مقدمة
ها نحن البشر نسكن فوق قطعةٍ صخرية كبيرة تسمى كوكبًا تدور حول مفاعل اندماج نووي يُسمى نجمًا، وهذا النجم ليس إلا واحدًا ضمن مجموعةٍ ضخمة من النجوم تُسمى المجرة، والمجرة بدورها جزء من مجموعات المجرات التي يتألف منها الكون. ومع أن الحياة على الأرض ليست حكرًا علينا بل يُشاركنا فيها عدد كبير من الكائنات الحية الأخرى على هذا الكوكب، فيبدو أننا وحدَنا الذين نمتلك القدرات العقلية التي تستطيع السعي والوصول إلى فهمٍ عامٍّ للكون ومكوناته. و«العلم» هو الاسم الذي نُطلقه على مجموع جهودنا ومساعينا لفهم طبيعة الكون. إن التوصُّل إلى هذا الفهم لم يكن بالأمر اليسير، كما أنه بعيد كل البُعد عن أن يوصف بالكمال. إلا أننا، على ما يبدو، نواصل إحراز التقدُّم.
الكتاب الذي بين يدي القارئ الآن هو الكتاب الثالث من ثُلاثية تتناول مسألة فهم الكون. ففي كتابنا الأول الذي حمل عنوان: «أهم خمس أفكار في العلوم»، ناقشنا الأفكار الأساسية التي يمنحها العلماء قدرًا كبيرًا من الثقة لوجود دليلٍ تجريبي على صِحَّتها. وفي كتابنا الثاني: «الطفرات العلمية الزائفة: عندما يُطْمَس العلم الحقيقي … ويسود العلم الزائف»، ناقشنا الأفكار التي لا يثِق بها العلماء إلا قليلًا أو تلك التي لا يثقون بها على الإطلاق لعدم وجود دليلٍ تجريبي يُثبت صحَّتها. أما في هذا الكتاب، فسنحاول إطلاعك على المشكلات الكبرى التي لم تُحَل بعد والتي لا يزال العلماء يعملون على التوصُّل إلى حلِّ لها. ومع أننا سنرى في هذا الكتاب الكثيرَ من الأدلة التجريبية فإنها ليست كافية؛ لأنه لا يُوجَد فرضية واحدة فيما يخصُّ هذه المشكلات يُمكنها أن تثبت صحَّتها كما ينبغي. سوف ننظر هنا إلى الأحداث والمعارف التي قادت إلى هذه المشكلات المُستعصية، ثم نعرض أحدث ما توصَّل إليه العلماء لحلِّها. وسيُدخِل سيدني هاريس، رسام الكاريكاتير العلمي الأول في أمريكا، جوًّا من البهجة على المناقشات بحسِّه الفكاهي المعروف به، مما يؤدي ليس فقط إلى توضيح الأفكار وإنما أيضًا إلى تسليط الضوء عليها من منظورٍ جديد.
جرى اختيار هذه المشكلات المُستعصية — مشكلة واحدة من كل فرعٍ من الفروع الكبرى للعلوم الطبيعية — بناءً على قوتها التفسيرية وصعوبتها ونطاقها وآثارها البعيدة المدى. وإضافة إلى مناقشة أكبر المشكلات المُستعصية، فقد أدرجنا قسمًا سمَّيناه «مجلدات المشكلات»، والذي يعرض نظرةً سريعة على مجموعة من المشكلات الأخرى في كلِّ مجالٍ من هذه المجالات. فقد تزداد أهمية أيٍّ من تلك المشكلات حين نعلم المزيد عنها. كذلك، أدرجنا قسمًا آخر بعنوان «مجلدات الأفكار» يحتوي على تفاصيل إضافية عن خلفيات بعض المشكلات المُستعصية. وأخيرًا، أضفنا قسمًا بعنوان «مصادر للتعمُّق»، أدرجنا فيه مصادر للمعلومات التي يمكن أن تُساعدك في معرفة المزيد عن الموضوعات التي ربما تجِدها أكثر جاذبيةً لك.
ونودُّ في هذا المقام أن نشكر كيت برادفورد — كبيرة المُحررين في دار نشر وايلي — التي كانت أوَّل من تخيلتِ الفكرة الرئيسية هنا، ونود أن نشكر أيضًا وكيلة أعمالنا لويز كيتز على تشجيعها الذي كان يأتي في وقته المناسب.
لقد أصبح العلم قوة مُهيمنة في ثقافتنا، على نحوٍ مُشابهٍ لفكرة الغوريلا التي تزن ثمانمائة رطل. إذ يستنفد البحث عن المعرفة العلمية قدرًا هائلًا من الوقت والجهد والمقدرة العقلية. وتستلزم التطبيقات التكنولوجية لتلك المعرفة بالمِثل مواردَ ضخمة مما يؤدي إلى ظهور صناعات عالمية عملاقة. والمشكلة في أمر الغوريلا ذات الثمانمائة رطل هي أن المرء يجب أن يُراقبها باحتراس. ونحن نتمنَّى أن يساعد هذا الكتاب في توضيح إلى أين يتجه العلم بحيث يمكننا جميعًا الاحتراس من هذه الغوريلا.