الفصل الثاني
(في البستان الذي ظهر في الفصل الأول ذاته، وتظهر
جدران البستان والعساكر الإنكليزية واقفة حول الجدران للحرس على مسافةٍ
جزئية بعضهم من بعض، وفي وسط البستان مائدة وعليها أواني الأكل
والمشروب والزهور وغيره مما يناسب الوليمة، والجميع جالسون حول المائدة
إلا العساكر وسنكرام الذي يكون واقِفًا على ناحية لأجل الخدمة.)
الجزء الأول
(ألفريد – إميل – ماريا – لويزا (بزينة عرس) –
شارل – سسل – سنكرام – عسكر)
الجميع
:
دارت بنا الأفراح فالبشرى لنا
واجلوا كئوس الراح طفحى
بالهنا
هذا هو اليوم السعيد لقد دنا
بالسعد والإقبال يجمع
شملنا
فاستقبلوه واغنموا نيل المنى
واجلوا كئوس الراح طفحى
بالهنا
دارت بنا الأفراح فالبشرى لنا
واجلوا كئوس الراح طفحى
بالهنا
يا ما أحيلاها أويقات الصفا
والدهر أشرق وجهه ولنا
صفا
ووفى وحاشانا العناد وأنصفا
فاجلوا كئوس الراح طفحى بالهنا
١
إميل
:
ونشرب جميعنا بسر العروس والعريس.
(يشربون وتشتغل الموسيقى لحنًا ما.)
سنكرام
(لنفسه)
:
اشربوا، اشربوا وأنا أخدمكم، ولكن قد أتت الساعة التي
بها أنتم تخدمونني، فلم يعد لكم خلاص من يدي، فآخذ بثأري
وأخلص بلادي وقومي وأحصل على فاتنتي لويزا، ورفاقي لا بدَّ
أن يكونوا مستعدين، فافرحوا وانشرحوا.
إميل
:
أغالط ذاتي، إنما الخوف أخذ مني كل مأخذ، فقد شغل فكري
كلام ذاك الفقير لا سيما بعد ورود ذاك الأمر لسر
شارل.
شارل
:
لا لا، لا تشغل بالك، وإذا — لا سمح الله — حدث شيء،
فعندنا العساكر الذين رتَّبناهم حول جدران البستان يدافعون
عنَّا.
سنكرام
:
آه، ما بال أفكاري قلقة ونفسي مضطربة، مع أني من أبسل
الرجال في القتل، وقد تعودت خوض المعارك وشرب الدماء، ولم
يُبْقِ حبُّ الانتقام في قلبي محلًّا لحساسياتٍ أخرى، بل
قد شُغل بحبِّ الانتقام وحبِّ لويزا فتجاذباه، لكنهما قد
اتحدا، وهذا ما يسرُّني.
إميل
:
لم يزل فكري غير مطمئن، فلو كُنَّا نذهب إلى دلهي
…
شارل
:
لم يزل معنا وقتٌ إلى نصف الليل، وإذا شئت نذهب
حينئذٍ.
سنكرام
(لنفسه)
:
آه يا لها ساعة مهولة، ترتعد لذكرها الفرائصُ! وإني
أتصورها والدم جارٍ والنار مضرمة والنساء باكياتٌ منشورات
الشعور. يا لها ساعة مخيفة! انهض يا أبي، انهض من القبر،
فقد أتت ساعة إدراك الثأر. إني أتصورك نصبَ عيني مُزدانًا
بحُلَّتك الملوكية ملطَّخًا بالدم تطالبني بأخذ ثأرك ممن
قتلوك وحرموني الملك من بعدك. قم من بين الأموات الآن
والْبَثْ متفرِّجًا على ما يجريه ابنك سنكرام لإدراك ثأرك.
كفاك تعنفني على تهاوني، فلم يكن حان الحين بعدُ، هلمَّ
الآن وانظر الأهوال، فقسمًا بقبة مجد الإله فيشنو لأضرمنَّ
النار في البيوت وأرمِّلنَّ النساءَ وأيتمنَّ الأولاد،
ولأجعلنَّ من العدى ذبيحة أقدِّمها للآلهة قربانًا. ظننتم
يا أهل الغرب أن أولاد الهند قد خمدت نيرانُ حماستهم؟ لا،
فأنتم في ضلال، فإن نارهم مشبوبة وعظام أجدادهم في ألحادها
تطلب الانتقام صارخة؛ الانتقام الانتقام. (من داخل تقرع الساعة) هذا
هو الوقت المعين، فلنذهب.
الجزء الثاني
(إميل – شارل – ماريا – لويزا – سسل –
ألفريد)
شارل
:
إن السرور الذي حصلتُ عليه هذه الليلة لا أقدر أن أشرحه،
وهل يمكن أن يحصل الإنسان على سعادة أكثر من التي حصلتُ
عليها، فاسمحوا لي إذن أن نشرب بسرِّ إلفتنا هذه (الموسيقى تشتغل هنا
قليلًا).
الجميع
:
هذا بسرِّ ودادِنا
فيه انشراح فؤادنا
فُزْنا بنَيل مرادنا
وقضى الزمان بما نريد
يا من رأى شمس الجمال
زفَّت إلى بَدْر الكمال
هذا اقترانٌ فيه زال
عنَّا العنا وأتى بعيدْ
دارت بنا كأس الطلا
والسعد فينا هلَّلا
فلنا سرور أكملا
يا حُسْنه يومًا سعيد
الجزء الثالث
(إميل – شارل – ماريا – لويزا – سسل – ألفريد –
دونا – عسكر إنكليزي)
دونا
:
سيدي داركوا الأمر في الحال قبل فوات الفرصة، فإن سنكرام
دخل الآن وترك ثياب الخدمة وتردى بثيابٍ حربيةٍ فاخرة،
وتقلَّد السلاح الكامل وخرج، فالتقاه قوم من الهنود
قائلين: الانتقام الانتقام. وسمعته يتكلم معهم عنكم
ويتوعدكم.
الجميع
:
يا للخيبة! (يُسمع عن بُعد
ضجةٌ عظيمة وإطلاق نار.)
الجميع
:
يا لله!
شارل
:
لا تخافوا، لا تخافوا. (للعسكر) تحضَّروا أيها الأبطال، واحفظوا
مراكزكم.
لويزا وسسل
(بكل خوف)
:
شارل …
ألفريد
:
بابا.
شارل
:
لا تخافوا، لا ترتعبوا، إن الله معنا. أدخل يا سيدي
النسا الدار، وحصِّنوها جيدًا، ونحن نبقى هنا. (يزيد الصياح في
الخارج.)
لويزا
:
شارل … (باكية.)
شارل
:
بالله لا تُضعفي عزمي يا لويزا، وادخلي الدار ودعيني هنا
أحامي عنكم حتى أموت.
لويزا
:
كيف أدعك وحدك وأدخل، وهل تترك المرأة زوجها؟! فأنا لا
أفارقك أبدًا، فقد صِرتَ زوجي بعهد الله، فإما أن نحيا
معًا أو نموت معًا.
شارل
:
لا يا لويزا، وما الفائدة من وجودك معي هنا؟
ادخلي!
لويزا
:
نعم إني بنتٌ ضعيفة، ولا أقدر على إسعافكم بشيء، ولكن
أقدر أن أموت معك وأتمم واجباتي.
شارل
:
لا يا حياتي، ادخلي ولا تزيديني ارتباكًا، فقط اسمحي لي
قبل دخولك أن أقبِّلك قبلة الوداع، ثم ادخلي وصلي. (يُقبِّلها وتُقبِّله، فيغشى عليها
متكئة على عنق شارل. يزيد الصياح من
الخارج.)
شارل
:
خذ يا سيدي الجميع إلى الداخل وارجع بالحال لنستعد، فإني
أسمع الصياح يزداد ويدنو منَّا. (إميل يأخذ لويزا وألفريد، ويدخل.)
شارل
:
على سلاحكم أيها الأبطال، استعدوا!
لويزا
(وهي داخلة)
:
شارل.
شارل
:
آه، أحلالٌ ما ألتقي من زماني
أيها الغادر الخئون كفاني
شارل
(لسسل)
:
ودِّعيني شقيقتي ودِّعيني
وادخلي معها فزماني رماني
سسل
(باكية)
:
يا شقيقي … (يتعانقان.)
شارل
:
… سيري ولا تجعليني
في ارتباك فقد كفى ما
أُعاني
سسل
:
كيف أمضي وأنت …
شارل
:
… لله سيري
لا تخافي فما أنا بجبان
(إلى ماريا): وادخلي
معها يا سيدتي وأعطيني يدَكِ أُقبِّلها، وصلي لأجلي ولا
تخافي واتَّكلي على الله؛ فهو خير نصير. (إميل يرجع ومعه سلاح له
ولشارل.)
الجزء الرابع
(إميل – شارل – عسكر إنكليزي)
(يُسمع طلق نار من بُعد.)
شارل
:
على سلاحكم أيها الأبطال، مراكزكم، وقاتلوا قتال من
يفضِّل الموت على الحياة، وأظهروا الآن ما عندكم من
البسالة التي طالما اشتهرتم بها. (يقرب صوت طلق النار) ولنمُت جميعًا حُبًّا
بإنكلترا وطننا المحبوب، ولنهتف جميعًا سوية: الموت ولا
العار. (الجميع
يهتفون.)
(ملتفِتًا) ما هذه
النار الهائلة؟
إميل
(ملتفِتًا)
:
خزاهم الله، قد أضرموا النار في مخازن الحبوب.
آه!
شارل
:
يا لها من حريقةٍ مهولة! يا لهم من أشرار! (يزداد طلق النار
ويقرب.)
انتبهوا أيها الأبطال ولا تدعوا هؤلاء الأنذال يسطون
علينا وينزلون عن الجدران، وحافظوا على مراكزكم وأطلقوا
عليهم النار. انتبهوا، ها هم قد اقتربوا … النار … أطلقوا
النار … الرصاص. (العساكر تطلق
النار) من هنا … من هناك … (نار من خارج ومن داخل)
دافعوا … دافعوا من هنا … من هناك … تجمعوا … آه كله بطال
… اجتهدوا داركوهم … دافعوا من هنا من هنا … الشمال الشمال
… آه … (هنا تسطو الهنود على
الإنكليز وينزلون على الجدران إلى الجنينة ومقدامهم
سنكرام سنك بملابسَ ملوكيةٍ حربية.)
الجزء الخامس
(إميل – شارل – عسكر إنكليزي – سنكرام – جوق
هندي)
سنكرام
:
بادروا يا رجالي، قد حان حينُ الانتقام، اتبعوا ابن
ملككم الأمير سنكرام سنك.
شارل
:
إن كنت حقيقة ابن الملك، فبادر بالحال للقتال، وإلا فما
أنت إلا نذلٌ مهان.
سنكرام
:
لبيك لبيك، إليك من يذيقك بحد سيفه الموت الأحمر (يتضاربان).
شارل
:
كذبت يا جبان، فمن أنت بين الأبطال؟
سنكرام
:
أنا الأمير سنكرام سنك، أنا ابن ملك الهند الذي قتلتموه
وحرمتموني الملك. حنانيك قد آن أوان أخذ الثأر. أما
تتذكرني يوم خدمتك على المائدة إذ تممت عهد اقترانك
بلويزا؟ فاستعدَّ الآن فإني سأقرن بين حدِّ حُسامي وعنقك.
(تتكاثر الهنود على سر شارل
وإميل فيُغلبون ويسقطون كأنهم ماتوا، وسر شارل يصرخ إذ
يقع قائلًا.)
شارل
:
آه يا لويزا قُتلت، فتذكريني، آه! سنلتقي في
الآخرة.
إميل
:
آه يا ماريا ويا أولادي، تُرى من يخلِّصكم.
سنكرام
:
قيِّدوا من بقيَ من العساكر، وأنا سأجتهد لأن أدخل البيت
فأختطف لويزا ومن معها من النساء، ثمَّ نضرم النار
ونرجع.
الجزء السادس
(في صالون بيت إميل – لويزا (راكعة مبتهلة) –
ألفريد (نائم على المقعد).)
لويزا
:
يا مبدع الكائنات، انظر إلينا بعين رحمتك، يا ينبوع
الرحمات، أنقذنا من هذا المصاب، لا تسلط علينا أعداءنا
الظالمين. احرسنا بعنايتك، واحفظ أبي وشارل بجنودك
السماوية، انصرهم على عداهم، فأنت ذو القدرة والعظمة، ارحم
فؤادي الكسير يا عون الضعيف.
الجزء السابع
(لويزا – ألفريد – سنكرام)
سنكرام
(وهو داخل كأنه يخاطب عساكره)
:
قيِّدوا الكل وانهبوا البيت، وأنا أفتش على فاتنتي
لويزا. (ويتقدم
ناحيتها.)
لويزا
:
آه آه. (تصرخ بأعلى صوتها،
ثمَّ تقع مغشيًّا عليها.)
سنكرام
:
لويزا، أنت حياتي، لو تعلمين كم قاسيتُ لأجلك من
الأهوال، وكم خدمتُكِ من الزمان، فقد آن أن تخدميني في
دورك، آه فلنأخذها ما زالت مغشيًّا عليها. (يتقدم ليحملها.)
الجزء الثامن
(لويزا – ألفريد – سنكرام – ألبرت –
نوتيان)
ألبرت
(وهو داخل)
:
ما هذه الأحوال؟ أين يا تُرى أجد لويزا وكيف؟ …
سنكرام
(يترك لويزا)
:
ويلك من أنت يا قرنان؟ ها هي.
ألبرت
:
دونكما هذا المُهان لأرى ماذا أصابها. (يهجم النوتيان على سنكرام فيتقدم
ألبرت إلى ناحية لويزا فتستفيق.)
لويزا
(صارخة)
:
ألبرت! (وتفتح ذراعَيها كأنها
تريد أن ترمي بروحها إليه، ثمَّ ترجع) آه، لا
لا، ابعد، ابعد عني، فقد عاهدت شارل بالزواج، اذهب.
(وتقع مغشيًّا عليها،
فيسندها ألبرت ويلبث متحيِّرًا.)
سنكرام
:
آه يا كلاب، لو عرَّفتموني من هو الذي أمركم بمقاتلتي،
ولكنه جبان، ولولا ذلك لنازلني بذاته. (ألبرت يغضب فيترك
لويزا.)
ألبرت
:
كذبتَ يا ذليل يا ذميم … فأنت الجبان المهان … لبيك يا
غدار، أنا ألبرت سيد الأبطال، فدونك والقتال. (يتضاربان)
الجزء التاسع
(يدخل بعض الهنود فيلتقون بالنوتيين فيقع بين
الجميع معركة هائلة، وألبرت مع سنكرام.)
سنكرام
:
أين تغدو أيها الطفل فهل
يقصد الموتَ سوى من سئما
سترى مني شجاعًا باسِلًا
لو تبدَّى لك في الحلم
لما
وحُسامي كلما سقَّيته
من دم الأبطال يزداد
ظَمَا
وكذا النار إذا زِدتَ لها
حطبًا زادت لهيبًا كلَّما
الجزء العاشر
(يدخل الفقير متلصِّصًا.)
الفقير
:
يا رب أعنِّي على تخليصهم. (يدنو من لويزا وألفريد.)
ألبرت
:
غرتك نفسك فيما قلت مدَّعيًا
فسوف تلقى همامًا عالي
الهممِ
هيهات أنِّي أخشى منك نازلة
عار عليَّ إذا استسمنتُ ذا
ورم
فقير
:
لويزا لويزا، اتبعيني فأخلِّصك.
لويزا
:
كيف أتبعك؟ ومن أين الخلاص؟
فقير
:
لا تخافي قومي، اتبعيني فقد حللتُ أمَّك وسسل من
قيودهما، فقومي اتبعيني لنلحق بهما وأنا أحمل ألفريد. ما
زال القوم مشتغلين عنَّا، وقد وجدت طريقًا خفية نهرب منها
ولا يدري بأمرنا أحد.
لويزا
:
وأبي؟
فقير
:
إذا وجدته أخلصه، لا تفتكري.
لويزا
:
وشارل؟
فقير
:
وشارل أيضًا. سيري.
لويزا
:
وألبرت؟
فقير
:
لله امضي قبل أن يدروا بنا فيقتلونا. (يحمل ألفريد ويأخذ لويزا
بيدها.)
الجزء الحادي عشر
(ألبرت – سنكرام – نوتيان – جوق هندي)
ألبرت
:
إذا ضل شخص الموت في ظلمة
الوغى
ولم يلتقي نحو النفوس
سبيلًا
فسيفي ذو نور يضيء فيهتدي
بأنواره حتى ينال وصولًا
سنكرام
(يلتفت فلا يرى لويزا)
:
آه، لويزا، أين هي؟ أين ذهبت؟ (يخرج وهو يتضارب كأنه يريد أن يلحق
بلويزا.) والله لأطالنها لو طارت إلى القمر.
(ألبرت يتبعه وتتبعهما
الهنود.)
ألبرت
:
كذبت، فلا تصل إليها ولو طلت القمر يا ذميم،
مهلًا.
أبشروا بالفنا
فهْو منكم دنا
دونكم والهرب
أو تلاقوا العطب
نحن نحن الأسود
نحن نحن الأسود