة عن فنَّيِ «المأساة» و«الملهاة» لنأخذ الآن في الحديث عن زعيمَيِ المسرح النثري في بلادنا وهما توفيق الحكيم ومحمود تيمور، وذلك قبل أن نفرغ من هذا الكتاب العام، الذي نعتبره مقدمة للكتابين الآخرين اللذين أشرنا إليهما.