الفصل الخامس

الجيولوجيا

هل يمكن التنبؤ بالطقس بدقةٍ على المدى الطويل؟

حالة الطقس الليلة: مظلم.

جورج كارلين

يتحدث الجميع عن الطقس، ولكن لا يستطيع أحد أن يُغيره.

مارك توين

إن دراسة كوكب الأرض باعتباره وحدةً واحدة هي مجال اختصاص علم الجيولوجيا، والجيولوجيا حرفيًّا تعني «علم الأرض». تصف نظرية الصفائح أو الألواح التكتونية بشكلٍ جيدٍ آثار التفاعُلات بين الطبقات الأربع الصُّلبة والسائلة للأرض. لكن نجد أننا لا نزال نفتقر إلى نظريةٍ أو نموذج لدراسة الغلاف الجوي للأرض، وخاصة أنماط الطقس، التي يُمكن أن تقود إلى تنبُّؤات موثوقة طويلة المدى. ونظرًا لأن الطقس هو أحد الصفات البارزة والمُميزة لكوكبنا، فيُعد إيجاد نظرية أو نموذج مناسِب للتنبؤ بالطقس هو أكبر المُشكلات المُستعصية في علم الأرض.

طقس الكرة الأرضية

مشمس معظم الأحيان، غائم جزئيًّا، أمطار موسمية، احتمال سقوط ثلوج، تحذير باحتمال التعرُّض لطقسٍ سيئ … هل تساءلتَ من قبل إن كان المُتنبئون بالأحوال الجوية يستعيرون مفرداتهم المُلتبسة من هؤلاء الذين يكتبون صفحات الأبراج؟ ماذا عن مجلة «فارمرز ألمانك» التي تنشر التنبؤ بالطقس لسنواتٍ قادمة، أو ألَم ركبة العمة باربرا الذي دائمًا ما ترى أنه علامة على هبوب العواصف المُمطرة؟

كان الطقس والتنبُّؤ به، ولا يزالان، يُشكلان عاملًا عمليًّا مهمًّا في بقاء الإنسانية. وتشير أقدم مراجع الطقس المُسجلة عادة إلى أن الطقس كان يرتبط بالدِّين أو الموروث الشعبي. فقد تضمَّنت ديانة مصرية قديمة قائمة على وجود آلهة للسماء حوالي عام ٣٥٠٠ قبل الميلاد طقوسًا وشعائر خاصة حتى يسقط المطر. والبابلِيُّون أيضًا (منذ عام ٣٠٠٠ وحتى عام ٣٠٠ قبل الميلاد) كانوا يربطون بين الأجسام الفلكية وأحداث الطقس، فكانوا يؤمنون بأن ظهور ما يبدو وكأنه هالة سوداء حول القمر معناه اقتراب سقوط الأمطار. وقد سجل الإغريقيون القدامى سلسلةً من الملاحظات والنظريات الجوية، التي أسفرت عن عملٍ لأرسطو بعنوان «الآثار العلوية» عام ٣٤٠ قبل الميلاد، الذي جمع الأفكار القديمة ودمجها في نظرية العناصر الأربعة (الأرض والماء والنار والهواء) التي كانت سائدةً في ذلك الوقت. لكن بعد قيام الثورة العلمية في القرن السابع عشر، أثبت الدليل التجريبي خطأ نظريات أرسطو، وجرى التعرُّف على الطبيعة الشاملة والعامة للطقس والمناخ. وفي العصور الحديثة أصبحت دراسة الأحوال الجوية جزءًا لا يتجزَّأ من مجال علم الأرض المرموق. والغلاف الجوي هو أعلى طبقات الأرض. والطبقات الأربع الأخرى (اللب الداخلي واللب الخارجي والوشاح والقشرة الخارجية) هي طبقات صُلبة وسائلة بطيئة الحركة. وبما أن طبقة الغلاف الجوي طبقة غازية فهي تتغير بسرعة.

من وجهة نظر المنهج العلمي لاحظنا الغلاف الجوي لفترةٍ طويلة من الزمن واستطعنا جمع قدْر كبير من البيانات والمعلومات. واعتمدت الفرضيات التي تُفسر ديناميكيات الغلاف الجوي على أفكارٍ جرى تأييدها بالتجربة استُمدَّت من ميكانيكا الموائع والديناميكا الحرارية وعلم الفلك الشمسي وعلم الكيمياء وعلوم أخرى. ولكن قد يسأل سائل: لماذا لا تكون توقُّعاتنا للطقس دقيقةً إلا لفترة قصيرة؟ أو بعبارة أخرى، لماذا إلى الآن لا يزال التنبؤ الدقيق بحالة الطقس على المدى الطويل مشكلةً مُستعصية على الحل؟

النشرة الجوية للأرض

    مشمس أو غائم نسبيًّا، أو جزئيًّا، أو في معظم الأحيان، أو كليًّا مع احتمالات لسقوط الأمطار، أو الثلوج، أو الثلج الخفيف، أو حدوث أعاصير …

  • درجات الحرارة: العظمى: ١٣٦ درجة فهرنهايت (٥٨ درجة مئوية).

    الصغرى: −١٢٩ درجة فهرنهايت (−٨٤ درجة مئوية).

  • الضغط: ١ ضغط جوي ±١٠٪.
  • الرطوبة: من صفر إلى ١٠٠٪.
  • الرياح: من صفر إلى ٢٣١ (أو أعلى) مِيل لكل ساعة (وتكون أسرع أثناء الأعاصير).
  • الرؤية: من صفر إلى ما لا نهاية.
  • الأمطار: من صفر إلى ٥٢٣ بوصة من الماء لكلِّ سنة.
  • إمكانية حدوث برق: متغيرة.

يعتمد التنبؤ المُحدد بالطقس على المكان والفصل من العام.

fig45

تكمن الإجابة على هذا السؤال في حجم ودرجة تعقيد الغلاف الجوي. حيث اتَّضح أنه بعد أن يصل أي نظام إلى درجةٍ معينةٍ من التعقيد، تعتمد التنبؤات الرياضية بقوة على الظروف الأولية حيث إن الاختلافات الطفيفة فيها تقود إلى اختلافاتٍ شديدة في النتائج النهائية. ويطلق على النسخة البسيطة من هذا الاعتماد الحسَّاس على الظروف الأولية اسم «نظرية الفوضى»، التي عادة ما يعتقد الناس اعتقادًا خاطئًا أنها تعني عشوائيةً تامة. وقبل أن نستكشف تفاصيل المشكلة وجهود حلها، سنستعرض طقس الكواكب المجاورة ونُقارنه بطقس كوكب الأرض، وسنبحث أيضًا في الطريقة التي تطوَّر بها الغلاف الجوي للأرض حتى وصل إلى شكله الحالي، وكذلك سنعرِض فرضيات هؤلاء الأشخاص الذين يتنبئون بالطقس، وسنتتبَّع مصدر نظرية الفوضى وتطورها وأهميتها. وأخيرًا، سوف نحاول الإجابة على السؤال التالي: هل يمكن من الناحية النظرية التنبؤ بالطقس باستخدام التقنيات الرياضية الحالية؟

طقس الكواكب المجاورة لنا: الحال هناك ليس دائمًا أفضل من حالنا

الغلاف الجوي لأي كوكب هو طبقة الغازات التي تُحيط بسطح الكوكب الصلب (و/أو السائل). وتعد الأغلفة الجوية للكواكب الغازية العملاقة — المشتري وزحل وأورانوس ونبتون — هي أهم صفة مميزة لها. وبصرف النظر عن حجم الأجزاء الصلبة التي تحتوي عليها هذه الكواكب فهي مدفونة تحت طبقةٍ كثيفة من الغازات. هناك أجسام أخرى في نظامِنا الشمسي — عطارد وبلوتو وقمر كوكب الأرض — تحتوي على غلافٍ جوي صغير أو لا تحتوي على غلاف جوي على الإطلاق. أما الثلاثة كواكب المُتبقية — الزهرة والأرض والمريخ — فهي تحتوي إما على غازٍ كثيف جدًّا أو غازٍ خفيف جدًّا.

سوف نبدأ بتحليل أحوال طقس الغلافين الجويين لأقرب كوكبَين مجاورين لنا، ألا وهما الزهرة والمريخ، وبعد ذلك سنقارن طقسهما بطقس الأرض.

الزهرة

يعرف كوكب الزهرة بأنه كوكب شقيق للأرض لأن الكثير من خصائصه شبيهة بخصائص الأرض. حيث يساوي طول قطره ٩٥٪ من طول قطر الأرض، وكتلته تساوي ٨٢٪ من كتلة الأرض، وكثافته تساوي ٩٥٪ من كثافة الأرض، وقوة جاذبيته السطحية تساوي ٩١٪ من نظيرتها الخاصة بالأرض. على الجانب الآخر، يدور كوكب الزهرة ببطءٍ شديد، حيث إن طول اليوم عليه يُساوي ٢٤٣ يومًا من أيام الأرض، كما أنه يدور في اتجاهٍ معاكس لاتجاه دوران الأرض. ومحور دوران الزهرة يكاد يكون متعامدًا على المستوى الذي يُكونه مدار الكوكب، بخلاف كوكب الأرض الذي يميل بزاوية كبيرة (٢٣٫٥ درجة).

إذا وجدتَ نفسك مُلقًى على كوكب الزهرة فستجده مألوفًا لك من حيث الحجم. كما ستبدو قوة الجاذبية مألوفة (على الرغم من أن فقدان ٩٪ من وزنك أمر ستُحبذه كثيرًا)، ولكنك لن تجد فصولًا مناخيةً شبيهة بالفصول المناخية في كوكب الأرض. وستكون سرعة دوران الكوكب بطيئةً جدًّا، لكنك لن تُلاحظ ذلك. فعلى كوكب الأرض، نحن لا نشعر أيضًا بدورانه إلا عندما نتتبَّع مسار الشمس عبر السماء أو نُلاحظ الظلام الدوري (أي، الليل) الذي يُتيح لنا رؤية ظهور واختفاء القمر والنجوم. ولكن نتيجة لكثافة طبقة السُّحب على الزهرة، فلا تُوجَد إمكانية لملاحظة هذه الأشياء هناك أو رؤيتها.

وبما أننا قد ألقيناك على كوكب الزهرة، فلنقُم إذن بشكلٍ مؤقت بإزالة غلافه الجوي ونرى ما قد يحدُث نتيجة لذلك. بدون امتلاك الزهرة لغلافٍ جوي، سيكون من المُمكن تحديد درجة حرارة السطح بواسطة التفاعُل بين أشعة الشمس والمواد الموجودة على سطح الكوكب. ووفقًا لمبدأ بقاء الطاقة، يعمل الكوكب مثل شركةٍ غير ربحية، حيث إن الدخل (الطاقة الشمسية التي تصِل إلى الزهرة) يُساوي المصروفات (الطاقة التي يُخرجها الكوكب). ونظرًا لأن الزهرة أقرب للشمس من الأرض فإن الزهرة يتلقى إشعاعًا شمسيًّا أكبر مما يتلقَّاه كوكب الأرض. ويعتمِد مقدار الطاقة المُنبعثة من الكوكب على خصائص السطح.

إن الكمية التي تقيس فعالية الإشعاع تُسمى الألبيدو. فالجسم الذي يعكس الإشعاع بصورةٍ كاملة له ألبيدو قدرُه ١ (مثل المرآة)، والجسم الذي لا يعكس أي طاقة على الإطلاق له ألبيدو قدره صفر (مثل الأسفلت الداكن). فإذا كان الزهرة لا يحتوي على غلاف جوي، فسيكون ألبيدو الزهرة على الأرجح مثل ألبيدو عطارد، حيث إن سطحيهما متماثلان. لقد قُدرت درجة حرارة كوكب الزهرة الخالي من غلاف جوي ﺑ ١٠٠ درجة فهرنهايت (٣٨ درجة مئوية) تقريبًا. ومع أن ذلك قد يبدو حارًّا، فإنك لم ترَ شيئًا بعد.

والآن هيا بنا نُعيد الغلاف الجوي للزهرة إلى موضعه. يبلغ حجم الغلاف الجوي للزهرة ١٠٠ مرة تقريبًا حجم الغلاف الجوي للأرض، ويحتوي على ٩٦٪ ثاني أكسيد كربون (CO2) و٣٪ نيتروجين (N2) وقليل من ثاني أكسيد الكبريت (SO2) ومقدار ضئيل جدًّا من الأكسجين (O2). أما على السطح، فإن الضغط خانق، حيث إنه يساوي ٩٠ مرة ضغط الأرض. وهذا فقط جزءٌ من القصة. فتُوجَد هناك سحب مرتفعة في كل مكان، ولكن لونها أصفر باهت وليست بيضاء أو رمادية. وذلك لأنها لا تحتوي على بخار ماء. بل تحتوي على قطيرات من حمض الكبريتيك (H2SO4). يخترق ضوء الشمس هذه السحب بالكاد. وسترتفع درجة حرارة السطح بمجرد أن يعود الغلاف الجوي. فقد تصل درجة الحرارة بشكلٍ مدهش إلى ٨٧٠ درجة فهرنهايت (٤٧٠ درجة مئوية).

إذا أردت البقاء بكوكب الزهرة وأخذت تُتابع أخبار الطقس على هذا الكوكب على شبكة الزهرة المعلوماتية أو على تليفزيونها، فإنك ستحصل على تقرير للطقس كالتقرير التالي.

النشرة الجوية للزهرة

غائم كليًّا.

  • درجات الحرارة: العظمى: ٨٧٠ درجة فهرنهايت (٤٧٠ درجة مئوية).

    الصغرى: ٨٧٠ درجة فهرنهايت (٤٧٠ درجة مئوية).

  • الضغط: يساوي ٩٠ مرة ضغط الأرض (٩٠ ضغط جوي).
  • الرطوبة: صفر.
  • الرياح: أقل من ٣ أميال لكل ساعة على السطح، وتكون ٢٢٠ (أو أكثر) ميلًا لكل ساعة على مستوى السحب العالية.
  • الرؤية: غير محدودة.
  • الأمطار: لن تصل إلى سطح الكوكب.
  • إمكانية حدوث برق: في السحب فقط.

هذه النشرة مناسبة لكل الأماكن على سطح الكوكب ولكل الأوقات لأن الرياح العالية تجمع السحب معًا بشكلٍ منتظم، مما يكوِّن طبقة سحب موحدة.

والآن هيا بنا نناقش بعض التفاصيل.

تتماثل درجتا الحرارة الكبرى والصغرى على الزهرة بسبب كثافة الغلاف الجوي ونمط دورانه، الذي يوزع الطاقة بشكلٍ متساوٍ عبر الكوكب كله. هذه القيمة المرتفعة جدًّا لدرجة الحرارة (إذ بإمكانها صهر الكثير من المواد الصلبة، بما في ذلك المعادن كالرصاص والزنك) تعود إلى التأثير القوي للغاية لظاهرة الدفيئة (الاحتباس الحراري). (انظر مجلد الأفكار ١٠، غازات الدفيئة.) حيث يعكس ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي أشعةً تحت حمراء من سطح الكوكب. وهذا يجعل السطح دافئًا جدًّا، وهذا يُشبه قليلًا الطريقة التي يحافظ بها الزجاج في الدفيئة على درجة حرارة النباتات التي بداخله مُرتفعة. بدأ الاتحاد السوفييتي عام ١٩٦١ في استكشاف كوكب الزهرة باستخدام ١٦ مركبة فضائية ضمن برنامج فينيرا، وذلك عبر فترة امتدَّت لأكثر من ٢٠ عامًا. وكانت أي مركبة فضاء تهبط على كوكب الزهرة تعمل لفترة قصيرة قبل أن تعطب نتيجةً لارتفاع درجة الحرارة والضغط.

أما الضغط العالي فهو نتيجة لكِبَر كتلة الغلاف الجوي. فعلى سطح الزهرة يكون ثاني أكسيد الكربون أكثر كثافةً من هواء الأرض. ولذا فمحاولة السير على الزهرة تكون كالخوض في المياه المُخففة، في وجود ضغط يُساوي ٣ آلاف قدم (٩٠٠ متر) تحت سطح الماء على الأرض.

لا توجد رطوبة على كوكب الزهرة لأنه يحتوي على مقدار ضئيل من الماء. تقول إحدى النظريات المُعاصرة إن كوكب الزهرة كان يحتوي على كميةٍ كبيرة من الماء في البداية، ولكن درجة الحرارة العالية الناتجة عن قُرب الزهرة من الشمس بالإضافة إلى تطور تأثير الدفيئة أدَّيا إلى تبخُّر المياه إلى الغلاف الجوي. وهناك فككت فوتونات الشمس جزيئات الماء إلى هيدروجين وأكسجين. وتمكَّنت جزيئات الهيدروجين الخفيفة من الإفلات في حين كوَّنت جزيئات الأكسجين النشطة كيميائيًّا إما صخورًا كربوناتية (التي لا تزال قابعة على سطح الزهرة) أو حمض كبريتيك من خلال الكبريت الناتج عن الانبعاثات البركانية. (سنتعرض للمزيد حول العمليات الديناميكية للغلاف الجوي في القسم التالي.)

أما الرياح فتتحرك على سطح الزهرة بسرعةٍ منخفضة جدًّا، ولكن في السحب، تجعل الرياح التي تبلغ سرعتها ٢٢٠ ميلًا لكل ساعة قُطيرات حمض الكبريتيك تدور بسرعةٍ حول الكوكب كله، من الشرق إلى الغرب، ويحدُث ذلك في خلال أيام قليلة من أيام الأرض. ولا يُعرَف حتى الآن السر الذي يقف وراء هذه الظاهرة.

وتُعد إمكانية الرؤية على سطح كوكب الزهرة غير محدودة حيث إن الغلاف الجوي يكون صافيًا على أكثر المستويات انخفاضًا. ولكن مستويات الغلاف الجوي الأعلى تكون ضبابية، وتكون السحب مُعتمة إلى حدٍّ بعيد. ويخترق ضوء الشمس السحب التي تتكوَّن من حمض الكبريتيك ويأخذ اللون البرتقالي المشوب بالحمرة الذي يكون بريقه كبريق يومٍ مُلبد بالغيوم من أيام الأرض.

fig46

أما قطيرات حمض الكبريتيك الموجودة في السحب فتتجمَّع في قطرات كبيرة بما يكفي لإنتاج الأمطار، لذا فهناك هطول أمطار على الزهرة. مع ذلك فهذه الأمطار هي عبارة عن حمض كبريتيك وليست ماءً. ونظرًا لقيام درجة الحرارة العالية للزهرة بتبخير الأمطار الحمضية، فهذه لا تلمس سطح الكوكب مطلقًا.

يحدث برق على كوكب الزهرة نتيجة للرياح العالية واحتكاك السحب بعضها ببعض، ولكن لأن السحب عالية جدًّا — على ارتفاع حوالي ٥٠ كيلومترًا أو ١٦٠ ألف قدم — فإن البرق يحدُث كله بين السحب ولا ينزل منه شيء على سطح الكوكب بخلاف البرق على الأرض الذي قد ينزل منه شيء على سطح الأرض.

لا تتضمن النشرة الجوية لكوكب الزهرة مواقيت شروق الشمس وغروبها، لعدة أسباب. أولًا، لا تكون الشمس مرئية إذا ما حاولنا مشاهدتها من على سطح الزهرة. ثانيًا، يدور كوكب الزهرة حول محوره ببطءٍ شديد لدرجة أنه يدور حول الشمس في وقتٍ أقصر من الوقت الذي يأخُذه لعمل دورة واحدة حول نفسه، لذا فشروق الشمس وغروبها على كوكب الزهرة ليس أمرًا مُعتادًا كما هو الحال على كوكب الأرض. بالإضافة إلى ذلك، لو كانت الشمس مرئيةً لكانت ستُشرق من الغرب وتغرُب من الشرق لأن كوكب الزهرة يدور في اتجاه عكس اتجاه دوران الأرض. وإذا كنتَ تعتقد أن مظهر القمر أو النجوم سيُبهجك، فانس هذا الأمر. فالسحب لن تدع أي ضوءٍ نجمي يمر، ولن تجد ضوءًا للقمر لأن الزهرة ببساطة ليس له قمر.

لكي تتدرَّب على القيام برحلةٍ إلى كوكب الزهرة، يجب عليك أن تضبط موقدك على خيار التنظيف الذاتي لتجعل درجة الحرارة قريبة من المُستوى الذي ستراه على الزهرة، ثم تأخذ الموقد إلى حوالي ٣ آلاف قدم في عُمق المحيط لتحصل على الضغط الذي ستشعر به هناك. وإذا كانت هذه الأحوال عادية لك، فحاول أن تعيش بدون الشمس لفتراتٍ طويلة من الزمن أيضًا.

كمَعلم سياحي، ليس لكوكب الزهرة جاذبية كبيرة. ومع ذلك، تُخطط وكالة الفضاء الأوروبية للقيام ببعثةٍ فضائية إلى هناك في عام ٢٠٠٥ — فينوس إكسبريس — ويُخطط اليابانيون أيضًا لبعثة أخرى في عام ٢٠٠٧.

المريخ

المريخ أيضًا جار قريب لنا، وقد يكون طقسه قريبًا من طقس الأرض. قد تجد تقريرًا مُشابهًا للتقرير التالي على شبكة المريخ المعلوماتية عن حالة الطقس على كوكب المريخ.

النشرة الجوية للمريخ

مشمس في الأغلب.

  • درجات الحرارة: العظمى: ٨١ درجة فهرنهايت (٢٧ درجة مئوية).

    الصغرى: −٢٠٧ درجة فهرنهايت (−١٣٣ درجة مئوية).

  • الضغط: أقل من ١٪ من ضغط الأرض (٠٫٠١ ضغط جوي).
  • الرطوبة: صفر.
  • الرياح: تتعدى دائمًا ١٠٠ ميل لكل ساعة.
  • الرؤية: غير محدودة، باستثناء في العواصف الترابية.
  • الأمطار: ثلوج ثاني أكسيد كربون بالقُرب من القطبَين.
  • إمكانية حدوث العواصف الترابية: يكون مُعدلها أعلى في صيف النصف الجنوبي من الكوكب.

تختلف هذه النشرة باختلاف المكان والزمان.

يبلغ طول قطر المريخ ٥٣٪ من طول قطر الأرض، وكتلته تساوي ١١٪ من كتلة الأرض، وتقدر كثافته ﺑ ٦٦٪ من كثافة الأرض، وقوة جاذبية سطحه تساوي ٣٨٪ من قوة جاذبية سطح الأرض. يتكوَّن الغلاف الجوي للمريخ من ٩٥٪ ثاني أكسيد كربون (CO2)، و٣٪ نيتروجين (N2)، وحوالي ٢٪ آرجون (Ar). يبلغ الضغط الجوي على سطح المريخ أقل من ١٪ من الضغط الجوي للأرض، لذا فإجمالي كتلة غلافه الجوي تُقدر بأقل من ١٪ من كتلة الغلاف الجوي للأرض.

للحصول على صورةٍ تقريبية، هيا بنا نستعير حيلةً من أفلام هوليوود. فتخيل أنك قد أُلقِيت فجأة على كوكب المريخ ويمكنك الآن رؤية هذا الكوكب عن قرب. إن أول مشكلة ستواجهك هي نقص الأكسجين. وسيجب عليك أن ترتدي بدلة الفضاء وأنت على المريخ. وحتى مع البدل الضخمة، فسيكون من السهل عليك أن تتحرك بها على المريخ أكثر من الزهرة أو الأرض. حيث إن الغلاف الجوي رقيق جدًّا ولن يُقاوم أية تحركات. وكذلك تبلغ عجلة جاذبية المريخ ٣٨٪ من عجلة جاذبية الأرض، وسيبلغ وزنك على المريخ حوالي ثلث وزنك وأنت على الأرض. ويُمكن أن يكون طول قفزتك على المريخ ثلاث مرات طول قفزتك على الأرض، وضربات جولف تيجر وودز ستختفي عن الأنظار.

ستكون العقبة التالية هي درجة الحرارة. فبالرغم من هذا الكم الهائل من ثاني أكسيد الكربون، ربما تظن أن تأثير الدفيئة على المريخ مُماثل لتأثيرها على كوكب الزهرة. هذا صحيح، لكن الغلاف الجوي أرفع كثيرًا حتى إن درجة الحرارة لا تتأثر بشكلٍ كبير. وإذا أزلنا الغلاف الجوي للمريخ كما فعلنا مع الزهرة فسيكون متوسط درجة الحرارة −٦٧ درجة فهرنهايت (−٥٥ درجة مئوية). ومع إعادة الغلاف الجوي لموضعه يرتفع متوسط درجة الحرارة إلى −٥٨ درجة فهرنهايت (−٥٠ درجة مئوية). ولكن قبل أن تقفز بشكل خاطئ إلى الاستنتاج بأن المريخ يكون «دائمًا» باردًا للغاية (كما أن الزهرة يكون حارًّا «دائمًا»)، فيجب أن تعرف أن المريخ لا يزال لدَيه بعض المفاجآت في جعبته.

أولًا، يبلغ طول يوم كوكب المريخ تقريبًا نفس طول يوم كوكب الأرض. حيث يدور كوكب المريخ حول محوره مرة كل ٢٤ ساعة ونصف تقريبًا. لذا فإن نمط شروق الشمس وغروبها قريب من نمَطهما على الأرض. أيضًا يميل محور دوران المريخ حوالي ٢٥ درجة على مستوى مداره. وإذا كنت تتذكَّر، لم يحتوِ كوكب الزهرة على هذا المَيل الكبير، وكان ذلك أحد العوامل التي أسهمت في جعل طقس كوكب الزهرة لطيفًا. وتمامًا مثل المريخ، يؤدي ميل الكرة الأرضية الذي يبلغ ٢٣٫٥ درجة إلى حدوث الفصول الأربعة لأن نصف الكوكب الذي يتلقى ضوء الشمس بشكلٍ مباشر يُصبح أكثر حرارة.

أثناء النصف الأول من دوران المريخ حول الشمس، يُنير ضوء الشمس نصفه الجنوبي بشكل مباشر أكثر من نصفه الشمالي. ويُمثل ذلك صيف النصف الجنوبي لكوكب المريخ ويُمثل شتاء النصف الشمالي. أما أثناء النصف الثاني من دورانه فالوضع ينقلب، حيث يحصل النصف الشمالي على ضوء شمس مباشر أكثر، ومن هنا يأتي فصل الصيف. يُضيف المريخ جانبًا آخر إلى هذه الصورة. حيث يكون مداره إهليلجيًّا (على شكل قطع ناقص) أكثر من مدار الزهرة أو الأرض. في الحقيقة يملك كوكب المريخ ثالث أكبر مدار إهليلجي بين الكواكب. ونتيجة لذلك لا تكون الفصول متناظرة للنصف الشمالي والنصف الجنوبي على كوكب المريخ. فأثناء حلول الصيف على النصف الجنوبي يكون المريخ أقرب إلى الشمس ويتلقى من الشمس ضوءًا أكبر بنسبة ٤٠٪ من الضوء الذي يتلقاه النصف الجنوبي أثناء الشتاء. إذا وضعنا هذه الحقائق في اعتبارنا نكون الآن جاهزين لاستكشاف طقس كوكب المريخ.

  • دوران الغلاف الجوي العام: يُسَخِّن ضوء الشمس «الهواء» المريخي بالقُرب من خط الاستواء، الذي يرتفع الهواء عنده ويتحرك باتجاه القطبَين، وعند القطبين يبرد الهواء ويهبط. وهذا يُشبه نمط الدوران على الأرض.
  • كتل «الهواء» الدافئة والباردة: تسير حدود هذه الكتل الهوائية عبر أنحاء المريخ كالجبهات الهوائية التي نعرفها على الأرض.
  • طقس قاسٍ في أحد نصفي الكوكب أكثر من النصف الآخر: نتيجة للمدار الإهليلجي للمريخ، تكون درجات الحرارة في النصف الجنوبي أكثر قسوة منها في النصف الشمالي. ويكون الصيف في الجنوب أشد حرارة، حيث ترتفع درجة الحرارة وتصل إلى ٨١ درجة فهرنهايت (٢٧ درجة مئوية)؛ ويكون شتاؤه أشد برودة، حيث تنخفض درجة الحرارة وتصل إلى −٢٠٧ درجة فهرنهايت (−١٣٣ درجة مئوية).
  • العواصف الترابية: عندما تصل سرعة الرياح على السطح إلى ١٠٠ ميل لكل ساعة، كما يحدُث غالبًا أثناء الصيف في الجنوب، تَحمِل حبَّات التراب (أكسيدات الحديد أو الصدأ) وتهبُّ هنا وهناك على السطح، وربما تمتدُّ لتشمل النصف كله، أو النصفَين ولكن هذا الأخير نادرًا ما يحدُث. هذا صحيح، فلقد رُصدت العواصف الترابية التي تُغطي الكوكب بأكمله. ولكن لا تزال التفاصيل غير مُكتملة، غير أن برامج الكمبيوتر التي صُمِّمت لمحاكاة طقس المريخ تُشير إلى أن التراب الذي ينقله الهواء يُبرد سطح الكوكب. وقد نشأ مفهوم الشتاء النووي عن طريق تطبيق منطقٍ مُماثل على الأرض (وسنعرض المزيد عن نُسَخ كوكب الأرض من تلك البرامج في القسم التالي). وإذا ما حدث انفجار لعددٍ كبير من القنابل الهيدروجينية، فهذا لن يُحدِث الدمار المرغوب فقط، ولكن التراب الذي سيصل إلى الغلاف الجوي سيبرد سطح الكوكب بشكلٍ كبير لدرجة أن هذا سيؤدي إلى درجات حرارة شديدة البرودة ربما على مستوى الكوكب كله. وبناءً على مدى سرعة استقرار التراب، قد يمتدُّ الشتاء النووي لمدة أطول من فصل الشتاء العادي.
  • السُّحب الثلجية المائية: أثناء فصل الصيف في النصف الشمالي، بدلًا من حدوث عواصف ترابية شاملة، تتكوَّن حزم من السحب الجليدية المائية والرفيعة للغاية على مستوى الكوكب كله. ولكن لا تمتدُّ هذه السحب إلى مستوى ارتفاع كمستوى ارتفاع جسيمات العاصفة الترابية، كما أن حركتها غير مفهومة بشكلٍ كامل حتى الآن.
  • الثلج الجاف: عند القُطبَين، يتكثف ثاني أكسيد الكربون في الشتاء ويحوِّل الحالة الغازية إلى الحالة الصلبة بشكلٍ مباشر. ويُسمى ثاني أكسيد الكربون في الحالة الصلبة باسم الثلج الجاف. هذا الثلج الجاف مُشابِه تمامًا لما يستخدمه بائعو الآيس كريم وغيرهم للاحتفاظ بمُنتجاتهم باردة.
  • الغطاءان الثلجيَّان القطبيان: إن المادة البيضاء التي تظهر في الصور التلسكوبية وصور الأقمار الصناعية لقُطبَي المريخ هي ثلج مائي وثلج جاف. ويُعتقد أنه إذا ذاب كل الثلج المائي عند قُطبي الكوكب فسوف يُغطي كوكب المريخ بعُمق يقدر ﺑ ٣٠ قدمًا (٩ أمتار). ولأسباب مجهولة يميل الغطاء القطبي الجنوبي بدرجةٍ قليلة عن القطب الهندسي.
  • العواصف الإعصارية: في أبريل عام ١٩٩٩ اكتشف تلسكوب هابل الفضائي نظام عاصفة إعصارية (انظر شكل ٥-١) في المنطقة القطبية الشمالية للمريخ. وكانت هذه العاصفة تتكوَّن من سحب ثلجية مائية وكان حجمُها يساوي تقريبًا أربع مرات حجم ولاية تكساس.
    fig47
    شكل ٥-١: عاصفة إعصارية على المريخ كما رصدها تلسكوب هابل الفضائي.
  • لون السماء: لون السماء الصافية على المريخ قد يُشابه مثيله الأزرق على الأرض، ولكن غالبًا ما تهب الرياح على السطح لتُثير أتربةً حمراء اللون، وهذا يجعل لون السماء برتقاليًّا مُشربًا باللون البُني كلون حلوى الزبدة الاسكتلندية. ألا يبدو الأمر لذيذًا؟
  • الأقمار: إن ديموس وفوبوس هما قمرا المريخ. يرجع هذان الاسمان إلى أصل إغريقي ويعنيان «الفزع» و«الخوف»، وهذان القمران صغيرا الحجم وسريعا الحركة جدًّا في مدارَيهما. فوبوس هو أقرب قمرٍ لكوكبه عن أي قمرٍ آخر في مجموعتنا الشمسية. وهو يدور حول المريخ حوالي ثلاث مراتٍ في اليوم. وهو صغير جدًّا ولا يمكن رؤيته من جميع المناطق على المريخ، ولكن عندما تكون هناك قدرة على رؤيته فيجب أن يتمَّ ذلك بحنكةٍ كبيرة لأنه يدور بسرعة من الغرب إلى الشرق.
  • قلة المُحيطات: كان العلماء يعتقدون أن طقس المريخ أقل تعقيدًا بكثير من طقس الأرض، بشكلٍ أساسي لأن المريخ يفتقر إلى محيطات سائلة، وهذه المحيطات هي التي تُعقد طقس الأرض بشكلٍ كبير. لكن البعثات الفضائية الأخيرة إلى المريخ أثبتت أن طقس المريخ أكثر تعقيدًا مما نتصوَّر، حيث به تفاوتات أكبر بكثير مما هو متوقَّع.

    ستُرسل وكالة الفضاء الأوربية عام ٢٠٠٣ بعثة إلى كوكب المريخ، تُسمى مارس إكسبريس، والتي ستصل في ٢٦ ديسمبر من ذلك العام. وتُخطط وكالة ناسا لإرسال عربتي استكشاف فضائيتَين قصيرتي المدى عام ٢٠٠٤ وعربة مدارية استطلاعية عام ٢٠٠٥، وعربة استكشاف طويلة المدى عام ٢٠٠٩ وبعثة لإحضار عينات من التربة في عام ٢٠١٤. ومن المتوقَّع أن نعلم الكثير والجديد من الحقائق من خلال هذه البعثات.

إذا فحصَت جولديلوكس طقس كوكبَي الزهرة والمريخ قبل أن تفحص طقس كوكب الأرض، ربما كانت ستقول: «الأول طقسه حار للغاية وغلافه الجوي كثيف للغاية، والثاني بارد جدًّا وغلافه الجوي رقيق للغاية، ولكن الثالث مثالي.» وهو كذلك بالفعل.

هواء الكواكب

بما أن الكواكب الداخلية — عطارد والزهرة والأرض والمريخ — مجتمعة بالقرب من الشمس (انظر شكل ٥-٢)، فربما تظن أن جميع هذه الكواكب تتركب من المادة الخام نفسها تقريبًا. وهذه هي الحقيقة بالفعل.
fig48
شكل ٥-٢: مدارات الكواكب في النظام الشمسي (بمقياس رسم تقريبي).

كما ناقشنا في الفصل الثالث، فقد غمرت فترة الإمطار الكوكبي التي حدثت خلال الفترات الأولى لتكوين النظام الشمسي جميع الكواكب الداخلية بالصخور والمياه. ولكن لماذا اختفت المياه من الزهرة والمريخ واستطاعت الأرض المحافظة على مياهها؟ للإجابة على هذا السؤال، ينبغي علينا أن ننظر إلى العمليات التي استطاعت من خلالها الكواكب الحصول على الغاز لأغلِفتها الجوية وكيف يمكنها فقدان هذا الغاز.

اكتساب غاز الغلاف الجوي

بمجرد اشتعال الفرن النووي للشمس، أدى انفجار الرياح الشمسية (وهي بلازما مُخففة تتكوَّن في الغالب من بروتونات وإلكترونات، وتصل سرعتها الآن إلى نحو ٤٠٠ كيلومتر في الثانية) إلى العصف بمُعظم الهيدروجين والهيليوم الأوَّلي الذي استطاعت الكواكب تكوينه. فكِّر في كوكب عطارد المسكين. إنه قريب للغاية من الشمس لدرجة أنه يتأثر بأقل نشاط لها. لذا، فالغازات الوحيدة التي استطاع الاحتفاظ بها هي تلك التي قذفت بها الشمس باتجاهه. إن الزهرة والأرض والمريخ لم يكن لها تقريبًا أي غلاف جوي على مدار ٤ مليارات سنة. ومن المُحتمل أن تكون قد تكوَّنت أغلفتها الجوية من خلال ثلاث عمليات وهي التفريغ الغازي، و/أو التبخُّر/التسامي و/أو القصف.

  • التفريغ الغازي  Outgassing: لقد اندمجت الكويكبات بفعل الجاذبية وكوَّنت الكواكب في عمليةٍ تُعرف باسم التنامي. وفي الوقت الذي استمر فيه التنامي غطست المواد الأكثر كثافة إلى مركز كل كوكب وكوَّنت ألباب هذه الكواكب. لكن لم تغطس الصخور الأقل كثافةً على هذا النحو. وكوَّنت الوشاح الخاص بكل كوكب. واستطاعت التفاعُلات الكيميائية في الوشاح تكوين الغازات التي احتبست تحت السطح بفعل ضغط المواد الكائنة على السطح. وأخيرًا طفت أقل المواد كثافةً إلى السطح وكوَّنت القشرة الخارجية. ويُطلق على عملية الانفصال التجاذُبي الناتج عن الكثافة اسم التمايز. (انظر مجلد الأفكار ١١، باطن الأرض.)
    fig49

    وبعد أن بردت القشرة، أخذ يتحرَّر الغاز المُحتبس في الوشاح بين الفينة والفينة بفِعل الضغط العالي، وهذا هو ما يُطلق عليه اسم البركان. وتُعد الانفجارات البركانية أحداثًا مُثيرة ومذهلة، فهي تدمر مناطق كبيرة. على سبيل المثال، انفجر بركان جبل بيناتوبو في الفلبين في يونيو عام ١٩٩١، مُطلِقًا ٥ مليارات متر مكعب من الرماد والحطام، والتي تُنتِج أعمدةً عرضها ١٨ كيلومترًا (١١ ميلًا) عند القاعدة وارتفاعها ٣٠ كيلومترًا. وأدى ذلك إلى حدوث اضطرابٍ جوي تسبب في انخفاض متوسط درجة حرارة الأرض بمقدار درجتَين فهرنهايت (درجة مئوية واحدة) عن مُعدلها لمدة عام تقريبًا.

    يُظهر كل سطح من أسطح الكواكب الداخلية الثلاثة أدلةً على كثرة النشاطات البركانية على هذه الكواكب في بداية نشأتها. ومن أهم نواتج عملية التفريغ الغازي بخار الماء (H2O)، وثاني أكسيد الكربون (CO2)، والنيتروجين (N2)، واثنان من الغازات التي تحتوي على الكبريت وهما ثاني أكسيد الكبريت (SO2) وكبريتيد الهيدروجين (H2S) وهذا الغاز الأخير له رائحة تُشبه رائحة البيض الفاسد.

    وعلى مدار أكثر من ٤ مليارات سنة كوَّنت الانفجارات البركانية أهم غازات الغلاف الجوي الأول للأرض. وفي الوقت نفسه تقريبًا كونت البراكين القديمة على المريخ والزهرة أيضًا الغلافَين الجوِيَّين الأوَّلَين لهذَين الكوكبَين.

  • التبخر/التسامي Evaporation/Sublimation: اعتمادًا على درجة الحرارة والضغط على سطح أي كوكب، ربما تتحوَّل السوائل إلى غازات (وهذا ما يُسمى بالتبخر) أو ربما تتحوَّل المواد الصُّلبة إلى غازات (وهذا ما يُسمى بالتسامي). من بين الأمثلة المعروفة لهذه العملية تبخُّر المياه من البرك، وتسامي ثاني أكسيد الكربون الصلب (الثلج الجاف) إلى غاز، مما ينتج المؤثرات الدخانية الخاصة التي تُستخدَم غالبًا في العروض المسرحية. ويُعد التسامي أكثر أهمية على المريخ منه على الأرض؛ لأن المريخ أبرد من الأرض، ويُعد التبخر جزءًا لا يتجزأ من أي دورة على الأرض، وهذه الصفة تجعل كوكبنا فريدًا. أما على سطح الزهرة فيمنع التبخر السحب التي تحتوي على حمض الكبريتيك من الإمطار على السطح.
  • القصف Bombardment: في وقتٍ مُبكر من تكوين النظام الشمسي، قصفت الرياح الشمسية والكويكبات وحطام المذنبات الكواكب الداخلية. وعندما قصفتها، كانت إما محملةً بالغاز أو مُولِّدة للغاز. وبالرغم من قِلة أهمية عملية القصف في تكوين الأغلفة الجوية للزهرة والأرض والمريخ، فإنها تزود كوكب عطارد والقمر بكمية الغاز القليلة التي يحتويان عليها.

فقد غازات الغلاف الجوي

يمكن أن يفقد الكوكب غازات غلافه الجوي من خلال خمس طرق وهي: الإفلات الحراري، و/أو التكثف، و/أو القصف، و/أو تكوين الفوهات، و/أو التفاعُلات الكيميائية.

  • الإفلات الحراري Thermal Escape: تستطيع مَركبات الفضاء التي تنطلق من الأرض الإفلات من الجاذبية بشكلٍ مدهش. وكذلك تفلت جزيئات الغاز أيضًا، ولكن بشكلٍ أقلَّ درامية. بدايةً، القوة الجاذبة للكوكب تسحب كل مادة الكوكب. وتتحدَّد قوة الجاذبية على سطح أي كوكب من خلال كتلة الكوكب وقُطره. ويجب أن يصل أي جسمٍ على أي كوكب لسرعة معينة حتى يستطيع أن يُفلت من مخالب الجاذبية.
    الكوكب سرعة الإفلات
    المريخ ٥ كيلومترات/ثانية (١١٢٠٠ ميل في الساعة)
    الزهرة ١٠٫٤ كيلومتر/ثانية (٢٣٣٠٠ ميل في الساعة)
    الأرض ١١٫٤ كيلومتر/ثانية (٢٥٥٠٠ ميل في الساعة)

    تملك غازات الغلاف الجوي نِطاقًا من السرعات، وتعتمد هذه السرعات على درجة الحرارة وكتلة جزيئات الغاز. فعند درجات الحرارة الأعلى تتحرك الجزيئات بشكلٍ أسرع. والجزيئات الأخف تتحرك أسرع من الجزيئات الثقيلة. كما ترى في الجدول، يفقد المريخ الغازات الخفيفة بسرعة كالهيدروجين والهيليوم بسبب الإفلات الحراري، ولكنه يستطيع الاحتفاظ بالغازات الثقيلة مثل ثاني أكسيد الكربون. وتحتفظ الزهرة والأرض بالغازات بشكلٍ أكثرَ سهولةً نتيجة لسرعة الإفلات العالية لديهما.

  • التكثف Condensation: مثلما تؤدي درجات الحرارة العالية إلى تبخُّر السوائل وتَسامي بعض المواد الصلبة يحدث العكس أيضًا؛ فعند درجات الحرارة المنخفضة يمكن أن تتكثف غازات الغلاف الجوي وتؤدي إلى تكوين مواد سائلة أو حتى مواد صلبة. وربما يظهر أفضل مثال على ذلك على كوكب المريخ، حيث يتكثف ثاني أكسيد الكربون الموجود بالقرب من القطبَين خلال شتاء المريخ ويؤدي إلى تكوين ثاني أكسيد الكربون الصلب أو الثلج الجاف. يحدُث التكثف أيضًا على قمر كوكب الأرض. ففي عام ١٩٩٨ اكتشفت المركبة المدارية لونر بروسبكتور ثلوجًا مائية في الفوهات العميقة القريبة من قُطبي القمر. ربما يكون قد تكوَّن الثلج من ذيول المُذنبات التي تصطدم بالقمر، والتي ربما تكون قد تكثفت على سطح القمر خاصة في المناطق التي لا تتعرَّض لضوء الشمس بشكلٍ مباشر. وربما يكون قد تكوَّن هذا الثلج منذ مليارات السنين ولا يزال موجودًا هناك.
  • القصف Bombardment: يستطيع القصف تكوين غلافٍ جوي لأي كوكبٍ بدأ دون أن يحتوي على أي غلاف جوي تقريبًا. كما يستطيع أيضًا أن يجعل أي كوكب لديه غلاف جوي يفقد غازات. ويمكن للرياح الشمسية أن تمنح طاقة لغازات الغلاف الجوي العلوي لكي تُفلت. ويمكن للفوتونات الشمسية أن تُقسِّم الجزيئات إلى جزيئاتٍ أصغر (بواسطة عملية تُسمى التفكُّك)، والتي تهرب بعد ذلك بسبب كُتلتها الأقل.
  • تكوين الفوَّهات: يمكن للأجسام الأكبر التي تصطدم بأسطح الكواكب أيضًا أن تنقل طاقةً كافية لجزيئات الغاز لتسمح لها بالإفلات. وتكون الكواكب الصغيرة، التي سرعة إفلاتها منخفضة، أكثر عرضةً على وجه الخصوص لهذه العملية.
  • التفاعُلات الكيميائية: بناءً على النشاط الكيميائي للجزيئات ذات الصلة، قد تحدُث تفاعلات بين الغازات وصخور أو سوائل السطح، وهذا يخرج الغازات من الغلاف الجوي. لقد جمعت التفاعُلات الكيميائية في بداية تاريخ الكواكب ثاني أكسيد كربون الأرض في شكلِ صخورٍ جيرية، وبذلك فقد الهواء كمياتٍ هائلة من ثاني أكسيد الكربون.

اكتساب غاز الغلاف الجوي أو فقده

هيا بنا نطبق هذه المبادئ على الكواكب الداخلية لنرى كيف تطورت أغلفتها الجوية الأولى حتى وصلت إلى شكلها الحالي. سوف نبدأ بالزهرة والمريخ وننتهي بالأرض.

يكمن الاختلاف الكبير بين الكواكب المجاورة لنا وكوكبنا في وجود المياه. فقد تبخَّرت مياه كوكب الزهرة بسبب درجة حرارته العالية. فقد ساعد التبخُّر في جموح تأثير الدفيئة، ثم فُقد الماء في النهاية حيث فكَّكت الفوتونات الشمسية جزيئاتِ الماء إلى هيدروجين وأكسجين. أما المريخ، فقد تدفَّقت مياهه حول السطح على شكل سائلٍ لفترةٍ مُعينة. لكن لم يكن تأثير الدفيئة قويًّا بما يكفي على المريخ ليحتفظ بالماء في الحالة الغازية، لذا تكثَّفَ الماء. وانخفضت درجة الحرارة أكثر. وتحول الماء إلى ثلج، والذي لا يزال يقبع في الغالب تحت السطح عند القُطبَين.

جدول ٥-١: كوكب الزهرة
العملية النتيجة التعليق
اكتساب الغاز
التفريغ الغازي أنتجت هذه العملية وفرةً من ثاني أكسيد الكربون، والماء، والنيتروجين، ومركبات الكبريت حجم الكوكب الكبير أنتج غازًا أكثر
التبخر أدَّت درجة الحرارة العالية إلى تحول معظم مياه الكوكب إلى بخار، وكان ذلك مبكرًا أثناء تطور الغلاف الجوي تغذية راجعة إيجابية: أدى بخار الماء وثاني أكسيد الكربون إلى ظهور تأثير الدفيئة، وزيادة درجة حرارة الغلاف الجوي، وتبخُّر مياه أكثر …
القصف تأثير طفيف
فقد الغاز
الإفلات الحراري تحرَّرت ذرات الهيدروجين من جزيئات الماء بواسطة الفوتونات العالية الطاقة، وتهرب الغازات الخفيفة الأخرى بسبب درجات الحرارة العالية
التكثف تأثير طفيف تحول درجة حرارة السطح المُرتفعة دون تكثف الغازات
القصف عصفت الرياح الشمسية بالأكسجين في الغلاف الجوي العلوي
تكوُّن الفوَّهات بالغلاف الجوي تأثير طفيف
التفاعلات الكيميائية دخلت ذرات الأكسجين التي تحرَّرت من جزيئات الماء بواسطة الفوتونات العالية الطاقة في تفاعُلات كيميائية مع صخور السطح
جدول ٥-٢: كوكب المريخ
العملية النتيجة التعليق
اكتساب الغاز
التفريغ الغازي أنتجت هذه العملية وفرةً من ثاني أكسيد الكربون، والماء، والنيتروجين، ومُركَّبات الكبريت؛ كان الغلاف الجوي سميكًا في الأصل حجم المريخ الصغير أنتج غازًا أقلَّ وبرُد الكوكب بشكلٍ أسرع
التبخُّر تبخَّرت بعض المياه، ولكن ليس بنفس قدر تبخُّر المياه على الزهرة أو الأرض كان كوكب المريخ يتمتَّع بكمية مياهٍ سائلة كبيرة في البداية
القصف تأثير طفيف
فقد الغاز
الإفلات الحراري تحررت ذرات الهيدروجين من جزيئات الماء بواسطة الفوتونات العالية الطاقة، وتهرب الغازات الخفيفة الأخرى بسبب درجات الحرارة العالية
التكثف تكثفت المياه، وتحولت إلى سائل، وفي الوقت الذي انخفضت فيه درجة الحرارة، تحولت المياه السائلة إلى ثلج، كما تكثف ثاني أكسيد الكربون وكون ثلجًا جافًّا تغذية راجعة سلبية: في الوقت الذي تكثَّف فيه الغاز، قل تأثير الدفيئة، مما أدى إلى انخفاض درجة حرارة الغلاف الجوي، وهذا سمح بتكثُّف غازات أكثر …
القصف عصفت الرياح الشمسية بالأكسجين في الغلاف الجوي العلوي
تكون الفوهات في الغلاف الجوي تأثير طفيف
التفاعلات الكيميائية دخلت ذرات الأكسجين التي تحرَّرت من جزيئات الماء بواسطة الفوتونات عالية الطاقة في تفاعلات كيميائية مع صخور السطح: أكسيد الحديد البُني المشوب بالحمرة (الصدأ) هو ما يجعل المريخ كوكبًا أحمر؛ وحُبِسَ ثاني أكسيد الكربون في الصخور الكربونية

والآن ننتقِل إلى الأرض. نحن نعلم المصير الحتمي لمياهنا، فنحن لا نزال نملك الماء بأشكاله الثلاثة: البخار والسائل والصلب. الماء لا يُميز الأرض عن الكواكب المجاورة وحسب، بل هو السبب وراء التقلبات الجوية غير المتوقَّعة إلى حدٍّ كبير.

الأرض مقارنة بكلٍّ من المريخ والزهرة

هيا بنا نقارن الأرض بالزهرة والمريخ لنرى كيف نشأت الأحوال الجوية للأرض.

الخاصية الأرض الزهرة المريخ
القطر ١٠٠٪ ٩٥٪ ٥٣٪
الكتلة ١٠٠٪ ٨٢٪ ١١٪
الكثافة ١٠٠٪ ٩٥٪ ٦٦٪
جاذبية السطح ١٠٠٪ ٩١٪ ٣٨٪
الوقت الذي تستغرقه الدورة الواحدة حول المحور ٢٤ ساعة ٢٤٣ يومًا ٢٤٫٥ ساعة
ميل المحور ٢٣٫٥ درجة درجتان ٢٥ درجة
الألبيدو ٠٫٣٦ ٠٫٧٢ ٠٫٢٥
درجة الحرارة بدون غلاف جوي −٩ درجة فهرنهايت (−٢٣ درجة مئوية) ١٠٠ درجة فهرنهايت (٣٨ درجة مئوية) −٦٧ درجة فهرنهايت (−٥٥ درجة مئوية)
درجة الحرارة بوجود غلاف جوي ٥٩ درجة فهرنهايت (١٥ درجة مئوية) ٨٧٠ درجة فهرنهايت (٤٧٠ درجة مئوية) −٥٨ درجة فهرنهايت (−٥٠ درجة مئوية)
محتويات الغلاف الجوي ٧٧٪ نيتروجين، و٢١٪ أكسجين ٩٦٪ ثاني أكسيد كربون، و٣٪ نيتروجين ٩٥٪ ثاني أكسيد كربون، و٣٪ نيتروجين

بما أن الكواكب الثلاثة بدأت بأغلفة جوية مُتشابهة نشأت عن طريق تفريغٍ غازيٍّ بُركاني أَنتج في الغالب ثاني أكسيد كربون وماءً، فنحن بحاجة إلى الإجابة عن أسئلة عديدة.

 لماذا استطاعت الأرض الاحتفاظ بمياهها في حين فقد الزهرة والمريخ مياههما؟

لقد رأينا بالفعل كيف فقد الزهرة والمريخ مياههما، فالزهرة كان شديد الحرارة، والمريخ كان شديد البرودة. بينما على الأرض يشارك الماء في دورات عديدة، وأكثر هذه الدورات شيوعًا هي الدورة المائية التي يتبخَّر فيها الماء من المُحيطات ثم تحمِله الرياح إلى اليابسة، ويترسَّب في شكل أمطار أو ثلوج (يسقط بعضها على المُحيطات)، فتُصرَف ثانيةً إلى المحيطات، ثم تتبخر مرة أخرى، وهكذا. لا تتم هذه الدورة بفعل درجات الحرارة المُعتدلة وحسب، بل بفِعل أنماط دوران الغلاف الجوي أيضًا، التي تتأثر بدورها بميل محور الكوكب ومعدل دورانه.

 ماذا حدث لثاني أكسيد الكربون في الأرض؟

لم تفقد الأرض ثاني أكسيد الكربون، فهو مُختفٍ فقط بفضل المياه السائلة. إذ يذوب ثاني أكسيد الكربون الموجود في الهواء في المُحيطات. وهناك يتفاعل مع معادن السيليكات ويؤدي ذلك إلى تكوين صخورٍ كربوناتية تغوص إلى قاع المُحيطات. وهذا هو المكان الذي يذهب إليه ثاني أكسيد الكربون. لكنه لا يبقى هناك، لأن هذه الخطوة هي جزء من دورة. تتحرك صفائح القشرة الأرضية بسبب التيارات التي تحدُث في الوشاح. وتنتقل الصخور الكربوناتية إلى الوشاح حيث ترتفع درجة حرارتها. ثم يُفلت ثاني أكسيد الكربون إلى الغلاف الجوي نتيجة للثورات البركانية. وبمجرد دخول ثاني أكسيد الكربون إلى الغلاف الجوي يُمكنه أن يذوب مرة أخرى في المحيطات وهكذا. بالمناسبة، إذا كنت تتساءل كيف وصلت معادن السيليكات إلى المحيطات، فهذه المعادن تآكلت من الأرض بفعل مياه الأمطار. وتسمى هذه العملية بالكامل «دورة الكربونات-السيليكات». ولأن هذه الدورة تتطلب ماءً سائلًا فهي تعمل فقط على الأرض.

 من أين أتت الأرض بالأكسجين؟

إنَّ توفُّر الأكسجين في الغلاف الجوي للأرض له مصدر واحد وهو الحياة. ولكن هذه العملية مُعقدة بعض الشيء. فبمجرد تطوُّر الكائنات الحية، لم يأخذ الأمر وقتًا طويلًا حتى تمكن أحد الكائنات الحية من استخدام الطاقة القادمة من الشمس وكوَّن جزيئاتٍ هيدروكربونية مُعقدة من الجزيئات المتوفرة بكثرةٍ للماء وثاني أكسيد الكربون. ويبدو أن عملية البناء الضوئي هذه قد بدأت في بداية تاريخ الحياة وضخَّت الأكسجين كمنتجٍ فرعي.

إن الأكسجين عالي التفاعُل كيميائيًّا، لذا فعلى مدار ما يقرُب من ملياري سنة بعد بداية عملية البناء الضوئي، تفاعل الأكسجين مع صخور السطح كيميائيًّا. ولم يبدأ الأكسجين في التراكُم في الغلاف الجوي إلا عندما تأكسدت صخور السطح بشكلٍ كامل. وبمجرد أن بدأ الأكسجين في التراكُم بدأ يحدُث أمران. أولًا، تفكك الأكسجين الذي ارتفع إلى مستوياتٍ أعلى من الغلاف الجوي بواسطة الفوتونات الشمسية. وهذا التفكك الذي حدث لجزيئات الأكسجين أدَّى إلى تكوين جزيء جديدٍ غير مُستقر يُسمى الأوزون (O3). وكان الأوزون سيُصبح ظاهرةً كيميائية شاذة لولا قُدرته على امتصاص الأشعة فوق البنفسجية. وبمجرد أن تراكمت كميةٌ معقولة من الأوزون في الغلاف الجوي العلوي، فقد عملت على وقاية سطح الأرض من الأشعة فوق البنفسجية التي تُهدد الحياة. وأصبح بالتالي من المُمكن للحياة أن تنتقل إلى الأرض وتتنفَّس الأكسجين، وهذه التركيبة جعلت من المُمكن وجود كائناتٍ حية جديدة. البشر على سبيل المثال.

وبدأ تأثير الحياة على الغلاف الجوي مبكرًا، واستمر ذلك التأثير. ولقد دار الجدل حديثًا عن إضافة الحضارة البشرية لثاني أكسيد كربون للغلاف الجوي والتأثير المُحتمل على غازات الدفيئة. (انظر مجلد الأفكار ١٠، غازات الدفيئة.)

ويُعد الغلاف الجوي للأرض هو المادة الخام التي يستقي منها المُتنبئون بحالة الطقس تنبؤاتهم الجريئة. وهو يختلف تمامًا عن الأغلفة الجوية الخاصة بالكواكب المجاورة لنا ويحتوي على تعقيدات بداخله مما يجعل التنبُّؤ بحالة الطقس أمرًا صعبًا ويُمثل تحديًا. وقد ثبت أن التنبُّؤ بالطقس أصعب بكثيرٍ مما يبدو.

الطقس والمناخ: الفرضيات (جيدة جدًّا) والتنبُّؤات (ليست جيدة جدًّا)

مع هذه المجموعة الفريدة من غازات الغلاف الجوي على الأرض التي تعمل كملاحظات، تتمثل الخطوة التالية — في منهج التفكير العلمي — في وضع نموذج افتراضي عن كيفية عمل الغلاف الجوي على المدى الطويل (المناخ) والمدى القصير (الطقس). وبفضل جهود إسحاق نيوتن في القرن السابع عشر فُسِّرَت حركة الأجسام بشكلٍ جيد من خلال مجموعة من المعادلات العامة والقوية. وفي الحقيقة طَبَّق جانب كبير من النشاط العلمي في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر أفكار نيوتن على حالات مُختلفة، كالأجسام الكبيرة والأجسام الصغيرة والسوائل والغازات.

من بين الأشياء الجميلة في قوانين نيوتن أنه بمجرد تحديد الظروف عند وقت معين، كان يمكن حساب جميع حالات الحركة المُستقبلية. وكان يطلق على ذلك فلسفيًّا اسم مبدأ الحتمية. كانت قوة هذه الطريقة كبيرة. إذ كانت تساعد في إجراء حسابات دقيقة لمواقع الكواكب، وكان يتمُّ من خلالها أيضًا التنبؤ بالمدِّ والجزر قبل حدوثه بسنوات، وساعدت كذلك في التنبؤ بمسارات القذائف. بالإضافة إلى ذلك، استُخدِمت هذه التنبؤات فيما يتعلق بالماضي كما استُخدِمت للمستقبل، مما منحنا القدرة على تحليل الماضي والمستقبل أيضًا.

إن إحدى تبِعات مبدأ الحتمية هي أنه يمكن التنبؤ بالسلوك المستقبلي لأي نظامٍ عن طريق تحديد أحوال النظام في وقتٍ سابق. وتُسمى هذه الأحوال بالظروف المبدئية. يعرض شكل ٥-٣ صورة مُبسطة لهذه العملية؛ يمكن أن يُمثل هذا الرسم المسافة التي قد تقطعها قذيفة كدالة للزاوية التي انطلقت منها. إذا كانت الزاوية مضبوطة داخل نطاق درجات عديدة فقد يتنوَّع هذا النطاق إلى حدٍّ بعيد. ولكن إذا كانت هناك حاجة لدقةٍ أكبر فيجب إذن ضبط الزاوية داخل نطاق أصغر.
fig50
شكل ٥-٣: تعتمد دقة التنبؤ بالأحوال المُستقبلية على دقَّة الظروف المبدئية.

من حيث المبدأ، يمكن الحصول على النتائج الدقيقة المرغوبة ببساطة عن طريق جعل الظروف المبدئية دقيقة. يتضمن القياس الذي يختبر أي تنبؤ فكرة أن زيادة دقة القياسات ستُحسن من دقة نتائج التنبؤات. وبالرغم من أن هذه الفرضية لم تواجِه أي معارضة لفترة زمنية طويلة، فقد أُثيرت شكوك بشأنها في أواخر القرن التاسع عشر، في ظل ظروف غريبة.

في عام ١٨٨٧ عرض الملك أوسكار الثاني ملك السويد جائزةً نقدية لأي فردٍ يستطيع أن يُثبت رياضيًّا أنَّ مدارات الكواكب في النظام الشمسي مستقرة. فاز بالجائزة جول أونري بوانكاريه مع أنه لم يحلَّ المشكلة تمامًا، ولكنه فاز بالجائزة تقديرًا لجهوده الحثيثة في هذا الشأن. فقد نشر بحثًا بعنوان «عن مشكلة الأجسام الثلاثة ومعادلات التوازن». وقد وصل بوانكاريه خلال بحثِه إلى أن «الاختلافات الصغيرة في الظروف المبدئية تؤدِّي إلى اختلافاتٍ كبيرة للغاية في الظواهر النهائية». ونظرًا لكونه عالِم رياضيات من الطراز الأول، فقد استطاع بوانكاريه أن يُثبت أنه عندما تصِل الأنظمة إلى درجةٍ مُعينة من التعقيد فسيتطلَّب تحقيق نتائج دقيقة أن تكون الظروف المبدئية دقيقة جدًّا. لبعض الوقت كانت أفكار بوانكاريه تُعتبر مجرد حالة رياضية شاذة. وكما سنرى بعد قليل، بعد سبعين عامًا أخذت أفكار بوانكاريه بالثأر ممن استخفُّوا بها.

والآن دعنا نعود إلى مجال التنبؤ بالطقس. فقد حدث تطوُّر مُهم أثناء الحرب العالمية الأولى. كان قد عمل لويس فراي ريتشاردسون في العديد من المؤسسات العلمية، من بينها مكتب الأرصاد الجوية البريطاني. وعندما اندلعت الحرب وجد ريتشاردسون سبيلًا للمساعدة دون أن ينتهك مبادئه الداعية للسلام، فقد عمل سائقًا بسيارة إسعاف في فرنسا. وفي أوقات فراغه ابتكر نموذجًا رياضيًّا للتوقُّعات الجوية كان يقوم على تقسيم سطح الأرض إلى أجزاء، والحصول على بيانات الطقس لكل جزء، واستخدام طريقة رياضية وهي تحليل الفروق المُنتهية للتنبؤ بالطقس. لم ينجح هذا النموذج مُطلقًا، ولكنه نشر الأسلوب الذي استخدمه عام ١٩٢٢ في بحثٍ شهير بعنوان «التنبؤ بالطقس بواسطة العمليات الرقمية». وأرجع ريتشاردسون فشل النموذج إلى عدم كفاية البيانات وصعوبة القيام بتلك الحسابات الشاقَّة يدويًّا.

ولكن قبل مضيِّ زمنٍ طويل تراجعت الحسابات اليدوية وحلَّت محلها أجهزة الكمبيوتر. وبحلول عام ١٩٥٣ استخدم عالم الرياضيات المجَري والأستاذ بجامعة برينستون جون فون نويمان جهاز إنياك في جامعة برينستون لحلِّ الكثير من المسائل المُهمة، بما في ذلك معادلات ريتشاردسون. ومع أن هذا العمل الحاسوبي المُبكر قد أتاح القيام بتوقُّعات جوية جيدة إلى حدٍّ ما، فإنه كانت هناك مساحة كبيرة للتطوير.

كان يمثل الكمبيوتر أداة جديدة مفيدة للغاية. وفي عام ١٩٦٠ حصل إدوارد لورينز على كمبيوتر جديد في مكتبه. كان لورينز قد درس الرياضيات في جامعة هارفارد ثم كان يدرِّس حينها علم الأرصاد الجوية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. وكاختبار لهذا الكمبيوتر برمج لورينز الاثنتي عشرة معادلة غير الخطِّية التي تتحكم في تدفُّق السوائل وطبَّقها على الطقس. تضمَّنت هذه المعادلات آثار الضغط، وسرعات الرياح، ودرجات حرارة الهواء، والرطوبة. وكان كمبيوتر لورينز بدائيًّا جدًّا بالمعايير الحديثة. ومع ذلك فقد أعطى نتائج معقولة من حيث الشكل.

كانت هناك محاكاة بعينها مثيرة للاهتمام فقرَّر لورينز التوسُّع فيها. ونظرًا لبطء أجهزة الكمبيوتر في تلك الأيام فقد بدأ المحاكاة في المنتصف ثم كتب عددًا، تصادف أنه كان ٠٫٥٠٦، من المطبوعات. ثم ذهب ليأخذ فنجانًا من القهوة حتى يُتم الكمبيوتر العملية. وعند عودته صُدم لورينز عندما اكتشف أن النتائج الجديدة لم تتماشَ مع النتائج السابقة. ولم تكن حتى قريبة منها. وبعد أن تحقق وأعاد المحاولة اكتشف لورينز أن الكمبيوتر استخدم ستَّ خاناتٍ عشرية داخليًّا لكنه لم يعرض سوى ثلاثٍ فقط. فقد كان الرقم ٠٫٥٠٦ موجودًا في الكمبيوتر ولكن بشكلٍ آخر وهو ٠٫٥٠٦١٢٧.

ولكن كيف استطاع هذا الفرق الصغير في المدخلات أن يؤدي إلى هذا الاختلاف الكبير في المخرجات؟ أعاد إدوارد لورينز اكتشاف أفكار بوانكاريه من جديد. ففي بحث نشره عام ١٩٦٣ بعنوان «التدفق الحتمي غير الدوري»، أوضح لورينز كيف أن النتائج اللاحقة مُعتمِدة بشدة على لظروف المبدئية.

إن شكل ٥-٤ هو مُخطط لدالة ثلاثية الأبعاد نتجت عن تلك المعادلات غير الخطية. لاحظ أنه بالرغم من أن القِيَم لا تستقرُّ عند نقطة واحدة، فإنها تتذبذب باستمرارٍ بين نقطتَين كما لو كانت تجذب الدالة، ومن هنا جاء الاسم الذي أطلق عليها وهو «الجاذب الغريب».
fig51
شكل ٥-٤: الجاذب الغريب.

ولإبراز مسألة أن الفروق الصغيرة تؤدي إلى نتائج كبيرة، وربما استلهامًا من الصورة المرئية للجاذب الغريب، كان عنوان أحد أبحاث لورينز اللاحقة هو «هل يمكن لرفرفة جناج فراشة في البرازيل أن تؤدي إلى إعصار في تكساس؟» إن «أثر الفراشة» هذا سرعان ما جرى تعميمُه. وقد جرى إنتاج ودراسة أنظمة معادلات تُظهِر هذا السلوك دون النظر لقابلية تطبيقها على الأنظمة الفيزيائية.

وفي النهاية، بزغ مجال جديد تمامًا للرياضيات تحت عنوان قد يبدو مُضَلِّلًا وهو نظرية الفوضى كما سمَّاها عالم الرياضيات جيمس يورك من جامعة ميريلاند. (انظر مجلد الأفكار ١٢، نظرية الفوضى). للأسف، ربما تدلُّ كلمة «الفوضى» على عشوائيةٍ تامة، ولكن هذا ليس هو الواقع. فالطقس ليس عشوائيًّا تمامًا. فصورة الطقس الكاملة معروفة جيدًا: الصيف سيكون دافئًا والشتاء سيكون باردًا. ما لا نعرفه فقط هو تفاصيل إلى أي مدى سيكون الطقس دافئًا أو باردًا، وهل ستحدُث أحوال الطقس القاسية بعد ذلك بأسابيع أم بعدَّة ساعات.

fig52

حل اللغز: كيف وأين؟

هناك مدارس فكرية عديدة حول طرق الوصول إلى تنبؤات بعيدة المدى ودقيقة أكثر للطقس.

كيف وأين؟

تطوير الوسائل الحالية

  • تحديث رصد معلومات الطقس. هناك حاجة إلى بيانات أكثر وأدق. فهناك مناطق على الكرة الأرضية تُجمَع معلومات ضئيلة جدًّا عنها، خاصة المناطق الجبلية وفوق المُحيطات. هناك تدفُّقان واسعا النطاق من تيارات المُحيطات، وهما النينو واللانينا، يُنتِجان أنماط طقسٍ واسعة النطاق لها تأثير ملحوظ على الطقس العالمي، ولها تأثير خاص على الزراعة. ويمكن للتنبؤات الدقيقة البعيدة المدى للطقس أن توفر على المُزارعين مئات الملايين من الدولارات. هناك مشروعات مثل مشروع آرجو، وهو جزء من نظام رصد المناخ العالمي، تضع حوالي ٣ آلاف مرصد عائم في مُحيطات الكرة الأرضية لمراقبة أحوال الطقس والمياه.
  • تحسين جودة النماذج المُستخدمة. في حين أن النماذج الرياضية قد تطورت كثيرًا مقارنةً بالنموذج الذي استخدمه إدوارد لورينز في الستينيات من القرن الماضي، توجَد مساحة للتحسين والتطوير. وتُعَد بعض العمليات الفيزيائية التي تؤثر في الطقس مُعقَّدة جدًّا. فيجب أن نأخذ في الاعتبار الطوبوغرافيا وخصائص التربة، وكذلك الحركات الديناميكية للمُحيطات والسُّحب. وتقرب النماذج الحالية فقط العمليات المُعقدة للغاية من أجل تسريع العمليات الحسابية وجعل مُتطلبات الذاكرة الحاسوبية في نطاق الإمكانيات الحالية. علاوة على ذلك، تحتفظ الهيئات المختلفة بنماذج مُختلفة عديدة، وتَستخدِم كل هيئة مجموعةً مختلفة من عمليات التقريب.
  • تقليل حجم شبكة النماذج. كانت نماذج التوقُّعات الجوية العالمية المبكرة تستخدِم شبكةً من العناصر الفردية كان يصل حجمها إلى مئات الكيلومترات. لقد قُلِّلَ حجم الشبكة الحالية إلى عشرات الكيلومترات، ومن المُستهدَف الوصول لحجمٍ يصل إلى أقل من خمسة كيلومترات. يمكن صياغة نماذج أكثر دقةً عبر مساحات أصغر، ولكن توفير هذه الدقة يتطلب أجهزة كمبيوتر فائقة. (تذكَّر حاجة علم الأحياء لقدرة حاسوبية عملاقة، يشار إليها بالمعلومات الحيوية.) توجد فلسفتان مختلفتان جذريًّا حول كيفية بناء أجهزة كمبيوتر فائقة وهما المُعالجة المتوازية الضخمة والمعالجة المُتجهية. إن المعالجات المتوازية الضخمة تربط أعدادًا كبيرة من المعالجات المتعددة الأغراض، التي يقوم كل منها بجزءٍ ما من عملية حسابية معقدة، ثم تُدمَج كل النتائج الفردية في النهاية. وتَستخدِم المعالجة المُتجهية معالجات دقيقة مُتخصصة، مُصمَّمة خصوصًا لحل مشكلاتٍ معينة بشكل أكثر فعالية. في الماضي، بنى مُصمِّم كمبيوتر أمريكي يدعى سيمور كراي أجهزة كمبيوتر فائقة شديدة السرعة تعتمِد على المعالجة المُتجهية. وفي حين أن تقنيته أصبحت قديمةً في هذا البلد، فإن شركة إن إي سي اليابانية قد تبنَّتها. وبدلًا من العمل مع شبكة صغيرة للأرض كلها، هناك اقتراح بأنه قد تتحسَّن كفاءة النماذج العالمية للتنبؤ بالطقس عن طريق التركيز على أحجام متنوعة للشبكة في مناطق مهمة مُعينة.
  • التنبؤ التجميعي: التنبؤ التجميعي هو تقنية تُحدد حساسية النماذج للتغيرات الصغيرة في الظروف المبدئية. تدور فكرة هذه التقنية حول تنفيذ النموذج مرات عديدة، باستخدام ظروف مبدئية مختلفة، ثم ملاحظة كيفية تَغير النتائج. فإذا حدث تنبؤ بسقوط المطر ٤ مرات من ١٠ مثلًا، إذن يمكن القول إنَّ فرصة سقوط الأمطار هي ٤٠٪. بوجهٍ عام، تُنفَّذ النماذج أكثر من ١٠ مرات؛ غالبًا ١٧ مرة، وفي بعض الأحيان ٤٦ مرة. وهناك شكل آخر لهذه التقنية وهو المقارنة بين نتائج نماذج مختلفة عديدة ومن ثم القيام بالتنبؤ بناءً على المتوسط المُرجَّح. يُستخدَم الكمبيوتر هنا كعاملٍ مساعد من قِبَل علماء الأرصاد الجوية ذوي الخبرة، الذين يفحصون النتائج وفي بعض الأحيان يتجاهلون تنبؤات أنتجها الكمبيوتر وهذا بناءً على خبراتهم.

الاعتراف باستحالة الوصول إلى تنبؤات بعيدة المدى مفصلة وتحليل الاتجاهات العامة فقط

كتب الكاتب المُتخصص في مجال العلوم جيمس جليك في كتابه «الفوضى: صناعة علم جديد» يقول:

تخيل أن الأرض يمكن تغطيتُها بمجسَّات، يبعُد كل مجس عن الآخر مسافة قدَم، ويعلو كل واحدٍ عن الآخر بقدَم حتى تصل هذه المجسات إلى قمة الغلاف الجوي. تخيل أن كل مجسٍّ يعطي قراءاتٍ دقيقةً جدًّا لدرجة الحرارة، والضغط، والرطوبة، وأي مقدار آخر يُريده أي عالمِ أرصادٍ جوية. وعند منتصف اليوم تمامًا يأخذ أحد أجهزة الكمبيوتر القوية جدًّا جميع البيانات ويحسُب ماذا سيحدُث عند كل نقطة عند الساعة ٠١ :١٢، ثم الساعة ٠٢ :١٢، ثم الساعة ٠٣ :١٢، وهكذا … رغم ذلك لن يكون باستطاعة هذا الكمبيوتر التنبؤ بما إذا كان الجو سيكون مُشمسًا أو ممطرًا في برينستون بولاية نيو جيرسي في يومٍ ما بعد شهرٍ أم لا.

تنظر البِنية التحتية القوية للتنبؤ بالطقس إلى استحالة التنبؤ بأنها فكرة غير مقبولة. وحتى القيام بتنبؤات دقيقة لمدةٍ أطول من أسبوعَين، يجب أخذ فكرة عدم القدرة على التنبؤ البعيد المدى الدقيق بالطقس كاحتمالٍ حقيقي. فمن بعض الجوانب، هذا يُشبه مشكلة أخرى من مشكلات التنبؤ الخاصة بعلم الأرض وهو التنبؤ بالزلازل. (انظر مجلد الأفكار ١٣، التنبؤ بالزلازل.)

تطوير نهج جديد تمامًا

في حين أن نظرية الفوضى و«نظرية الكارثة»، التي تتعامل مع التحولات المفاجئة من نمطٍ إلى نمط آخر، لهما الكثير من الخصائص المُهمة كاثنَين من الكيانات الرياضية البحتة، فإنهما تحتاجان إلى أن تتكاملا مع الحقائق الفيزيائية لتكونا مُفيدتَين من الناحية العلمية. لقد نُشِرَ نهج جديد يعتمد على قواعد بسيطة طوَّرها مجال البرمجة الحاسوبية على يد ستيفن وولفرم في كتاب بعنوان «نوع جديد من العلوم». ربما يكون لأفكاره تأثير على التنبؤ بالطقس ومجالات علمية أخرى، ولكن ستكون هناك حاجة لمجهودٍ كبير لدمج أساليبه لصياغة النماذج الرياضية مع حقائق الكون.

حاليًّا هناك مشروع يُسمَّى climateprediction.com يُنفذ نماذج جوية على أجهزة كمبيوتر منزلية في الخلفية كشاشات التوقُّف. هذا السعي القائم على المُعالجة المتوازية الضخمة يُشبه مشروعي SETIathome وFolding@Home اللذَين سنُناقِشهما في مجلدي الأفكار ٤ و٨ على التوالي. يجري تنفيذ نماذج جوية مُعقدة على مجموعةٍ متنوعة من الأحوال الأولية للتنبؤ بالطقس والمناخ عام ٢٠٥٠. ستُقارن التنبؤات بالأحوال الفعلية في عام ٢٠٥٠ وربما تُلقي الضوء على عملية صياغة النماذج. لقد تطوع عشرات الآلاف من الناس بالفعل بأجهزة الكمبيوتر الخاصة بهم من أجل هذه المُهمة الإنسانية.

وعُبِّرَ عن هدف هذا المشروع بمقولة تلمس روح التنبؤ بالطقس:

يساعد المرء في تفسير الماضي، الذي بدوره يساعد المرء في فهم الحاضر، فيمكن التنبؤ بالمستقبل، مما يؤدي إلى تأثير أفضل في أحداث المستقبل، وخوف أقل من المجهول.

تشارلز هاندي Charles Handy

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥