المشهد الأول
(روما – يدخل بروتس إلى حديقة داره.)
بروتس
:
أنت يا لوشيوس! اسمعني!
لا أستطيع أن أعرِف من مسار النجوم
كَم بقي على طلوع النهار!
لوشيوس! إني أناديك!
ليت النومَ العميق أحدُ عيوبي! (٥)
عجبًا لك يا لوشيوس! لوشيوس! استيقظ أقول
لك …
(يدخل لوشيوس.)
لوشيوس
:
هل تنادي يا مولاي؟
بروتس
:
آتِني بشمعة في غرفة مكتبي ..
وعندما تشعِلها تعالَ نادِني.
لوشيوس
:
أمرك يا مولاي!
(يخرج.)
بروتس
:
لا بد من موتِه إذن! أمَّا من ناحيتي (١٠)
فليس في نفسي ما يدفعني إلى النَّيل منه
إلا المصلحة العامة. إنه يريد أن يُتوَّج مَلِكًا!
والسؤالُ هو كَم سيغيِّر ذلك من طبيعته؟
إن ضوءَ النهار هو الذي يُخرِج الأفعى من جُحرها
مما يستوجِب الحذرَ عند المسير! نُتوِّجه؟
لا بأس! ولكننا بذلك نُكسِبه شوكةً يلسعُ بها (١٥)
ويُحدِثُ الضررَ حسبما يشاء!
آفةُ العظَمة أنها تنزِعُ الرحمة من قلب السلطان!
والحقُّ أن قيصرَ لم يسمح لأهوائه أن تتحكَّم في عقله! (٢٠)
ولكنَّ التجربة تثبت لنا أن التظاهرَ بالتواضع هو السُّلَّم
الذي يرتقيه الشابُّ الطموح للوصول إلى غايته!
إنه يُقبِل عليه فيصعد حتى يَصِل
إلى أعلى درجةٍ ثم يُدير للسُّلم ظهرَه (٢٥)
وتتعلَّق عيناه بالسَّحاب، مزدريًا الدرجاتِ الدنيا
التي صعد عليها! وقد يفعل قيصر ذلك!
وينبغي أن نتحاشاه قبل وقوعه!
ولمَّا كان حنقُنا عليه لا يقوم على ذريعةٍ مقبولة الآن
لأنه لم يتبدَّل بعد، فينبغي أن تُصاغ الحُجة (٣٠)
على النحو التالي: إن سلطانه الحالي إذا زاد،
انتهى به إلى سلوكِ هذا المسلك،
ومِن ثَمَّ فهو يشبِه بيضةَ ثعبان
إذا أفرخت خرج منها ثعبانٌ من طبيعته أن يلدغ!
ومِنْ ثَمَّ لا بد من قتلِه قبل أن يخرج من البيضة!
(يدخل لوشيوس.)
لوشيوس
:
الشمعة المضيئة في غرفتك يا سيدي. (٣٥)
وبينما كنت أبحث في النافذة عن زِنادٍ أقدح به النار
وجدتُ هذه الورقة، مختومةً كما ترى.
وأنا واثق أنها لم تكن هناك عندما أويتُ إلى الفراش.
(يعطيه الخطاب.)
بروتس
:
عُد إلى الفراشِ فلم يطلُع النهار بعد،
أليس الغدُ يا غلامُ منتصفَ شهر مارس؟ (٤٠)
لوشيوس
:
لا أدري يا سيدي!
بروتس
:
انظر في التقويم وأخبِرني.
لوشيوس
:
فورًا يا مولاي.
(يخرج لوشيوس.)
بروتس
:
هذه الشُّهب التي تئزُّ في الفضاء ضوءُها باهر.
وأستطيع أن أقرأ فيه .. (٤٥)
(يفض الرسالة ويقرأ)
«بروتس! إنك نائم! استيقظ وأبصِر نفسك،
هل على روما … إلخ تكلَّمْ واضربْ وأصلِح
الأحوال!»
بروتس! أنت نائم فاستيقظ!
كثيرًا ما وجدتُ هذه الرسائلَ التي تحرِّضني
ملقاةً في الأماكنِ التي أرتادُها! (٥٠)
«هل على روما … إلخ» لا بد أن تكتمل العبارةُ
هكذا:
«هل على روما أن تستكينَ لرهبةِ رجل واحد؟»
لا يا روما، إن أسلافي قد طَردوا «تاركوين»
من شوارع روما عندما أصبح ملِكًا!
«تكلَّم واضربْ وأصلِح الأحوال!» هل يتوسل إليَّ (٥٥)
أحدٌ أن أتكلَّم وأن أضرب؟ لبيكِ يا روما!
هذا وعدٌ مني، لن تبخل عليكِ يدُ بروتس بشيءٍ
فيه إصلاحُ الحال!
(يدخل لوشيوس.)
لوشيوس
:
سيدي! لقد مضى من شهر مارس
خمسة عشر يومًا!
(صوت طرْق على الباب.)
بروتس
:
جميلٌ، اذهب إلى البابِ وانظر مَن الطارق! (٦٠)
(يخرج لوشيوس.)
لم أذُق للنومِ طعْمًا منذ حرَّضني كاشياس على قيصر
أوَّل مرة! ما بين النزوع للفعل الرهيب وارتكابه
تمرُّ الأيام كأنها كابوس مخيف أو حُلم مُفزِع (٦٥)
تنخرط فيه الروح في نقاشٍ حادٍّ مع أعضاء الجسد
وتبدو فيه دولةُ الإنسان كأنها مملكة صغيرة
تعاني من ثورةٍ داخلية.
(يدخل لوشيوس.) (٧٠)
لوشيوس
:
سيدي! أخوك كاشياس بالباب،
وهو يرغب في مقابلتك.
بروتس
:
أهو وحده؟
لوشيوس
:
لا يا سيدي .. معه آخرون.
بروتس
:
هل تعرِفهم؟
لوشيوس
:
لا يا سيدي، فقد ضغطوا قبَّعاتهم حتى غطَّت آذانَهم،
ولفُّوا عباءاتهم حتى غطَّت نصفَ وجوههم
فلم أستطِع تمييزَ ملامحهم.
(يخرج لوشيوس.)
بروتس
:
فليَدخلوا.
إنها زمرةُ المتآمرين! (٧٥)
أيتها المؤامرة!
هل تخجلين من إظهارِ جبينك الخطِر حتى بالليل ..
وقتَ انطلاق الشرور سافرة؟!
وأين تجدِين بالنهار ذلك الكهفَ المظلِم (٨٠)
القادرَ على إخفاء سِحْنتك الشائهة؟
لا تَنشدي الكهوفَ أيتها المؤامرة
بل اختبئي خلفَ البسمات وخلف ستار
الهشاشة والبشاشة!
أمَّا إذا سِرتِ في طريقك،
دون أن تغيِّري ملامحَ وجهك،
فلن تستطيعَ ظلماتُ الجحيم نفسها
أن تَحول دون افتضاحِ أمرِك! (٨٥)
(يدخل المتآمرون: كاشياس وكاسكا، وديشيوس، وسِنَّا
وميتيلوس سِمْبر وتريبونيوس.)
كاشياس
:
نأسفُ لإقلاقِ راحتك يا بروتس!
عِمْتَ صباحًا .. هل أزعجناك؟
بروتس
:
كنت مستيقظًا .. بل لم أنَمْ طولَ الليل!
هل أعرِف هؤلاء الرجال الذين جاءوا معك؟ (٩٠)
كاشياس
:
نعم! كلُّ واحد فيهم، وكلٌّ منهم يحترمك ويبجِّلك،
ويتمنَّى لو كان رأيك في نفسِك يتَّفق مع رأي
نبلاء الرومان فيك! هذا تريبونيوس.
بروتس
:
أهلًا ومرحبًا به!
كاشياس
:
وهذا ديشيوس بروتس.
بروتس
:
مرحبًا به. (٩٥)
كاشياس
:
وهذا كاسكا، وهذا سِنَّا، وهذا ميتيلوس سمبر.
بروتس
:
أهلًا بهم جميعًا، أيُّ همومٍ ساهرة
حالت بين عيونِكم والنومِ هذه الليلة؟
كاشياس
:
أتسمحُ لي بكلمة على انفراد؟ (١٠٠)
(يتهامسان على انفراد.)
ديشيوس
:
هذه جهة الشرق. هل تطلُع الشمس من هنا؟
كاسكا
:
لا.
سِنَّا
:
عفوًا يا سيدي، بل تطلُع من هنا ..
وها هو الخيطُ الأبيض يغشى الخيطَ الأسود وسط
السُّحب ..
إنها تباشيرُ الفجر!
كاسكا
:
لسوف تدركان حالًا خطأَ رأيكما .. (١٠٥)
ستُشرق الشمس من هنا .. حيث أشير بسيفي
قريبًا من جهةِ الجنوب، فنحن في مطْلَع الربيع
وبعدَ شهرين تقريبًا يتحوَّل موضعُ الشروق شمالًا (١١٠)
حيث تتوهَّج عينُ الشمس .. أمَّا جهةُ الشرق
فهي هنا مباشرةً تجاهَ الكابيتول.
بروتس
:
مُدُّوا أيديَكم حتى أصافحَكم واحدًا واحدًا.
كاشياس
:
ولنُقسِم قسَم ميثاقنا.
بروتس
:
لا، بل لن نُقسِم أيَّ قسَم! أفلا يكفي ما يغشى الوجوهَ
من غمٍّ،
وما تعانيه نفوسُنا من همٍّ، وفساد الزمان الأعظم؟ (١١٥)
إن كانت هذه الدوافعُ ضعيفة فافترقوا دون إبطاء،
وليَعُد كلٌّ مِنَّا إلى فِراش تقاعسه!
ولترفرفْ أجنحةُ الطغيان فوقنا ترقُبنا من عَلٍ،
ثم تنقضُّ ليتخطَّفنا الموتُ حسبما اتفق! (١٢٠)
ولكنني واثقٌ أن وَقْدة هذه الدوافع
تكفي لإشعالِ الحماسةِ في قلوب الجبناء،
وبثِّ الشجاعةِ وصلابةِ الفولاذ في نفوس النساء
التي تذوب رقَّة! وإذنْ ما حاجتُنا يا أبناء وطني
إلى ما يحفِزُنا على إصلاح أحوالنا سوى عدالة قضيَّتنا؟
وأيُّ ميثاق آخر سوى أننا رومانٌ قد تعاهدنا سِرًّا، (١٢٥)
ومتى تعاهدنا فلا نقضَ لعهدنا؟ وأي قسمٍ سوى أننا
شرفاءُ
تعاهدْنا على القيام بعملٍ من دونه الموت؟
فليُقسِم الكهنةُ والجبناء، وليُقسِم المخاتِلون
والخاملون المُهدَّمون،
وليُقسِم المستضعَفون الهائنون بضروب الظلم، (١٣٠)
وليُقسِم أصحابُ الدعاوى الباطلة
ممن يثيرون الريبةَ والشك،
ولكن لا تلوِّثوا الحقَّ الناصع الذي يستند إليه جُهدُنا
والحميَّة التي لا تقاومُ في نفوسِنا
بقسَمٍ لا تحتاج إليه قضيتُنا ولا يحتاج إليه عملُنا؛ (١٣٥)
إذ إن كلَّ قطرةِ دم تجري
في أجساد أبناء روما تنطِق بشرفهم،
وتشهد على مَن ينكُثُ بمثقال ذرة من عهد قطَعه على
نفسه
بأنه ابنُ سِفاحٍ وسليلُ ابن سِفاح! (١٤٠)
كاشياس
:
ولكنْ ما بال شيشرون؟ أفلا نَجُسُّ نبضَه؟
أعتقد أنه سيقف إلى جانبنا بكل قوة.
كاسكا
:
ينبغي أن نضمَّه إلينا.
سِينَّا
:
لا شكَّ في هذا.
ميتيولوس
:
فلنضُمَّه إلينا؛ فإن شَعْرَه الفضيَّ
سوف يُبيِّض وجوهَنا في أعين الناس (١٤٥)
ويضمن لنا الأصواتَ التي تمتدح عملَنا،
فلسوف يُقال إن حِكمتَه قد هدَت أيديَنا إلى فعلِ الخير!
وسوف تستتر حداثةُ سِنِّنا ويستتر اندفاعُنا
وراء وقارِه ورصانتِه.
بروتس
:
لا، بل اتركوه ولا تفاتِحوه في الموضوع؛ (١٥٠)
إذ لن يشترك في عملٍ بدأه غيرُه.
كاشيوس
:
إذنْ فلا تَضُمُّوه.
كاسكا
:
حقًّا إنه لا يصلُح.
ديشيوس
:
وهل سنَقتل قيصر وحدَه؟
كاشياس
:
سؤالٌ وجيهٌ يا ديشيوس! لا أعتقد أنه من الحكمة (١٥٥)
أن نتركَ مارك أنطونيو ونقتلَ قيصرَ وحدَه ..
إذ إن قيصرَ يحبُّه حُبًّا جمًّا، وهو مناوئ ماكر،
ولديه من الطاقات ما إنْ أحسنَ استخدامَها
ألحقَ الأذى بنا جميعًا. فلماذا لا نتفادى ذلك (١٦٠)
ونقتل قيصر وأنطونيو معًا؟
بروتس
:
لا يا كاياس كاشياس! سيبدو للناس أننا أسرفْنا
في إراقة الدماء! هل نقطع الرأس ونمثِّل بالجثة؟
سيبدو لهم أننا حنِقْنا فقتلنا وما زال الحقدُ في دمِنا!
وهل أنطونيو إلا بضعةٌ من جسمِ قيصر؟ (١٦٥)
إننا نفتدي الأمَّة بقيصر ولسنا بجزَّارين يا كاياس!
إننا نهاجم روح قيصر جميعًا، وليس في الروحِ دماء!
ليتنا استطعْنا أن نقبِض روح قيصر
دون أن نمزِّق أوصاله! ولكن — وا أسفاه! (١٧٠)
لا بد دونَ روحِه من نزْفِ دمِه!
واسمعوا يا أصدقائي الشُّرفاء! فلنقتلْه ببسالة،
لا بروح الحقد والغضب! ولنقدِّمْه قربانًا للآلهة
لا جُثةً لكلاب الطريق! ولتفعلْ قلوبنا بأيدينا
ما يفعل الأسيادُ الماكرون بخَدَمهم؛
إذ يدفعونهم إلى ارتكابِ الفَعْلة السيئة، (١٧٥)
ثم يتظاهرون بتأنيبهم عليها.
وهكذا سيبدو أننا ارتكبْنا ما ارتكبنا مُضطرِّين لا
حاقدين! وعندما يرى العامةُ هذا
سيعتبرون أننا أرَقْنا الدمَ لإنقاذ جسد الأمة من المرض،
لا لقتلِ المريض! أمَّا مارك أنطونيو (١٨٠)
فلا يشغلنَّ تفكيرَكم؛ فما هو إلا ذراعُ قيصر ..
لا تستطيع حَراكًا حين يُقطَع رأسُ قيصر!
كاشياس
:
ومع ذلك فأنا أخشاه!
إذ إن الحبَّ الذي يُكنُّه لقيصر —
بروتس
(مقاطعًا)
:
لا تشغل بالك به يا كاشياس الكريم — (١٨٥)
إن كان يحبُّ قيصر، فكلُّ ما يستطيع أن يفعله
هو إيذاءُ نفسه؛ إذ سيتملَّكه الأسى،
ثم يموت حزنًا على قيصر! بل إن ذلك أكبرُ من طاقته؛
فهو يحب اللهوَ واللعِب ومصاحبة الخلان!
تريبونيوس
:
لا خوفَ منه، فلا تقتلوه (١٩٠)
فلسوف يعيش ليسخرَ مما جرى في قابلِ الأيام
(تدقُّ الساعة.)
بروتس
:
صمْتًا .. عُدُّوا دقاتِ الساعة.
كاشياس
:
دقتِ الساعة ثلاثًا.
تريبونيوس
:
آنَ لنا أن نَرحل.
كاشياس
:
ولكننا غيرُ واثقين إن كان قيصر
سوف يخرج اليوم أم لا ..
فقد أصبح يؤمن بالخرافات في الآونة الأخيرة (١٩٥)
على عكس آرائه القديمة الحاسمة في الخيالات
والأحلام والتطيُّر.
وربما أدَّت الخوارقُ التي شهدناها الليلة
وآيات الرعب التي لم نعتَدْها، وتحذيرُ العرَّافين له، (٢٠٠)
إلى إقناعِه بعدم الخروج إلى الكابيتول اليوم.
ديشيوس
:
اطمئن من هذه الناحية، فحتى لو قرَّر البقاءُ
فسوف أقنِعه بالخروج! فهو يحبُّ أن يسمع
كيف يخدعُ الصائدُ وحيدَ القرن حتى يغرِس قرنَه في
الشجرة ..
وكيف يخدع الصائدُ الدببةَ والأفيالَ بالحُفَر .. (٢٠٥)
والأُسودَ بالشِّباك، والرجالَ بالتملُّق!
وأنا أحكي له ذلك قائلًا إنه يكره المتملِّقين،
فيوافقني على رأيي دون أن يدري أنني بذلك أتملَّقه!
دعوني أعمل! فلسوف أوجِّه تفكيرَه الوِجهةَ (٢١٠)
الصحيحة،
ولسوف آتي به إلى الكابيتول!
كاشياس
:
بل سنذهب جميعًا لنأتيَ به!
بروتس
:
في الساعة الثامنة على أكثرِ تقدير؟!
سِنَّا
:
نعم! على أكثرِ تقدير! لا تتأخَّروا إذن! (٢١٥)
ميتيلوس
:
إن كايوس ليجاريوس يكرهُ قيصر؛
لأنه وبَّخه على امتداحِه بومبي،
فلماذا لم تَضُمُّوه إلينا؟
بروتس
:
اذهبْ إليه في منزله الآن يا ميتيلوس الكريم
وأرسلْه إليَّ هنا، وسوف أشرِكه معنا؛
فهو يحبُّني وسبق لي أنْ أحطتُه بأسباب كراهيتِنا (٢٢٠)
لقيصر.
كاشياس
:
كاد يطلُع النهار! سوف نتركُك يا بروتس!
ولنتفرَّق أيها الأصدقاء، ولكن تذكَّروا كلامكم،
وليُثبِت كلٌّ منكم أنه روماني أصيل!
بروتس
:
أرجوكم أيها الأفاضلُ أن تُظهِروا البِشْر والسعادة
حتى لا تكشِفَ وجوهُنا عن نوايانا، (٢٢٥)
فلنفعلْ ما نفعلُ بثباتٍ وثقة مثلَ ممثِّلي المسارحِ في روما،
ودون أن يبدوَ علينا التوتُّر والإرهاق!
عِموا صباحًا أجمعون!
(يخرج الجميع ما عدا بروتس.)
لوشيوس! يا غلام! هل أنت في نوم عميق؟
لا بأس!
انْعَمْ بلذيذِ النومِ الذي يتساقط كالشُّهْد في نفسك! (٢٣٠)
إذ لا تساوِرُك الأفكارُ والخيالات
التي تولِّدها الهمومُ والمشاغل في عقول الكبار ..
وهذا سرُّ نومِك العميق!
(تدخل بورشيا.)
بورشيا
:
بروتس .. مولاي!
بروتس
:
بورشيا؟ ماذا تريدين؟ ولماذا صحوتِ الآن؟
ليس من الصحةِ أن تُعرِّضي جسمَك الرقيق (٢٣٥)
لهواء الصباح القارس.
بورشيا
:
ولا أن تُعرِّض جسمَك له!
لقد تركتَ فراشي فجأةً يا بروتس!
كما قُمتَ فجأةً بالأمس أثناء العَشاء،
وجعلت تسيرُ هنا وهناك وأنت تفكِّر وتتأوَّه
عاقدًا ذراعيك على صدرِك، (٢٤٠)
وعندما سألتُك حدَّقْتَ فيَّ بنظراتٍ صارمة،
وعندما ألححتُ في السؤال
حككتَ رأسك وضربتَ الأرضَ بقدمِك
نافدَ الصبر! ورغم إلحاحي لم تُجبني، (٢٤٥)
بل لوَّحتَ إليَّ غاضبًا بيدك،
مُشيرًا إليَّ أنْ أخرجَ، وقد خرجتُ خوفًا
من أن أزيدك ضيقًا على ضيق،
آملةً أن يكونَ ما بك انحرافًا عابرًا في المزاج (٢٥٠)
مما ينتاب كلَّ إنسان ..
لكنه ازداد فمنعَك من الأكلِ والحديث والنوم!
ولو أثَّر في وجهك كما أثَّر في نفسِك ما عرفتُك
يا بروتس!
مولاي الحبيب .. أطلِعْني على أسباب حُزنك. (٢٥٥)
بروتس
:
لديَّ وعكةٌ وحسب، هذا كلُّ ما في الأمر!
بروشيا
:
إن بروتس عاقل. ولو كان مريضًا
لعمِلَ على علاج مرضه.
بروتس
:
هذا ما أفعله الآن! عُودي إلى الفِراش يا بورشيا (٢٦٠)
الكريمة.
بورشيا
:
إن كان بروتس مريضًا فهل علاجُه أن يسيرَ مفكَّك
الأزرارِ
ويُعرِّضَ صدرَه لرطوبة الصباح البارد؟ (٢٦٥)
إن كان بروتس مريضًا .. فهل يتسلَّل من فراشِ
الدفءِ والعافية
ويعرِّض نفسَه لسمومِ الليل الخبيثة، ويُخاطر باستنشاقِ
الهواءِ الرَّطْب الملوَّث
ليزدادَ مرضًا على مرض؟ لا يا بروتس!
إنَّ في نفسك علةً وبيلةً، وينبغي أن تكشفَ لي عنها
بحقِّ مكانتي ومنزلتي منك! وها أنا ذا أركع وأستحلِفك (٢٧٠)
بجمالي الذي امتدحتَه ذات يوم، وبحقِّ أيمانِ الحبِّ التي
حلفتَها، والقسَم الأكبر الذي ربط بيننا وجعلنا نفْسًا
واحدةً
أن تكشفَ لي — أنا صنو نفْسِك ونصفك الآخر —
عن سببِ همِّك، وأن تقول لي مَن أولئك الرِّجال (٢٧٥)
الذين زاروك هذه الليلة .. إذ كانوا ستةً أو سبعةً
يُخفون وجوهَهم حتى عن الظلام!
بروتس
:
لا تركعي يا بورشيا الرقيقة!
بورشيا
:
ما كنتُ لأركع لو رحمتني!
قُل لي يا بروتس .. أليس من حقِّي وأنا زوجتُك (٢٨٠)
أن أعرِفَ أسرارك؟ هل أنا صِنو نفسِك حقًّا
ولكنْ بقيودٍ أو إلى أجلٍ محدود؟ هل عليَّ فقط
أنا أجالسَك أثناء الطعام وأُدفِئ لك الفِراش
وأُحادِثك أحيانًا؟ هل أُقيمُ في ضواحي مسرَّاتك (٢٨٥)
وملاذِّك؟
إن كان دَوري مقصورًا على هذا فلستُ حليلة بل
خليلة!
بروتس
:
بل أنتِ زوجي المخلصة الطَّاهرة ..
وإنك لأحبُّ إليَّ من قطرات الدم الحمراء
التي تتساقط في قلبي الحزين. (٢٩٠)
بورشيا
:
إن كان هذا صحيحًا أفليس لي أن أعرف السرَّ؟
إنني امرأة .. ولكنني امرأة تزوَّجها بروتس العظيم ..
إنني امرأة .. ولكنني ذائعةُ الصيت؛ فأنا ابنةُ كاتو (٢٩٥)
العظيم
أفلا تظن أنني أقوى من بنات جنسي،
وذاك أبي، وهذا زوجي؟
أطلعني على أسرارك ولن أفشيَها،
لقد أثبتُّ صلابتي إثباتًا قاطعًا
حين جرحتُ نفسي بيدِي وباختياري .. هنا .. (٣٠٠)
في فخذي .. واحتملتُ الألمَ صابرة صامدة ..
أفلا أُؤتمن إذن على أسرارِ زوجي؟
بروتس
:
أيتها الآلهة .. ليتني أصبح أهلًا لهذه الزوجة النبيلة.
(طرقٌ على الباب.)
صمتًا يا بورشيا .. أسمع طرقًا على الباب ..
بورشيا .. عُودي إلى غرفتك الآن .. وبعد قليل (٣٠٥)
سأفصح لك عن مكنونِ فؤادي وأفسِّر لكِ مشاغلي
وما كتبه القدرُ على جبيني الحزين .. هيَّا .. اخرجي
بسرعة.
(تخرج بورشيا.)
(يدخل لوشيوس وكايوس ليجاريوس معصوب الرأس.)
مَن الطارق يا لوشيوس؟
لوشيوس
:
مريضٌ يريد أن يتحدَّث إليك! (٣١٠)
بروتس
:
هذا كايوس ليجاريوس الذي كلَّمني عنه ميتيلوس.
ابتعدِ الآن يا غلام. كايوس ليجاريوس .. ماذا بك؟
كايوس
:
أتسمح بقبول تحية الصباح من لسانٍ خائرٍ ضعيف؟!
بروتس
:
ما أعجبَ الوقتَ الذي اخترتَه للمرضِ
وربطِ العصابة على رأسِك يا كايوس النبيل!
ليتك ما كنتَ مريضًا! (٣١٥)
كايوس
:
لست مريضًا إنْ كان لدى بروتس مهمةٌ مُشرِّفة!
بروتس
:
لدي مثل هذه المهمة يا ليجاريوس
إن كانت أذنُك لم تمرض وتستطيعُ الإنصاتَ بها!
كايوس
:
قسمًا بجميعِ الآلهة التي يركع لها الرومان (٣٢٠)
ها أنا ذا أطرح مرَضي جانبًا! إيهِ يا روحَ روما!
وإيهِ يا ابْنها النبيل! يا سليلَ المجد والشرف!
لقد فعلتَ ما يفعل الساحرُ إذ استحضرْتَ روحي بعدَ
مماتها!
اطلب مني الآن أن أجري وسوف أجالد المستحيل (٣٢٥)
وأتغلَّب عليه! ما هي المهمة؟
بروتس
:
مهمةٌ تعيد الصحة إلى المرضى.
كايوس
:
أفلن نُخلِّص أحدَ الأصحاء من صحته؟
بروتس
:
بطبيعة الحال! أمَّا المهمةُ نفسها يا صديقي كايوس
فسوف أُفضي بها إليك ونحن في طريقنا (٣٣٠)
إلى منزلِ الرجل موضوع مهمتنا!
كايوس
:
تقدَّم وسوف أتْبعُك بقلبٍ اشتعلتْ فيه النار
لكي أقوم بمهمةٍ لا أعرفها،
ولكن يكفي أن بروتس يَهدي خُطاي!
بروتس
:
اتبعني إذنْ.
(صوت الرعد.)
(يخرجان.)
المشهد الثاني
(روما – منزل قيصر – رعد وبرق.)
(يدخل يوليوس قيصر في جلباب المنزل.)
قيصر
:
لم تهدأ السماءُ ولا سكنتِ الأرضُ هذه الليلة!
وصرختْ كالبورنيا في منامها ثلاثَ مرات:
«النجدة! أغيثونا! إنهم يقتلون قيصر!»
يا مَن هناك!
(يدخل خادم.)
الخادم
:
مولاي؟
قيصر
:
اذهبْ واطلبْ من الكهنةِ تقديمَ قربانٍ في الحال! (٥)
ثم عُد لي بآرائهم في طالعي!
الخادم
:
سمعًا وطاعةً يا مولاي.
(تدخل كالبورنيا.)
كالبورنيا
:
ماذا تَعني بذلك يا قيصر؟ أتريد الخروج؟
لن تفارقَ منزلك اليوم!
قيصر
:
بل سيخرج قيصر!
إن الأشياءَ التي تتوعَّدني لم ترَ إلا ظهْري (١٠)
أمَّا إنْ شاهدَتْ وجه قيصر .. فسوف تتلاشى
في الحال!
كالبورنيا
:
قيصر! لم أكترث في حياتي لمثلِ هذه الخرافات،
ولكنَّها الآن تُفزِعني! فإلى جانب ما شاهدناه وسمِعناه (١٥)
لدينا بالمنزلِ رجلٌ يحكي عن أبشعِ المَشاهد
التي رآها الحراسُ ليلة أمس.
لقد شاهدوا لبؤةً تلد أشبالها على قارعة الطريق
والقبورَ وهي تفغرُ فاها ليخرجَ الموتى منها
والمقاتلين الأشداءَ في ضِرام المعمعة فوق السُّحُب
يصطفُّون صفوفًا وكتائبَ شاكيةَ السلاح (٢٠)
وتسيل منهم الدماءُ على الكابيتول
بينما يُقعقِع صخبُ الموقعة في أجوازِ الفضاء
وتصهَل الخيول، ويئن الرجالُ أنَّات الموت،
وتُولوِل الأشباح وتسرَح في شوارع المدينة!
أوَّاه يا قيصر! هذه خوارقُ لم نألفْها، (٢٥)
وشدَّ ما أخشاها!
قيصر
:
لا مهربَ مما قدَّره الآلهةُ الجبابرةُ ورسموا غايتَه!
لكنَّ قيصر سوف يخرُج!
فهذه النبوءاتُ نذيرٌ للدنيا بأسرِها لا لقيصر وحدَه!
كالبورنيا
:
عندما يموت البسطاء لا تهبِط الشُّهب والنيازك! (٣٠)
وعندما يموت الأمراء تلتهب السماءُ نفسها لتعلِن النبأ!
قيصر
:
يموت الجبناءُ ألفَ مرة قبل موتهم،
أمَّا الشُّجعان فلا يذوقون طعمَ الموتِ إلا مرةً واحدة
ما أغربَ أن يخاف الناس من الموت! (٣٥)
إنه النهايةُ المحتومة ولا مهرب من وقوعه!
(يدخل خادم.)
ماذا يقول العرَّافون؟
الخادم
:
ينصحونك بعدمِ الخروجِ اليوم؛
إذ إنهم أثناء إخراجِ أحشاء أحد القرابين
لم يجدوا في داخله قلبًا! (٤٠)
قيصر
:
قد فعلَت الآلهةُ ذلك حتى نشعر بعارِ الجبن!
والعِبرة من هذا هو أن قيصر سيكون مثل القربان
لا قلب له .. إن هو قبعَ في منزله اليومَ خوفًا وهلعًا!
لا .. لن يقبعَ قيصر في المنزل .. فالخطرُ يعلم حقَّ
العلمِ
أن قيصر أشدُّ منه خطرًا! أسدان وُلدا في يومٍ واحد! (٤٥)
لكني أكبرُ منه وأشدُّ هولًا .. وسوف يخرج قيصر!
كالبورنيا
:
وا أسفًا يا مولاي عليك!
لقد طغى اعتدادُك بنفسك فالتهمَ حكمتَك!
لا تخرجِ اليوم .. قُل إن خوفي أنا هو الذي ألزمك (٥٠)
المنزل، لا خوفَك أنت! ولنرسِل مارك أنطونيو إلى
مجلسِ الشيوخ ليقولَ لهم إن وعكةً قد ألمَّتْ بك اليوم ..
ها أنا ذا أتوسَّل إليك راكعةً على ركبتي أن تستمع إليَّ
هذه المرة.
قيصر
:
لا بأسَ إذنْ .. فليقُل مارك أنطونيو إنَّ بي وعكة (٥٥)
وإرضاءً لخاطرك سأمكثُ في المنزل
(يدخل ديشيوس.)
ها هو ديشيوس بروتس. فليبلِغهم هو هذه الرسالة.
ديشيوس
:
قيصر! أجملَ التحايا وعِمتَ صباحًا يا قيصرُ العظيم!
أتيتُ لأصحبَك إلى مجلسِ الشيوخ.
قيصر
:
أتيت في خيرِ وقت .. احمِل تحياتي إلى أعضاءِ مجلس (٦٠)
الشيوخ.
وقُل لهم إنني لن آتيَ إلى المجلس اليوم ..
لا تقُل إنني لا أستطيع، فهذا كذِب،
ولا تقُل إنني لا أجرؤ، فهذا أشدُّ كذِبًا،
بل قُل لهم إنني لن آتيَ اليومَ وحسب. هيا يا
ديشيوس.
كالبورنيا
:
قُل لهم إنه مريض. (٦٥)
قيصر
:
هل يُرسل قيصرُ أكذوبة؟
هل امتدَّت ذراعي إلى أقصى الأرض فاتحًا وغازيًا
حتى أخافَ قولَ الحق لمن وَخَطَ الشيبُ لحاهم؟
اذهب يا ديشيوس وقُل لهم لن يأتيَ قيصرُ وحسب.
ديشيوس
:
قيصرُ يا ذا القوة والجبروت! فلأحمل إليهم عذرًا ما
كي لا يضحكوا عليَّ إن قلتُ ذاك وحسب! (٧٠)
قيصر
:
لا أعذارَ لديَّ سوى مشيئتي.
ومشيئتي تُرضي مجلس الشيوخ.
لكنني سأبوح لك وحدَك فأرضيك لأنني أُحبك ..
السببُ الحقيقي هو أن زوجتي هذه — كالبورنيا —
تريدني أن أمكثَ في المنزل. فقد رأتْ في منامها البارحة (٧٥)
تمثالي يتفجر منه الدمُ الصافي كأنه نافورةٌ لها مائةُ عين،
وقد أقبل عددٌ كبير من الرومان الأشداء باسمين،
فغسلوا أيديهم فيه. وهي تفسِّر هذا بأنه نذيرٌ وتحذير (٨٠)
من شرٍّ وشيك الوقوع. ومِن ثَمَّ توسَّلتْ إليَّ
راكعةً أن أمكثَ في المنزل اليوم.
ديشيوس
:
لقد أساءتْ تأويلَ الحُلم!
والحقُّ أنه رؤيا بِشْرٍ وتوفيق!
أمَّا تمثالك والدَّم الذي يتفجر منه عيونًا (٨٥)
ويغتسل فيه العديد من الرومان الباسمين،
فمعناه أن روما العظيمة سوف تستمدُّ منك
دمَ حياة جديدة، وأن عظماءَ الرومان سوف يتهافتون
عليك ليصطبِغوا بألوانك، وليحتفِظوا بذكرياتك
ومآثرِك.
هذا هو التأويل الصحيح لرؤيا كالبورنيا. (٩٠)
قيصر
:
وقد أحسنْتَ التعبيرَ عنه يا ديشيوس.
ديشيوس
:
ويؤكد لك ذلك ما سوف تسمعُه الآن!
أريدك أن تعرفَ أن مجلسَ الشيوخ قد قرَّر
أن يُهديَ اليوم تاجًا إلى قيصر الجبار، (٩٥)
فإذا أرسلْتَ إليهم نقول إنك لن تأتيَ
فربما عدَلوا عن رأيهم. وربما سخِروا منك،
فقد يقول قائل «فُضُّوا اجتماعَ مجلس الشيوخ!
أجِّلوه حتى ترى زوجةُ قيصر أحلامًا جميلة!»
وإذا احتجب قيصر اليوم .. أفلن يتهامسوا قائلين: (١٠٠)
«انظروا! إن قيصرَ خائف!»
سامحني يا قيصر؛ فإن حبي الشديد لك وحدَبَي على
رفعتك
يدفعاني إلى هذا القول وتخطِّي حدودي،
ولكن حبي تغلَّب على تعقُّلي!
قيصر
:
ما أحمقَ ما تبدو مخاوفُك الآن يا كالبورنيا .. (١٠٥)
وا خجلي إذا استسلمتُ لتلك المخاوف!
هاتوا عباءتي فسوف أذهب!
وانظروا .. ها قد أتى بوبليوس لمرافقتي!
(يدخل بروتس وكايوس ليجاريوس وميتيلوس وكاسكا
وتريبونيوس وسِنَّا وبوبليوس.)
بوبليوس
:
عمتَ صباحًا يا قيصر!
قيصر
:
مرحبًا بك يا بوبليوس.
وأنت يا بروتس؟ هل صحوتَ مبكرًا أنت الآخر؟ (١١٠)
عِمْ صباحًا يا كاسكا .. اسمعْ يا كايوس ليجاريوس!
إن عدائي لك لا يُقارن بعداءِ ذلك الداء
الذي أنْحَلَ جسمَك! كم الساعةُ الآن؟
بروتس
:
لقد دقَّت الثامنةَ يا قيصر.
قيصر
:
أشكر لكم عناءكم ومجاملتَكم. (١١٥)
(يدخل أنطونيو.)
انظروا! ها هو أنطونيو الذي يقضي الليل في اللهو ..
ومع ذلك استيقظ مبكرًا .. عمْتَ صباحًا يا
أنطونيو.
أنطونيو
:
عمِتَ صباحًا قيصرُ الأكرم!
قيصر
:
قُولي لهم أن يستعدوا في المنزل،
(يشير إشارةً تعني أقداحَ الشراب.)
ما كان ينبغي أن أتأخَّر هكذا ..
هيا يا سِنَّا .. هيا يا ميتيلوس .. واسمع يا تريبونيوس، (١٢٠)
لديَّ حديثُ ساعةٍ كاملةٍ معك!
لا تنسَ أن تزورَني اليوم،
ولتبقَ قريبًا مني حتى أتذكَّر.
تريبونيوس
:
سمعًا وطاعةً يا قيصر ..
(جانبًا) ولسوف أكون قريبًا منك كلَّ القرب
حتى يتمنَّى محبوك أن أبتعد! (١٢٥)
قيصر
:
أيها الأصدقاءُ الأوفياء .. تفضَّلوا .. وتذوَّقوا معي
بعضَ النبيذ.
وبعدَها سنرحل مباشرةً كشأن الأصدقاء.
بروتس
(جانبًا)
:
ولكنَّ كلمة «كشأن» لا تعني أننا أصدقاء!
ما أثقلَ قلبي إذ تخطُر له هذه الفكرة!
(يخرج الجميع.)
المشهد الرابع
(أمام منزل بروتس – تدخل بورشيا ولوشيوس.)
بورشيا
:
أرجوكَ يا غُلام .. أسرِع إلى مجلسِ الشيوخ ..
لا أريدك أن تجيبَني، بل أن تُسرعَ بالذهاب .. هيَّا ..
ما الذي يؤخِّرك هنا؟!
لوشيوس
:
أريد أن أعرف مهمَّتي يا سيدتي.
بورشيا
:
ليتك تذهب وتعود قبل أن أشرحَ لك مهمَّتك هناك .. (٥)
أيها الثبات .. قفْ معي وساندني ..
وأقِم حاجزًا كالجبل بين قلبي ولساني ..
إذ إن لي عقلَ الرجل وضَعف المرأة ..
ألا ما أشقَّ على المرأة أن تحفظ السر ..
أمَّا زلتَ هنا؟
لوشيوس
:
ماذا عليَّ أن أفعلَ يا سيدتي؟ (١٠)
أجري إلى الكابيتول وحسب؟
ثم أعود إليك وحسب؟
بورشيا
:
بل عُد لتخبرَني إن كان سيدك في صحةٍ جيدة ..
إذ إنه كان مريضًا حين خرج .. وارقبْ ما يفعل قيصر،
ومَن هم طلاب الحاجات الذين يحاولون الوصولَ (١٥)
إليه ..
اسمعْ يا غلام .. ما هذه الضجَّة؟
لوشيوس
:
لا أسمع شيئًا يا سيدتي!
بورشيا
:
بل أصغِ جيدًا .. إني أسمع صخبًا وجلبة
كأنها ضجيجُ موقعة .. تأتي بها الريح من الكابيتول.
لوشيوس
:
الحق يا سيدتي أنني لا أسمع شيئًا. (٢٠)
(يدخل العرَّاف.)
بورشيا
:
تعالَ أيها الرجل .. من أيِّ طريق جئت؟
العرَّاف
:
جئت من منزلي يا سيدتي الكريمة.
بورشيا
:
كم الساعة؟
العرَّاف
:
التاسعةُ تقريبًا يا سيدتي.
بورشيا
:
وهل اتَّجه قيصر بعدُ إلى الكابيتول؟
العرَّاف
:
لا يا سيدتي .. إنني ذاهب أنتظر مرورَه إلى هناك .. (٢٥)
بورشيا
:
ألكَ حاجةٌ تريدُه أن يقضيَها لك؟
العرَّاف
:
نعم يا سيدتي .. فإن شاء قيصر أن يُشفق على نفسه
ويستمع إليَّ،
فسوف أطلب منه أن ينقذ نفسَه. (٣٠)
بورشيا
:
وهل تعرِف أن أحدًا يريد أن يؤذيَه؟
العرَّاف
:
لا أعلم ذلك علم اليقين، ولكني أخشاه وحسب ..
عِمتِ صباحًا، شارعكم ضيِّق، وإذا وقفتُ أنتظره فيه
فسوف يسحقني الحشدُ الذي يَتْبع قيصرَ من أعضاءِ (٣٥)
مجلس الشيوخ.
والقضاةِ وطُلاب الحاجاتِ من العامة .. وأنا رجلٌ
ضعيفٌ وقد أهلَك!
سأقِف في مكانٍ أرحبَ ثم أنادي قيصرَ العظيم عندما
يمرُّ.
(يخرج.)
بورشيا
:
لا بدَّ أن أعودَ إلى المنزل. ويْلي .. ما أضعفَ
قلبَ المرأة ..
أواه يا بروتس، فلتُسانِدك السماءُ في مسعاك. (٤٠)
(جانبًا) لا شكَّ أن الغلامَ قد سمِعني ..
(للغلام) بروتس يطلب حاجةً لن يقضيَها له قيصر ..
(جانبًا) رأسي تدور وأكاد أقع!
(للغلام) هيَّا يا لوشيوس من هنا .. أبلغْ زوجي
السلامَ ..
وقُل له إنني بخير وهناء، ثم عُد إليَّ فورًا بالرَّد .. (٤٥)
(يخرجان، كلٌّ من ناحية.)