اهتمام الدولة بالمسرح
ولمَّا ساءت حالة التمثيل، وانحلت جميع الفِرقِ، اهتمت الحكومة بتأسيس فرقة قومية، فشكَّلت في سنة ١٩٣٠م لجنة للنظر في وجوه ترقية التمثيل، واقترحت اللجنة تكوين فرقة قوميةٍ من أحسن العناصر، على أن تضمن الحكومة بقاءها، كما اقترحت إنشاء معهد للتمثيل، وإرسال البعوث إلى الخارج، وتشجيع المؤلِّفين والمترجمين، ونشرت الأهرام في ٧ سبتمبر سنة ١٩٣٠م خبرًا تقول فيه: «عزمت وزارة المعارف على فتح معهد التمثيل، وقد أنشئ المعهد لتدعيم أساس المسرح المصري، ونشر ثقافة فن التمثيل، بإعداد ممثلات وممثلين يشتغلون في الفرقة التي تُكوِّنها الحكومة.»
وفي سنة ١٩٣٥م اهتمت الحكومة مرة أخرى بالتمثيل العربي، وأقنع نجيب الهلالي وزير المعارف عندئذٍ مجلسَ الوزارة بوجوب اعتمادِ مبلغ ١٥ ألف جنيه سنويًّا؛ لإنشاء فرقةٍ قومية، وكانَت اللجنة التي اقترحَت ذلك مكوَّنةً من حافظ عفيفي والشيخ مصطفى عبد الرازق وطه حسين ومحمد العشماوي وخليل ثابت، فوافق مجلس الوزراء، وكُلِّفَ الشاعر خليل مطران بإنشاء الفرقة القومية وإدارتها، وطلب خليل مطران إلى المسيو إميل فابر مدير الكوميدي فرانسيز القدوم إلى مصر، ودراسة حالة التمثيل، فلبَّى المسيو فابر الدعوة، واتصل بجميع الأوساط الفنية والكُتَّاب المسرحيين، واقترح استعمال اللغة العامية، والإكثار من البعوث إلى الخارج.
وقامت الفرقة القومية بواجبها، غير أنها لم تفلح في إثارة تحمس الجمهور الذي أخذت السينما تستحوذ على لبِّه وتصرفه عن المسرح.
ولم يطل العمر بمعهد التمثيل؛ حيث أغلقه وزير المعارف حلمي عيسى بدعوى مخالفته للتقاليد، وظل مغلقًا حتى سنة ١٩٤٤م؛ إذ أنشئ بالقاهرة معهد جديد لفن التمثيل العربي، كان يديره الأستاذ زكي طليمات، ويضم قِسمينِ أحدهما لدراسة التمثيل والآخر للنقد والبحوث الفنية، ولا يزال هذا المعهد قائمًا حتى الآن، وقد تخرَّج فيه عددٌ كبير من الممثلين والنقاد والمشتغلين بشئون المسرح والسينما والإذاعة.
وأمَّا الفرقة القومية فقد أخذت تتعثَّرُ، كما أخذت تذهب سدًى المجهوداتُ التي بذلتْها الدولة في إنجاحها، وألَّف الأستاذ زكي طليمات إلى جوارها فرقةً جديدةً من خريجي معهد التمثيل سماها: «فرقة المسرح الحديث» وغيَّرت الفرقة القومية من اسمها وخُطَّتِها فأصبحت «الفرقة المصرية للتمثيل والموسيقى»، قدمت بعض المسرحيات الغنائية لسيد درويش وبعض المعاصرين، ثم عادت فاقتصرت على التمثيل دون الغناء والموسيقى، وسمَّت نفسها الفرقة المصرية، وأخيرًا انضمَّت إلى فرقة المسرح الحديث باسم «الفرقة المصرية الحديثة» بإشراف وإدارة الأستاذ يوسف وهبي، وإن يكن هناك اتجاه جديد لفصل الفرقتين إحداهما عن الأخرى؛ حيث ظهرت صعوبات كبيرة في أن يعمل شيوخ التمثيل مع شبابه في فرقة واحدة منسجمة، وأخيرًا أنشئت الفرقة القومية الموحدة.
وقد ازدادت عِنايةُ الدولة بفن التمثيل، وحاولت أن تصلَ به إلى طبقات الشعب المختلفة، وبخاصة في الريف المصري، فأنشأت وزارة الشئون الاجتماعية «المسرح الشعبي» من عدَّة شُعَبٍ تجوب في البلاد لتعرض تمثيليات ذات صبغة اجتماعية، كما تعمل وزارة الإرشاد القومي بعد الثورة على تشجيع فن التمثيل ونشرِه بين طبقات الشعب المختلفة.
وأمَّا في الميدان الحرِّ، فقد تألَّفت من خريجي معهد التمثيل أيضًا فرقةُ «المسرح الحر»، التي صادفت بعضَ النجاح، كما أن فرقة الريحاني لا تزال تعمل بعد وفاة نجيب الريحاني.
ولو أننا أضفنا إلى كل هذا المحاولات التي تُبذلُ لتأليف وتمثيل بعض المسرحيات في المدارس والجامعات، ثم نشاط بعض الفرق الأجنبية التي تستقدمُها الدولة أو تسهل لها سُبلَ القدوم لتمثل في القاهرة والإسكندرية خلال فصل الشتاء، لاجتمعت لدَيْنا صورة مجملة للنشاط المسرحي في مصر في الوقت الحاضر.