في مشهوري رجال دولته
عبد الله بن العباس، طلحة، الزبير، السيدة عائشة، أبو موسى الأشعري، جرير بن عبد الله البجلي، أبو مسلم الخولاني، الأشعث بن قيس، بسر بن أرطاة، عبد الله بن سبأ.
(١) عبد الله بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي الهاشمي (٣ق.ﻫ–٦٨ﻫ)
هو الملقَّب حَبر الأمة، وبحر الأمة، لسعة علمه وفضله، وُلد قبل الهجرة بثلاث سنين، وكان له ثلاث عشرة سنة يوم مات رسول الله ﷺ، وقد دعا له رسول الله وقال: «اللهم علِّمه الحكمة وتأويل القرآن، وفقِّهه في الدين.» وكان عمر بن الخطاب يحبه ويُدنيه منه، ويشاوره مع جلة الصحابة، وكان يقول عنه: ابن عباس أفتى الكهول، له لسان سئول، وقلب عقول. وكان عبد الله بن مسعود يقول: «نعم ترجمان القرآن ابن عباس، لو أدرك أسناننا ما عاش منا رجل.» وقال مجاهد: ما سمعت فتيا أحسن من فتيا ابن عباس إلا أن يقول قائل: قال رسول الله ﷺ. وقال طاووس: أدركت نحو خمسمائة من أصحاب النبي إذا ذكروا ابن عباس فخالفوه لم يقررهم حتى ينتهوا إلى قوله. وقال يزيد بن الأصم: خرج معاوية حاجًّا ومعه ابن عباس، فكان لمعاوية موكب، ولابن عباس موكب ممن يطلب العلم. وقال عمرو بن دينار: ما رأيت مجلسًا أجمع لكل خير من مجلس ابن عباس؛ الحلال والحرام، والعربية، والأنساب، وأحسبه قال: والشعر. وقال عبيد الله بن عبد الله: ما رأيت أحدًا كان أعلم بالسنة ولا أجل رأيًّا ولا أثقب نظرًا من ابن عباس، ولقد كان عمر يعده للمعضلات مع اجتهاد عمر ونظره للمسلمين.
وقد كان ذا سلطان وجاه، شهد مع الإمام يوم الجمل وصفين والنهروان، وقد اعتزل الأمور العامة في أواخر أيامه، وعَمِيَ، وكان يقول:
ويروي عبد الله بن صفوان بن أمية أنه مرَّ يومًا بدار عبد الله بن عباس، فرأى جماعات من طالبي العلم، ثم مرَّ بدار أخيه عبيد الله بن عباس، فرأى جماعات من طالبي الطعام والمال، فقال لعبد الله بن الزبير: أصبحت والله كما قال القائل:
قال: وما ذاك يا أعرج؟ قال: هذان ابنا عباس، أحدهما يُفقِّه الناس، والآخر يُطعِم الناس، فما أبقيا لك مكرمة، فدعا عبد الله بن مطيع وقال له: انطلق إلى ابني عباس فقل لهما: يقول لكما أمير المؤمنين اخرجا عني أنتما ومن أصغى إليكما من أهل العراق وإلا فعلتُ وفعلت، فقال عبد الله بن عباس لابن الزبير: والله ما يأتينا من الناس إلا رجلان: رجل يطلب فقهًا، ورجل يطلب فضلًا، فأيَّ هذين تمنع؟
(٢) طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب القرشي التيمي (٢٨ق.ﻫ–٣٦ﻫ)
هو صحابيٌّ جليلٌ شجاعٌ جوَّاد، من العشرة المبشرة بالجنة، ومن أصحاب الشورى الستة، ومن الثمانية السابقين إلى الإسلام.
وأمه هي: الصعبة بنت عبد الله بن عماد بن مالك الحضرمية، ويُكنَّى بأبي محمد، ويُلقَّب بالجوَّاد والفيَّاض لكرمه.
هو من أوائل من أسلم في مكة، بل هو معدود في الثمانية الأُوَل الذين صدقوا الرسول ﷺ، وقد آخى الرسول بينه وبين كعب بن مالك حين آخى بين المهاجرين والأنصار، وهو ممن لم يشهدوا بدرًا، وإنما بعثه الرسول إلى الشام يتحسس له الأخبار، ثم قدم من الشام بعد رجوع النبي ﷺ من بدر، وكلم الرسول في سهمه من هذه الغزاة فقال له الرسول: لك سهمك، قال: أجري يا رسول الله؟ قال: وأجرك، وأبلى يوم أُحد بلاءً عظيمًا ووقى رسول الله بنفسه، واتَّقى النبل عنه بيده حتى شُلَّت إصبعه، وضُرب الضربة في رأسه، وحمل الرسول على ظهره حتى استقلَّ على الصخرة، كما شهد يوم الحديبية والمشاهد كلها، وتُوفي رسول الله وهو عنه راضٍ، وكان يقول عنه: من أحب أن ينظر إلى شهيد يمشي على وجه الأرض فلينظر إلى طلحة. وقد شهد طلحة يوم الجمل مع عائشة ضد الإمام. يقول ابن عبد البر الأندلسي: زعم بعض أهل العلم أن عليًّا دعاه فذكره أشياء من سوابقه وفضله، فرجع طلحة عن قتاله على نحو ما صنع الزبير، واعتزل في بعض الصفوف، فرُمي بسهم، فقطع من رجله عرق النساء، فلم يزل دمه ينزف حتى مات، ويقال إن الذي رماه: مروان بن الحكم … وقد رُوي عن الإمام علي عليه السلام أنه قال: والله إني لأرجو أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزبير ممن قال الله تعالى فيهم: وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ.
(٣) الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد القرشي الأسدي (؟–٣٦ﻫ)
هو من كبار الصحابة، وأمه هي صفية بنت عبد المطلب بن هاشم عمة النبي ﷺ، وُلد هو والإمام علي وطلحة في سنة واحدة.
وأسلم وهو ابن خمس عشرة سنة، وقيل: بل ابن اثنتي عشرة سنة، ولم يتخلَّف عن غزوات النبي كلها، وآخى بينه وبين عبد الله بن مسعود حين آخى بين المهاجرين بمكة، فلما قدم المدينة وآخى بين المهاجرين والأنصار آخى بينه وبين سلمة بن سلامة، وهو أول من سلَّ سيفًا في سبيل الله، فدعا له النبي وقتئذٍ بخير، وكان الرسول ﷺ يحبه ويقول: هو ابن عمتي وحواريي من أمتي، وكان أبو بكر يحترمه ويجلُّه، وكان عمر يقول: ممن توفي رسول الله وهو راضٍ عنهم، وجعله في الستة أهل الشورى، وكان من تجار قريش المياسير المبارك لهم، روي عن الأوزاعي أنه قال: كان للزبير ألف مملوك يؤدون إليه الخراج، فما كان يُدخل بيته منها درهمًا واحدًا، يعني أنه كان يتصدَّق بذلك كله.
(٤) عائشة بنت أبي بكر الصديق عبد الله بن عثمان القرشية الصديقية (٩ق.ﻫ–٥٨ﻫ)
هي زوج رسول الله ﷺ، وأمها السيدة أم رومان بنت عامر بن عويمر بن عبد شمس الكنانية، ولدت في السنة التاسعة قبل الهجرة، وتزوجها الرسول بمكة قبل الهجرة بسنتين، وقيل بثلاث سنوات وهي ابنة ست أو سبع، وابتنى بها بالمدينة وهي ابنة تسع في السنة العاشرة من النبوة، وعرس بها في الشهر الثامن عشر من الهجرة، وتُوفي عنها رسول الله وهي ابنة ثماني عشرة سنة، وكان مكثها معه تسع سنين.
وكانت من أعلم نساء عصرها، علمها أبوها أخبار العرب وآدابهم، وثقَّفها بثقافة الجاهلية وآدابها وأشعارها وأنسابها، ولما تزوجها الرسول أفادت من علمه الجم، حتى صارت أفقه نساء عصرها، بل أفقه الناس وأعلمهم بالفقه والسنة والأدب، قال عبد الرحمن بن أبي الزناد نقلًا عن أبيه: ما رأيت أحدًا أروى لشعر من عروة، فقيل له: ما أرواك يا أبا عبد الله! قال: وما روايتي من رواية عائشة، ما كان ينزل بها شيء إلا أنشدَت فيه شعرًا. وقال الزهري: لو جُمع علم عائشة إلى علم جميع أزواج النبي ﷺ وعلم جميع النساء لكان علم عائشة أفضل، ولما رُميَت بالإفك وبرَّأها الله أمر النبيُّ بجلد من اتهمها بذلك.
(٥) أبو موسى الأشعري (٢١ق.ﻫ–٤٤ﻫ)
هو عبد الله بن قيس بن سليم الأشعري، وأمه امرأة من عك، كانت أسلمت وماتت بالمدينة، ولد عبد الله في زبيد باليمن، وقدم مكة عند ظهور النبي بدعوته فأسلم وحسُن إسلامه، ثم هاجر إلى الحبشة وقدم مع أهل السفينتين حين كان رسول الله بخيبر، وقيل إنه لم يهاجر إلى الحبشة.
(٦) جرير بن عبد الله البجلي (؟–٥٤ﻫ)
هو جرير بن عبد الله بن جابر بن مالك البجلي أبو عمرو، وكان بجيلة أسلم في العام الذي تُوفي فيه رسول الله ﷺ، وكان يقول: أسلمت قبل موت الرسول بأربعين يومًا، وما حجبني منذ أسلمت ولا رآني قط إلا ضحك وتبسم. وبعثه الرسول نائبًا عنه إلى ذي كلاع وذي رعين باليمن. وكان جميل الصورة جدًّا، حتى إن عمر بن الخطاب كان يُلقبه «يوسف هذه الأمة» لجمال صورته، وكان يجله ويوقره ويقول له: «ما زلت سيدًا في الجاهلية والإسلام.» وكان يبعثه إلى عماله يتفقد أحوالهم. وقد عاد مرة من عند سعد بن أبي وقاص فسأله عمر عنه كيف تركه؟ فقال: تركت سعدًا في ولايته أكرم الناس مقدرة وأحسنهم معذرة، وهو لهم كالأم البرة، يجمع لهم كما تجمع الذرة، مع أنه ميمون الأثر مرزوق الظفر، أشد الناس عند البأس، وأحب قريش إلى الناس. قال: فأخبرني عن حال الناس، قال: هم كسهام الجعبة منها القائم الرائش، ومنها العضل الطائش، وابن أبي وقَّاص يغمز عضلها، ويقيم ميلها، والله أعلم بالسرائر. قال: أخبرني عن إسلامهم، قال: يقيمون الصلاة لأوقاتها، ويؤتون الطاعة لولاتها. فقال عمر: الحمد لله إذا كانت الصلاة وأوتِيَت الزكاة، وإذا كانت الطاعة كانت الجماعة.
وقد أرسله الإمام عليه السلام إلى معاوية، فحبسه مدةً طويلة، ثم أرسله برسالة لم يكتب عليها شيئًا، كما أسلفنا تفصيله.
وكان من الحكماء النبهاء، وله كلماتٌ مشهورة، منها قوله: الخرس خير من الخلابة، والبكم خير من البذاء، وفيه يقول الشاعر:
(٧) أبو مسلم الخولاني
هو عبد الله بن ثُوَب أبو مسلم الخولاني (؟–٦٢ﻫ).
وهو من التابعين، وقيل بل له صحبة، وقد غلبت كنيته، وقد قدم على المدينة والنبي متوفي يوم استخلاف أبي بكر الصديق، وهو في الغالب معدود من كبار التابعين وأجلتهم، كان عابدًا زاهدًا ورعًا مشهورًا بصلابته في الدين، سكن الشام وعُدَّ في تابعي أهل الشام ومعلميهم وشيوخهم ووعَّاظهم، وله نوادرُ طريفة وكرامات ذكر بعضها ابن عبد البر الأندلسي في الاستيعاب، والذهبي في تاريخ الإسلام.