مجلدات الأفكار

لقد نوقشت الكثير من الأفكار المدرجة في هذا الكتاب باختصار، لأنها ترتبط بأكبر المشكلات المُستعصية في العلوم. إلا أن القراء قد يكون لديهم شغف لمعرفة المزيد من التفاصيل عن الأمور التي ذكرت بشكلٍ عابر. تُتيح لك مجلدات الأفكار أن تتوغل داخل الموضوعات بتعمق أكثر. ولقد رُتِّبَت هذه المجلدات حسب ترتيب ظهور الأفكار الواردة بها في فصول الكتاب، ويحتوي كل منها على مصادر، وذلك إذا كنت ترغب في معرفة المزيد من المعلومات. وهناك معلومات ومصادر أخرى أيضًا مدرجة في قسم «مصادر للتعمُّق» في نهاية الكتاب.

نتمنَّى أن تساعد هذه الأفكار في إشباع فضولك، أو حتى إثارته أكثر. وفي المستقبل، سيجري اكتشاف حلول لبعض هذه المشكلات وستنشأ مشكلات أكثر وأكثر.

(١) المادة المضادة

كل جُسيم تقريبًا له جُسيم مضاد مقابل له. بوجهٍ عام، يشترك الجسيم والجسيم المضاد في أن لهما الكتلة نفسها، ويحمل الجسيم شحنة كهربية مساوية لتلك التي يحملها الجسيم المضاد من حيث القوة، ولكن بإشارة مختلفة (شحنة سالبة أو شحنة موجبة). وكما نستطيع أن نلاحظ من شكل ١، لكل كوارك كوارك مضاد (كوارك علوي مضاد، كوارك ساحر مضاد، وهكذا)، وكل لبتون له لبتون مضاد (نيوترينو إلكتروني مضاد، نيوترينو ميوني مضاد، وهكذا)، وأيضًا نجد أن بوزونات اﻟ W+ واﻟ W هي جسيمات وجسيمات مضادة. فقط الفوتون والبوزون Z والجلوون (يوجَد ثمانية أشكال أو أنواع من الجلوونات) والجرافتون الافتراضي لا يُوجَد لها جُسيمات مضادة. إذ يُعتقَد أن كلًّا منها يُمثل جسيمًا وجسيمًا مضادًّا في آنٍ واحد.
fig71
شكل ١: الجسيمات الأساسية.
كما رأينا في الفصل الثاني نشأت فكرة المادة المضادة كتوقُّع نظري، ظهر عندما دمج عالم الفيزياء البريطاني بي إيه إم ديراك ميكانيكا الكم مع نظرية النسبية الخاصة عام ١٩٢٨. ونستطيع أن نفهم الموضوع من خلال مثالٍ رياضي مُماثل ولكنه أقلُّ تعقيدًا والذي يتمثل في المعادلة x2 = 9، والتي لها حلَّان هما: x = +3، وx = −3. وعادة عندما يُوجَد حلَّان لمعادلةٍ واحدة يُستبعد أحد هذَين الحلَّين على أساس كونه غير فيزيائي. ويبدو أن هذا هو ما قاد العلماء لاستبعاد أحد حلَّي معادلة ديراك، ذلك الحل الذي يسمح بوجود جُسيم مُماثل للإلكترون ولكنه يحمل شحنةً كهربية موجبة وليس شحنة سالبة. ولكن في خلال أربع سنوات استطاع عالم الفيزياء الأمريكي كارل دي أندرسون أن يُثبت تجريبيًّا وجود الإلكترون المضاد (البوزيترون) في تجارب تتبُّع مسارات الأشعة الكونية، لذا فالدليل دعَم التوقُّع. وفي عام ١٩٥٥ لوحظ البروتون المضاد في جامعة كاليفورنيا ببيركلي على يد كلٍّ من إميليو سيجري وأوين تشامبرلين، كما ظهر النيوترون المضاد بعد ذلك بعام.

يُشار إلى الحدث الذي نتج عنه تكوُّن الإلكترون والبوزيترون في غرفة أندرسون السحابية عام ١٩٣٢ بعملية إنتاج أو إنشاء الأزواج. يفقد فوتون الضوء من الأشعة الكونية كلَّ طاقته، وتتحوَّل هذه الطاقة بدورها إلى كتلةٍ وفقًا لمعادلة أينشتاين: الطاقة = الكتلة × مربع سرعة الضوء. وعندما يلتقي إلكترون مع بوزيترون تتحول كُتلتهما بالكامل إلى طاقة، وينطلق فوتونان من الضوء في اتجاهَين معاكسين. يُطلق على هذه العملية اسم الإفناء، وهي عملية تُحوَّل خلالها الكتلة إلى طاقة وفقًا لمعادلة أينشتاين.

نظريًّا، لا يُوجَد شيء يمنع البروتونات المضادة من الاتحاد مع النيوترونات المضادة لتكوين نوات مضادة، ويمكن حثُّ إلكترونات مضادة للانضمام إلى النوات المضادة هذه لتكوين ذرات مضادة. في الحقيقة أُنتج ٩ ذرات هيدروجين مضادة عام ١٩٥٥ في المعمل الأوروبي لفيزياء الجُسيمات على يد فريقٍ بقيادة عالم الفيزياء الألماني فالتر أوليرت. ربما تتساءل عما إذا كانت هذه الذرات المُضادة قد أحدثت أي إزعاج في هذا المعمل. ولكن ذلك لم يحدُث في الحقيقة. فقد أدى التفوق الساحق للمادة العادية إلى إفناء ذرات الهيدروجين المضادة التِّسع خلال ٤٠ جزءًا من المليار من الثانية.

يَستخدِم الخيال العلمي الكثير من المادة المضادة، خاصة كوقودٍ للمركبات الفضائية. وكانت أكبر صعوبة تواجه فكرة استخدام المادة المضادة كوقودٍ لهذه المركبات هي مشكلة الاحتواء/التلوث. وبينما يعكف بعض المبدعين من خبراء التكنولوجيا على تصميم الجيل التالي من سفن الفضاء الذي يعتمد على المادة المضادة، تلوح بشدة قضية السلامة والأمان، حيث إن جرامًا واحدًا من المادة/المادة المضادة الذي يخضع للإفناء قادر على توليد كمية طاقة مساوية لتلك الطاقة التي ولَّدتها القنبلتان الذريتان اللتان أُسقطتا على اليابان عام ١٩٤٥.

وعلى نطاق أوسع قد تتساءل إذا كان هناك في مكانٍ ما في مجرَّة بعيدة، أو حتى في مجرة درب التبانة، كميات كبيرة من المادة المضادة. إذا كانت طريقة اتصالنا الوحيدة بهذه المجرات هي فوتونات الضوء التي تنبعِث منها فإننا بهذه الطريقة قد ننخدع أو نُخطئ في تقديراتنا. إذ إن الفوتون يُمثل جسيمًا وجسيمًا مضادًّا في الوقت نفسه، وبالتالي لن نستطيع أن نكتشِف الفرق بين المجرات المكونة من المادة وتلك المكونة من المادة المضادة، إذ إن الاثنين يُطلقان فوتونات. هذا صحيح، لكن الأشعة الكونية التي تصل إلينا بشكلٍ ثابت لا تتكوَّن فقط من فوتونات، كما أنها لا تحتوي على أي مادة مضادة غير معروفة. هذا علاوة على أنه إذا كانت تحدث عملية إفناء لبروتون/بروتون مضاد على حافة إحدى المجرَّات المضادة فسوف ينبعث ضوء يتمتَّع بتردُّدٍ مُعين. حتى الآن لم يُكْشَف عن مثل هذا الضوء. ويبدو أن تقريبًا كل الكون يتكوَّن من مادة عادية.

على أن فكرة عدم وجود مادة مضادة تفرض علينا مشكلةً مختلفة تمامًا. فإذا سلَّمنا أن الكون الذي نعيش فيه به تماثُل، فلا بد وأنه قد تكوَّنت كميات متساوية من المادة والمادة المضادة أثناء الانفجار الكبير. وإذا كان الأمر كذلك فلا بد أن المادة والمادة المُضادَّة كانتا ستُفني إحداهما الأخرى بشكلٍ كامل، وما كنا لنُوجَد الآن لمناقشة هذه المشكلة. إذن أين ذهبت المادة المضادة؟ تفترض إحدى النظريات أن هناك كونًا مُضادًّا كاملًا قد تكوَّن، ويُوجَد هذا الكون في مكانٍ ما، ربما في أحد «الأغشية» الأخرى لنظرية إم (انظر الفصل الثاني).

وهناك اكتشاف تجريبي حديث يُفيد بأن هناك عدم تماثُل في معدلات تحلل بعض أشكال المادة والمادة المضادة. الميزونات، التي تتكوَّن من كواركين، هي جسيمات غير مستقرة وبالتالي لا نجدها في المادة العادية. وقد أُجريت دراسات مُستفيضة على أحد أنواع الميزونات وهو الميزون K. وفي عام ١٩٥٧، اكتشفت عالمة الفيزياء سي شي وو من جامعة كولومبيا اختلافًا في معدل تحلُّل كل من الميزون K والميزون K المضاد. فالأخير يتحلل أسرع قليلًا من الأول. وفي عام ٢٠٠١ أثبتت التجارب المعملية بجامعة ستانفورد وفي جامعة تسوكوبا باليابان أن هناك عدم تماثُل في تحلل الميزون B والميزون B المضاد، حيث إن الأخير يتحلَّل أسرع قليلًا. وسوف نستطيع في المُستقبل أن نُحدد بدقة أكثر قيمة عدم التماثل من خلال حصولنا على بيانات أكثر في تلك الدراسات الطويلة الأمد.

إذا كانت المادة المضادة تتحلَّل بوتيرةٍ أسرع قليلًا من المادة العادية فإن هذا الموقف سيكون مماثلًا تمامًا لوضع جيشين متحاربَين قوام أحدهما مليون وواحد جندي، وقوام الجيش الآخر مليون جندي فقط. فإذا استطاع كل جنديٍّ أن يقتل جنديًّا من الأعداء فسيتبقى جندي واحد فقط في آخر المعركة. وهذا هو الحال بالنسبة للمادة والمادة المُضادة، إذ إنهما تُفني إحداهما الأخرى، ولكن لما كانت هناك كمية أكبر قليلًا من المادة العادية عن المادة المضادة، فقد هيمنت المادة العادية. وإذا كان هذا التمثيل تمثيلًا دقيقًا فلا بد لنا أن نفكر أو نتخيل كمْ كان هناك من المادة قبل الإفناء الكبير.

تنبؤات النموذج القياسي تُشير إلى أن الاختلافات التي تكسر التماثُل في معدلات التحلل صغيرة جدًّا على أن تحدُث مثل هذه الوفرة من المادة الموجودة في الكون، ولكن هناك دائمًا احتمال ظهور رؤى جديدة من نظرية إم الناشئة.

للحصول على المزيد من المعلومات، انظر مقالة «استكشف: بحثًا عن مادة مضادة»، مجلة «ساينتفيك أمريكان»، العدد الصادر في ٢٠ أغسطس ٢٠٠١. الموقع الإلكتروني: http://physicsweb.org/article/news/5/3/1/1.

(٢) المسرعات

اسم على مُسمَّى؛ إذ إنها تُسرع حركة الجسيمات البطيئة. تتمتَّع الجُسيمات بطاقةٍ أعلى عند السرعات العالية، لذلك فقد تطورت فيزياء الطاقة العالية بالتزامن مع تطور مُسرعات الجسيمات. اتضحت أهمية الجسيمات ذات الطاقة العالية عندما اكتشف عالم الفيزياء الأمريكي كارل دي أندرسون الجُسيم المضاد للإلكترون، أي البوزيترون، في المسارات الموجودة في غرفةٍ سحابية بعد حدوث تصادُم عالي الطاقة يتضمَّن أشعة كونية. وبما أن الأشعة الكونية تظهر في جميع أشكال الطاقة ومن جميع الاتجاهات وفي أوقاتٍ تبدو عشوائية، كانت هناك حاجة إلى مصدر للجُسيمات العالية الطاقة يمكن الاعتماد عليه أكثر من أجل إجراء تجارب منهجية على الجسيمات الأساسية.

تأخذ المُسرعات الخطية الجسيمات المشحونة وتسرعها في مجال كهرومغناطيسي وذلك على طول مسار مُستقيم، وهذه الطريقة مشابهة للطريقة التي تُسرِّع بها الإلكترونات في أجهزة التليفزيون المزودة بقاذف إلكترونات (وليس إل سي دي). يجري إعداد هدف في نهاية مسار الجُسيم، وتُسجل المَجسَّات التي ترصد الآثار التي خلَّفها التصادم نتائج التصادم. وللوصول إلى مستويات أعلى وأعلى من الطاقة يجب أن تكون المسرعات الخطية أطول. يبلغ طول نفق مركز مُسرع ستانفورد الخطِّي ميلَين (٣٫٢ كيلومتر)، ويسرِّع الإلكترونات (أو البوزيترونات) باستخدام موجةٍ كهرومغناطيسية ثابتة، على نحوٍ مُشابهٍ لما يحدث في فرن المايكروويف. للمزيد من التفاصيل، انظر الموقع التالي: www.slac.stanford.edu/.
النوع الآخر من المُسرعات هو المسرعات الدائرية. وقد أطلق على أول مسرع دائري اسم السيكلوترون، واخترعه عالم الفيزياء الأمريكي إرنست أوه لورانس. وفي عام ١٩٢٨ اجتذبت جامعة كاليفورنيا في بيركلي لورانس الذي كان يبلُغ من العمر عندئذٍ ٢٧ عامًا من جامعة ييل حيث كانت تسعى لتأسيس قسم للفيزياء على المستوى القوي نفسه الذي يتمتع به قسم الكيمياء بها. وفي العام التالي كان لورانس، حفيد المهاجرين النرويجيين، بالمصادفة يتصفَّح جريدةً ألمانية مُتخصصة في الهندسة الكهربائية. ورأى رسومًا تخطيطية لجهازٍ اخترعه المهندس النرويجي رولف ويديرو يعمل على زيادة سرعة الشحنات حتى تصل إلى مستوياتٍ عالية من الطاقة عن طريق دفعها عبر مجال تسريع مرتين ثم تحويل اتجاه المجال لكي تتلقَّى الشحنات ضعف مقدار الطاقة. ولكن تردَّدَ لورانس في بداية الأمر نتيجة للصعوبات الهندسية الهائلة المُتضمَّنة. لكنه رفض أن يخسر السباق إلى الطاقات العالية، لذا ففي بداية عام ١٩٣٠ أسند مهمة تصميم الجهاز إلى طالبٍ حديث التخرج هو إم ستانلي ليفينجستون. وبحلول شهر يناير من عام ١٩٣١، توصل لورانس وليفينجستون إلى مُسرع دائري عامل يبلغ قطره ٤٫٥ بوصة، كان يسرع أيونات الهيدروجين إلى طاقةٍ تصل إلى ٨٠ ألف إلكترون فولت. (انظر شكل ٢.) حصل لورانس على جائزة نوبل عام ١٩٣٩ لاختراعه لذلك المُسرع الدائري. وبحلول عام ١٩٤٠ كان هناك ٢٢ مسرعًا دائريًّا في الولايات المتحدة إما تحت الإنشاء أو انْتُهِيَ منها بالفعل، كما كان هناك ١١ مسرعًا دائريًّا آخر غيرها في بلاد أخرى.
fig72
شكل ٢: إرنست أو لورانس ومعه نموذج للمسرع الدائري (عام ١٩٣٢ تقريبًا).

أدَّت الحرب العالمية الثانية إلى تعثر تطوير المُسرعات الدائرية لبعض الوقت. وعندما استؤنف العمل على تطويرها مرة أخرى أضيفت إليها خواص جديدة، وازدادت طاقتها زيادة كبيرة. وطُوِّرَ السنكرترون، الذي يتميز بمجالٍ مغناطيسي عُدِّل بحيث إنه في الوقت الذي تُسرع فيه الجسيمات تحتفظ مساراتها بنصف قطر ثابت. وهذا سمح بتقليل المساحة التي يجب الاحتفاظ بها بفراغ، مما سهل الاحتفاظ بأشعة قابلة للاستخدام.

بعد ذلك عُدِّلَ السنكرترون بشكلٍ يجعل الجُسيمات تتمكن من الاستمرار في الدوران، مع إضافة طاقة لتعويض الفقد الإشعاعي. وأطلق على ذلك اسم حلقة التخزين. وفي النهاية، جرى إنشاء حلقتي تخزين مُتجاورتَين، وكانت الجسيمات الآخذة في الدوران تنحرف عن مساراتها ويصطدم بعضها ببعض. وأدى هذا الترتيب المُتقاطع لحلقتَي التخزين إلى الوصول إلى الكثير من المعلومات المُهمة حول الجسيمات الأساسية. ويضم مُختبر فيرمي الوطني للمُسرعات (فيرميلاب) القريب من شيكاغو أكبر مسرعٍ في الولايات المتحدة. وقد بُنِي هذا المرفق عام ١٩٦٨ ويحتوي على مسرعٍ يُسمى التيفاترون وهو أكبر مُسرع جسيمات في العالم، حيث يمكن أن يصل إلى مستوى طاقة ٠٫٩٨٠ تريليون إلكترون فولت لكل حزمةٍ من حُزَم جسيماته، وهذه الحزم هي بروتونات تدور باتجاه حركة عقارب الساعة وبروتونات مضادة تدور باتجاه عكس اتجاه عقارب الساعة. ينتج عن تصادم البروتونات والبروتونات المضادة طاقة تقدر ﺑ ١٫٩٦ تريليون إلكترون فولت عند نقاط التفاعل.

للحصول على المزيد من المعلومات، انظر الموقع التالي: www.fnal.gov.
من المنظمات الكبرى المختصَّة بالأبحاث في الجُسيمات الأساسية المُنظمة الأوروبية للأبحاث النووية (سيرن). تقع هذه المنظمة على الحدود بين فرنسا وسويسرا وتملك ١٠ مُسرعات في موقعها. ويقوم بالأبحاث فيها علماء من ٨٠ جنسية ويُمثلون ٥٠٠ جامعة. للمزيد من المعلومات عنها تفضل بزيارة هذا الموقع: http://public.web.cern.ch/Public.
امتلك أكبر مُسرعات المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية — وهو مصادم الإلكترونات والبوزيترونات الكبير — مسار أشعة يبلغ طوله ٢٧ كيلومترًا (١٧ ميلًا)، وهذا هو أطول مسار في العالم. ولكن هذا المصادم لم يعُد له وجود، ويجري الآن إعادة تجهيز نفقِه لاستخدامه كمُصادم هادرونات كبير حيث ستتصادم البروتونات مع بروتونات عند طاقة تبلغ ٧ تريليونات إلكترون فولت. وعندما سيبدأ العمل في عام ٢٠٠٥، سيُصبح الآلة الأعلى طاقة في العالم. وللحصول على المزيد من المعلومات حول مُصادم الهادرونات الكبير، تفضل بزيارة الموقع التالي: http://lhc-new-homepage.web.cern.ch/lhc-new-homepage/.

اقترح بعض المُنظرين أن مصادم الهادرونات الكبير الجديد قد يُنتج ثقوبًا سوداء مصغرة، ربما بمعدل ثقبٍ أسود كل ثانية، وذلك يجعله «مصنعًا للثقوب السوداء». ومن المتوقَّع أن تتحلل هذه الثقوب السوداء خلال جزءٍ صغير من الثانية، إلا أنه قد ينتج أثناء هذه العملية ذلك الجُسيم الذي طال البحث عنه، وهو بوزون هيجز الذي تحدَّثنا عنه في الفصل الثاني. وربما يحدث ذلك «في غضون ساعة واحدة فقط» وفقًا لجريجوري لاندسبرج الأستاذ بجامعة ميريلاند، كما ورد في مقاله بعنوان «الثقوب السوداء في مصادم الهادرونات الكبير» الذي كتبه بالاشتراك مع سافاس ديمابولوس والمنشور في مجلة «فيزيكال ريفيو ليترز»، المجلد ٨٧ (عام ٢٠٠١)، الرقم التعريفي ١٦١٦٠٢.

تفضل بزيارة الموقعَين التاليين: www.aip.org/history/lawrence/first.htm وwww.lbl.gov/Science-Articles/Archive/early-years.html.

(٣) الفرميونات والبوزونات

تقع كافة الجُسيمات التي يتكوَّن منها الكون في فئتَين مختلفتَين تمامًا هما الفرميونات والبوزونات. ترجع جذور هذا التقسيم إلى هولندا، حيث تخرج كل من صامويل جودسميت وجورج أولنبيك في جامعة لايدن عام ١٩٢٥. لاحَظَ جودسميت، الذي كان يميل إلى التجريب، حدوث انقسام إضافي في أطياف الضوء التي تنبعِث من ذرات الهيليوم. اعتقد أولنبيك، الذي كان يميل أكثر إلى الفيزياء الكلاسيكية، أن سبب الانقسام قد يكون له علاقة بخاصية متأصِّلة في الإلكترون. وقد توصَّل العالِمان معًا إلى تصوُّر أن الإلكترون قد حصل على عزمٍ زاوي أصيل، أو اللفِّ المغزلي.

كانت ميكانيكا الكم لا تزال في مراحلها التكوينية في ذلك الوقت، لذلك أدَّت هذه الفكرة إلى إضافة عددٍ كمِّي رابع (الأعداد الثلاثة الأخرى كانت هي العدد الكمي الرئيسي، والعدد الكمي المداري، والعدد الكمي المغناطيسي)، وأطلق عليه اسم العدد الكمي المغزلي. ومع أنه أمرٌ شيِّق أن نفكر في الإلكترون على أنه يأخذ صورة لعبة دوَّامة صغيرة تدور بسرعةٍ عالية، فإنه لا يجب أخذ هذه الصورة بشكلٍ حرفي. العزم الزاوي الأصيل للإلكترون، أو اللف المغزلي، يكون ، حيث h تمثل ثابت بلانك. يُعَد اللف المغزلي أيضًا طريقة ملائمة للتفكير في الإلكترون لأن العدد الكمِّي المغزلي له قيمتان هما و المُقابلَين للَّفِّ «لأعلى» واللَّفِّ «لأسفل». وفي عام ١٩٢٨ وفرت صياغة عالم الفيزياء البريطاني بي إيه إم ديراك لميكانيكا الكم النسبية أساسًا نظريًّا للف المِغزلي للإلكترون؛ حيث تضمَّن عمل جودسميت وأولنبيك السابق الكثير من التخمين المُوفَّق.

في عام ١٩٢٥ قدَّم عالم الفيزياء النمساوي فولفجانج باولي فكرةً تقضي بأنه لا يمكن لإلكترونَين شغْل الحالة الكمية نفسها في المكان نفسه. وقد شكَّل مبدأ باولي للاستبعاد الأساس الذي قام عليه الجدول الدوري الكيميائي للعناصر.

عندما دُرِسَ السلوك الإحصائي لمجموعات الإلكترونات استطاع عالِما الفيزياء الإيطالي الأمريكي إنريكو فيرمي والبريطاني ديراك استنباط النظرية التي سُميت إحصاء فيرمي-ديراك. بعد ذلك توسَّع هذا التحليل فيما بعدُ ليشمل كافة الجُسيمات الأخرى التي لها لفٌّ مِغرلي ذي مضاعفات نصف عدد صحيح فردي من . تشمل هذه الجسيمات — التي يطلق عليها اسم الفرميونات — كافة اللبتونات والكواركات. وفي حقيقة الأمر فإن كتلة الكون تتكوَّن من فرميونات.
دُرِسَت الجُسيمات التي تحتوي على مضاعفات أعداد صحيحة أو صفرية من بشكلٍ منفصل على يد عالم الفيزياء الهندي ساتيندرانا بوس عام ١٩٢٤. وبينما كان بوس يعمل في جامعة دكا في بنجلاديش أرسل تحليله إلى أينشتاين للحصول على تعليقه عليها. ترجم أينشتاين هذا التحليل إلى اللغة الألمانية وأوصى بشدة بنشره. وفي العام التالي وسع أينشتاين من عمل بوس ليشمل كافة الجُسيمات عدا الفرميونات. ويطلق على السلوك الإحصائي لهذه الجسيمات اسم إحصاء بوس-أينشتاين. وأطلق ديراك على الجُسيمات التي ينطبق عليها هذا الإحصاء مصطلح «البوزونات». إن جميع ناقلات القوة — وتشمل الفوتون الذي ينقل القوة الكهرومغناطيسية والجلوونات التي تنقل القوة القوية وجسيمات W وZ التي تنقل القوة الضعيفة — عبارة عن بوزونات.

بينما يتعذَّر وجود فرميونين في الحالة الكمية نفسها، فإن هذا لا ينطبق على البوزونات. بل كلما زاد عدد البوزونات في حالةٍ مُعينة من الطاقة زاد عدد البوزونات التي ترتبط معها. هذه الحقيقة هي الأساس الذي قامت عليه فكرة الانبعاث المُحفَّز الذي يظهر في أجهزة الليزر، حيث تصطف الفوتونات المتفقة الطور في الحالة نفسها من الطاقة. تساعد هذه الخاصية التجمُّعية أيضًا في تفسير السيولة الفائقة في الهيليوم، بل وحتى التوصيل الفائق، وذلك عندما تقترن الإلكترونات في أزواج وتسلك سلوك البوزونات. في عام ١٩٩٥ خُفِّضَت درجة حرارة غاز يتكوَّن من ذرات الروبيديوم إلى درجة حرارة منخفضة للغاية بحيث تُوجَد كافة ذرات الغاز في الحالة الكمية نفسها. أُطلق على هذا التكتل اسم تكثُّف بوس-أينشتاين.

إن الطبيعة «الفردية» للفرميونات والخصائص «الارتباطية» للبوزونات تجعلهما مُختلفَين تمامًا على نحوٍ جوهري. إلا أن هذا الاختلاف يُعَد أمرًا مُهمًّا بالنسبة لطبيعة الكون التي نعرفها. على سبيل المثال، إذا ارتبطت الفرميونات بعضها مع بعضٍ كما تفعل البوزونات فسوف تتكتَّل إلكترونات الذرة عند أدنى مستوًى للطاقة، وبالتالي لن يكون هناك للكيمياء وجود، ولا للحياة.

(٤) الحياة خارج الأرض

لقد ناقشت موضوع الأطباق الطائرة مع الكثيرِ مِن الناس. وما هالَني هو أنهم مُستمرون في الجدال حول إمكانية وجود هذه الأشياء. وهذا أمر حقيقي. فهذا مُمكن. لكنهم لا يُقدِّرون أن المشكلة لا تكمُن في كون هذا الأمر مُمكنًا أم لا، بل في كونه موجودًا بالفعل أم لا.

عالم الفيزياء الفائز بجائزة نوبل ريتشارد فيليبس فاينمان

تحوز فكرة احتمالية وجود حياة خارج نطاق كوكب الأرض على اهتمام العلماء كغيرهم من الناس. ولكن الحقيقة أنه بالرغم من تجسيدها في الأفلام والبرامج التليفزيونية والكُتب ومواقع الإنترنت وقصص لا حصر لها في الثقافة الشعبية، فإنه لا يُوجَد هناك أي دليل عِلمي على وجود حياة في أي مكانٍ غير الأرض. ومع ذلك فإن الأبحاث العلمية تجري على جانبَين، جانب نظري وجانب تجريبي.

الأبحاث النظرية

ما أنواع صور الحياة المُمكنة؟

  • حياة قائمة على الكربون، مثل حياتنا تمامًا. انعكاسًا لرأي الأغلبية، اعتقد عالم الكيمياء والأستاذ بجامعة ميريلاند سيريل بونامبيروما أن كيمياء الحياة على الأرض قد تكون قابلة للتعميم على الكون. قال سيريل إن البيانات «تقترح أن تكوين وارتباط وحدات البناء الأساسية للحياة — الأحماض الأمينية والنيوكليوتيدات — ربما كانت جميعها حتمية، في ضوء الظروف الكيميائية الأولية التي وفَّرها «الحساء البدائي». وأضاف بونامبيروما أنه «إذا كانت هناك حياة في مكانٍ آخر في الكون فستكون مُماثلة جدًّا لحياتنا على الأرض من الناحية الكيميائية.»

    يتفق معظم العلماء أصحاب الرأي بهذا الصدد على أنه بالرغم من الشكل الشائع الذي انتشر من خلال صناعة الألعاب للفضائيين والمُتمثل في أجسام خضراء اللون وعيون كبيرة، فإنه إذا كانت هناك أي صور حياة خارج الأرض فستبدو مختلفةً تمامًا عن البشر. ومع ذلك فقد يكون هناك بعض العناصر التركيبية والوظيفية المُشتركة. فعلى سبيل المثال، قد يكون لهذه المخلوقات مجسَّات تُشبه العين البشرية لاكتشاف الفوتونات (ربما في مناطق الطيف غير المرئي)، ومجسَّان يُشبهان العينَين للحكم على المسافات ومسار قصير إلى معالج معلومات المجسَّات، الذي يُشبه دماغنا. علاوة على ذلك يبدو من المعقول أيضًا أن أجسام هذه المخلوقات قد تكون مضغوطة وتتضمن أطرافًا للتعامُل مع الأجسام الموجودة في البيئة وبعض القدرات التي تساعد على الحركة. من بعض الجوانب قد لا تكون الكائنات الفضائية التي صورتها هوليوود بعيدة جدًّا عن الواقع.

  • حياة غير قائمة على الكربون. بجانب عنصر الكربون، نجد أن العنصر الذي على الأرجح يُمثل العمود الفقري للحياة هو العنصر الذي يليه في الجدول الدوري وهو السيليكون. وعند ملاحظة هذه العلاقة لأول مرة في التسعينيات من القرن التاسع عشر، كتب الروائي إتش جي ويلز: «قد يفزع الفرد من التصوُّرات الخيالية لمِثل هذا الافتراض: صور لكائنات من السيليكون والألومونيوم تتجول عبر غلاف جوي من الكبريت الغازي، لنَقُلْ، على شواطئ لبحرٍ من الحديد السائل، تزيد درجة حرارته ألف درجة أو أكثر عن درجة حرارة فرن صهر المعادن.»
    في الحقيقة تتشابه كيمياء السيليكون والكربون في نواحٍ عديدة. فعلى سبيل المثال، نجد أن الكربون يرتبط بأربع ذرات هيدروجين لتكوين الميثان، CH4، في حين يتَّحد السيلكون مع أربع ذرات هيدروجين لتكوين السيلان، SiH4. تتشابه كيمياء السيلكون مع الأكسجين في بعض النواحي (CO2 وSiO2)، ولكن يظهر اختلاف جوهري بينهما. حيث إن ثاني أكسيد السيلكون يُكوِّن شبكةً ثلاثية الأبعاد بروابط قوية جدًّا حتى إن SiO2 يكون صلبًا، حتى في درجات الحرارة المرتفعة.

    في الكيمياء الحيوية للحياة القائمة على الكربون تُكتَسب الطاقة من الكربوهيدرات ذات السلاسل الطويلة، التي تُفْصَل باستخدام محفزات إنزيمات بروتينية. أما المُخلفات فتكون ماءً وثاني أكسيد كربون، ويمكن التخلُّص منهما بسهولة لأنهما سائل وغاز. أما الحياة القائمة على السيليكون فستكون مرغمة على التعامُل مع المُخلفات الصلبة، التي قد تؤدي إلى مشكلاتٍ فريدة من نوعها كي يجري التخلص منها.

    إضافة إلى ذلك تملك الجزيئات المُهمَّة بيولوجيًّا والتي تعتمد على الكربون خاصيةً تُسمى عدم التناظر المرآتي (انظر الفصل الثالث)، وتعني أن الطبيعة الثلاثية الأبعاد لروابطها تؤدي إلى الْتوائها إما للجهة اليُمنى أو اليسرى عندما تُكوِّن شكلًا حلزونيًّا. وهذه الخاصية تؤدي إلى وجود تبايُنات دقيقة في عملية الأيض، تلك العملية التي لن تكون موجودة في الحياة القائمة على السيلكون، التي لدَيها قدرة أقل بكثير لوجود تلك الخاصية.

    وأخيرًا هناك مسألة الوفرة. فبحلول عام ٢٠٠٢ كان قد اكتُشف ١١٣ جزيئًا قائمًا على الكربون في الفضاء، في مقابل ١٠ جزيئات فقط قائمة على السيلكون. فإذا كانت هناك صور حياة موجودة قائمة على السيلكون، فمن الواضح أنها تشغل حيزًا أصغر بكثيرٍ من الحيِّز الذي تشغله صور الحياة القائمة على الكربون.

ما مدى احتمالية وجود حضارات كاملة خارج حدود الأرض؟

في نوفمبر من عام ١٩٦١ عقدت الأكاديمية الوطنية للعلوم اجتماعًا غير رسمي في جرين بانك بولاية ويست فيرجينيا لمناقشة موضوع الحياة خارج حدود الأرض. صاغ عالم علم الفلك الراديوي من المرصد الوطني للفلك الراديوي، فرانك دريك، معادلة لتركيز المناقشة حول احتمالية وجود الحياة خارج الأرض على عدة عوامل، يمكن تقدير كل منها بشكلٍ منفصل. وقد أصبحت هذه المعادلة، التي أطلق عليها دريك اسم معادلة جرين بانك، معادلة كلاسيكية وجرت إعادة تَسميتها لتصبح معادلة دريك، وهي كالتالي:

عدد الحضارات خارج الأرض = (النجوم/السنة) (ك الكواكب) (ك نطاق الحياة) (ك الحياة) (ك الذكاء) (ك التواصل الحضاري) (العمر الكلي للحضارة).

لاستخدام معادلة دريك للوصول لتقديرٍ لعدد الحضارات التي يمكن التواصل معها (الحضارات التي ترسِل وتستقبل رسائل) في مجرة درب التبانة، يجب أن يجري تقدير سبعة عوامل، حيث يرمز الحرف (ك) إلى كسور واقعة بين صفر و١.

(١) ما معدل تكوين مجرتنا لنجوم قادرة على توليد كواكب تصلح لإقامة حياة عليها؟

النجوم الكبيرة يكون عمرها قصيرًا جدًّا والنجوم الصغيرة تكون باردة جدًّا، لذلك نجد أن النجوم المتوسطة الحجم فقط هي التي يجب أن ننظُر لها بعين الاعتبار هنا.

(٢) ما نسبة تلك النجوم ذات الأحجام المناسبة التي يوجَد لها كواكب بالفعل؟

من خلال مفهومنا الحالي لتكوُّن الكواكب يبدو أن معظم هذه النجوم سيكون لها كواكب تدور حولها.

(٣) ما نسبة الكواكب التي ستدور حول نجومها داخل نطاق يمكن أن تكون به حياة؟

في حالة كوكب الأرض يعتبر وجود الماء السائل أمرًا مهمًّا. وكوكب الزهرة حار جدًّا لذا لا يوجَد به ماء سائل، وكذلك كوكب المريخ بارد جدًّا ولا يُوجَد به ماء سائل، لذلك نجد أن نظامنا الشمسي به كوكب واحد فقط في نطاق الحياة وهو كوكب الأرض. علاوة على ذلك، قد يكون دور القمر مهمًّا جدًّا. فيمكن للمد والجزر أن يكونا قد أثَّرا على بدايات الحياة هنا من خلال جعل برك المياه تتدفق وتتبخر بشكلٍ متناوب، مما ركز «الحساء البدائي» في الأوقات الحرجة.

هناك شيء آخر مجهول في عملية تطور الحياة وهو دور الكواكب الخارجية الضخمة، وتحديدًا كوكب المشتري، في إبعاد أي اصطدام مُحتمَل من كويكب أو مذنب عن النظام الشمسي الداخلي. وأدى هذا الفعل إلى حماية الأرض من التأثيرات الهادمة التي كان يُمكنها تأخير أو منع تطور الحياة.

(٤) ما نسبة الكواكب التي تقع في مكانٍ مناسب التي تنشأ فيها الحياة بالفعل؟

إن تقدير هذا العامل عادة ما يقسم الناس إلى متفائلين ومتشائمين. فيعتقد البعض — ومن بينهم عالم الكيمياء الحيوية البلجيكي الحاصل على جائزة نوبل كريستيان دي دوف — أن وجود كربون وماء سائل بما يكفي، ودرجة حرارة مناسبة، وزمن كاف، يجعل من الحياة أمرًا حتميًّا. ويستشهد آخرون بالتعقيدات التي لا تُعد ولا تحصى والتي تُوجَد حتى في الكائن وحيد الخلية، ويقولون إن الحياة نادرة للغاية، وربما حتى فريدة. يختلف العلماء بشكلٍ واسع في تقديراتهم لهذا العامل. ويتشكك البعض في جدوى هذه الطريقة بأكملها بسبب هذا التبايُن الكبير. ومع كل ذلك فبدون دليل نجد أن هذا كله مجرد تكهُّن ولا يجب أخذه على مَحمل الجد جدًّا.

(٥) ما نسبة تطوير أشكال الحياة للذكاء بالفعل؟

على كوكب الأرض أظهر الكثير من الأنواع دليلًا على سلوكها سلوكًا ذكيًّا، بما في ذلك في بعض الأحيان البشر. ولأن الذكاء يبدو أنه موهبة مهمة تساعد على البقاء، فيبدو من المُحتمَل أن يطور الكثير من الكائنات هذه الموهبة إذا حصلوا على وقتٍ كافٍ.

(٦) ما نسبة تطوير أشكال الحياة الذكية لتقنيات يُمكنها إطلاق إشارات يمكن رصدها؟

مع أن كلًّا من البشر والدلافين تعتبر من الكائنات الذكية على كوكب الأرض فإن التقنيات البشرية فقط هي التي قد تمكنت من توليد إشارات يمكن رصدها، ولذا عادة ما تُستخدَم نسب من ٥٪ إلى ٥٠٪ مع هذا العامل.

(٧) كم عدد السنوات التي تستغرقها أي حضارة ذكية في إطلاق إشارات يمكن رصدها في الفضاء؟

يوفر هذا التقدير مجالًا آخر للتعبير عن التفاؤل أو التشاؤم. فالشخص المُتفائل قد يتنبأ بحضارة عمرها مليون سنة، والشخص المتشائم قد ينظر إلى حالتنا ويدَّعي أن النهاية قريبة. لا تنس أن هذه المعادلة أُعِدَّت أصلًا للأغراض الفلكية الراديوية. ويمكن لأي حضارة أن تُنمي الانبعاثات الراديوية عن طريق تطوير بدائل أكثر كفاءة، أو أن تتخلى عن استخدام تلك الانبعاثات عند تحوُّلها لأنشطة أخرى لا تعتمد عليها. وفي حالتنا نجد أننا أصدرنا انبعاثاتٍ راديوية لأكثر من ١٠٠ عام، ولذا فعمليات البث الأولى قد اخترقت الفضاء لمسافة تبلُغ ١٠٠ سنة ضوئية.

إن ضرب كل هذه العوامل معًا يُعطي تقديرًا للعدد الإجمالي للحضارات القادرة على الاتصال في مجرة درب التبانة. إن التقديرات تتراوح من مليارات الحضارات (وهذا هو ما يراه المتفائلون) إلى حضارة واحدة، وهي حضارتنا. كان تقدير العالم دريك في أول الأمر هو وجود ١٠ آلاف حضارة. أما النسخ الحديثة منه، فعادة ما تقضي بوجود عدد من الحضارات القادرة على الاتصال يساوي تقريبًا عدد السنوات التي تستغرقها أي حضارة في إطلاق إشارات يمكن رصدها.

fig73

ومع أن البعض رأى أن معادلة دريك هي تعبير عن جهلنا في صيغة مُحكمة، فمن المُفيد أن نفكر في كل من هذه العوامل بشكلٍ منفصل. علاوة على ذلك تسمح المعادلة بإجراء تقديرٍ آخر يتعلق بمتوسط المسافة بين الحضارات القادرة على الاتصال. باستخدام قِيَم لا متفائلة ولا متشائمة للعوامل السبعة التي ناقشناها أعلاه، نجد أن متوسط المسافة بين الحضارات القادرة على الاتصال بمجرة درب التبانة يتراوح بين مئات إلى آلاف السنوات الضوئية. وإذا كان الضوء يستغرق مئات السنين للانتقال من حضارةٍ لأخرى فإن الاتصال سيستغرق وقتًا أطول مما تستغرِقه أجهزة المودم القديمة للاتصال بشبكة الإنترنت، إذا كنتَ قادرًا على تَخيُّل ذلك. ومع ذلك فإذا نظرنا إلى حضارة وصل تقدُّمها التكنولوجي مداه على مدى مليون سنة، وتستعدُّ لاستعمار المجرة بأكملها، فسنجد عندئذٍ أنَّ انتقالها إلى عالمٍ جديد في بضعة آلاف من السنوات أمر غير مُستبعَد.

إذا اعتبرنا أن النظام الشمسي قد وُجِدَ في الثلث الأخير فقط من عمر المجرة، فإن الكثير من النجوم الأخرى قد تكوَّنت قبله. ربما تكون قد طوَّرت التكنولوجيا الضرورية وانطلقت لاستعمار المجرة. وبالنظر إلى حجم المجرة، وبعمل افتراضاتٍ معقولة عن سرعة مركباتها الفضائية، يبدو أن مثل هذا المشروع ربما يستغرق بضعة ملايين من السنين لإنجازه. وهذا أمر يفوق أي فتراتٍ عمرية بشرية فردية، لكنه بالنسبة لعمر المجرة صغير. بمعنًى آخر، يمكن للحضارات المتقدمة تكنولوجيًّا استعمار المجرة، على غرار ما حدث في مسلسل «ستار تريك» وسلسلة أفلام «حرب النجوم» وغيرهما من أعمال الخيال العلمي.

عملت مجموعة من العلماءِ في لوس ألاموس عام ١٩٥٠ على تطوير القنبلة الهيدروجينية. وكانت مُحادثاتهم التي تُقام على مائدة الغداء تتضمَّن غالبًا أسئلة عفوية يطرحها عالم الفيزياء الكبير إنريكو فيرمي لتشجيع المناقشات (التي يقودها هو بنفسه). وبالتفكير في كل الوقت المتاح للحضارات الموجودة خارج الأرض لاستعمار المجرة، قال فيرمي: «هل تساءلتم من قبل أين الجميع؟» وقد أعيدت صياغة هذا السؤال بعد ذلك إلى «أين هم؟»، وأُشير إلى هذا السؤال بمفارقة فيرمي. يجب أن تتعامل أي نظرية تفترض وجود حياة خارج الأرض مع هذا السؤال البسيط والعميق في الوقت نفسه.

الأبحاث التجريبية

بخصوص التقديرات اللازمة لاستكمال معادلة دريك، قال عالم الفيزياء فيليب موريسون: «ليس هذا هو السؤال المناسب. فالسؤال يجب أن يكون: «هل يجب أن نفعل شيئًا لاكتشاف هذه الحضارات الخارجية؟» … ولكي نكتشف هذه الحضارات يجب علينا أن نقوم بشيء تجريبي.»

لم يقم بالجهد التجريبي العِلمي الأول في هذا الاتجاه سوى فرانك دريك. فلمدة ست ساعاتٍ يوميًّا، من أبريل إلى يوليو عام ١٩٦٠، كان يُضْبَط طبق الاستقبال الذي يبلغ قطره ٨٥ قدمًا الخاص بالمرصد الوطني للفلك الراديوي على ١٤٢٠ ميجاهرتز ويوجَّه إلى نجمَين لهما نفس عمر الشمس تقريبًا. لم تُعطِ الإشارات الصادرة من النجمَين تاو سيتي وإيبسيلون إريداني شيئًا سوى إنذارٍ واحد ساكن وكاذب، كإشارات المشاريع العسكرية السرية التي كانت تحدُث في الماضي. لم يؤدِّ مشروع أوزما — الذي سُمِّيَ على اسم ملكة أوز، وهي الأرض الخيالية التي افترضها الكاتب فرانك بوم الذي وصفها بأنها «تقطنها كائنات غريبة ودخيلة» — إلى أي نتائج إيجابية، ومع ذلك فقد ظل البحث عن الذكاء الخارجي مُستمرًّا في الأوساط الرسمية.

ولقد تم القيام بالكثير من المشروعات الأخرى للاستماع إلى أي إشاراتٍ قادمة من خارج الأرض ومحاولة إرسال معلوماتٍ في حالة «أنهم» يستمعون إلينا. وقد بدأ أكبر هذه المشروعات، وهو مشروع «البحث عن ذكاء خارج الأرض» الذي يعرف اختصارًا ﺑ SETI عام ١٩٨٤. للحصول على المزيد من المعلومات عن هذا المشروع، اذهب إلى هذا الموقع الإلكتروني: www.seti.org. يصور فيلم «اتصال» (كونتاكت)، المقتبَس من رواية لعالم الفلك كارل ساجان، الكثير من ملامح هذا المشروع بشكلٍ دقيق، وكانت بطلة الفيلم هي جودي فوستر وكان دورها يبدو مُشابهًا تمامًا لجيل تارتر، وهي واحدة ممَّن أسَّسوا المشروع. (انظر مقالة «الاستماع إلى النجوم» في مجلة «ساينتفيك أمريكان»، عدد نوفمبر ٢٠٠٢.) وبالطبع نجد أن الأبحاث التي تتم في هوليوود أكثر نجاحًا من الأبحاث التي تُجرى في المعامل.
وهناك جهود ومساعٍ أخرى تتضمَّن أبحاثًا بصرية باستخدام أجهزة الليزر ومشروع «البحث عن الانبعاثات الراديوية خارج الأرض من الجماعات الذكية المتطورة القريبة»، الذي يعرف اختصارًا ﺑ SERENDIP، والذي يدعمه كاتب الخيال العلمي آرثر سي كلارك.

من بين المصادر الحديثة المُهتمة بهذا الأمر كتاب «مشاركة الكون: روئ عن الحياة خارج الأرض» تأليف سيث شوستاك، دار نشر بيركلي هيلز بوكس، عام ١٩٩٨، وكتاب «الحياة في الفضاء الخارجي: البحث عن كائنات غير أرضية»، تأليف كيم ماكدونالد، دار نشر رينتري/ستيك-فون، عام ٢٠٠٠، وكتاب «لماذا الثقوب السوداء ليست سوداء؟» تأليف روبرت إم هازن، دار نشر أنكور، عام ١٩٩٧، ومقال «أين هم؟»، تأليف إيان كروفورد، مجلة «ساينتيفك أمريكان»، يوليو عام ٢٠٠٠، ومقال «من هناك؟»، تأليف جيف جرينوولد، مجلة «ديسكفر»، أبريل عام ١٩٩٩، وكتاب «هل نحن بمفردنا؟» تأليف بول دافيس، دار نشر بيزيك بوكس، عام ١٩٩٦.

إذا كنت تريد المشاركة في مشروع «البحث عن ذكاء خارج الأرض»، فيُمكنك أن تُنزل برنامجًا يمكنه الحصول علي بياناتٍ من شبكة الإنترنت ثم معالجتها على الكمبيوتر الخاص بك عندما يكون في وضع شاشة التوقُّف، ثم عرض الإشارات وإرسالها مرة أخرى إلى المشروع. للحصول على هذا البرنامج، قم بزيارة العنوان التالي: http://setiathome.ssl.berkeley.edu/download.html.

وهناك احتمال بعيد يجب أخذه في الاعتبار، وهو: ماذا عن الحياة القائمة على المادة المُظلمة/الطاقة المظلمة؟ وبإدراك أنه لا يُوجَد تفاعل بين المادة المظلمة/الطاقة المظلمة والمادة العادية/الطاقة العادية، فلا عجب أننا لم نُحس بهم حتى الآن، وكذلك هم لم يحسُّوا بنا. علاوة على ذلك، ومن خلال تغلب الطاقة المظلمة/المادة المظلمة علي المادة العادية، فقد تكون صور الحياة القائمة عليها ضخمة جدًّا في الحجم أو العدد لدرجة أننا قد نكون مجرد تفصيلةٍ صغيرة غير مهمة، لا تعلم الكائنات «الحقيقية» للكون عنها شيئًا أو تعلم وتتجاهلها تمامًا.

(٥) الأحماض الأمينية

يتكون الحمض الأميني من ذرة كربون (وتُسمَّى ذرة كربون «ألفا») مع أربع مجموعات مرتبطة بها. (انظر شكل ٣.) هذه المجموعات هي: مجموعة كربوكسيل (COO)، وهي مجموعة حمضية، ومجموعة أمينية (H3N+)، وهي مجموعة قاعدية (قلوية)، وذرة هيدروجين واحدة (H)، ومجموعة رابعة يُرمَز لها بالحرف R، وهي سلسلة جانبية تختلف من حمضٍ أميني لآخر.

عندما ترتبط ذرة كربون لمجموعة الكربوكسيل لحمضٍ أميني ما تساهُميًّا مع ذرة النيتروجين الموجودة في الجزء الأميني لحمضٍ أميني آخر، يُنتِج ماء وتتكوَّن رابطة ببتيدية. تتكوَّن جزيئات البروتين من سلسلة طويلة من الأحماض الأمينية المرتبطة بعضها ببعض بروابط ببتيدية.

fig74
شكل ٣: التركيب الجزيئي للحمض الأميني.

تتحرَّر الأحماض الأمينية داخل الجهاز الهضمي للحيوانات نتيجة هضم جزيئات البروتين، ثم يحملها تيار الدم إلي خلايا الجسم ليُعاد تدويرها. وتُستخدَم الأحماض الأمينية لبناء مزيد من البروتينات وفقًا للخطط الموجودة في الدي إن إيه للخلية والتي يُنفذها الآر إن إيه، وذلك بمساعدة مُحفزات البروتينات (الإنزيمات). وبالتالي معظم الأحماض الأمينية التي يحتاجها الجسم يمكن تخليقها من أحماضٍ أمينية معاد تدويرها موجودة بالفعل. ولذلك تُسمى هذه الأحماض الأمينية بالأحماض الأمينية «غير الأساسية». أما الأحماض الأمينية الأخرى التي يجب أن يُمدَّ بها الجسم بشكلٍ خاص عن طريق الغذاء فتُسمى بالأحماض الأمينية «الأساسية».

يظهر أكثر من ١٠٠ حمض أميني بشكلٍ طبيعي في النباتات والبكتيريا، ولكن يُوجَد ٢٠ حمضًا أمينيًّا فقط في الحيوانات. والجدول التالي يستعرض أسماء الأحماض الأمينية العشرين الموجودة في الحيوانات واختصاراتها القياسية وصيغها التركيبية الخطية.

الحمض الأميني* الاختصار الصيغة التركيبية الخطية
الأَلانين ala أو A CH3–CH(NH2)–COOH
الأرجينين arg أو R HN = C(NH2)–NH–(CH2)3–CH(NH2)–COOH
الأسبرجين asn أو N H2N–CO–CH2–CH(NH2)–COOH
حمض الأسبارتيك asp أو D HOOC–CH2–CH(NH2)–COOH
السيستئين cys أو C HS–CH2–CH(NH2)–COOH
حمض الجلوتاميك glu أو E HOOC–(CH2)2–CH(NH2)–COOH
الجلوتامين gln أو Q H2N–CO–(CH2)2–CH(NH2)–COOH
الجلايسين gly أو G NH2–CH2–COOH
الهستيدين his أو H NH–CH = N–CH = C–CH2–CH(NH2)–COOH
الآيسولوسين ile أو I CH3–CH2–CH(CH3)–CH(NH2)–COOH
اللوسين leu أو L (CH3)2–CH–CH2–CH(NH2)–COOH
الليسين lys أو K H2N–(CH2)4–CH(NH2)–COOH
الميثيونين met أو M CH3–S–(CH2)2–CH(NH2)–COOH
الفنيل ألانين phe أو F Ph–CH2–CH(NH2)–COOH
البرولين pro أو P NH–(CH2)3–CH–COOH
السيرين ser أو S HO–CH2–CH(NH2)–COOH
الثريونين thr أو T CH3–CH(OH)–CH(NH2)–COOH
التريبتوفان trp أو W Ph–NH–CH = C–CH2–CH(NH2)–COOH
التايروسين tyr أو Y HO–Ph–CH2–CH(NH2)–COOH
الفالين val أو V (CH3)2–CH–CH(NH2)–COOH

(٦) بناء نموذج دي إن إيه

الدي إن إيه حجمه صغير جدًّا لدرجة أنه من المُستحيل رؤيته. ويُعد ذلك مصدر صعوبة لبعض الناس لأنهم يعتقدون أن الدي إن إيه مفهوم نظري مجرد وليس جُزيئًا حقيقيًّا. ومن الطرق التي يمكن اتباعها للوصول إلى فهمٍ وإدراكٍ أفضل للدي إن إيه أن يُبْنَى نموذج مادي ملموس له.

توفر ألعاب البناء الخاصة بالأطفال مصدرًا ممتازًا لبناء نماذج جزيئية، بما في ذلك الدي إن إيه. استخدم أحد مؤلفي الكتاب (آرثر دبليو ويجنز) لعبة بناء كينيكس لبناء نموذج للدي إن إيه، الموضح في شكل ٤ والذي يحمله بعض من أحفاد هذا العالِم الذين يحملون الكثير من صفاته الوراثية.
وهذا النموذج بالتحديد صُنِع باستخدام الطراز K’NEX 32 (34006)، والمتوفر في الأسواق بسعرٍ يتراوح من ٣٠ إلى ٤٠ دولارًا. (يرجى زيارة هذا الموقع: www.knex.com.) كما تُوجَد تعليمات لبناء نموذج لجزيء الدي إن إيه في موقع: http://c3.biomath.mssm.edu/knex/dna.models.knex.html وبالرغم من استخدام موصلات خضراء اللون فقط، فإنك ستجد رسومًا شيقة وستظهر لك بعض الخيارات الأخرى.
fig75
شكل ٤: نموذج دي إن إيه يُمسك به كل من راي وميليسا وتيم نو (وهم بعض أحفاد آرثر دبليو ويجنز).

عندما تنتهي من بناء النموذج ستحصل على جزء من جزيء دي إن إيه يحتوي على ٤٨ زوج قواعد. وسيبلغ طول هذا الجزء حوالي متر (٣ أقدام تقريبًا).

النموذج الذي ستُصمِّمه سيكون غير دقيق بعض الشيء في محاكاة الدي إن إيه الحقيقي. ففي النموذج يصنع كل قضيب أزرق زاويةً مقدارها حوالي ٢٠ درجة مع القضيب الذي يسبقه، في حين أن روابط الهيدروجين في الدي إن إيه الحقيقي تكون متوازية إلى حدود ٦ درجات. ومع ذلك، فالنموذج يوضح بعض التفافات الحلزون، والأخدودين الرئيسي والفرعي وأزواج قواعد واطسون-كريك A-T وC-G.

إذا بنيت هذا النموذج فستكون قادرًا على تخيُّل آلية مشغل لاك الجيني، وانقسام شريطي الدي إن إيه أثناء النسخ، وعمليات إنزيمات التحديد التي تقطع الدي إن إيه عند مواقع معينة بسبب الطريقة التي «تتوافق» بها هذه الإنزيمات داخل الجزيء.

(٧) الكودونات

تَستخدِم تقريبًا كافة أشكال الحياة على الأرض الشفرة الوراثية نفسها. والكودونات هي المفتاح لهذه الشفرة. فإذا كان مِن الممكن اعتبار أن قواعد النيوكليوتيدات الموجودة في الدي إن إيه هي الحروف في الشفرة الوراثية، فإن الكودونات هي الكلمات، ويتكوَّن الجين من سلسلةٍ من الكودونات المُتناسقة والمُرتَّبة معًا لتكوين جملةٍ في هذه الشفرة. وبحسب التعبير الجيني، تُنسَخ رسالة الدي إن إيه إلى آر إن إيه رسول، ثم تُتَرجم إلى بروتينات.

ولنعرف كيف تعمل الكودونات، هيا بنا نتفحَّص هذه العملية بالتفصيل:

  • يأتي تسلسُل قواعد النيوكليوتيدات الموجودة في الدي إن إيه في أربعة أنواع: الأدينين والثايمين والسيتوزين والجوانين، وعادة ما يُرمَز لها بالحروف A وT وC وG.
  • ينسخ الآر إن إيه الرسول قواعد نيوكليوتيدات الدي إن إيه بالترتيب نفسه في الريبوسوم، باستثناء أن اليوراسيل يحلُّ محلَّ الثايمين. وفي الريبوسوم تتكوَّن البروتينات عن طريق ربط الأحماض الأمينية التي قد جُمِعَت (انظر مجلد الأفكار ٥، الأحماض الأمينية). ويُحدد الآر إن إيه الناقل ترتيب الأحماض الأمينية في البروتين، الذي ينقل ترتيب قواعد النيوكليوتيدات الموجودة في الدي إن إيه.

ولكن كيف تُحدد قواعد النيوكليوتيدات الأربع أيًّا من العشرين حمضًا أمينيًّا الذي يجب أن يُستخدَم لبناء البروتين؟

  • إذا حددت كل قاعدة نيوكليوتيدات حمضًا أمينيًّا، فلا يمكن بناء سوى أربعة أحماض أمينية فقط.

  • إذا حَدَّدت قاعدتا نيوكليوتيدات مُتتاليتان حمضًا أمينيًّا، فسينتج ٤٢ = أي، ١٦ حمضًا أمينيًّا. وهذا غير كافٍ.
  • إذا حددت ثلاث قواعد نيوكليوتيدات مُتتالية حمضًا أمينيًّا، فيمكن تحديد ٤٣ = أي ٦٤ اللازم. لذا، يحتاج أي كودون إلى أن يتألف من ٣ قواعد متتالية.
أثبت فرانسيس كريك بالتجربة الطبيعة الثلاثية للكودونات عام ١٩٦١. وبدأ عالم الكيمياء الحيوية الأمريكي مارشال نيرنبرج عام ١٩٦١ في تحديد أيٍّ من ثلاثيات قواعد النيوكليوتيدات للكودون يُحدد أيًّا من الأحماض الأمينية، وذلك عندما حدَّد أن UUU ترمز إلى الحمض الأميني الفينيل ألانين. وباستمرار العمل التجريبي من جانب نيرنبرج وآخرين، حُدِّدَ التناظر الكامل بين الكودونات والأحماض الأمينية بحلول عام ١٩٦٦.
ويبين الجدول الآتي العلاقة بين الكودونات التي تتكون من ثلاثة حروف والحمض الأميني الذي يُضيفه الآر إن إيه إلى جزيء بروتين في طور التكوين. وتستخدم الجداول قواعد نيوكليوتيدات الآر إن إيه وهي U وC وA وG بدلًا من قواعد الدي إن إيه وهي T وC وA وG. وتشير كودونات البدء والتوقُّف إلى بداية عملية نسخ الآر إن إيه ونهايتها.
G A C U
U UGU = Cys UAU = Tyr UCU = Ser UUU = Phe U
C UGC = Cys UAC = Tyr UCC = Ser UUC = Phe
A UGA = Stop UAA = Stop UCA = Ser UUA = Leu
G UGG = Trp UAG = Stop UCG = Ser UUG = Leu
U CGU = Arg CAU = His CCU = Pro CUU = Leu C
C CGC = Arg CAC = His CCC = Pro CUC = Leu
A CGA = Arg CCA = Gln CCA = Pro CUA = Leu
G CGG = Arg CAG = Gln CCG = Pro CUG = Leu
U AGU = Ser AAU = Asn ACU = Thr AUU = Ile A
C AGC = Ser AAC = Asn ACC = Thr AUC = Ile
A AGA = Arg AAA = Lys ACA = Thr AUA = Ile
G AGG = Arg AAG = Lys ACG = Thr AUG = Met
U GGU = Gly GAU = Asp GCU = Ala GUU = Val G
C GCG = Gly GAC = Asp GCC = Ala GUC = Val
A GGA = Gly GAA = Glu GCA = Ala GUA = Val
G GGG = Gly GAG = Glu GCG = Ala GUG = Val

والجدير بالذكر أن معظم الأحماض الأمينية تُحدد بواسطة أكثر من كودون واحد. ويعني هذا التكرار في الغالب أن الحمض الأميني نفسه يُحدد بصرف النظر عن أي قاعدةٍ موجودة في الموقع الثالث في الكودون. وحيث إن هذا الموقع الثالث يكون في الغالب موقعًا يُقْرَأ على نحوٍ خاطئ، فإن التكرار يُقلل من الآثار الناجمة عن أخطاء القراءة.

يدرج الجدول الآتي كلًّا من الأحماض الأمينية العشرين وما يُقابله من كودونات وعمليتي بناء البروتينات.

UUA, UUG, CUU, CUC, CUA, CUG Leu AUG, GUG START
AAA, AAG Lys GCU, GCC, GCA, GCG Ala
AUG Met CGU, CGC, CGA, CGG, AGA, AGG Arg
UUU, UUC Phe AAU, AAC Asn
CCU, CCC, CCA, CCG Pro GAU, GAC Asp
UCU, UCC, UCA, UCG, AGU, AGC Ser UGU, UGC Cys
ACU, ACC, ACA, ACG Thr CAA, CAG Gln
UGG Trp GAA, GAG Glu
UAU, UAC Tyr GGU, GGC, GGA, GGG Gly
GUU, GUC, GUA, GUG Val CAU, CAC His
UAG, UGA, UAA STOP AUU, AUC, AUA Ile

(٨) طي البروتين

إن البروتينات، التي تُعَد المنتج النهائي للعمليات المُعقدة التي يقوم بها كلٌّ من الدي إن إيه والآر إن إيه والإنزيمات البروتينية، تأخذ على عاتقها جزءًا كبيرًا من عملية صنع الحياة؛ مجازًا وحقيقةً. ويُوجَد نوعان مختلفان تمامًا من البروتينات، يُطلَق عليهما البروتينات الكروية والبروتينات الهيكلية بناءً على تركيبهما، وهما يؤدِّيان مجموعة مُدهشة من الوظائف:
  • المُحفزات الإنزيمية. تلتفُّ البروتينات الكروية بإحكام حول جزيئات مُعينة وتحفز حدوث التفاعلات الكيميائية اللازمة لاستمرار الحياة.

  • الدفاع. تقوم بروتينات كروية مختلفة بمهمةِ الدفاع ضد جزيئات مُعينة «تتوافق» مع أشكال البروتينات.

  • النقل. تنقل مجموعة أخرى من البروتينات الكروية جزيئات صغيرة، وهذا أيضًا بناءً على أشكال كلٍّ من البروتين والجزيء المنقول. فمثلًا، يُوجَد لدى بروتين الهيموجلوبين تجويف يتوافق مع شكلِ وحجم جزيء الأكسجين، وهذا التجويف ينقل الأكسجين في الدم ثم يُطلقه متى تكون هناك حاجة إليه. ولنُقارن هذه العملية بما يحدث عندما يدخل جزيء أول أكسيد كربون في تجويف الهيموجلوبين و«يعلق» داخلها، حيث يحول دون قدرة الهيموجلوبين على نقل المزيد من الأكسجين.

  • الدعم الهيكلي. يُعد الكولاجين أكثر البروتينات الهيكلية وفرةً في أجساد الفقريات. وهو يعد التركيب الجزيئي الداعم لبناء العظام والأربطة والأوتار والجلد.

  • الحركة. تنزلق جزيئات الأكتين والميوسين، مُحدثة انقباضَ العضلات.

  • التنظيم. تعمل البروتينات كمُستقبلات على سطح الخلية وكمنظمات داخلية لعمل الجينات مثل مثبطات لاك (انظر الفصل الرابع).

وتُعد أشكال البروتينات مهمةً جدًّا لمسألة إتمام هذه البروتينات لوظائفها المتعددة. وهذه الأشكال مُعقدة جدًّا. فإذا اعتبرنا أن سلسلةً طويلة من الأحماض الأمينية، التي تصنع بروتينًا ما، تُشبه أحد الخيوط، فإن الشكل الوظيفي للبروتينات يُشبه إذن سلة منسوجة بشكل مُعقد من هذا الخيط.
اكتشفت البنية المعقدة ثلاثية الأبعاد للبروتينات للمرة الأولى في الثلاثينيات من القرن الماضي، وذلك عندما وجد العالم دبليو تي أستبوري أنماطًا شديدة الاختلاف من حيود الأشعة السينية في شَعر آدمي عادي وآخر مفرود. واستغل عالم الكيمياء الأمريكي ليناس باولينج — بالتعاون مع العالم روبرت سي كوري عام ١٩٥١ — معرفته بالروابط الكيميائية، لاستنتاج أن أبسط جزيئات البروتين قد يكون لديها بِنية تُشبه الحلزونات (يطلق عليها ألفا، α) أو صفائح مطوية (يطلق عليها بيتا، β).

(وفي إنجلترا، خشِي العالمان جيمس واطسون وفرانسيس كريك من أن يسبقهما باولينج في التوصُّل إلى بِنية الدي إن إيه. ولكن تبيَّن فيما بعد أن باولينج كان يستنِد إلى بياناتٍ خاطئة قادته إلى الاعتقاد بأن الدي إن إيه ثلاثي الحلزون وليس ثنائي الحلزون الذي توصَّل إليه واطسون وكريك عام ١٩٥٣، مُستخدِمين البيانات الرائعة لروزاليند فرانكلين عن حيود الأشعة السينية.)

وبعد وقت قصير من استنتاجات باولينج وكوري، افترض الباحث الكيميائي الدانماركي كيه ليندرستروم-لانج وجود تسلسُل لبنية البروتين يشتمل على أربعة مستويات، وذلك أيضًا على أُسس نظرية. (انظر شكل ٣-٦.) ولكن أضافت المفاهيم الحالية مُستوَيين آخرين لبنية البروتين، واللذين سنتعرَّض لهما بعد عرض بعض البيانات التجريبية.

وفي عام ١٩٥٧، حدَّد عالم الكيمياء جون سي كيندرو — وذلك بعد استكماله لمشروع ضخم استخدم فيه التصوير البلوري بالأشعة السينية بجامعة كامبريدج في إنجلترا — بِنيةً ثلاثية الأبعاد دقيقة لبروتين الميوجلوبين المسئول عن نقل الأكسجين في العضلات. قال كيندرو عندما حلَّل النتائج النهائية: «ربما تكون أكثر السمات المميزة للجزيء هي تركيبه المعقد وافتقاره للتناظر.» والخلاصة هي أن البروتينات بصفةٍ عامة تملك أشكالًا ثلاثية الأبعاد مُلتفة وملتوية ومعقدة. ويتعين حتى على أكثر الباحثين خبرةً العمل باجتهادٍ كبير لرصد مناطق الانتظام في نماذج البروتينات. ومن هنا، تكتسب المعرفة بتسلسل بِنية البروتين أهميتَها الكبيرة.

وتُحدَّد البِنية الأولية للبروتين عن طريق سلسلة الأحماض الأمينية التي يبنيها الآر إن إيه، وذلك وفقًا لمواصفات الدي إن إيه. فإذا كان هناك بروتين بطول ١٠٠ حمض أميني فيمكن أن يشغل كل موضعٍ من المواضع المائة في التسلسل أيٌّ من الأحماض الأمينيَّة العشرين، ولذا فهناك احتمال تكوين حوالي ٢٠١٠٠ تسلسل بروتين مُحتمل مختلف. ويفسر هذا الرقم الضخم (١٠١٣٠) — والذي يفوق عدد ذرَّات المادة العادية في الكون — احتمال تكوُّن بروتينات مختلفة كثيرة جدًّا.
تتكوَّن البنية الثانوية للبروتين من الحلزون ألفا (α) وصفيحة البيتا (β) المطوية اللذَين تنبَّأ بهما باولينج. وتنشأ هذه التراكيب نتيجة انجذاب المناطق الموجبة الشحنة في الجزيء إلى المناطق السالبة الشحنة به، وتأثيرات كهربائية أخرى.
تدمج البنية الثانوية الفائقة، غير الموضحة بالشكل، اثنتَين أو أكثر من البِنى الثانوية، والتي يُطلَق عليها الموتيفات. وتتكوَّن الطيَّة أو الثنية بشكلٍ عامٍّ من موتيف βαβ؛ وتتكون الطية المُسمَّاة بطية روسمان من الموتيف βαβαβ؛ وهناك موتيف آخر شائع وهو برميل β، وهو صفيحة β مطوية تتَّخِذ شكل أنبوب.

وأما عن البنية الثلاثية، فهي في الغالب تتكوَّن عن طريق التفاعل بين الجزيء والماء، وهي تحشر أجزاءً من الجزيء داخلها بشكلٍ غاية في الإحكام، ولذا فلا يُوجَد إلا مساحة صغيرة فارغة بالداخل. ويوضح هذا الحشر المُحكم لماذا يُمكن لبعض الطفرات التي تحلُّ محلَّ حمضٍ أميني مختلف الحجم أن تُبدِّل أشكال البروتينات بشكلٍ مفاجئ، لدرجة أن هذه البروتينات عندئذٍ لا تستطيع القيام بأدوارها الطبيعية في أيض الكائنات.

يعد النطاق، غير الموضح بالشكل، جزءًا من البروتين، ويكون في الغالب بطول مئات الأحماض الأمينية، وينتج عنه شكل مميز على نحوٍ مستقل عن باقي الجزيء. وقد تُشبه النطاقات العُقَد المعقودة في حبلٍ طويل.

يُطلق مصطلح البنية الرباعية على الوضع الذي يجتمع فيه اثنتان أو أكثر من سلاسل الأحماض الأمينية، يُطلَق عليها المجموعات الفرعية، لتكوين بروتين وظيفي واحد. فعلى سبيل المثال، يتألف الهيموجلوبين من مجموعتَين فرعيتَين من سلسلة ألفا ومن وحدتَين فرعيتَين من سلسلة بيتا. ويرجع مرض الأنيميا المنجلية إلى طفرة يُستبدل فيها حمض أميني مختلف في أحد أركان إحدى الوحدات الفرعية لبيتا، التي تنشئ ما يُشبه رقعةً لاصقة تربط جزيئًا من الهيموجلوبين بجزيء آخر. فتصبح السلسلة الجزيئية الناتجة طويلة جدًّا لدرجة تمنعها من القيام بوظيفتها الطبيعية.

وتعتبر البنية الأولية للبروتين، التي تُعد غير نشطة بيولوجيًّا، قابلة أيضًا للتفاعل مع جزيئات أخرى، مما قد يُغير من بِنيتها ووظائفها. لذلك تنتقل البروتينات غالبًا من المرحلة الأولية إلى المرحلة الثلاثية أو الرباعية في خلال دقائق أو حتى في خلال أجزاءٍ قليلة من الثانية. ويُطلق على هذه العملية مصطلح الطي. وعلى الجانب الآخر، عندما تتغيَّر الظروف البيئية المُحيطة بالبروتين (الحرارة، ونسبة الحموضة، وتركيز الأيونات)، فقد يتغير شكل البروتين أو ينبسط. ويُطلَق على هذه العملية العكسية التمسُّخ. على سبيل المثال، فإن إضافة الملح أو الخل إلى الطعام يُغير من طبيعة بروتينات الكائنات الدقيقة التي تنمو بطبيعتها في الطعام وبالتالي تحفظه.

وفي الكثير من الحالات يمكن أن تتمسَّخ البروتينات، ومن ثم تُعيد هذه البروتينات طيَّ نفسها من جديد لتعود إلى شكلها البيولوجي النشط وتستكمل عملها كما لو أن شيئًا لم يحدث. لكن قد يقع أحيانًا خلل في الطي. ومثال ذلك، إذا سلقتَ بيضةً فالبروتينات تنبسط في بياضها. إلا أنه عندما تبرد هذه البيضة، فهي لا تطوي نفسها من جديد لتُعيد تكوين البياض الأصلي. بل تصنع كتلةً غير قابلة للذوبان (تذكر البيض جيد السلق).

وتتأثر عمليات طي البروتين والخلل في طيِّها ببروتينات أخرى يُطلَق عليها البروتينات المرافقة، التي تعمل عادة على المساعدة في عمليات الطي عن طريق زيادة سرعتها ومنع حدوث خللٍ في الطي. وقد جرى التعرُّف على أكثر من ١٧ بروتينًا مرافقًا، والتي يقوم بعضها بعملية إصلاح البروتين المُختل طيه بالفعل عن طريق إعادة طيِّه. ويتواصل البحث المُكثف بشأن الخلل في عمليات الطي الذي قد يؤدي إلى مرض ألزهايمر وجنون البقر.

وبسبب الأعداد الضخمة للبروتينات ذات الصلة والأعداد الأكبر من الطيات المحتملة التي يمكن أن تخضع لها هذه البروتينات، يتطلَّب البحث في هذا الميدان أجهزة كمبيوتر فائقة للبحث في جميع الحالات. وكما حدث مع البيانات التي نشرها مشروع «البحث عن ذكاء خارج الأرض»، يمكنك أيضًا تنزيل العمليات الحسابية الخاصة بطيِّ البروتين على الكمبيوتر المنزلي الخاص بك وتنفيذها في الخلفية في وضع شاشة التوقف. وإذا كنتَ مهتمًّا بالأمر، اذهب إلى موقع الويب التالي: http://folding.stanford.edu/. لقد شغَّل هذا البرنامجَ أكثرُ من ٦٠ ألف جهاز كمبيوتر، مما قدَّم مساهمة ملموسة للمشروع المعروف ﺑ Folding@Home.
إليك مصدر إضافي: www.faseb.org/opar/protfold/protein.html.

(٩) التقنيات الجينية

بما أن الأنظمة التشغيلية لكافة الكائنات الحية تعتمِد على الدي إن إيه، فقد أدت القدرة على قطع الدي إن إيه وإعادة ترتيبه ثم تجميعه مرة أخرى إلى استحداث مجموعةٍ جديدة كاملة من التقنيات يُطلَق عليها التقنيات الجينية.

لقد أثرت هذه التقنيات بالفعل على الكثير من النباتات والحيوانات. فلِسنوات سعى مربو الحيوانات واختصاصيو الزراعة لتعديل الدي إن إيه من خلال الانتقاء الصناعي. وقد أُجْرِيَ حديثًا المزيد من التعديلات الجينية المباشرة. وكان من بين الصفات العديدة التي عُدِّلَت: مقاومة مُبيدات الأعشاب الضارة وتثبيت النيتروجين ومقاومة الحشرات. وقد أدت زيادة محاصيل المواد الغذائية ذات القيمة الغذائية المُرتفعة إلى إفادة البشرية.

هناك تبعات أخلاقية للتطبيقات المباشرة للتقنيات الجينية على البشر والتي يجب أن تُوضَع في الاعتبار قبل محاولة تنفيذ أي تطبيق، خاصة في ظلِّ عدم اكتمال فَهمنا للبروتيوم البشري، وبالتالي الجهل بالتأثير غير المعلوم للتعديلات الجينية على الصفات البشرية (انظر الفصل الرابع).

إن للتطبيقات غير المباشرة للتقنيات الجينية تأثير عميق بالفعل على البشر. وتوضح القائمتان التالِيتان مجموعة من مشروعات التقنية الحيوية الجارية الآن.

تُسْتَخدم البكتيريا لإنماء البروتينات المُهمة للبشرية التي كان يصعب الحصول عليها في السابق. وإليك بعض الأمثلة:
  • الإريثروبويتين، الذي يُحفز إنتاج خلايا الدم الحمراء.

  • هرمون النمو، الذي يساعد في حدوث النمو الطبيعي.

  • الإنسولين، المفيد في علاج مرض السكر.

  • الإنترفيرون، الذي يستخدم في علاج عدد من الأمراض على الرغم من أن آليات عمله لا تزال غير مفهومة بشكل كامل.

  • البلازمينوجين النسيجي، الذي يذيب الجلطات الدموية.

وتُعالج حاليًّا الأمراض البشرية بشكلٍ مباشر من خلال العلاج الجيني. من بين هذه الأمراض:
  • الإيدز.

  • نقص مضاد التريبسين ألفا-١.

  • بعض أنواع السرطان.

  • داء الورم الحبيبي المزمن.

  • التليُّف الكيسي.

  • فرط كوليسترول الدم العائلي.

  • أنيميا فانكوني.

  • داء جوشيه.

  • الهيموفيليا.

  • متلازمة هانتر.

  • داء الأوعية الطرفية.

  • نقص فوسفوريليز نيوكليوسيد البيورين.

  • التهاب المفاصل الروماتويدي.

  • العوز المناعي المشترك الشديد.

مثل هذه القوائم تكون غير كاملة لحظة نشرها. فالأمراض تزداد يومًا بعد يوم. وللحصول على أحدث المعلومات يُمكنك مراجعة المواقع الآتية التي تتضمَّن آخر الأخبار عن التقنية الحيوية:

إن تطور مفهومنا عن القسيمات الطرفية (التيلوميرات) يُعد مثالًا على كيفية تحول المعرفة الخاصة بعمل الجينوم/البروتيوم إلى تقنية. يتكون القسيم الطرفي، الذي هو جزء مُتكرر في نهاية الكروموسوم، غالبًا من التسلسُل TTAGGG مُتكرر لعددٍ من المرات. ذلك يُشبه إنهاء جملة بالكلمات «وهكذا، وهكذا، وهكذا …» على نحوٍ ما، قد يُنظر إلى هذه التسلسلات المتكررة على أنها دي إن إيه «عديم الفائدة»، لأنها لا تُشفر أي بروتين. إلا أنه في كل مرةٍ يتضاعف فيها الدي إن إيه تنفصل واحدة من التسلسُلات المتكررة من جزيء الدي إن إيه، فيقل طوله. وبعد أن تنفصل كافة التسلسلات المتكررة، وفي أثناء المرة التالية التي يتضاعف فيها الدي إن إيه، فإن القواعد التي تنفصل لا تكون كما كانت أغطية طرفية مُتكررة لكنها تُصبح جزءًا من الدي إن إيه المهم لتحديد البروتينات. يُشار إلى هذا الفعل، الذي يرتبط بشكلٍ مباشر بشيخوخة الخلية، بحد هايفليك. فالقواعد الأساسية لبناء بروتين مُعين لا تُصبح موجودة، لذلك فإنه لا يُبنى البروتين على النحو الصحيح وبالتالي لا يفي البروتين بوظيفته. إذا كان دور هذا البروتين في عملية الأيض جوهريًّا لحياة الكائن الحي ففي هذه الحالة تكون النتيجة هي الموت.
لنفترض أن الكائن يستخدم هذا البروتين لمكافحة فيروس معين. إن هذا البروتين بُنِي بشكلٍ سليم في بداية حياة الكائن، وبالتالي جرت محاربة الفيروس الذي يواجهه بشكلٍ ناجح. لكن بمجرد انفصال كل تسلسلات TTAGGG المُتكررة، فلا يُبنى المزيد من هذا البروتين الذي يكافح الفيروس، وبالتالي فقد ينتشر الفيروس دون رادع. وقد يكون هذا هو السبب وراء فتك الفيروسات المُصفرة، خاصة من نوع غرب النيل، بالأشخاص المُتقدمين في العمر.
من ناحية أخرى فإن خلايا السرطان لا تشيخ. فهي تتكاثر بدون حد. لذا، فما الذي حدث لتسلسلات TTAGGG المُتكررة التي كان من المُفترض أن تنفصل تمامًا؟ لقد تبيَّن أن ثمة إنزيمًا يُطلق عليه اسم التيلوميريز، عندما يكون نشطًا تعود تسلسلات TTAGGG المفقودة إلى أطراف الكروموسومات مما يُتيح للخلية أن تتكاثر بمعدلٍ أعلى من معدلها الطبيعي. لذا تتمثَّل إحدى الاستراتيجيات المُمكنة لمكافحة بعض الأمراض السرطانية في البحث عن وجود التيلوميريز المُنشِّط. من جهة أخرى فإن إضافة التيلوميريز في الحالات غير المُهددة بمرض السرطان قد يعمل على إطالة عمر الكائن الحي. أو أن تعطيل نشاط التيلوميريز بعد علاج السرطان قد يُقلل من احتمالات عودة المرض. إن الأبحاث المُستمرة على هذا الموضوع المُشوق لها مجموعة واسعة من التبعات الدوائية.

هذا التطوُّر السريع في مجال التقنية الحيوية أصبح ممكنًا بعد تخطيط جينومات الكائنات النموذجية والجينوم البشري. إلا أنه نظرًا لأن الجينوم البشري الذي جرى تخطيطه كان مركبًا (والذي تضمَّن إسهامًا من جانب أحد الباحثين الرئيسيين في المشروع)، فإن تطوير أدوية أو علاجات جينية مُصممة خصوصًا للأفراد ليس مُمكنًا بعد.

لكن هذا الوضع على وشك التغيير. ففي ١٥ أغسطس ٢٠٠٢، أعلن جيه كريج فينتر عن خُططه لإنشاء مركز جديد لتحديد تتابُع الدي إن إيه، يُديره معهد أبحاث الجينوم، ومركز تطوير علم الجينوم، ومعهد بدائل الطاقة البيولوجية. تشمل أهداف هذه المعاهد تحديد تتابع الجينوم الكامل لشخصٍ معين، وإتمام التحليل خلال دقائق أو ساعات وليس شهور أو سنوات، وإنجاز هذه المهمة بكلفة تتراوح بين ألفين إلى ٣ آلاف دولار وليس مئات الملايين من الدولارات التي تطلَّبها مشروع الجينوم البشري. وبالرغم من قول فينتر إن «التقنية الحالية ليس بمقدورها إنجاز أيٍّ من هذه المهام»، فإن الهدف هو إنجاز ذلك خلال ١٠ سنوات. وبمجرد أن تُصبح هذه التكنولوجيا الجديدة جاهزة، يُخطط فينتر لتحديد تتابع جينوم كافة الميكروبات في عينة من مياه المحيط في آنٍ واحد، كطريقة لمراقبة الأنظمة البيئية. قد تبدو هذه الخطط متفائلة بصورة كبيرة، إلا أن سجل الإنجازات السابقة لفينتر يجعل هذه التنبؤات مُمكنة.

(١٠) غازات الدفيئة

توفر الدفيئة بيئةً دافئة للنباتات، ذلك لأن الألواح الزجاجية تسمح للضوء المرئي ذي التردُّد الأعلى المُنبعث من الشمس بالمرور خلالها بكل سهولة، في حين تعكس هذه الألواح الزجاجية نفسُها الأشعة تحت الحمراء ذات التردُّد الأقل المُنبعثة من النباتات داخل الدفيئة، ومن ثم تُبقِيها. وتعمل الألواح الزجاجية أيضًا على حبس الهواء الساخن. وكما ناقشنا في الفصل الخامس، فإن كوكب الزهرة وكوكب الأرض وكوكب المريخ لديها أسطح أكثر دفئًا بكثيرٍ وذلك بسبب الغلاف الجوى الذي يعمل مثل الزجاج في الدفيئة.

يوضح شكل ٥ تفاعل الإشعاع مع كوكب الأرض. إن الضوء المرئي المُنبعث من الشمس ينتقِل في الأغلب عبر الغلاف الجوى للأرض (رقم ١ بالشكل)، مع مقدارٍ صغير فقط تعكسه السُّحب. أما الطاقة فتُمْتَصُّ جزئيًّا بواسطة سطح الأرض (٢) وتنعكس جزئيًّا (٣). تُعيد جزيئات السطح بعدئذٍ انبعاث الطاقة بتردُّدٍ أقل، في نطاق الأشعة تحت الحمراء في الطيف (٤). وتعكس الغازات الموجودة بالغلاف الجوى المُحيط بالأرض مقدارًا كبيرًا من الأشعة تحت الحمراء إلى السطح (٥)، بينما تسمح للبعض منها بالعودة للفضاء (٦). أما النتيجة النهائية فتتمثَّل في أن سطح الأرض ترتفع درجة حرارته، تمامًا مثلما ترتفع درجة حرارة الدفيئة.

تتكوَّن الغالبية العُظمى من الغلاف الجوى للأرض من النيتروجين والأكسجين اللذَين لا يعكسان الأشعة تحت الحمراء مرة أخرى لسطح الكوكب. وبعض غازات الغلاف الجوي الأخرى تُحقق هذا التأثير، ويُطلق عليها، على نحوٍ ملائم، اسم غازات الدفيئة. وتشمل غازات الدفيئة الموجودة بشكلٍ طبيعي بالغلاف الجوي بخار الماء وثاني أكسيد الكربون والميثان وأكسيد النيتروس والأوزون. وتزيد التطبيقات التكنولوجية بشكلٍ كبير من مقدار كلٍّ من هذه الغازات، كما تُولِّد الكثير من غازات الدفيئة التي لا تتواجد في الطبيعة.

ويُمثل غاز ثاني أكسيد الكربون ٧٦٪ من إجمالي غازات الدفيئة. ومن بين المصادر الطبيعية لثاني أكسيد الكربون الانفجارات البركانية وتحلل النباتات والحيوانات الميتة والتبخُّر من المُحيطات وناتج تنفُّس الحيوانات التي تتنفَّس الأكسجين. ويتلاشى ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي بفعل الامتصاص من قبل مياه البحر والبناء الضوئي للعوالق التي تعيش في المُحيطات والكتلة البيولوجية التي تعيش على الأرض، بما في ذلك الغابات والأراضي العشبية (التي يُطلق عليها «مصارف ثاني أكسيد الكربون»). أما النشاطات البشرية التي ينبعث من خلالها ثاني أكسيد الكربون إلى الغلاف الجوي فتشمل حرق المُخلفات الصلبة وأنواع الوقود الحفري والأخشاب والمنتجات الخشبية.

fig76
شكل ٥: تفاعل الإشعاع مع كوكب الأرض.

يُسمَّى الميثان، الذي يشكل ١٣٪ من غازات الدفيئة، أيضًا بغاز المُستنقعات. وهو ينبعث من خلال التحلل النباتي، في حقول الأرز بوجهٍ خاص، بفعل البكتيريا التي تُحلل المادة العضوية في الأراضي الرطبة، وفي أمعاء الكثير من الحيوانات (تذكَّر الأبقار المُتجشِّئة). ويولَّد الميثان الناتج عن النشاط البشري من خلال استخراج ونقل الوقود الحفري، وتحلل المخلفات الصلبة بأماكن دفن النفايات، وتربية الماشية.

يشكل أكسيد النيتروس ٦٪ من غازات الدفيئة، ويصدُر بشكلٍ طبيعي من قبل المُحيطات وبسبب النشاط البكتيري في التربة. ويزيد الإنسان من مقدار هذا الغاز من خلال الأسمدة النيتروجينية، ووحدات معالجة الصرف الصحي وعوادم السيارات والشاحنات.

وهناك ما يقرُب من ٥٪ من غازات الدفيئة تنتج من مصادر من صنع الإنسان بالكامل. وهذه المصادر تشمل مركبات الهيدروفلوروكربون (HFCs)  ومركبات البيرفلوروكربون (PFCs) وسادس فلوريد الكبريت (SF6)، التي تستخدم في الكثير من العمليات الصناعية المُختلفة.

لقد أثارت التنبُّؤات الحديثة الخاصة بالاحتباس الحراري اهتمامًا كبيرًا بغازات الدفيئة. وكما هو الحال غالبًا فيما يتعلق بالقضايا العالمية، نجد هناك اعتبارات علمية وتكنولوجية واقتصادية وأخلاقية مُرتبطة بعضها ببعض. ومعظم هذه الاعتبارات لا علاقة لها بعرضنا هنا، لذا فهيا بنا نستكشف بعض الأجزاء العلمية المرتبطة بمناقشاتنا عن الطقس في الفصل الخامس.

أولا، دعونا نلقي نظرة على شكل ٦ الذي يعرض بيانات قديمة عن درجة الحرارة.
fig77
شكل ٦: متوسط درجة حرارة سطح الأرض.

يوضح الرسم البياني أن متوسط درجة حرارة الأرض قد ارتفع بمقدار درجة فهرنهايت واحدة تقريبًا في المائة عام الأخيرة. وهناك دلالات أخرى على ارتفاع حرارة الأرض في الماضي تشمل انحسار الأنهار المُتجمِّدة، وانصهار الأغطية الجليدية في القطب الشمالي والقطب الجنوبي، وزيادة التبخُّر والترسُّب، وارتفاع منسوب المحيطات. ويتضح من ذلك أن درجة حرارة الأرض في ارتفاع مُستمر.

ولكن هل سبب تلك الزيادة في درجة الحرارة هو الزيادة الأخيرة في غازات الدفيئة؟ هيا بنا نتفحَّص شكل ٧.
لقد خلصت اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التابعة للأمم المُتحدة والتي تتكوَّن من ٢٠٠٥ علماء إلى أن غازات الدفيئة هي المُتسببة في ذلك. (انظر هذا الموقع: www.ipcc.ch/.) ربما تظن أن المصادر الطبيعية لغازات الدفيئة أكبر بكثيرٍ من المصادر الناتجة عن النشاطات البشرية لدرجة أن الزيادة قد تكون ناتجةً عن شيءٍ ما بجانب النشاطات البشرية. لكن في الحقيقة، يعتقد العلماء المُختصُّون بالغلاف الجوي أن هناك تقريبًا توازنًا بين المصادر الطبيعية التي تُولِّد تلك الغازات والنظم الطبيعية التي تمتصُّها، لذلك فربما تكون الزيادات الملحوظة ناتجة عن مصادر متعلقة بالنشاطات البشرية.
fig78
شكل ٧: التركيزات الجوية لغازات الدفيئة.

وإلى جانب انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون من خلال حرق أنواع الوقود الحفري والأخشاب، نجد أن هناك نشاطًا بشريًّا آخر كان له تأثير كبير على المُستويات الجوية وهو قطع أشجار الغابات. ففي المناطق الاستوائية نجد أن قطع الأشجار لغرض الزراعة ورعي الحيوانات يجعلنا نفقد ٣٥٠٠ فدان من الغابات كل ساعة. وينبعث غاز ثاني أكسيد الكربون إلى الغلاف الجوي عند احتراق الأشجار، كما يزيد قطع أشجار الغابات من مصارف ثاني أكسيد الكربون المتاحة سنويًّا.

يجب أيضًا البحث في دورات الغازات الجوية الطويلة المدى لنرى هل التغيُّرات الحالية جزءٌ من نمطٍ أطول أم لا. وباستخدام السجلَّات الرسوبية لوحظ حدوث تغيُّر دوري كبير في محتوى غاز ثاني أكسيد الكربون في الماضي الجيولوجي البعيد، ولكن البيانات غير مُكتملة، كما أننا نفتقر إلى معرفة أسباب هذه التغيرات.

إذا استمرَّ هذا الارتفاع في درجات الحرارة، فسوف تكون هناك عواقب وخيمة عديدة. فإضافة إلى التأثيرات السلبية الواضحة لارتفاع منسوب مياه البحار والتي تتضمَّن جعل بعض المناطق الساحلية غير صالحة للسُّكنى وكذلك زيادة ملوحة البحيرات والجداول العذبة، فستزيد حالات الطقس المُتطرفة سوءًا مما يؤدي إلى فقدان الحياة وتدمير المُمتلكات. وستكون هناك أيضًا مشكلات صحية؛ فالأمراض والحشرات الاستوائية ستنتقل إلى المناطق المعتدلة، وسوف تزداد أمراض أخرى على نحوٍ كبير مثل مرض السُّكر والملاريا وضربات الشمس والإجهاد الحراري ومشكلات التنفس.

وكما ناقشنا في الفصل الخامس، نجد أن النماذج المناخية الحاسوبية تتضمَّن مشكلاتٍ كبيرة: صعوبات في وضع النماذج، وتباين النشاط الشمسي، وتباين النشاط السحابي، والتعقيد الرياضي، وحلقات التغذية الراجعة التي ترجع إلى المتغيرات المناخية المترابطة غير الخطية، والحجم الكبير جدًّا للشبكة، والندرة الشديدة للبيانات. وكما هو الحال فيما يتعلَّق بالطقس، اعتمد التقرير النهائي للجنة الحكومية الدولية المَعنية بتغير المناخ على التنبُّؤ التجميعي. وقد تنبَّأ التقرير بوقوع آثارٍ بالِغة الضرر على صحة الإنسان والنظم البيئية الطبيعية والزراعة والمُجتمعات الساحلية، ولكنه أقرَّ في الوقت نفسه بعدم اليقينية التامة لأيٍّ من هذه الأمور.

وهناك وجهة نظر بديلة تلقى اتفاقًا قويًّا تقضي بأن الاحتباس الحراري الحالي هو ببساطةٍ جزء من دورةٍ ما أكبر لا نُدركها بشكلٍ كامل، وأن أي إجراءاتٍ من جانب البشر بشأنها لن تكون مُجدية.

ولا تزال الدراسات والأبحاث حول إمكانية اتخاذ إجراءات واسعة النطاق للحد من انبعاث غازات الدفيئة على مستوى العالم جارية، ولكن يُواجِه أصحاب القرار بهذا الشأن صورةً ضبابية نتيجة لعدم التأكد بشكلٍ كامل من هذه الاحتمالات، على الأقل في الوقت الحاضر.

زُر موقع الويب الخاص بالاتحاد الجيوفيزيقي الأمريكي: www.agu.org/eos_elec/99148e.html. وللاطلاع على أحدث الأخبار، ابحث على شبكة الإنترنت عن عبارة «غازات الدفيئة» أو «الاحتباس الحراري».

قد تقلُّ مُشكلات الاحتباس الحراري في المستقبل إذا قلَّلتِ الدول المتقدمة استخدام الوقود الحفري وتوسعت في مصادر الطاقة المُتجددة مثل طاقة الماء والرياح والشمس. تستخدم الطاقة النووية في أوروبا، ولكن توليدها واستخدامها يتضمَّنان اعتباراتٍ مهمة تتعلق بالأمان والتخلُّص من النفايات. كما أن دول العالم الثالث تحتاج إلى تخفيض معدل المواليد بها. ويجب أن يجري التفكير في العوامل البيئية والاقتصادية والسياسية قبل تفعيل أي خُطط.

(١١) باطن الأرض

عندما تكوَّن كوكب الأرض، صنَّفت الجاذبية المواد الأولية طبقًا لكثافتها، حيث استقرت أكثر المواد كثافة في مركز الأرض، وطفت أقل المواد كثافة وأصبحت تُمثل القشرة الأرضية. يُبين شكل ٨ نموذجًا لباطن الأرض.

إن «القشرة الأرضية» هي الطبقة الخارجية. وهي الأقل كثافة، وتنقسِم إلى عدة صفائح صخرية صلبة ورفيعة، تتحرك ببطءٍ بسبب الحركات التي تحدُث في الوشاح.

fig79
شكل ٨: باطن الأرض.

أما «الوشاح»، فيُمثل الطبقة التالية. ويُعتبر أكثر الطبقات سمكًا، وهو طبقة دافئة وسائلة نسبيًّا مقارنة بالقشرة الأرضية، وبه بُقَع ساخنة تؤدي إلى وجود تيارات حمل حراري (مثل الماء الذي يتعرض للغلْي المستمر والشديد ولكن بشكلٍ أبطأ كثيرًا). كما أن التيارات الموجودة بهذه الطبقة تسحب الصفائح بقوةٍ مما يؤدي إلى حدوث الزلازل والبراكين وتمدُّد قاع البحار والانجراف القاري.

الطبقة التالية هي «اللب الخارجي»، وهي طبقة ساخنة وسائلة. وهي تتكوَّن من الحديد والنيكل الكثيفَين اللذَين يتحركان بسبب دوران الأرض. وربما يكون المجال المغناطيسي للأرض ناتجًا عن تلك الحركة.

يطلق على الطبقة الداخلية «اللب الداخلي». وفي حين تتكوَّن هذه الطبقة أيضًا من الحديد والنيكل الساخنَين، فإن هذين المُكونَين يكونان تحت ضغط شديد بحيث نجد أن اللب الداخلي يكون صلبًا، وأكثر الطبقات من حيث الكثافة.

وللحصول على المزيد من التفاصيل الخاصة بكيفية تطوُّر هذا النموذج والدليل التجريبي الذي يدعمه، انظر كتاب «أكبر خمس أفكار في العلوم» تأليف تشارلز إم وين وآرثر دبليو ويجنز (نيويورك: جون وايلي آند صَنز، إنك، ١٩٩٧).

تتضمن المواقع الإلكترونية الآتية معلومات حديثة ورسومًا رائعة:

(١٢) نظرية الفوضى

يا اضطرابًا في نظام! يا نشوزًا في انسجام!

ويليام شكسبير، مسرحية «روميو وجولييت»

كما ناقشنا في الفصل الخامس، لا ينبغي الخلط بين الفوضى والعشوائية. فالفوضى تعني الحساسية البالِغة للنتائج النهائية تجاه التغيرات الطفيفة في الظروف الأولية. وكما تقول أغنية الأطفال القديمة:

فقدان المسمار أضاع الحدوة؛
فقدان الحدوة أضاع الحصان؛
فقدان الحصان أضاع الفارس؛
فقدان الفارس أضاع المعركة؛
فقدان المعركة أضاع المملكة!
قبل ستينيات القرن العشرين حدث تطور رياضي بحت اتضح أن له علاقة بنظرية الفوضى. جُرح جاستون موريس جوليا (١٨٩٣–١٩٧٨) — وهو عالم رياضيات جزائري — في الحرب العالمية الأولى واضطر لارتداء حزامٍ من الجلد ليُغطي به أنفه الذي أُصيب إصابة بالِغة. ونظرًا لاضطراره لقضاء معظم وقته في الخضوع لعمليات جراحية مؤلِمة، فقد أجرى معظم أبحاثه الرياضية في المُستشفيات. وعندما بلغ الخامسة والعشرين من عمره كتب بحثًا بالفرنسية أسماه «مذكرة حول تكرار الدوال». إن الدالة هي ببساطة قاعدة رياضية لإنجاز عملية حسابية، مثلًا constant . إذا كانت والثابت يساوي 3، فإن قيمة الدالة تكون 7. يتحقق التكرار عن طريق استخدام القيمة التي حُسِبَت ﻟ باعتبارها القيمة الجديدة ﻟ . لذلك، إذا كانت ، فإن . درس جوليا تعبيرات أكثر تعقيدًا. فقد اهتم بصفةٍ خاصة بالدوال والقِيَم التي يمكن من خلالها إتمام التكرار دون زيادة النتيجة بشكلٍ مُطَّرد بلا حد. وأُطلق على قِيَم التي أخرجت منها عمليات التكرار المتكررة نتائج محدودة اسم «القيم السجينة». أما إذا أصبحت النتائج كبيرة للغاية فإنه يطلق عليها «القيم الهاربة». وقد أجرى كافة العمليات الحسابية يدويًّا وكانت مسألةً شاقَّة للغاية حتى مع الدوال البسيطة. ومع أن جوليا تمتع بقدر لا بأس به من الشهرة في الأوساط الرياضية في العشرينيات من القرن العشرين، فإن عمله هذا أُهمل تمامًا حتى سبعينيات القرن الماضي.
fig80

قرأ بينوا ماندلبروت، الذي وُلِد في بولندا عام ١٩٢٤، بحث جوليا عام ١٩٤٥ بعد أن قدَّمه إليه عمه وهو أستاذ في الرياضيات. لم يُبد ماندلبروت اهتمامًا كبيرًا بأفكار جوليا في ذلك الوقت. إلا أنه، بعد ٣٠ عامًا، بعد أن حقق مكانةً كبيرة في عمله الأكاديمي، التحق ماندلبروت بالعمل في شركة آي بي إم واستخدم الكمبيوتر لإجراء حسابات جوليا التكرارية. بالإضافة إلى ذلك، أصبح ماندلبروت رائدًا في مجال التقنية الرسومية التي يعرض الكمبيوتر من خلالها نمط التقارُب والانحراف للدالة التي تخضع لعملية التكرار.

fig81
شكل ٩: تصميم ماندلبروت.
ويوضح شكل ٩ مثالًا على الرسوم الحاسوبية الناتجة.

وقد زادت جاذبية عددٍ لا يُحصى من الكتب ومواقع الإنترنت لبعض الوقت بفضل الأنماط الجميلة التي استحدثتها تقنيتا ماندلبروت وجوليا. على سبيل المثال:

كتاب «الفوضى: ابتكار علم جديد» بقلم جيمس جليك (نيويورك: فايكنج بنجوين، ١٩٨٧).

كتاب «استكشاف الفوضى - دليل إلى علم اللانظام الجديد»، تحرير نينا هول (نيويورك: دبليو دبليو نورتون آند كامباني، ١٩٩١).

وموقعا الإنترنت التاليان:

وفي تطور ذي صلة، نشر ستيفن وولفرم كتاب «نوع جديد من العلم» عام ٢٠٠٢ (انظر الموقع www.Wolfram.com). قام عمله على بحثه الشخصي المُتعلق بالخلايا الذاتية السلوك cellular automata. وهي مصفوفة من «الخلايا» المبرمجة بشكلٍ مُتماثل، التي يتفاعل بعضها مع بعض وفقًا لقواعد ثابتة. يمكن توليد الصور الشديدة التعقيد من خلال قواعد غاية في البساطة. تبدو بعض الصور مشابهة جدًّا لأمثلة في الطبيعة، إلا أن الصلة بين رياضيات الفوضى والوصف المُفيد للعالم الواقعي لا يزال يُمثل تحديًا لم يُحَلَّ.

(١٣) التنبؤ بالزلازل

لقد أصبح التنبؤ بحدوث الزلازل من الأمور الشائعة. فبمجرد كتابة عبارة «التنبؤ بالزلازل» في أيٍّ من مُحركات البحث على شبكة الإنترنت سوف نحصل على نتائج بحث تربو في المتوسط على خمسين ألفًا من المواقع المهتمة بهذا الأمر. وتستند بعض هذه التنبؤات على «قراءات» مجنونة. (انظر كتاب «الطفرات العلمية الزائفة: عندما يُطمَس العلم الحقيقي ويسود العلم الزائف» تأليف تشارلز إم وين وآرثر دبليو ويجنز وسيدني هاريس، جوزيف هنري بريس، واشنطن، ٢٠٠١). وتركز الجهود الأخرى على الربط بين الزلازل والتغيُّرات في التيارات الكهربائية في سطح الأرض وسلوك الحيوانات، وتقارُب الكواكب أو أي مؤثرات أخرى. ومع أن أغلب التنبُّؤات تكون خاطئةً فإنه بين الحين والآخر تتضح صحة أحدِها.

ولنفترِض أن صديقك عرض عليك الرهان الآتي. «أُراهنك بعشرين دولارًا على أن زلزالًا كبيرًا سيحدث خلال الشهر القادم داخل المنطقة المُنقطة في الخريطة التي أمامك.»

fig82
شكل ١٠: النطاقات الزلزالية.
لا تقبل الرهان. ففي الغالب سيفوز صديقك به. فالمنطقة المنقطة على الخريطة التي أمامك في شكل ١٠ تتوافق مع حدود الصفائح التكتونية التي تتألف منها القشرة الأرضية. وعندما تسحب تيارات الوشاح (انظر مجلد الأفكار ١١، باطن الأرض) صفائح القشرة الأرضية تكون النتيجة هي الزلازل. وعلى الرغم من حدوث بعض الزلازل في مناطق أخرى بخلاف حواف الصفائح، فإن الغالبية العُظمى من الزلازل تحدث في هذه الحواف. وهذا موجز إحصائي لقوة الزلازل:
القوة بمقياس ريختر (كلما زاد الرقم، اشتدَّت الخطورة والتأثير) عدد الزلازل في العام
٤–٤٫٩ ٦٢٠٠
٥–٥٫٩ ٨٠٠
٦–٦٫٩ ١٢٠
٧–٧٫٩ ١٨

لاحظ أن مُعطيات الرهان فضفاضة تمامًا. ما الذي يُقرر أن الزلزال «خطير»؟ إذا كان المعيار الذي تحتكِم إليه هو مقياس ريختر وأن الزلزال الخطير هو الذي تبلُغ قوته ٦ درجات أو أكثر، فاعلم أن أكثر من عشرة زلازل من هذا النوع ستحدُث خلال الشهر وأغلبها يحدث في المنطقة المُنقطة الموضحة في الخريطة. إن التعبيرَين «خلال الشهر القادم» و«داخل المنطقة المنقطة» فضفاضان وغير مُحدَّدَين. فإذا كنتَ من سكان هذه المنطقة — شأنك شأن الملايين من البشر — فهل سيكون عليك الرحيل عنها؟ وهكذا فإن مثل هذا التنبُّؤ لا يُعطي أي معلوماتٍ ذات قيمة تذكر.

تفاءل بعض الجيولوجيين في سبعينيات القرن العشرين بإمكانية القيام بتنبُّؤات محددة وموثوق بها حول وقوع الزلازل. ففي ذلك الحين ظهرت إحدى النظريات التي تُعتبر امتدادًا لنظرية الفوضى عُرفت باسم «نظرية الكارثة» التي بدا كما لو أنها قد تكون مُفيدة في التنبؤ بالأحداث المفاجئة مثل انحناء الأشعة أو تشقُّق البلاطات الأسمنتية أو حدوث الزلازل. ومع ذلك فقد تبيَّن أن صعوبة وضع نماذج رياضية لديناميكيات الطبقات الداخلية للأرض تُماثل صعوبة وضع نماذج للغلاف الجوي. فهناك صعوبة في كتابة معادلات دقيقة للنماذج، وحتى المعادلات التقريبية فهي غير خطِّية لدرجة أنها تظهر الحساسية تجاه الظروف الأولية المُميزة للأنظمة الفوضوية. وفضلًا عن ذلك فإن الحصول على معلوماتٍ عن الوضع الحالي للصخر الموجود داخل القشرة الأرضية والوشاح أكثر صعوبةً من قياس المتغيرات في الغلاف الجوي، وذلك في الغالب بسبب تعذُّر الوصول إلى داخل القشرة الأرضية والوشاح.

وفي مقالة نشرت عام ١٩٩٧ في مجلة «ساينس»، قال روبرت جيلر وديفيد جاكسون ويان كاجان وفرانشيسكو مولرجا، وجميعهم من علماء الجيولوجيا البارزين: «… على الأرجح الزلازل الفردية بطبيعتها غير قابلة للتنبؤ بها.» كان عنوان المقالة يُوحي بكل شيء، والذي كان: «لا يمكن التنبؤ بالزلازل». للمزيد من التفاصيل، تصفَّح هذا الموقع: http://scec.ess.ucla.edu/~ykagan/perspective.html.

وإليك بعض المصادر الجيدة الأخرى:

(١٤) تجميع فهارس النجوم

توضح القائمة المُقتضبة الآتية لفهارس النجوم رغبة البشر في تنظيم مُحيطهم والبحث فيه عن أنماط. ويجري تطوير خطط طموحة أكثر من أجل المراصد المُستقبلية في الفضاء أو على القمر أو كوكب المريخ.

تحصل النجوم على أسمائها بناءً على الفهرس الذي تظهر به. فالكثير من النجوم اللامعة مُدرجة وفقًا لأسمائها في فهرس يوهان باير. وقد خصص باير حروفًا مُتعاقبة من الأبجدية اليونانية للنجوم الأكثر لمعانًا في كل مجموعة نجمية. فعلى سبيل المثال، نجد أن النجم القطبي يظهر تحت اسم Alpha Ursae Minoris لأنه ألمع النجوم بمجموعة الدب الأصغر Ursa Minor (فكلمة alpha هي أول حروف الأبجدية اليونانية). وكمثال آخر، لقد أطلق الاسم HDE 226868 على النجم الرفيق المرئي لأول ثقب أسود جرى تحديده لأنه قد ظهر لأول مرة في فهرس هنرى درابر الموسع (الذي يعرف اختصارًا ﺑ HDE)، ولذلك يُمكننا الوصول إلى موقعه من خلال الرجوع إلى الرقم 226868 في ذلك الفهرس.
التاريخ اسم الفهرس واسم النجم اسم واضع الفهرس عدد الأجسام التعليقات
٣٥٠ ق.م. شي شين Shih Shen ٨٠٠ الصين
٣٠٠ ق.م. تيموكريس Timocharis أول فهرس حقيقي للنجوم
١٣٠ ق.م. هيباركوس Hipparchus ١٠٨٠
١٢٠ق.م. «المجسطي» بطليموس (كلاوديوس بطليموس) ١٠٢٢ انظر ملاحظة رقم
١٥٤٠ «عن النجوم الثابتة» أليساندرو بيكولوميني اﻟ ٤٨ مجموعة نجمية يونانية
١٦٠٢ تيخو براهي تقريبًا ١٠٠٠ انظر ملاحظة رقم
١٦٠٣ «قياس السماء» (مُرتَّب حسب الحروف الهجائية اليونانية + الاسم باللاتينية للمجموعة التي ينتمي إليها النجم) يوهان باير رائع؛ أُخذت المواقع من بيانات براهي
١٦٧٨ أدموند هالي أول فهرس للنجوم في نصف الكرة السماوية الجنوبي
١٦٩٠ «دليل النجوم» يوهان هيفيليوس اختلف مع هالي
١٧٢٥ «الفهرس البريطاني للسماء» جون فلامستيد ٣٠٠٠ أول فلكي ملكي بريطاني؛ انظر ملاحظة رقم
١٧٦٢ جيمس برادلي ٦٠٠٠٠ ثالث فلكي ملكي بريطاني
١٧٧١ السُّدم إم شارل ميسيه أكثر من ١٠٠ انظر الفصل السادس
١٨٠١ يوهان بود استخدم بيانات سابقة
١٨٦٠ «مسح بون» («مسح قرطبة» و«مسح كيب تاون») فريدريش فيلهلم أوجست آرجيلاندر وآخرون ١١٦٠٠٠٠ مرصد بون
١٨٦٤ «الفهرس العام» فريدريش فيلهلم (وليام) هيرشل وكارولين هيرشل وجون وليام هيرشل ٢٥٠٠ انظر ملاحظة رقم
١٨٨٨ «الفهرس العام الجديد» (و«الدليل المفهرس») جيه إل إي دراير ١٣٠٠٠ انظر ملاحظة رقم
١٩١٨–١٩٢٤ «فهرس هنري درابر» (و«فهرس هنري درابر الموسع») إدوارد تشارلز بيكيرنج وآني جامب كانون ٤٠٠٠٠٠ انظر ملاحظة رقم
١٩٦٦ «فهرس مرصد سميثسونيان الفلكي» ٢٦٠٠٠٠ اعتمد على بيانات مرصد جبل بالومار وغيره
١٩٨٩ «فهرس هيباركوس» و«فهرس تايكو» ٢٥٠٠٠٠٠ الدقة
١٩٧٩ وحتى الآن «فهرس النجم الدليل» (الأول والثاني) مليار لدعم مرصد هابل

ملاحظات

  • (١)

    يشكل الفهرس البطليموسي «المجسطي» الأساس لقراءات التنجيم الحالية، مع أن محور الأرض قد تغير اتجاهه (فيما يُطلق عليه عملية المبادرة) لدرجة أن الأبراج الفلكية الحالية لم تعُد تتوافق مع الشهور المُقابلة لها. فضلًا عن ذلك، نجد أنه بعد عصر بطليموس جرى اكتشاف عددٍ هائل من النجوم الأخرى بل حتى بعض الكواكب أيضًا، غير أن كلَّ هذا لا يبدو أنه يُمثل أي فارق لمجال التنجيم.

  • (٢)

    لم ينشر آخر وأعظم راصد بالعَين المجردة وهو تيخو براهي فهرسه للنجوم قط. وهذه المُهمة وقعت على عاتق مساعده يوهانس كيبلر الذي كانت أعظم إسهاماته النظرية في مجال علم الفلك هي اكتشافه أن الكواكب تدور حول الشمس في مدارٍ إهليلجي وليس دائريًّا.

  • (٣)

    لقد أسس جون فلامستيد (١٦٤٦–١٧١٩) مرصد جرينتش الملكي وأصبح هو أول مدير له وأول عالمٍ فلكي ملكي بريطاني. وكان فلامستيد في شدة الحرص أثناء ملاحظته للنجوم إذ أدرج عددًا أكبر من النجوم موضحًا موضعها بشكلٍ أكثر دقةً من أي عالم فلك سابق. وضغط معاصراه إدموند هالي وإسحاق نيوتن على فلامستيد من خلال الجمعية الملكية حتى ينشر ملاحظاته مبكرًا على الرغم من عدم اكتمالها. وعلى الرغم من اعتراضات فلامستيد فقد نُشرت ٤٠٠ نسخة من هذه النتائج الجزئية عام ١٧١٢. وقد استطاع فلامستيد حرق ٣٠٠ نسخة. ومع ذلك فإن هالي ونيوتن نجحا فيما كانا يسعَيان إليه.

  • (٤)

    وُلد فريدريش فيلهلم هيرشل، والمعروف بالسير ويليام هيرشل، (١٧٣٨–١٨٢٢) في هانوفر بألمانيا. وانتقل إلى إنجلترا عام ١٧٥٧، حيث عمل في مِهَن موسيقية كان من بينها العمل عازفًا على الأرغن. وفي عام ١٧٧٢ لحقت به أخته كارولين لوكرشيا في إنجلترا. وبعد ذلك بفترةٍ وجيزة ازداد اهتمامه بعِلم الفلك، وقد درَّس لطلابه علم الفلك بالإضافة إلى الموسيقي. ونظرًا لعدم وجود مساحة كافية لاستيعاب تلسكوب بمنزله، فقد وضع التلسكوب في الشارع. وجذب إليه الكثير من الزوَّار وكان من بينهم الدكتور ويليام واطسون، وهو عضو بالجمعية الملكية، والذي قدم بعض أوراق هيرشل البحثية الخاصة بمرتفعات جبال القمر للجمعية.

    وبعد ذلك بما يقرُب من عامَين اكتشف هيرشل جسمًا لامعًا لم يكن موجودًا في الخرائط النجمية السابقة. واتضح بعد ذلك أن هذا الجسم البطيء الحركة هو كوكب أطلق عليه هيرشل اسم «نجم جورج»، تكريمًا للملك جورج الثالث، غير أن اسم هذا الكوكب تغير فيما بعد ليُصبح أورانوس. وقد جرى انتخاب هيرشل ليُصبح زميلًا للجمعية الملكية، وحصل على لقبِ فلكيِّ البلاط وكانت أخته مُساعدته.

    وعندما بلغ هيرشل سنَّ الخمسين تزوَّج من الأرملة مارى بت. وأنجب منها ابنًا أطلق عليه اسم جون فريدريك الذي بدأ دراساته وأبحاثه بجامعة كامبريدج دارسًا للرياضيات ولكنه تحول بعد ذلك لعلم الفلك واستكمل فهرس والده.

  • (٥)

    وُلد جون لويس إيميل دراير (١٨٥٢–١٩٢٦) في كوبنهاجن بالدنمارك. وقد عمل عام ١٨٧٢ مساعدًا للورد روسي في قلعة بير وهي تقع بين دبلن وليمريك بأيرلندا. أنشأ اللورد روسي أكبر تلسكوب في العالم آنذاك وبلغ قطره ٧٢ بوصة وأطلق عليه اسم «ليفياثان بارسونزتاون». وعلى الرغم من إغلاقه أثناء مجاعةٍ كبيرة شهِدتها البلاد عام ١٨٤٥، فإنه عندما أُعيد تشغيله رصد دراير الكثير من الأجرام السماوية البعيدة وأضاف ١٠٠٠ إدخالٍ جديد إلى «الفهرس العام» الخاص بهيرشل. أما أبرز أعمال دراير فقد قام بها في مرصد أرما حيث أعد «الفهرس العام الجديد» بناءً على طلب الجمعية الفلكية الملكية.

  • (٦)

    كان هنري درابر (١٨٣٧–١٨٨٢) طبيبًا بشريًّا وعالم فلك هاويًا، وقد قام عام ١٨٧٢ بالْتقاط أول صورةٍ فوتوغرافية للطيف النجمي، وكان ذلك لنجمٍ اسمه فيجا. وبعد وفاته التي جاءت وهو في ذروة نجاحه، وهبت أرملته مبلغًا من المال لدعم مسح الطيف النجمي التصويري لمرصد جامعة هارفارد، الذي كان يترأسه إدوارد تشارلز بيكرينج. (انظر الفصل السادس.)

    وبعد عام ١٩١٠ بدأت واحدة من «حريم» بيكرينج (انظر الفصل السادس)، وهي آني جامب كانون، بتصنيف النجوم وفقًا لطيفها. وقد طورت النظام الذي قسم النجوم إلى فئات طيفية باستخدام الأحرف OBAFGKM وكانت تصنف ٥٠ ألف نجم في العام، وقد تضمن مشوارها العملي الذي امتد إلى ٤٠ عامًا تصنيف ٤٠٠ ألف نجم. وفي عام ١٩٣٨، وقبل عامَين من تقاعدها، حصلت على لقب عالِم الفلك ويليام سي بوند في جامعة هارفارد.
    للمزيد من المعلومات، انظر هذا الموقع: www.seds.org/~spider/spider/Misc/star_cats.html..

(١٥) أعمال أينشتاين: النسبية وغيرها

نشر ألبرت أينشتاين عام ١٩٠٥ خمسة أبحاث علمية في مجلة «أنالين دير فيزيك» وهي مجلة شهرية ألمانية مُتخصصة في الفيزياء:

ففي بحثه الأول الذي حمل عنوان «تحديد جديد للأبعاد الجزيئية»، أوضح أينشتاين كيفية الحصول على عدد أفوجادرو (العدد الشهير ٦٫٠٢ × ١٠٢٣، وهو عدد الجزيئات الموجودة في المول الواحد للمادة) وأحجام الأيونات في المحلول عن طريق القيم المقاسة للضغط الأزموسي ومعامل الانتشار. وقد حصل بهذا البحث على درجة الدكتوراه، ولا يزال يُستشهد به حتى الآن في الأبحاث رغم مرور ما يقرُب من مائة عام على ظهوره.

أما البحث الثاني فقد حمل عنوان «عن حركة الجُسيمات الصغيرة العالقة في سائلٍ ثابت التي تتطلبها النظرية الحركية الجزيئية للحرارة» وفيه أيضًا تعامل مع الجزيئات وفسَّر كيف أن حركتها العشوائية التي جرى رصدها بواسطة المجهر تحدُث نتيجة التصادُمات مع الجزيئات المتحركة في السائل. ويذكر أن الجزيئات نفسها صغيرة جدًّا بحيث لا يمكن رؤيتها بشكلٍ مباشر، على أن المُتخصِّصين في استعمال المجاهر من أمثال روبرت براون قد تمكنوا من رؤية هذه الحركة الناتجة للجُسيمات الأكبر. وأُطلق على هذه الحركة اسم «الحركة البراونية». وقد عضد بحث أينشتاين العلاقة بين النظرية الحركية وحقيقة الملاحظات.

fig83

أما البحث الثالث فجاء بعنوان «وجهة نظر إرشادية حول إنتاج الضوء وتحويله» وقد وصفه أينشتاين بأنه بحث «ثوري» وكان كذلك بالفعل. فقد افترض — تعبيرًا عن عدم رضائه الشديد عن وصف المادة بأنها غير مُتصلة على عكس الطبيعة المُتصلة المفترضة للإشعاع الكهرومغناطيسي — أن الضوء يجب أن يُعامَل كجُسيمات في بعض الجوانب. وقد أوضح أن هذه الطريقة متوافقة مع تحليل بلانك للإشعاع الضوئي المنبعث من الأجسام الساخنة. وبتطبيق المنطق نفسه على التأثير الكهروضوئي، الذي يقضي بأنه عندما يسقط الضوء على معدن فهذا يتسبب في انبعاث الإلكترونات، استطاع أينشتاين تفسير الكثير من النتائج التي كانت تُحير المُنظِّرين الآخَرين. وقد لعب هذا البحث دورًا مهمًّا في تشكيل وجهة النظر الجديدة عن الضوء وذلك عن طريق أخذ نتائج أبحاث بلانك بشكلٍ أكثر جدية من بلانك نفسه، الذي كان ينظر لمعالجته للطاقة غير المُستمرة للضوء باعتبارها خدعة رياضية أكثر من اعتبارها تجسيدًا دقيقًا للواقع. وقد اعترف أينشتاين نفسه بأنه استمر طوال ما يقرُب من خمس سنوات يفكر في هذه الخاصية المرتبطة بالضوء قبل أن يكتب ذلك البحث.

جاء أشهر أبحاث أينشتاين عن نظرية النسبية الخاصة تحت عنوان «عن الديناميكا الكهربائية للأجسام المتحركة». يحتوي هذا البحث على تعميمٍ للنسبية الكلاسيكية التي تقول بأن قوانين الفيزياء تكون هي نفسها لأي راصدٍ يتحرك بسرعة ثابتة. على سبيل المثال، إذا رمَيت وأنت داخل عربة سائرة كرةً في الهواء، فسوف ترتفع الكرة إلى أعلى ثم تعود إلى الأسفل مرةً أخرى، تمامًا كما لو قُمتَ بالعملية نفسها وأنت واقف على الأرض. والفرضية الثانية للنسبية كانت هي الفرضية الثورية. إذ إنها تقلب فكرة نيوتن رأسًا على عقب عن طريق جعل سرعة الضوء ثابتةً لجميع الراصِدين الذين يتحركون بسرعةٍ ثابتة في حين يكون المكان والزمان نسبِيَّين للراصد وليسا مُطلقَين كما قال نيوتن. ووفقًا لخطاب كتبه لعمِّه، اتضح أن أينشتاين كان يفكر في هذه المسألة لمدة سبعة أعوام على الأقل قبل عام ١٩٠٥.

أما آخر الأبحاث التي نشرها عام ١٩٠٥ الذي جاء بعنوان «هل يعتمد القصور الذاتي لجسمٍ ما على محتواه من الطاقة؟»، فقد كان إلى حدٍّ ما بمنزلة حاشية رياضية لنظرية النسبية الخاصة، وتضمن العلاقة بين الكتلة والطاقة. وصِيغت هذه العلاقة بالشكل الكتلة = الطاقة/مربع سرعة الضوء وليس الصيغة المعروفة الطاقة = الكتلة × مربع سرعة الضوء.

للمزيد من التفاصيل، انظر كتاب «عام أينشتاين الإعجازي: خمسة أبحاث غيرت وجه الفيزياء»، تحرير جون ستاتشل، برينستون، ولاية نيو جيرسي، مطبعة جامعة برينستون، ١٩٩٨.

بعد هذه الإسهامات الضخمة لأينشتاين في الكثير من مجالات الفيزياء، ربما تظنُّ أن أينشتاين كان جادًّا جدًّا في مساعيه العلمية. ها هي الطريقة التي أعلن بها عن أربعةٍ من أبحاثه الخمسة هذه إلى صديقه كونراد هابيخت في خطابٍ أرسله إليه في منتصف عام ١٩٠٥:

ارتفع جدار الصمت الرهيب بيننا لدرجة أنني أشعر بأني أقترف ذنبًا عندما أهدم هذا الجدار بثرثرة لا طائل منها. ماذا بك أيها الحوت المُتجمِّد، أيها الروح المُدخَّنة والمُجفَّفة والمُعلَّبة؟ لماذا لم تبعث لي بأطروحتك حتى الآن؟ أيها البائس، ألا تعرف أنني واحد من الواحد ونصف شخص من زملائك الذين سيقرءونها باهتمامٍ وسرور؟ أعِدك بأن أردَّ على أطروحتك بأن أُرسل إليك أربعة أبحاث.

البحث الأول يتناول الإشعاع وخصائص طاقة الضوء، وهو بحث ثوري للغاية، كما سترى إذا ما أرسلتَ لي بحثك أولًا. ويتناول البحث الثاني تحديد الأحجام الحقيقية للذرات. ويُبرهن البحث الثالث على أن الأجسام التي يبلغ حجمها ١٠٠٠/١ مليمتر والعالقة في السوائل لا بد أن يكون لها حركة عشوائية يمكن رصدها وهي تحدُث نتيجة الحركة الحرارية. أما البحث الرابع فلا يزال مسوَّدة أولية وهو يتناول الديناميكا الكهربائية للأجسام المُتحركة ويعتمد على صيغةٍ معدلة لنظرية المكان والزمان.

كيف استطاع ألبرت أينشتاين أن يكتب خمسة أبحاث لها مثل هذا التأثير الكبير في الفيزياء في سنة واحدة؟ ربما تدفعك هذه المسألة إلى الاعتقاد أن أينشتاين كان ذا عبقرية فذة في الرياضيات، وأنه كان يُحقق نجاحًا مبهرًا في الدراسة، وأنه كان واسع القراءة، وأنه عمل في بيئة أكاديمية أتاحت له قدرًا كبيرًا من الوقت للتفكير المجرد. ولكن هذه ليست الحقيقة بالضبط.

ففي عام ١٩٠٥ كان ألبرت أينشتاين يبلُغ من العمر ٢٦ عامًا، وكان يعمل موظفًا في مكتب براءات الاختراع السويسري في بيرن، وكان متزوجًا من زميلته ميليفا ماريتش، وكان أبًا لطفلٍ يبلغ من العمر عامًا واحدًا اسمه هانز ألبرت.

إليك بعض أقوال ألبرت أينشتاين التي توضح طريقة تفكيره:

لا أمتلك موهبة بعينها. فأنا مجرد شخص فضولي.

ليست المسألة في أنني نابغة وكل ما في الأمر أنني أُفكر في المشكلات لوقتٍ أطول.

لم تأتني هذه الأفكار في أي صيغة من الصيغ اللفظية. فأنا نادرًا ما أفكر عن طريق الكلمات. فالفكرة تأتي أولًا، ثم ربما أحاول أن أعبر عنها بالكلمات فيما بعد.

ذات مرة، أرسل أينشتاين هذا الرد، مرفقًا به ورقة مليئة بالرسوم البيانية، إلى فتاة تبلُغ من العمر خمسة عشر عامًا كانت قد كتبت له تطلُب منه مساعدتها في أحد الواجبات المدرسية:

لا تقلقي من الصعوبات التي تُقابلك في الرياضيات؛ أُطمئنك أن مصاعبي فيها أكبر بكثير.

أحيانًا أسأل نفسي كيف أصبحتُ أنا ذلك الرجل الذي ابتكر نظرية النسبية. والسبب — حسبما أعتقد — هو أن أي شابٍّ راشد لا يتوقف عن التفكير في مسائل المكان والزمان. لأن هذه الأمور كانت تشغله وهو طفل. على أن التطوُّر الفكري عندي قد تأخَّر، ولهذا فإنني لم أبدأ في التساؤل بشأن المكان والزمان إلا عندما كبرت.

كتب الكثير من كُتاب السير الذاتية عن سيرة أينشتاين مؤرِّخين لحياته المدرسية المبكرة، وعرضوا تاريخه مع الاستقلالية عن الآخرين، وإحجامه عن اتباع أي سلطة، كما أشاروا إلى الكثير من الإخفاقات التي مرَّ بها في مشوار حياته. وقد وصل الأمر بالبعض إلى افتراض أنه كان يُعاني إحدى الصعوبات في التعلم، وقالوا إن من الجائز أن تكون هذه الصعوبة هي تلك المعروفة باسم عُسر القراءة.

هناك مقولة لأينشتاين ربما تكون لها صلة بهذا الأمر: «إن القراءة بعد عمرٍ مُعين تُبعد العقل كثيرًا عن مساعيه الإبداعية. فأي إنسانٍ يفرط في القراءة ولا يستخدم سوى أقل القليل من عقله ستتمكن منه عادات التفكير الكسول.»

من المؤكد أن ذكاء أينشتاين كان يفوق الذكاء العادي بكثير، غير أن قُدرته على التركيز ربما تكون أكثر أهميةً من ارتفاع معدل ذكائه. ربما يصف بعض الناس ذلك بالعناد، ولكن تركيز قدراته الهائلة على موضوعٍ واحد قد ساعده كثيرًا. ومع ذلك فربما يكون شغفه الشديد بالعلم هو ما لم يجعل منه زوجًا وأبًا مثاليًّا. فبعد الشهرة الكبيرة التي نالها بسبب أعماله العلمية، قَبِل أينشتاين العمل في عدة وظائف أكاديمية وسافر إلى بلدان كثيرة. وكان لذلك ثمنه، فقد حدث الطلاق بينه وبين زوجته ميليفا ماريتش عام ١٩١٩. وقد وافق أينشتاين — كجزء من اتفاق تسوية الطلاق — على أنه إذا فاز بجائزة نوبل في المُستقبل سيحوِّل مبلغ الجائزة المالي لطليقته وأبنائه. وبالفعل حصل أينشتاين على جائزة نوبل عام ١٩٢١ (بسبب تفسيره للتأثير الكهروضوئي)، وبالفعل حصلت زوجته السابقة وأبناؤه على المال.

تزوج ألبرت أينشتاين من إلسا — ابنة خالته — عام ١٩١٩، واستمر في مشواره العلمي، وأسفاره، والعزف على الكمان في مختلف أنحاء العالم. ومع أن نظرياته العلمية لم يفهمها إلا عدد قليل فإن لغة الموسيقى قد راقت للجميع. وفي عام ١٩١٩ ظهر أول دليل تجريبي يُثبت صحة نظرية النسبية العامة الخاصة به مما جلب إليه مزيدًا من الشهرة. غير أن إمساك النازيين بزمام السلطة في ألمانيا سبَّب له كثيرًا من المتاعب لكونه يهوديًّا وأحد أنصار الدعوة إلى السلام. وقد استطاع في النهاية أن يفرَّ إلى الولايات المتحدة. وفي معهد برينستون للدراسات المُتقدمة واصل سعيه للتوصل إلى نظرية مجال مُوحَّد ولكن بلا جدوى. وقد استمر أينشتاين في كونه خبير الفيزياء المُحنك حتى وفاته عام ١٩٥٥.

العالم بحاجة إلى أبطال، ويفضل أن يكونوا مثلي لا يُلحقون الأذى بأحد بدلًا من أن يكونوا أشرارًا مثل هتلر.

ألبرت أينشتاين

(١٦) الانفجار الكبير

تقضي نظرية الانفجار الكبير للكون بأن المادة والطاقة في الكون قد بدآ من نقطةٍ واحدة منذ ١٤ مليار سنة تقريبًا ثم بدآ بعد ذلك في التمدُّد. وكان هذا التمدُّد سريعًا للغاية في مراحله الأولى أثناء فترة يُطلق عليها اسم «التضخم» غير أن التمدُّد استمر بعد ذلك ولكن بسرعةٍ أقل بسبب تأثير الجاذبية. أما الآن فقد عادت سرعة هذا التمدُّد في الزيادة مرةً أخرى بسبب الطاقة المُظلمة.

لمزيدٍ من التفاصيل، بما في ذلك الدليل التجريبي، انظر كتاب «أهم خمس أفكار في العلوم» لتشارلز إم وين وآرثر دبليو ويجنز (نيويورك: جون وايلي آند صَنز، ١٩٩٧).

fig84

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥