الفصل الأول
(ينكشف الستار عن سراي ملوكية)
الجزء الأول
(ابن سليمان – الفضل بن خاقان – المعين بن ساوي)
ابن سليمان
:
ألذُّ الأماني في الزمان المرتب
وقد نلت من مولاي ما أنا طالب
فيا حبذا ذا المجد لولا ذهابه
ويا حبذا الإشراق لولا الغياهب
ويا حبذا الإقبال لولا انقلابه
ويا حبذا الراحات لولا المتاعب
زمانٌ قصاراه الزمان وأهله
على نهجه والله باقٍ مراقب
لقد كنت يا ورد الجنان براحة
بقربك والإسعاد زاهٍ وثاقب
وما كنت أدري قبل بينك ما الأسى
فغالتك مني السالبات اللوائب
وأمسيت في جوق التراب وطالما
سكنت فؤادًا كلَّمته النوائب
إنني يابن خاقان، بعد قينتي ورد الجنان، حسنها المنير، وقدِّها
النضير، وفصاحتها الفائقة، ونباهتها الرائقة، وصوتها الندي، قد وهى
جدِّي، وتوارى ارتياحي، وتوالت أتراحي، فعليك أن تعوضني عنها، بقينةٍ
مثلها أو أحسن منها؛ لأجعلها أنيسة ونديمة، وأنتعش بألحانها الرخيمة،
ولتكن أيها المؤتمَن، ذات آداب ولسن، ورونق وملح، ومنطق ودعج، وهيف وترف،
ودل ووطف، وفرق كالصباح، وخدٍّ كالتفاح، وجِيد كذكاء، ومظهر ذي وراء، ولا
تتوقف في الثمن يا ذا الوقار، ولو بلغ عشرة آلاف دينار.
الفضل
:
سمعًا وطاعةً أيها الجليل، فسأحضرها بأقل من قليل، فائقةً عمَّا ذكرت،
وما إليه أشرت.
ابني سليمان
:
هيا أيها الفضل.
الفضل
:
أمرك يا طاهر الأصل (ويذهب).
الجزء الثاني
(ابن سليمان – المعين)
ابن سليمان
:
إن الفضل يابن ساوي، لكل نبل وحذاقة حاوي، وما له نظير بالأمانة، ولا
شبيه بالصدق والصيانة.
المعين
:
أجل يا صاحب الشان، ما له بالفراسة ثان، وهو معدن الحذاقة، والصون
والصداقة، والمعين ابن ساوي، مطبوع على المساوي.
ابن سليمان
:
مدحي لابن خاقان يا معين، لا يلمح بأن يوجد بك ما يشين، بل أنت أمين
وهو أمين، وكل منكما ركننا المتين، وعلى كل منكما الامتثال والإذعان،
لما نأمر به ونرغبه في كل آن.
المعين
:
نعم يا صاحب الجلال، على كل منَّا الامتثال، والطاعة والإذعان،
لجلالتك مدى الزمان، ولكن أنا دائمًا مملول، والفضل موجه ومقبول، ومكلف
بكل أمر مهم، وعبدكم مع فهمي والحزم، لا أرى شيئًا من الالتفات، ولا
أكلف لحاجة من الحاجات.
ابن سليمان
:
لا تعتب علينا يا معين، فأنت كالفضل عندنا أمين، وعزيز علينا، ومحبوب
لدينا، وكل منكما مرآنا الوسيم، وله عندنا مقام عظيم، فاذهب وانتظر
الفضل يابن خاقان، ليرجع بالقينة، وأتنا معه يا ذا الفطنة؛ لتفوز
بالإكرام، والقبول والاحترام (يذهب).
المعين
:
على الرأس أيها الفخيم، فسِرْ بكلاية العظيم.
الجزء الثالث
المعين
:
أنا لا أهنأ بعمر مديد، وألذ بطيب عيش رغيد، ما لم أغير قلب الأمير
على ابن خاقان الختير، وأضيق عليه المسالك، وأرميه في مهاوي المهالك،
وإلا فليس لي فلاح، ولا أنفكُّ عن الأتراح، ما دام هو مقدَّم وأنا
مؤخَّر، وهو موقَّر وأنا محقَّر، وقول الأمير لا تعب علينا يا معين،
فأنت كالفضل عندنا أمين، فهو تحصيل حاصل، وتطويل بلا طايل، وقد سمعت
مثله كثير، وما أراه إلا زخرفة وتنكير. فإلام وأنا في الهوان، والمقدم
ابن خاقان، والمخاطب في كل حال، والمعين في زوايا الإهمال، وهو أبو
الدواهي، وحذقه غير متناهي، فإذا تركته في القبول ساوي، فلا أكون
المعين ابن ساوي، ولكن بالتأني ينجح المتمني، ولا بدَّ ما تسمح الفرص
وأوالي له النوب والغصص … وأنا مالي وهذا الانتظار، الذي كله أتعاب
وأكدار، فها أنا ذاهب لأدبِّر دسائس، ترتاع من شرِّها الجن والأبالس،
وأرمي ابن خاقان، في أعظم الخسران (يذهب).
الجزء الرابع
(نعيم – جواري)
الجواري
(لحن)
:
مولانا أعطانا فضلًا وإحسانًا
قدرًا نما فسما وفاق كيوانا
الفضل حامينا والأنس راعينا
من حل نادينا يطيل شكرانا
الجزء الخامس
(نعيم – جواري – الفضل – أنس الجليس)
الفضل
:
قد وجدنا نعيم، غرض أميرنا الفخيم.
نعيم
:
الحمد لله أيها الأنيق، على التيسير والتوفيق، وما اسمها أيها
الرئيس؟
الفضل
:
اسمها أنس الجليس، ولها معرفة وآداب، تُعجز أولي الألباب، ولا شك أن
الأمير يستحسن خدمتي، ويرفع بسببها رتبتي.
نعيم
:
لا شك يرفع رتبتك، ويعظم مدى الزمان منزلتك.
الجزء السادس
(الحاضرين – عطارد)
عطارد
:
على الباب يا مولاي قاصد.
الفضل
:
أحضره إلى هنا يا عطارد (يذهب).
الجزء السابع
(الحاضرين – قاصد)
قاصد
:
حيَّا الله الوزير المهاب.
الفضل
:
وأنت حُيِّيت يا نسل الأنجاب.
قاصد
:
قد أرسلني يا معدن الإيناس، إلى بين يديك سيدي النخَّاس، ويقول لك أيها
الهمام، بعد التحية والسلام، ألَّا تقدِّم القينة للأمير، إلا بعد مدة
أيها الخطير؛ لأنها أيها الأفخر، منهوكة من السَّفر، فأبقها يا ذا
الصباحة، لتحصل على الراحة، وترجع للنضارة، والوضاءة والإنارة،
وقدِّمها بعدُ يا ذا السجية، إلى أعتاب الأمير العلية.
الفضل
:
ارجع إلى النخَّاس في الحال، وقل له سنفعل ما قال، وبلِّغه منَّا السلام،
وسنوالي له الإكرام.
الجزء الثامن
(الحاضرون ما عدا قاصد)
نعيم
:
وما نفعل بولدك أيها الرئيس، إذا قامت عندنا أنس الجليس.
الفضل
:
تحجبها عنه مدة الإقامة؛ كي لا يراها ونقع في الندامة.
أنس الجليس
:
لِما يا مولاي تقع في الندامة إذا رآني ولدك صاحب الفخامة.
الفضل
:
اعلمي يا أنس الجليس، أن لي ولد ربيص، اسمه علي نور الدين، وهو أفسق
من الشياطين، لا يترك من النساء الدون، ولو كانت عجوز حيزبون، فقصدي
حجبك عنه، خشيةً عليك منه.
أنس الجليس
:
لا تخف أيها الأفضل؛ فما كل الطيور تؤكل، وأنا لا أبدل الأمير بغلام
جاهل صغير.
الفضل
:
هكذا أرغب أن تكوني يا أنس الجليس.
أنس الجليس
:
أنت كن في راحة من جهتي أيها الأنيس، وأنا لو رآني ولدك في اليوم ألف
مرة، لا أعامله بغير الجفوة والنفرة.
نعيم
:
الآن قد أمنَّا، وذهب الوسواس عنَّا.
الفضل
:
أكرمي يا نعيم أنس الجليس، وابذلي لديها كل غالٍ نفيس، إلى أن تأخذ
الراحة، وترجع للبهجة والصباحة، ويزهو رونق حسنها الأوحد، وتُنقل شمسها
إلى برج الأسد.
نعيم
:
سمعًا أيها الأمير، فلا يحصل منَّا أدنى تقصير.
الفضل
:
وها أنا ذاهب الآن، لخدمة الأمير المُصان، وإذا سألني عمَّا اقترحه
عليَّ، أقول بعد ما أُتيح لدي، إنها قينة تعجب للأمير، وتطرب، وأسوِّفه
بمواعيد منزهة عن التدنيس، إلى أن يحصل ارتياح أنس الجليس، ونقدمها له
كغزالة وهالة.
نعيم
:
سرْ يا مولاي ميمون المساعي، مقبولًا عند الراعية والراعي (يذهب).
الجزء التاسع
(الحاضرون ما عدا الفضل)
نعيم
:
وحيث إن سيِّدنا المنير، قد ذهب موفقًا لخدمة الأمير، فعلينا أن نحتجب
في المقاصير، إلى أن ينشقنا بالعود أطيب عبير.
الجواري
(لحن)
:
أمرك ذاتَ المُحيَّا
قد صفا الوقت فهيَّا
نحتسي روح الحُمَيَّا
بهناء وسرور
نلنا بالفضل مُنانا
وبه نار علانا
هيا قد تم صفانا
نجتلي وجه الحبور
(يذهبوا)
الجزء العاشر
(علي نور الدين)
علي
:
برزت ذات الجمال الأنور
فتبدَّى من ثناها المشتري
لحظها والخد والخال إذا
برزت تُخجل ضوء القمر
قيصرٌ كسرى النجاشي جرَّدوا
لحِمى النعمان سيف المنذر
الجزء الحادي عشر
(علي نور الدين – أنس الجليس)
أنس الجليس
:
أأنت علي نور الدين؟
علي
:
نعم، وأسيرك كل حين. وأنت أنس الجليس؟
أنس الجليس
:
نعم أيها الأنيس، أنا التي حين رأت جمالك قد شغفها حبك ورجَّحت وصالك
على وصال ابن سليمان، المنفرد بالرفعة والشان.
علي
:
ما أعذب هذه الأقوال! هيا إذًا للوصال.
أنس الجليس
:
لا يا ذا الجمال، لا يمكن بغير الحلال.
علي
:
وكيف ما ذكرت يكون؟ وأنت للأمير ذي الشئون.
أنس الجليس
:
قد يكون أيها الوسيم، إذا ساعدتنا أمك نعيم، فدبر أنت ما عليك، وأنا
ذاهبة لأرسلها إليك (تذهب).
الجزء الثاني عشر
(علي نور الدين)
علي
:
وكيف أدبِّر ما عليَّ، أو أُرضي والديَّ، أن يسمحا لي بأنس الجليس، وهي
لابن سليمان البئيس! ما لي غير استعمال الحيل، لأبلغ من أبي وأمي
الأمل، وهي: تارة أشتكي الغرام، وطورًا أخرج عن دائرة الاحتشام، مُظهرًا
لديهما الجنون، وطورًا أتوجع من الشجون، فعساهما يرحماني، ويبلغاني
الأماني … لا ريب بهذه الأعمال أبلغ المقاصد والآمال، وأطفي بوصال أنس
الجليس، من فؤادي جمرات الوطيس.
الجزء الثالث عشر
(علي نور الدين – نعيم)
نعيم
:
ويك يا نور الدين، ما هذا الزيغ المشين، وكيف طلبت من أنس الجليس
الوصال، وأبوك قد شراها للأمير ذي الجلال، أما هِبت يا ذا الجنون أن
تذوق كأس المنون؟
علي
:
المنون يا والدتي نعيم، أهون عندي من عذابي الأليم، والغرام الذي
اعتراني، أبان رشدي ولاع جناني، حين ما أبصرت أنس الجليس.
نعيم
:
ما هذا الضلال البخيس؟
علي
:
ما هذا يا أماه ضلال، بل غرام واشتغال، ولوعة وهوى، هد مني القوى،
وصيَّرني دون العباد، حليف الوله والسهاد.
نظرة العين أصل كل البلايا
طالما قادت الفتى للمنايا
والهوى للهواني يقضي ويبري
بمُدى فتكه قلوب البرايا
حُسن أنس الجليس أشجى فؤادي
مذ تبدَّت وقد أذاب حشايا
عقربت صدغها بشامة خد
قد أرتني منه الزوايا خبايا
بقي القلب فيه عاني سكر
قد غدا في الفؤاد منه بقايا
نعيم
:
أواه، وا عزيزاه!
الجزء الرابع عشر
(علي نور الدين – نعيم – الفضل)
الفضل
:
ما هذا الهلع يا نعيم؟
نعيم
:
انظر يا مولاي الفخيم، ولدك علي نور الدين.
الفضل
:
وما أصابه من الكرب المهين؟
نعيم
:
قد أصابته سهام الغرام، كلَمت أحشاءه وجعلته مستهام.
الفضل
:
وكيف ما ذكرتِ كان؟
نعيم
:
اعلم يا معدن الإحسان، أنه أبصر جمال أنس الجليس، فانطلق به طرف
الغرام الحبيس، وصار كما تراه، فاقدًا رشده ونهاه، وقد أنبأته أيها
الوزير، ورغَّبته بسواها كثير، بعدما أفهمته أيها المصان، أنها للأمير
ابن سليمان، فما انفكَّ منتهك، وفي غيه منهمك، وهذه يا مولاي حالته، التي
سوَّلتها ضلالته.
الفضل
:
ما هذا الضلال يا علي؟!
علي
:
لا تجُرْ معها عليَّ؛ فأنا غير ملوم، وفؤادي غير مشئوم؛ لأن القضاء لا
يُرد، وسلطان الغرام لا يُصد، فكم حط أرفع، وقهر سميذع، وأزلَّ وأهان، من
ملك وسلطان، وناهيك يا حسن السلوك، بقول بعض الملوك:
عجبًا لسلطان يجور بحكمه
ويجور سلطان الغرام عليه
الناس ملك يدي وحكمي نافذ
وأنا وكل الناس ملك يديه
وأنا يا والدي الهمام، لولا العشق والغرام، لما رأيتني ذات جسارة،
ولا سمعت مني كهذه العبارة، فأشفق عليَّ يا أبي، وأنلني بفضلك أربي،
وهبني أنس الجليس، التي جذبتني بمغناطيس، وإذا ما وهبتني إياها، أموت
قتيل هواها، فاشتري حياة ولدك أيها الرئيس، بزواج مالكتها أنس الجليس،
وإلا يا ذا المقام، على حياتي السلام.
يا شقوتي أزكيت نار فؤادي
وأثرت في الأحشاء قدح زنادي
هل أخلفت أنس الجليس وعودها
وأنا لطلعتها على ميعادي
أتصدني من حسن قامتها بما
تبدي من الألحاظ شوك قتادي
يا ويح قلبي إن قضى نحبًا ولم
يقضي المُنا من عطفها الميادي
نعيم
:
أواه، وا رباه عليك يا ولدي وقطعة كبدي!
الفضل
:
ما هذا المشكل يا نعيم؟
نعيم
:
أنا أدبِّره أيها الفخيم.
الفضل
:
وكيف تدبرينه؟
نعيم
:
تدبيره يا رب العرينة أن نرسل القُصَّاد، إلى سائر البلاد، يسألون سكان
الأكناف، وقطار الأمصار والأطراف، على قينة حسناء، تعجب للأمير ذي
العلاء، وتكون حاصلة كما وصف، على أنواع الظرف والترف، فيشترونها يا ذا
المنن، وأنا من فضلك أدفع الثمن، وأنس الجليس يا سامي الشان، نهبها
لولدك الولهان، وهذا يا مولاي حل المشكل، والرأي الموفق أيها
المفضل.
الفضل
:
هذا يا نعيم رأي حسن، يخلِّصن من غوائل المحن.
نعيم
:
إذًا يا صاحب الأيادي، اروي ظما ولدك الصادي وهبْه أنس الجليس الآن؛
ليطلق من قيود الأشجان.
الفضل
:
قد وهبته إياها يا نعيم.
علي
:
حُفظت يا مولاي الفخيم، قد بزغت شموس سعودي، وعطَّر الأكوانَ عرفُ عودي،
أنا داخل وبعد برهة أخرجها معي للنزهة، وذلك بعد الجلوة والخلوة
والنشوة والصحوة. عن إذنكم الآن.
نعيم
:
ادخل موفَّق مصان (يذهب).
الجزء الخامس عشر
(الفضل – نعيم)
الفضل
:
أنظرت يا نعيم غي الصبا، كيف يجعل لب صاحبه هبا، فما صدق أنه حصل على
أنس الجليس، حتى طار من الفرح، ليتملى بجمالها الأنيس.
نعيم
:
عذره واضح أيها الهمام؛ لأنه عاشق وغلام، والحمد لله الكريم الوهاب
على زواجه في حياتك أيها المهاب.
الفضل
:
ادخلي وهيئي له الحلَّة؛ ليكمل له الحظ والصفا.
نعيم
:
أمرك يا ذا الصلة، وها أنا داخلة (يذهب).
الجزء السادس عشر
الفضل
:
يجب قبل ما ترسل القُصَّاد أن نُعلم النخَّاس بالمراد، ونكلفه شراء قينة
غرَّاء، تفوق أنس الجليس في البهاء، ونقدمها للأمير الأرفع قبل ما يشعر
بما توقع.
الجزء السابع عشر
(المعين – الفضل)
المعين
:
اعلم يابن خاقان، أن الأمير المصان، بلغه شراؤك له قينة جميلة،
فيأمرك أن تحضرها لتفوز بالمنح الجزيلة.
الفضل
:
حاضر يا ذا العلاء، وقِف لنذهب سواء (يذهب).
الجزء الثامن عشر
(المعين)
المعين
:
ماذا أفعل لأغيِّر ابن سليمان وأُبغِّضه في الفضل بن خاقان! الآن
يحصل على الصِّلاة وأنا أكابد الحرمان والحسرات، وكلما أنصب له المكايد
يسلم منها ويسمو إلى الفراقد، وأنا دائمًا في تأخير، وهو مُقدَّم عند
الأمير، ولا بدَّ ما أبذل الجهد وأتجاوز في كيده الحد، فإما أن أُهلكه
وأنال المنى، أو أهلك وأستريح من العنا.
الجزء التاسع عشر
(المعين – الفضل)
الفضل
:
قد تعذَّر أخذها الآن يا معين، فاذهب أنت وأنا أحضرها بعد حين.
المعين
:
وما أقول للأمير الهمام؟
الفضل
:
قل له إنها في الحمام، وبعد خروجها أحضرها إليه، وأُقبِّل احترامًا
يديه.
المعين
:
مناسب أيها الوزير، وحذاري من التأخير (يذهب).
الجزء العشرون
الفضل
:
قد حال الحال وانقلب، واتيح لابن ساوي السبب، أن يطفئ ناري ويخرب
دياري؛ لأن ولدي التعيس قد ملك أنس الجليس، وظننت أن أعدله عنها، فحصل
الامتناع منه ومنها، ولا أدري كيف الخلاص من غوائل القناص، هل أسلم من
الإعدام، أو يذيقني الأمير الحِمام، فلا كنت يا ولدي الذميم، ولا كانت
أمك نعيم؛ فلولاكما ما هِبْت العذاب، ولا عاينت هذه الكروب والأوصاب.
مالي غير الهرب لأسلم من غوائل العطب، وترك ولدي الذميم، للخسر والعذاب
الأليم؛ لأنه هو السبب في المصائب في الحرب. نعم نعم يابن خاقان،
الهرب أجدر بك الآن وأسلم على الدوام من العذاب والإعدام.
بنفسك فُزْ إذا ما خفت ضيمًا
وخلِّي الدار تنعي مَن بناها
فإنك واجدٌ أرضًا بأرضٍ
ونفسك لم تجد نفسًا سواها
(يذهب)
الجزء الحادي والعشرون
(علي – أنس الجليس)
علي
:
إن أمرنا يا أنس الجليس مُشْكل، والحال الذي وقعنا فيه معضل، ولا ندري
كيف الخلاص، من غوايل القناص.
أنس الجليس
:
لا تقنط يا سيدي من السلامة.
علي
:
إنَّا نراها أو نخلص من الملامة، ما دام الأمير الأفخر قد بلغه
الخبر، أن والدي المهاب، قد شراك له بلا استراب.
الجزء الثاني والعشرون
(الحاضرون – منذر)
منذر
:
انجُ يا سيدي بنفسك، قبل أن تحل في رمسك.
علي
:
ما الخبر يا منذر؟
منذر
:
قد جاء إلى الأمير المخبر، وقال له إن الفضل بن خاقان قد فضَّل ولده
على الأمير ذي الإحسان، وأعطاه القينة التي شراها، وتملَّى بجمال
محيَّاها، فغضب الأمير الوحيد، غضبًا ما عليه من مزيد، وأمر وزيره
المعين وبعض الجنود، أن يقوداك مع أبيك في القيود، بعدما يحرقون
داركم، ويعجِّلون بعدها دماركم. فأسرع يا سيدي بالفرار، حذرًا من
البوار.
علي
:
ما نصنع يا أنس الجليس؟
أنس الجليس
:
نفوز بالأرواح أيها الأنيس.
علي
:
وكيف نفوز بالأرواح؟ وجند الأمير في سائر النواح.
أنس الجليس
:
نختفي إلى أن يجنَّ الظلام، ونركبا الدجلة ونذهبا إلى دار السلام، وبعد
وصولنا بأمان، يفرجها العظيم المنَّان.
علي
:
هذا هو الرأي السديد، والتدبير الحميد، فبادري الآن، والحافظ الرحمن.
(يذهبا).
الجزء الثالث والعشرون
(المعين – قائد عسكر)
المعين
:
عليكم أولًا أن تقبضوا على ابن خاقان، وعلى ولده الفاسق الخوَّان،
وتخرجون النساء من بعدها حاسرات، وتحرقون الدار وما حوته من
الخيرات.
قائد
:
أمرك يا ذا الجلال.
المعين
:
هيا بلا إمهال.
الجزء الخامس العشرون
(المعين)
المعين
:
ها قد بلغت مرادي، واشتفى بالفضل فؤادي، وسأقتله مع ولده الفاسق
الخوَّان، وأعيش بعدها في نعمة وتهان.
الجزء السادس والعشرون
(المعين – قائد العسكر – نعيم – الجواري)
قائد
:
ما وجدنا يا مولاي غير النساء.
المعين
:
قد فرَّ الفضل يا ربة الخناء.
نعيم
:
الخناء من فعالك يابن ساوي.
المعين
:
اسكتي يا كثيرة المساوي … اسحبوهن إلى السجن والعذاب، وأنا أبحث على
الفضل الخلاب، وعلى ولده المشوم، وأسقيهما كئوس السموم، وبعدما يهلكان
أسعِّر النار، وأحرق كما أمر الأمير الدار.
نعيم
:
ستُجازى يا ظلوم بأعظم جزاء، وينتقم منك رب الأرض والسماء.
(تم الفصل الأول)
الفصل الثاني
(ينكشف الستار عن هيئة حديقة وقصر وأنوار وناعوره.)
الجزء الأول
(علي – أنس الجليس)
علي
:
للورد عندي محل
لأنه لا يمل
كل الرياحين جند
وهو الأمير الأجل
أنس الجليس
:
كتب الورد إلينا
في قراطيس الخدود
يا بني الأنس صلوني
قد دنا وقت الورود
علي
:
انظري يا أنس، هذا البستان، وهذه الزهور المختلفة الألوان، وهذه
المصابيح، وهذا الصرح المليح، وهذه المياه الهاطلة الجارية، وهذه
الناعورة الشادية الباكية، بدموع كدموع مهجور، وفراق حبيب
مسحور.
أنس الجليس
:
نعم يا سيدي، هذا البستان، كأنه روضة من الجنان، ولكن دخلناه في هذا
الظلام، ولم نرَ فيه صاحب ولا خدام، ونخشى إذا حضر صاحبه الآن، أن
يؤنبنا على الدخول بغير استئذان.
علي
:
مهما كانت أخلاق صاحبه ردية، فلا أظن يعاملنا بغير الإنسانية؛ خصوصًا
إذا علم أننا غرباء، وكان دخولنا إلى بستانه التجاء، من وثبة أسد أو
غايل ذي رصد، وحيث قد لاعنا الجوع، وأنحلنا طيب الهجوع، فنصطاد شيئًا من
سمك هذا النهر، نوالي بأكله جزيل الحمد والشكر، للعليم العلَّام، وبعدها
ننام، خذي أنت هذه السنارة، واصطادي من هذا العبارة، وأنا أصيد في هذا
المكان، والرزق على الواحد المنان، ها قد صادت السنارة.
أنس الجليس
:
وأنا يا ذا النضارة، قد صادت السنارة.
علي
:
انظري سمكتي.
أنس الجليس
:
هذه يا مولاي أكبر.
علي
:
ما هذا الحظ الأوفر! اجلسي هجم الصيد.
أنس الجليس
:
أمرك يا ذا الأيد، هذه سمكة تانية.
علي
:
وأنا سمكتي وافية، سبحان مسهل الأرزاق! ارجعي يا ذات الإشراق، والميسر
الحنان.
أنس الجليس
:
سمعًا أيها المصان، وهذه سمكة ثالثة.
علي
:
سلمتي أيتها الضابسة، وأنا قد استكملت الثلاثة.
أنس الجليس
:
هذه أعظم إغاثة، من الكريم الخلاق، العظيم الرزاق، يكفنا سيدي هذا
القدر.
علي
:
نعم يا شقيقة البدر، هذا القدر يكفي، وللتعب ينفي، وحيث قد حصل
الزاد، فاضطجعي يا أنس للرقاد، وبعد ذهاب الوسن، وحصول راحة البدن،
نشوي ونأكل، بالسرور نرفل، ونحمد المنعم، الرزاق المطعم (ينامان).
الجزء الثاني
(علي – أنس الجليس – الشيخ إبراهيم)
الشيخ إبراهيم
:
جاء الربيع وأزهار الربا نفحت
والوقت قد طاب والأطيار قد صدحت
والسحب قد خزقت أثوابها طربا
على الروابي وأرواح الصبا فرحت
والورد قام على عرش له بهج
وفوقه ألسن النعمان قد فصحت
والطير قد غردت فوق الأراك وقد
حلا النسيم على الأغصان فاصطلحت
هذا هو الأوان الذي يشرِّف فيه الخليفة هذا البستان، فيغمرني بمزيد
الإحسان، وينعش مني الجنان. مَن هذان النايمان؟
لم يخلق الرحمن أحسن منظر
من عاشقين على فراش واحد
متعانقين عليهما حلل الرضا
متوسدين بمعصم وبساعد
من يا ترى هذا الغلام الأغر؟ وهذه الغادة الفائقة الشمس والقمر؟ هل
هما غريبان أتيا في هذا الظلام، وما اهتديا لدار السلام، فدخلا هذا
البستان، وناما فيه إلى الآن؟ فيلزم أن أنبِّه هذا الغلام وأنيط عن
أمره وأمر غادته اللثام، فإن كان عاشقين أرفق بهما، وإن كان غريبان
أحسن إليهما.
قم أيها النائم، انتبه يابن الأكارم، اصح أيها الأكمل.
علي
:
سبحان من لا يغفل، من أنت يا ذا الوقار؟
الشيخ إبراهيم
:
لا تجزع يابن الأخيار، أنا صاحب البستان.
علي
:
سلمت أيها المصان، انهضي يا أنس الجليس، انتبهي يا ذات الجمال
النفيس، اجلسي يا ريحانة الفؤاد.
أنس الجليس
:
سبحان من تنزَّه عن الرقاد، من هذا الرجل يا صاحب الشان؟
علي
:
هذا يا أنس، رب البستان، لا تؤاخذنا يا حسن الأمن، على دخولنا بغير
إذن، لأننا غرباء الديار، وكان وصولنا في الاعتكار، وحيث نار ابن زكاء،
فنشكر فضلك يا ذا الرواء، ونسير بسلام إلى دار السلام.
الشيخ إبراهيم
:
هذا يكون يا ذا الرونق، بعدما أستطلع طلعكم المفلق، وأعلم المتنبه
بغير خلب، وإلى أين الوجهة والطلب.
علي
:
أنا يا مولاي منبتي البصرة، وهذه المذرية ببدر النصرة، هي قينتي،
وينبوع نشأتي، ولقد لفظتنا الدجلة ليلًا أيها الواقي، فاستولى الفتور
على الأعضاء، والسِّنَة على المآقي، فأحلَّنا القدر بستانك النضير، فنودِّعك
الآن ونستأذنك في المسير.
الشيخ إبراهيم
:
علمت المنبتة وما علمت الوجهة.
علي
:
الوجهة بغداد، للفكاهة والنزهة، وبعد ما نستوفي مدة المؤجل جزره،
نرجع يا سيدي بالسلامة إلى البصرة.
الشيخ إبراهيم
:
وما اسمك يا فائق العين؟
علي
:
اسمي علي نور الدين، واسم قينتي أنس الجليس.
الشيخ إبراهيم
:
هذا أنفس كل نفيس، لكل منهما من اسمه نصيب، مع جمال يفتن لب
الأديب.
علي
:
حيث قد خبرت الجليَّ والمبهم، وغمرتنا بنيلك أيها الأكرم، فنودِّعك يا
سيدي الآن، ونذهب إلى دار السلام بأمان.
الشيخ إبراهيم
:
سرْ يا بني ما لديك، فالذهاب الآن بعيد عليك، وقد استهواني بيان
لهجتك، إلى مسامرتك ومجالستك، فأرجوك يا ذا الاحتشام، أن تضيفني بعض
أيام، وبعد انقضاء الضيافة ألتزم خدمتك يا ذا اللطافة، إلى أن تستقصي
بغداد، وتبلغ من سياحتك المراد، وبعدها إذا أزمعت الشخوص إلى البصرة،
أودِّعك وفي القلب ألف حرقة وحسرة، قائلًا: إنا لله، الذي لا يدوم
سواه.
علي
:
أنت يا سيدي كفؤ لكل نزيل، وقد أوليتنا بجميل جزيل، فيكفينا الآن
المبيت والمعرفة، وسنزورك يا كامل كل صفة.
الشيخ إبراهيم
:
أما قلت لك سر ما لديك؟
علي
:
نحن لا نرغب في التثقيل عليك.
الشيخ إبراهيم
:
كلا أيها النبيل، وجودكما ما فيه تثقيل، وهو عندي برهة عيد، ونزهة
فؤادي وحظي السعيد.
أهلًا على القطر عطريِّ الشذا
ومن الذي سلب النهى واستحوذا
فارقا لهذا القصر واغتنم فرصة
مع غادة تسبي ولا تخشى الأذى
وأنا على ذا الباب أحرص سيدي
وإذا دعاني الشوق أفعل هكذا
أنس الجليس
:
يظهر عليه أنه صاحب دعابة.
الشيخ إبراهيم
:
كيف لا وأنا رب الصبابة، والطرف والخلاعة والظرف والرواية، وأحفظ
عجائب الأخبار، وغرائب الأثمار، وأحاسن الأوزان، ومحاسن الألحان، ولي
بمعظم الفنون إلمام، بل أنا المقتدي بها والإمام.
علي
:
عنوانك أيها الكامل، يبرهن أنك عاقل، والفضائل تحفظ منك، ولا يتحفظ
في حالة عنك، وحيث قد راقنا فهمك، فأرجوك أن تُعلِمنا ما اسمك؟
الشيخ إبراهيم
:
أنا الشيخ إبراهيم، صاحب الفرائد والتنظيم، فارقيا لهذا القصر،
وسأريكما تحف الدهر … يلزم أن أحضر أرباب الألحان، وأصنع من المأكول
ألوان، وأقدم لهما كل مرغوب، من أنواع المشموم والمشروب (يذهب).
الجزء الثالث
(علي نور الدين – أنس الجليس)
علي
:
قد كُفينا يا أنس شر ابن سليمان، وأوصلنا الله إلى دار السلام
بأمان.
أنس الجليس
:
إي وأبيك يا قرة العين، سنشكر مكارمه بلا مين، ولكن يجب أن نختلس
برهة الإقامة، كي لا يحصل له منَّا سآمة.
علي
:
صدقت، ولا نضيقه إلا ثلاثة أيام، فشر الأضياف من سام.
الجزء الرابع
(علي نور الدين – أنس الجليس – الشيخ إبراهيم – مطربين)
الشيخ إبراهيم
:
ها قد جئتكم بأرباب الألحان.
مطربين
(لحن)
:
غني لي نور وصبا
بمعرب الألحان
إن في النوى وصبا
لصاحب الأشجان
كم ترى حماما
قد شدا هياما
يشتكي غراما
مال ذو الهوى والصبا
إلى غصون البان
هيجت جواه صبا
مرت على نعمان
يا أخي النداما
اسقني المداما
ثم قل إلى ما
فاتِني حوى شنبا
في ثغره المرجان
نحوه السوى قربا
وعنه قد أقصاني
إن أراد كلاما
زادني كلامًا
تورث السقاما
مهجتي كوى وسبا
لقلبي الولهان
ليته أرعوي ونبا
عن قول من يلحاني
لحظة إذا ما
فوَّق السهاما
يقتل الأناما
كلما هوى طربا
وارتاح كالنشوان
خلت باللوى قضبا
تهتز كالمرجان
ينثني قواما
مال واستقاما
يخجل التماما
خده روى عجبا
عن رود ورد قاني
صدغه التوى وأبى
أني أكون الجاني
يا شذا الخزاما
بلِّغ السلاما
ثم قل إلى ما
سُقْ إلى طُوى نُجُبا
يا سائق الأظعان
كم شج طوى كثبا
شوقًا إلى الأوطان
على مستهاما
في الغرام هاما
يبلغ المراما
الجزء الخامس
(الحاضرين – هارون الرشيد – جعفر – حجاج)
مطربين
(لحن)
:
دام مولانا الملك الأفضل
بالعلا والافتخار
رأيه السامي سديد كامل
بالوفا والاقتدار
بحره جود مديد للورى
جوده أحيا الفؤاد
بين بين الورى عالي الزرى
فضله عم العباد
الخليفة
:
يا شيخ إبراهيم.
الشيخ إبراهيم
:
لبيك أيها الفخيم.
الخليفة
:
مَن عندك في القصر؟
الشيخ إبراهيم
:
الصدق يا جليل القدر، أسلم ملجا، وللمرء منجا، الذي عندي يا أمير
المؤمنين، بعض أصحاب التلاحين، أحضرتهم لضيف جاني من البصرة، ومعه قينة
تفوق الشمس والزهرة.
الخليفة
:
عليَّ بالضيف والقينة.
الشيخ إبراهيم
:
أمرك يا صاحب الفطنة (يذهب).
الجزء السادس
(الحاضرين ما عدا الشيخ إبراهيم)
الخليفة
:
عليك بالصدق ولو أنه
أحرقك الصدق بنار الوعيد
وابغِ رضا الله فأغبى الورى
من أسخط المولى وأرضى العبيد
صدق إبراهيم يا جعفر، يعصمه أبدًا من الخطر، وقد جربته مرار، فوجدته
غير مهزار، لا يستعمل الزخرفة، ولا عنده سفسفة؛ ولهذا أظن ختله، وأرغب
قوله وفعله.
جعفر
:
دام أمير المؤمنين، وقطب عثرة الأظهرين، الناس على دين ملوكهم،
وسالكين طرايق سلوكهم، فإذا صلحت أخلاق الملوك العلية، تنصلح بالضرورة
سائر الرعية، طائعين كانت أم كارهة، وتمرح في الصلاح فارهة، لا سيَّما
أتباع الخليفة، المنتصبون لخدمته الشريفة؛ فإنهم يقتبسون من خلاله
السنية، وتنطبع في قلوبهم أنوار جلاله الإرشادية، ويظهرون بأكمل صفة،
منزهون على الختل والذخرفة، ومن هذا الشيخ إبراهيم، قد سلك السبيل
المستقيم، وتنزه بالصدق عن المين والملق، فلا عدمناك يا ذا الإيناس،
ودرة عقد بني العباس.
الجزء السابع
(الحاضرين – علي نور الدين – أنس الجليس – الشيخ إبراهيم)
علي
:
لخليفة المختار أرفع شكوتي
ليقدَّ أغلالي ويطفئ غلتي
فالظلم قاض دعايمي وأهاضها
عمدًا وأوغل في استلاب زخيرتي
فاستأصل العدوان سيبي بعدما
أحجمت أجمح من حلول منيَّتي
وأتيت بابك صارخًا متعلِّقًا
بعُرى الخلافة كي أفوز بنصرتي
فادرأ خطوبي إنني بك لائذ
واجلو بنور العدل غيهب ظلمتي
الخليفة
:
مَن ظلمك يا غلام؟
علي
:
ظلمني يا ذا الإكرام، نائبك حاكم البصرة، وكبَّدني ألف حسرة.
الخليفة
:
ولِما ظلمك ابن سليمان؟
علي
:
أعرض يا حاسم البغي والعدوان، إنه أمر والدي عبدك الفضل بن خاقان أن
يشتري له قينة ذات معارف وألحان، فذهب واشترى له قينة غرَّاء، تدع لُبَّ من
رآها هباء، فلما رأيت يا مولاي القينة، أحببت أن تكون لي قرينة، فسألت
أبي أن يهبني إياها، ويشتري للأمير قينة سواها، فأجاب والدي سؤالي؛
لكوني وحيد وعليه غالي، وبعد ما ملكتها أيها الأفخر، قد بلغ ابن سليمان
الخبر، فغضب على والدي وعليَّ، وسوَّل له ابن ساوي جعبة الغي، أن يقتلنا
جميعًا أيها المفضال، ويسبي عيالنا والأطفال، ويحرق ديارنا العامرة،
وما حوته من النعم الفاخرة، ومنذ فقهنا ما نوى، نزح والدي فانزوى، وأنا
أخذت قينتي والتزمت الفرار، وما ندري بعد فرارنا ما سار.
سُلبنا العز يا ذا المكرمات
وقد فتكت بنا أيدي العدات
فمزِّقنا وقد صبَّت علينا
صروف الدهر كأس النايبات
ولم يفتك بنا غير ابن ساوي
قرين الموبقات اللاثبات
بأمر محمد ابن الزين ظلمًا
علينا بكت عيون النايحات
أيابن المهدي غوثًا وانتصارًا
فقد جرعنا كاسات الشتات
أيظلمنا الزمان وأنت فيه
وجدُّك في العلا والصالحات
الخليفة
:
أأنت ابن الفضل؟
علي
:
نعم يا معدن العدل، واسمي يا أمير المؤمنين عبدك علي نور الدين، وهذه
يا مولاي هي القينة التي نائبك ابن سليمان قد نكبنا من أجلها يا سامي
الشان.
أنس الجليس
:
سرنا لبابك يابن مهدي الناس
وخلاصة الخلفا من العباس
لذنا بذلٍّ والزمان أبو البلا
أفنى القلوب بفاتك جرفاس
كي نُكفى عدوان البغاة وظلمهم
ونقال مما جلَّ عن مقياس
داهمتنا غائلة النوائب بغتة
بسهام إزراء تدكُّ رواسي
من موئلي ألاك منجي ومنقذ
من وصمة المتحرد الخناس
ارحم أغث أنجد فقد أزكت بنا
أيدي الشوائب جمرة المقباس
الخليفة
:
أيكون عدلي يجري بالقسطاس
وأنا لأمراض البرية آسي
ويقال ارحم أو أغث من ظالم
لا عاش إن أغضيت عنكما راسي
ابقى يا علي ضيفًا عند الشيخ إبراهيم، وسنعطيك كتابًا لابن سليمان
اللئيم، ونأمره أن يرجع أباك لرتبته، ويعوِّض عليه داره وجميع نعمته،
ونعامله بعدها بما يستحق، إذا كانت شكواك صدق.
علي
:
ما تكلمت وحياتك بغير الصدق، وليس بموجب أن أنصب له حبال الملق، وإذا
استطلعت من بعض أعيان البصرة، تؤكد ما لاعنا عن لوعة وحسرة، وما حاق
بنا من الخسران من جور محمد بن سليمان.
الخليفة
:
سنستطلع يابن الفضل، ونميز الصدق من الختل … خذهما يا إبراهيم
الآن، ويهونا العظيم المنان (يذهبون).
الجزء الثامن
(الخليفة – جعفر – حجاب)
الخليفة
:
أيمططي يا جعفر غارب ظلم، أو يراشي أحد من الرعية بسهم، وقد جعلناك
لسان الدولة، ولقمان الحكمة، وقسطاس الأعمال، والرئيس على العمَّال،
ويتجرأ ابن سليمان على مثل هذا العدوان.
جعفر
:
أنا يا مولاي الأريب، لا أستوجب ملامًا ولا تأنيب، لأني أفقه يا ذا
الرفعة والرواء، ما يجب على أمناء الملوك والخلفاء، من الصدق والصيانة،
والنصح والأمانة، والسياسة واللسن، والإدراك الحسن، وأن يكون المؤتمن
أمينًا، وفي كل حال ثابتًا متينًا، صدوق النطق، دائرًا مع الحق، يقظانَ
مراقب، في الخواتيم والعواقب، مقيمًا كل واحد في مقام لا يتعدَّاه،
ومنصب معلوم لا يتخطَّاه، حتى تستقيم بذلك أحوال المملكة، وتُصان من
الوقوع في مهاوى التهلكة، ويطمئن خاطر مخدومه، ويركن إليه في منطوق
فعله ومفهومه. فمنذ جعلتني يا مولاي لسان الدولة العباسية، ما فهمت ضدها
بكلية ولا جزئية، ولا سمعنا ما يوجب السؤال، والشاهد ذو الجلال، ومحمد
بن سليمان، ما سمعنا عنه سوء قبل الآن، وشكوى علي نور الدين، خبر يحتمل
الشك واليقين، وبأمرك سنعطي له كتاب، ونأمره بسرعة الإياب، ونتبعه
سرًّا على الأثر، وستنجلي لنا صحة الخبر، وبعدها يا ملجأ الورى، الأمر
إليك فيما ترى.
الخليفة
:
قد أزعجني يا جعفر ابن سليمان، بما فعله مع الفضل من العدوان، فمره
بلسان العنف والغضب، أن يرد ما هاض وما استلب، ويعيد الفضل مبجَّل،
ويحضر إلينا بالعجل، ومعه ابن ساوي، ذو الزيغ والمساوي.
جعفر
:
أمرك يا ذا الجلال، ومعدن الجود والإفضال، ومستشفاه ندامة الفرزدق،
إذا كان ظلمه محقق.
الخليفة
:
وندامة عامر ابن الحارث، حين جلا الصبح ليله الكارث. فبداري أيها
الوزير، واكتب لهذا الختير، كما أمرت كتاب، كصواعق العذاب.
جعفر
:
أمرك أيها الأجلُّ، وسأكتب إليه بالعجل.
الجميع
(لحن)
:
يا همامًا ساد فينا وملك
ملك أنت مهاب أم ملك
فاز من بين الورى من أملك
والهنا بعد العنا قد دام لك
قد عفا المولى فأحيى العباد
بحياة وسلام
ورضي عنَّا حنانًا وجاد
عند من ساد الأنام
وبه نلنا المنا والمرام
وصفًا منَّا الختام
(تم الفصل الثاني)
الفصل الثالث
(ينكشف الستار عن منزل ابن سليمان.)
الجزء الأول
(ابن سليمان – المعين – الفضل – حجاب)
ابن سليمان
:
وكنت أظن أن جبال رضوى
تزول وأن حبك لا يزول
ولكن الزمان له انقلاب
وحالات ابن آدم تستحيل
ما وقفت يا فضل على ما غيَّرك بلا سبب، ولا فقهت كيف جال حالك وانقلب،
حتى فعلت ما شوَّش الخاطر، وكدَّر الضمائر والسرائر، هل غيَّرك الزمان
كما تغيَّر، أو نكرك المعروف كما تنكر، أم كشف التحقيق أستار السبك،
فأبان عن الزغل أثر الحك، هلا تحريت الصواب، وأخلصت في العمل يا خلاب،
أما نظرت في العواقب، وأنذرك فكرك الثاقب، حتى قابلت الإيجاب بالسلب،
والاستقامة بالقلب، والإقبال بالصد، والقبول بالرد، وفضلت ولدك يابن
خاقان، على ولي نعمتك ابن سليمان.
الفضل
:
قد حكم عليَّ أيها الأغرُّ، محتوم القضاء والقدر، وما هي يابن
الأجواد، إلا كبوة جواد، ما غيَّره الزمان، ولا أنكره العرفان، وعدم
الخطأ أيها المخدوم، لا يكون لغير معصوم، وأفضل شمايل الجلال، وأعلى
مراتب الكمال، العفو عمن أجرم وأساء، وأحسن منَّة يا مولاي من الأمراء،
ما يصدر منهم، ويروى للناس عنهم، من الصفح والإشفاق، والعفو ومكارم
الأخلاق، لا يحصيه قلم حصر، ولو كان مداده البحر، فأمحو جل هفوتي
وأقبلها، ولا أفعل ما عشت مثلها.
ابن سليمان
:
أعدا عدوك أدني من وثقت به
فحاذر الناس واصحبهم على دخل
فإنما رجل الدنيا وواحدها
من لا يعوِّل في الدنيا على رجل
اذهبا به إلى السجن الآن، ريثما يُقبض على ولده الخوَّان، ونفعل به ما تقتضيه السياسة،
من حفظ ناموس الإمارة والرئاسة (يذهبون).
الجزء الثاني
(ابن سليمان – المعين ابن ساوي)
المعين
:
حذاري يا مولاي من ختله، وقابله بالقتل جزاء فعله؛ لأنه عدو لئيم،
وقتله يا مولاي الفخيم، نعمة طائلة، وسعادة متواصلة، وعزة مستصحبة،
وفرصة غير مترقبة، وكذلك ولده متى يُقبض، يُلقى مع أبيه في العذاب
ويرمض، لا تبصر العينان ولا تسمع الآذان، فيقضي العتاب ويفضي إلى
العقاب.
ابن سليمان
:
سنفعل ما قلت يا معين، ولكن بعدما يُقبض على نور الدين.
المعين
:
لا يا مولاي المصان، اقتل الآن ابن خاقان، وبعدها نجعل على ولده
الأرصاد، ومتى يُقبض نجدع منه الأكباد.
ابن سليمان
:
التأني يا معين أنجح، وأنصح في كل الأمور وأصلح، فلا تكن عجول،
وسيحصل المأمول.
المعين
:
أنا ما تعمدت إنجاز أمره، إلا لتخلص من ختله وختره، والتسويف يا مولاي بغير الأفكار،
يفضي إلى الأماني والأمطار، والصواب يا مولاي هو
الإنجاز، ولك الأمر بالصدور والأعجاز.
ابن سليمان
:
أغمض يا معين غضب نجواك؛ فقد فقهت كنه فحواك، ولاح لي يابن ساوي،
ما أنت عليه ناوي، وهذا لا يمكن ما لم يوجد ابن الفضل، ولي الأمر بعدها
بالعفو أو القتل، فحذاري من المكايدة؛ فشباكها غير صايدة.
المعين
:
أنا ما تعمدت كيد، ولا نصبت شباك صيد، وما حرَّضتك على قتل الفضل،
إلا لعلمي أنه معدن الختل، وإبقاؤه خطر، ونصب كدر.
ابن سليمان
:
لا تخطئ من يتأيد في الأمر يا معين.
الجزء الثالث
(ابن سليمان – المعين – حاجب)
حاجب
:
على الباب يا مولاي علي نور الدين.
ابن سليمان
:
أحضره بلا توان.
حاجب
:
أمرك يا علي الشان (يذهب).
الجزء الرابع
(ابن سليمان – المعين)
المعين
:
ها قد حضر يا مولاي ابن الفضل، فلا تحوِّل عزمك عن القتل.
ابن سليمان
:
صبرًا يا معين لنراه.
المعين
:
أمرك يا سامي الجاه.
الجزء الخامس
(ابن سليمان – المعين – علي نور الدين – حاجب)
علي
:
أهدي لحضرتك الثنا وأسلِّم
راجي رضاك، به أُقال وأُرحم
حسبي صلاحك منصفًا ومساعدًا
يا أيها الشهم الأجلُّ الأكرم
صفحًا فحلمك بي فديتك منصفًا
وعظيم ذنبي منه عفوك أعظم
حاشاك تهدم ما رفعت بناءه
يا من به ثغر المراحم يبسم
هذا الكتاب من الخليفة سيدي
فاقرأه وارحمني لعلك تُرحم
ابن سليمان
:
لخليفة الهادي الحياة نقدم
ولأمره المسموع نسعى ونخدم
طِب يا علي فشمس سعدك أشرقت
وحللت في حصن لخطبك يحسم
علي
:
دم بالسيادة والسعادة ما شدا
طير علي فنن ولاحت أنجم
أنت الذي ترجي إذا خطب طما
وتغيث من يرجو بذاك وترحم
المعين
:
وكيف تحصَّلت على هذا الكتاب؟
علي
:
تحصَّلت عليه بعناية الوهاب.
ابن سليمان
:
وهل اجتمعت بأمير المؤمنين؟
علي
:
نعم، وأبان بتوجهاته دائي الدفين.
ابن سليمان
:
قف ظاهر الباب.
علي
:
أمرك أيها المهاب (يذهب).
الجزء السادس
(الحاضرين ما عدا علي نور الدين)
ابن سليمان
:
هذه آراؤك يا معين، أسخطت علينا أمير المؤمنين، حتى أرسل إلينا هذا
الكتاب، وأنذرنا فيه بوقوع العذاب.
المعين
:
وهل حققت يا ذا الجناب، أن الخليفة أرسل هذا الكتاب؟ ومن أين لعلي
نور الدين، أن يجتمع بأمير المؤمنين، من الجلال، الذي يُرهب أُسد الدحال؟
ومتى كان الخليفة يا بازغ السجية، يخاطبك بكتب غير رسمية؟! فهذا الكتاب
نفاق وتزوير، والخليفة ما عنده خبر، وأنا أستطلع من الوزير جعفر، بكتاب
أبرهن لك فيه يا طاهر الأصل، أنها من تزويرات ابن الفضل، وبعدما تتحقق
من الكتاب مينه، تلزمك الشهامة أن تقتل الفضل وابنه، جزا إفكهما
المبين، عليك وعلى أمير المؤمنين.
ابن سليمان
:
هذا إذا كان الكتاب مزور. وإذا كان من الخليفة الأفخر، فماذا يكون
الجواب؟
المعين
:
الجواب عليَّ بلا استراب، ومن ثَمَّ ترى من المعين تجاه أمير المؤمنين
من أجوبة سديدة، وجمل معجبة مفيدة، تعلن ما للفضل ذي الخديعة، من سوء
سريرة وخبث طبيعة، وبعدما يقف الخليفة على التحقيق، ويقلبه باسترلاب
القبول والتصديق، يأمرك بقتل الفضل الخوَّان، وابنه المهان، حفظًا
لناموس الخلافة المنير، وتربيةً لكل خئون ختير.
ابن سليمان
:
هلم يابن الفضل.
الجزء السابع
(الحاضرين – علي نور الدين)
علي
:
لبيك يا ذا العدل.
ابن سليمان
:
ما فعلت بالقينة التي استوهبتها من أبيك؟
علي
:
حاضرةٌ يا مولاي، إن شئت تكون من بعض جواريك.
ابن سليمان
:
نحن لا نشرب من ماء نجس يا حقير … ضمه مع القينة إلى أبيه أيها
الوزير، واستطلع كما قلت من الوزير جعفر بن يحيى، والأمر لمن بيده
الممات والمحيا.
المعين
:
هذا هو الصواب، اقبضوا على هذا الخلاب.
علي
:
عدلًا يابن سليمان.
ابن سليمان
:
اسكت أيها الخوَّان.
المعين
:
اسحبوه أيها الجنود.
علي
:
آه، أغثني يا معبود (يأخذوه).
الجزء الثامن
(المعين)
المعين
:
بالمكر أبلغ ما أهوى من الأمل
وبالخداع أنال الفوز عن عجل
وإنني بهما قد نلت مطَّلبي
وسوف أتمم ما أبغيه بالحيل
ويصبح الدهر لي طوعًا على صغر
أقوده ببناني قودة الجمل
كذا قد خُلِقت كما شاء ربي لي
فلا أخاف ولا أخشى من الخجل
فإن من لم يكن في الدهر ذا حيل
تنيله ما يرجَّى ليس بالرجل
(تم الفصل الثالث)
الفصل الرابع
(ينكشف الستار عن هيئة ثلاثة سجون.)
الجزء الأول
(الفضل في سجن بمفرد – علي نور الدين في سجن بمفرد – نعيم –
أنس الجليس – جواري في سجن – حرس)
الجميع
(لحن)
:
أسعرت يابن ساوي
بنا لظى المكاوي
نلت ما كنت ناوي
وما لواك لاوي
الفضل
:
عداوة المعين
قضت بهذا الأين
قد فزت يا ذا المعين
ويل لكل غاوي
الجميع
:
أسعرت … إلخ.
علي
:
أسرف بالغواية
مباين الهداية
وحاز حدَّ الغاية
بالزيغ والمساوي
الجميع
:
أسعرت … إلخ.
الفضل
:
ألا يابن ساوي من دعاك معين
وأنت مهين للورى ومشين
معين ولكن بالضلال عن الورى
وبالصالحات الناصحات ضنين
علي
:
عتبنا أيها الوالد على ابن سليمان، كيف طاوع المعين وقبل منه
البهتان، وما في الأمر ما يوجب العناء، أو يقضي بالعقوبة
والجزاء.
الفضل
:
هذا يا بني معلوم، لابن السليمان الظلوم؛ لأنه في كل حال هو المسئول،
وعليه أن يميِّز حدود الفضل من الفضول. واعلم يا بني وجوهر ناظري، أن
ولي الأمر على زيد وعمر، كالسهم الخارج من الوتر، بل شبه القضا والقدر،
لا يُصد ولا يُرد، ولا حيلة في منعه لأحد، فإذا لم يتدبر قبل إبرازه في
عواقب مآله وأعجازه، ربما أدى إلى الندم والتأسف، حيث ذلت القدم. ولو
تأمل ابن سليمان، في عواقب بغية والعدوان، لما كان طاوع المعين، وقبل
منه البهتان.
علي
:
وما قصد المعين أيها الوالد، بما أوقعنا به من الشدائد؟
الفضل
:
ما له مقصد غير الطمع، الذي ما استعمله أحد وانتفع، وصاحبه من الشر
والحرص والسفه، لو قبلت إليه الأراضون وما حوته تبرا، وهطلت عليه
السماء جوهرًا أو دُرًّا، وألبسته الأقيال تاج السيادة، لا يمتنع عن
الزيادة، والمعين يا بني من هذا القبيل، لا يقنعه قليل ولا جزيل، وقد
أحب أن يخلو له الجو فيظفر، ويبلغ بكيده منَّا حظه الأوفر، لكن حفظ منه
شيئًا وغابت عنه أشياء، ولا بدَّ ما يقع هو وابن سليمان في أشد العناء؛
حيث إن الجزاء من جنس العمل، ولكل امرئٍ نتيجة ما فعل.
علي
:
صدقت يا ذا العلاء، لكل عمل جزاء، والمرء ما يثمر زرعه يجنيه، ومن
حفر بئرًا لأخيه وقع فيه، وحيث قد علم الخليفة أمرنا، فلا بدَّ قريبًا
ما يكشف ضرَّنا، ويذيق المعين وابن سليمان، كئوس الإهانة والخسران،
جزاء فعلهما الشنيع، وزيفهما الفظيع، ونحن يجب علينا أن نستعمل الصبر،
ونستقبل القضا بالشكر، والسميع المجيب، يفرجها عن قريب.
الجميع
(لحن)
:
فرجًا قريبًا يا قدير
يأتي بتيسير العسير
أنت المجير أنت النصير
فرجًا قريبًا قدير
الفضل
:
يا علي صبرًا
قد جرى الحكم
علي
:
أنَّى نلقاه وقد زاد الحرج
الجميع
(لحن)
:
يابن ساوي، أين أخلاق الكرام؟
يابن ساوي هكذا حفظ الزمام
جُرت بالعدوان يا نسل اللئام
فاتَّقِ الله بتكليم المهج
الفضل
:
صبرًا نعيم فهذا الضيق والفرج
جنحا ظلام طما يجلوهما البلج
ما دام خطب ولا كرب على أحد
لكل ضيق بأحكام القضا فرج
الجميع
:
متى نلقاه فقد شد الوثاق
وعفت أحشاؤنا بالاحتراق
وكذا الأرواح صارت في تراق
ومُدى الأزمات حلَّت في الودج
الفضل
:
ما حكم الرزئ في الأرواح والودج
ألا يجوز المعين الأحقر السمج
يا جاحد الصنع أبشر بالسقوط فلا
تدوم رفعة باغٍ بيِّن الزلج
الجميع
:
رفعة الباغين كزورة طيف
أو كمر الظل أو مزنة صيف
ألف حيف ثم ألف ألف حيف
أن يرجَّى لقوام ذا عوج
الجزء الثاني
(الحاضرين – ابن سليمان – المعين)
ابن سليمان
:
نعم نعم لست أعفو عنهما أبدًا
لا عاش من خان يومًا لا ولا وجدا
كم يابن خاقان في خيري وفي نعمي
نعمت لكن جميلي ضاع فيك سُدا
المعين
:
… … لا تعفُ يا مولاي قط ولا
تحنو عليهم فما منهم نرى رشدا
هم الطغاة البغاة الخائنون وكم
لهم فعال تذيب القلب والجسدا
حكِّم بأعناقهم سيف الجزاء تفز
من خان لا كان جرِّعهم كئوس ردا
ابن سليمان
:
أخرجوا ابن خاقان وولده الخوَّان.
أتدري ما فعلت أبا علي
وكيف جدعت حبل الود ظلمًا
الفضل
:
نعم أدري ولكن حسن ظني
بعفوك أن أرى صفحًا وحلمًا
ابن سليمان
:
أبعد الجرم تطلب منَّا عفوًا
وهذا لا أظن تراه جزمًا
الفضل
:
إذا كنت المسيء فكن غفورًا
لتكفي بالرضا شرًّا وضيمًا
وهذا مقام من بالمعذرة، يعتمد على المغفرة، فامحُ الإساءة
والإحسان، وأصفح يا ابن سليمان، وانظر ذلتي بين يديك، والغفران
لا يكثر عليك.
هبني أسأت، فأين العفو والكرم؟
إذ قادني نحوك الإذعان والندم
بالغت في السخط فاصفح صفح مقتدر
إن الكرام إذا ما استُرحِموا رحموا
العبد يا مولاي يذنب ويستغفر، والمولى يعفو عن الذنب ويغفر،
ولولا جرائم العبيد الأدنياء، لم يظهر حلم الملوك والأمراء،
وهذا موقف الاستكانة بالندم، فعاملنا بالعفو يا ذا الكرم، وإذا
كان الانتقام عدل، فالتجاوز منة وفضل، والكريم أوسع ما يكون
مغفرة، إذا ضاقت بالمسيء سبل المعذرة.
إذا اعتذر المسيء إليك يومًا
من الآثام عذر فتى مقر
فصنه عن عقابك واعفُ عنه
فإن العفو شيمة كل حر
ابن سليمان
:
العفو عن الذنب من واجبات الكرم، وقبول المعذرة من محاسن الشيم.
تجاوز عن الجرم العظيم تكرُّمًا
فيكفي المسيء العذر والذل والكرب
إذا ما امرءٌ من ذنبه جاء تائبًا
إليك ولم تغفر له فلك الذنب
قد عفوت عن اﻟ …
… … … … … …
المعين
:
لا يا ذا الطعن، ما العفو صواب، واقرأ هذا الكتاب، الذي جاءني من
الوزير جعفر، جواب سؤالي منه أيها الأفخر، وحقق ما لهذا الخئون من إفك
وجرأة أيها المصون (صورة الجواب).
ابن سليمان
:
بسم الله العليم العلَّام، وله الحمد على الدوام، وقد وصل يا معين
كتابك، وأعلن لدينا خطابك، وسؤال كتابك لابن سليمان، ويريده ابن
خاقان، ومنطوق الكتاب وفحواه، تأنيبًا لكما بسبب شكواه، بالحضور
إلى بغداد، بعدما تردون على الفضل داره وما أراد، فعجبنا من هذا
السؤال، وجرأة ذلك الختال، كيف تعمَّد الافتراء والتزوير على
الخلفاء، فبحضورنا كتابنا إليكم واطِّلاعكم عليه، يجب عليكم أن
ترسلوا الفضل وابنه مغلولين؛ لنقف على التزوير والمين، وبعدما
يتوضح منهما البهتان، يجازيهما العدل بما يستحقان، وإذا تقاعس
الفضل، فعامله وابنه بالقتل، جزاء البهتان، وتعمُّد العصيان،
والحذر يابن ساوي الحذر، من الرفق بأهل الكبر.
خادم سدة الخلافة العليا
الوزير جعفر أبي يحيى
ابن سليمان
:
هذا كاشف اللبس، والداعي إلى الرمس، أسمعت يابن خاقان؟
الفضل
:
نعم يابن سليمان، سمعت إفك المعين، الصادق معك والأمين.
المعين
:
من الأفاك يا فضل؟
الفضل
:
أنت يا سيئ الفعل. وكيف زوَّرت غير هيَّاب، على الوزير جعفر هذا
الكتاب؟ مع شهرته بالسداد والرحمة والاتآد، ومتى جاء منه كهذا الكتاب،
أو عدل في مشكل عن الصواب؟! فعليك من الله ما تستحق، يا قرين الإفك
وعديم الصدق.
المعين
:
أنا يا فضل لا أُعرف بغير الصدق، ولا أقول في جميع الأقوال إلا الحق،
ولساني في جميع الحالات لا ينطق بغير الحسنات، ومالي تزوير وهذا
الثاني، والأمير يعرف من منَّا الجاني، أو ترضى با ابن سليمان أن
أُحقَّر وأُهان، وأنا في حضرتك، وغرس نعمتك؟!
ابن سليمان
:
الويل لك يابن خاقان، الكثير الزيغ والبهتان، ما أجرأ لسانك، وأقل
إحسانك، والويل لي إن تركتك سالمًا، أو عفوت عنك يا ذا الجرائم.
الفضل
:
ارحمنا يا وافر الكرامة.
ابن سليمان
:
أما تحوز أن السلامة مع ما لكما من الخديعة وسوء سريرة وخبث طبيعة،
فلا بدَّ من الانتقام جزاء ما ارتكبتماه من الآثام، أن تُقتلون أشر
قتلة، وأُمثِّل بكما أشر مثلة، من مال معك إلى الحيف، لا تبخلن عليه
بالسيف.
قطَّ العدا قطَّ اليراعة وانتهز
بظبا السيوف سوايم الأضغان
إن البيادق إن توسع خطها
أخذت إليك مآخذ الفرزان
المعين
:
عجِّل بقتلهما أيها الندب، فترك العقوبة أولى بالذنب.
الفضل
:
نحن يابن سليمان لا نستحق القتل، ولا نستوجب التنكيل والختل،
وستندم ندامة، تفضحك في القيامة، ولا فضيحة الضحاك، الزايغ السفاك،
وأنادي من فؤاد مكلوم: مظلوم يا إلهي مظلوم، فانتقم لي من هذا يا رب؛
فإنه قتلني وولدي من غير ذنب. والويل لك في هذا اليوم، ولكل غشوم ملوم،
من يوم حساب يابن سليمان، تصم لهوله الآذان، وتصطك له الأسنان، وأنا
وولدي سنُقتل أتقياء، ونُحشر أبرياء، ونلقى الله راضين بما قدَّره
وقضى، وله فيه رضى.
أنا راضٍ بما حكمت لترضى
إذا ما تشاء يكون يقضى
لك يا ذا الجلال فوضت أمري
فقضاء التفويض للمرء أقضى
ابن سليمان
:
قدَّر الله لكما الهلاك، والوقع فيما نصبتماه من الإشراك، فيستغفر
الله بما جنيت يابن الأشرار، واستعد لشرب كأس الدمار، ولتُخرج نساءهم
ليكون القتل بحضورهم؛ إذ يطربوا بعويلهم، وأخرجوهم في الحال لنقطع ما
بقيَ عندهم من الآمال.
الفضل
:
ارحمنا أيها الأمير، يرحمك السميع البصير، وتذكَّر عند القدرة قدرة
الله عليك، وعفوه عنك، وإحسانه إليك، واعلم يابن سليمان أن كل ما
تدين تُدان، ولا تندمل من المظلوم جراحه حتى ينكسر من الظالم
جناحه.
الجميع
(لحن)
:
راقب الجبار فينا يا أمير
واطفي بالعفو لظى حر السعير
ما لنا إلاك منجي ومجير
فأجرنا بك منك نستجير
ابن سليمان
:
دخولي مع فرعون وهامان النار، أحبُّ إليَّ من العفو عنكما يا
أشرار.
الجميع
(لحن)
:
أيابن الأكارم أنلنا السماح
فكم بالمراحم غفرت جناح
لأهل الجرائم رضاك مباح
برانا الكدر وزاد الضرر
ابن سليمان
:
ابدءوا بقتل هذا الخائن، وثنُّوا بقتل ولده المائن.
الجميع
(لحن)
:
ما هذا البلاء مولانا، يا أميرنا رحمانا، فاعفو عنهما إحسانًا، ما
علانا قد كفانا.
علي
:
يا أمير راقب ربك.
الفضل
:
يا أمير عطِّف قلبك.
الجميع
:
يا أمير أغمض غضبك
عنَّا واقبل الشكرانا
المعين
:
مه يا فاجرات.
ابن سليمان
:
صه يا عاهرات.
المعين
:
عجِّلوا يا همج.
الجميع
:
يا إله الفرج.
الجزء الثالث
(الحاضرين – حاجب)
حاجب
:
قد شرَّف يا مولاي الوزير جعفر.
ابن سليمان
:
مهلًا لنكشف الخبر.
الجميع
(لحن)
:
الحمد لله لقد جاء الفرج
واكتفينا الخطب وانجاب الحرج
مرحبًا أهلًا بمن يشفي المهج
من بلاء قد كواها ووهج
الجزء الرابع
(الحاضرين – جعفر)
جعفر
:
ما هذا يابن سليمان؟
ابن سليمان
:
هذا انقياد وإزعان، وإجراء يا مولاي المهاب، بما أمرنا به هذا
الكتاب.
جعفر
:
ما سمعت العالمون، بأقبح من هذا الجنون. ومَن زوَّره يا مولاي هذا
الكذاب.
الجميع
:
زوَّر على هذا الكتاب.
الفضل
:
رسول لابن سليمان، أن يذيقنا الهوان، ولولا تشريفك الآن يا ذا
الشئون، لسوينا من مضى عليهم في القبور سنون.
جعفر
:
سحقًا لك يا معين، ولمن رضيك أمين، ما أكثر شينك، وأقبح مينك.
إذا لم تصُن عِرضًا ولم تخشَ خالقًا
وتستحْيِ مخلوقًا فما شئت فافعل
هذا وقت لا يقتضي فيه عتاب، ولا يسع تأنيبًا ولا عقاب، فليتهيأ كل منكما في هذا
الحين للسفر والعرض على أمير المؤمنين.
الجميع
:
اليوم قد زال العنا
عنَّا وقد نلنا المنا
وأشرقت شمس الهنا
بما يوالي أنسنا
هيا لنمضي كلنا
إلى الرشيد
دور
فهو يجازي من ظلم
بما يذيقه العدم
يا رب فاكفينا النقم
وجد علينا بالنعم
واجعلنا يا ذا الكرم
في عيش رغيد
(تم الفصل الرابع)
الفصل الخامس
(ينكشف الستار عن ديوان الخليفة هارون الرشيد.)
الجزء الأول
(الخليفة – جعفر – مسرور – الفضل – علي نور الدين – أنس الجليس –
نعيم – ابن سليمان – المعين – حجاب)
الجميع
(لحن)
:
عش مليكنا دومًا
منزَّه الأفكار
فكلنا لك عونًا
لكل ما تختار
دم أميرنا وارقا
للمعالي واسترقا
من أساءكم يلقا
مرهفًا بتلم
أبقاك ربي أبدًا
لكل ما تختار
الخليفة
:
الملك لله من يظفر بنيل منن
يردده قهرًا ويضمن بعده الدركا
لو كان لي أو لغيري قدر أنملة
فوق التراب لكان الأمر مشتركا
ما هو جرمك يابن خاقان، مع محمد بن سليمان؟
الفضل
:
عبدك أيها المنعم، مع الأمير غير مجرم، وما توقع مني، يا ذا الهبات،
يعد من الهفوات.
الخليفة
:
أما علمت يا ذا الجريرة، أن هفوة الكبير بمقام الكبيرة، وأن هفوة
العقال لا يغضى عنها ولا يمكن أن تُقال. فاشرح ما حصل وكان؛ لنعفو عنك
أو تدان.
الفضل
:
إني أخجل من التصريح يا سامي الشأن.
الخليفة
:
لا، قل ولا تخجل؛ ليعلم عذرك ويُقبل.
الفضل
:
حُفظت يا طوس الخلافة، ورب المرحمة والعفافة، أعرض يا مولاي أن هذا
الأمير، أمرني أن أشتري لك قينة تُنير، فذهبت واشتريت له قينة، ذات
ألمعية وفطنة وحسن جمال، كالشمس والهلال، فذهبت واشتريت له قينة
غرَّاء، تدع لب من رآها هباء، وجئت بها إلى البيت، لأزيِّنها بحسن ما
اقتنيت. وبالقدر المحتوم، رآها ولدي المشئوم، فأحبَّها وأحبته، وعشقها
وعشقته، فرأيت أن أهبه إيَّاها، وأشتري للأمير قينة سواها؛ خشية يابن
الأطهرين، من وقوع ريبة تشين، إذا قدمتها لحضرة الأمير ومنعتها من ولدي
الختير. فلما بلغ ابن سليمان ذلك، نصب لنا أشراك المهالك، وبدسائس
المعين ابن ساوي، أحرق داري، وسبى عيالي، وتعمَّد قتلي وقتل ولدي
الغالي، وأمر بسجني وسجن ولدي، وأحرق بذلك كبدي، وزيادة على ذلك سجن
زوجتي وولدي وخدمي وأنس الجليس، وسلب منَّا كل غالٍ نفيس، وسوَّل له
ابن ساوي قتلنا جميعًا، فكان له سميعًا مطيعًا، ولولا تشريف هذا
الوزير، لما نجونا من التدمير. فأمرنا بالتشريف بين يديكم، لنعرض ما
ألمَّ بنا عليكم، وها جئنا لائذين بحِمى ولي العدل، ورب الإحسان
والفضل.
الخليفة
:
هل صدق الفضل يابن سليمان؟
ابن سليمان
:
نعم، صدق في البعض يا عليَّ الشان، وفي البعض يا مولاي ذل، واستعمل
الختر والختل.
الفضل
:
وكيف أيها الأمير صدقت في البعض وكذبت في البعض؟ أما حرقت داري وسبيت
عيالي؟ وتعمدت قتلي وقتل ولدي الغالي؟
ابن سليمان
:
نعم، قد فعلت يابن خاقان لما رأيتك غير صادق، وجدعت بالخيانة
العلائق، فرأيت حرق دارك وسلب نعمتك وقتلك جزاءً لك، وتربية لما يفعل
مثلك.
الخليفة
:
أما حفظت يا قبيح الفعل من الجزاء غير القتل؟! وأي شريعة بين الأنام
تجازي على الهفوة بالإعدام؟! أوَكان شيخك به الشيطان، حتى تلقيته
بالقبول والإذعان! وهل أنت حاكم مستقل حتى تعمدت القتل بدون مخابرة،
وتفكُّر في الآخرة! ما هذا العناد، والظلم والفساد، وما هذه القبائح يا
جعفر؟!
جعفر
:
والأقبح يا مولاي، جرم هذا الأحقر الذي زوَّر عليَّ هذا الكتاب، ولا
ارتاع من بأسكم ولا هاب.
الخليفة
:
ما هذا الزيغ يا معين؟!
المعين
:
عفوًا يا أمير المؤمنين، فحسدي لابن خاقان، وخفة عقل ابن سليمان، قد
سوَّلا لي ما فعلت، وقد ندمت ورجعت، وها أنا يا مولاي واقف ببابك،
ولائذ بأعتابك، وهذا قدر الله حكم عليَّ به وقضاه.
الخليفة
:
وأنت يابن سليمان، هل تحول جرمك على القدر؟
ابن سليمان
:
نعم يا رافع الضرر، إن كنت أخطأت فما أخطأ القدر، إن القضا إذا أتى
يعمى البصر، ومن خلايق الخليفة، وشمائله اللطيفة، العفو عن المذنبين،
والصفح عن المسيئين، العفو عمن أجرم وأساء، وأحسن منه يا مولاي
للخلفاء، وقد قيل أيها الجليل:
إذا أراد الله أمرًا بامرئٍ
وكان ذو عقل وسمع وبصر
أصم أذنيه وأعمى قلبه
وسل منه عقله سل الشعر
حتى إذا أنفذ فيه أمره
رد إليه العقل حالًا فاعتبر
لا تقل فيما جرى كيف جرى
كل شيء بقضاءٍ وقدرٍ
الخليفة
:
إن العفو عنكما محال، ولا بدَّ من العقوبة في الحال.
ابن سليمان
:
أما عرضنا إنه قدر.
الخليفة
:
والجزاء لكما قدر. خذ يا جعفر منه ختم الإمارة، وخذ من المعين ختم
الوزارة. خذ يا فضل، أنت أمير البصرة.
الفضل
:
حُفِظت يا مزيل كل همٍّ وحسرة.
الخليفة
:
قد حكمت عليكما بالسجن المؤبد. خذهما يا مسرور إلى السجن.
مسرور
:
أمرك يا معدن الأمن واليُمن (يأخذهما).
الجزء الثاني
(الحاضرين ما عدا ابن سليمان)
الخليفة
:
العاقل يا فضل من يعتبر بغيره، ولا يؤذي بضرره ليرضى عنه مولاه،
ويوده من والاه.
الفضل
:
نعم أيها الأكرم، لا يسلم من العثار، ولا يأمن من الدمار، من يؤذي
بضرره، ولا يفتكر بغيره.
الخليفة
:
أعطي يا جعفر للفضل مائة بدرة؛ ليرجع بالسراء إلى البصرة، ويعمر
داره، ويجدد دثاره … فاذهب بالسلامة يا فضل.
الفضل
:
أمرك يا رب العدل.
تبرعت لي بالجود حتى نعشتني
وأعطيتني ما لا يُعدُّ ويُحسب
وأنبتَّ ريشًا في الجناحين بعدما
تساقط مني الريش أو كاد يذهب
فأنت الندا وابن الندا وأخو الندا
حليف الندا ما للندا عنك مهرب
الجميع
(لحن)
:
أنت مولانا الكريم
سدت بالملك العظيم
بك الجود تحلى
والسعد حقًّا تجلى
والأنس فينا تبدَّى
والهم عنَّا قد تخلى
أمان
والخير اشتهر
والغم عنَّا تولى
أمان
بادٍ كالقمر
في طالع السعد يجلى
يا سيدي يا غنائي
أنت عالي المقام
مليكنا يا همام
دم بكل احترام
يا مسعدي برجائي
سدت بالانتصار
وحويت الفخار
على جميع الأنام
وافت لكم بشرى بكل الخير
في عزكم تدوم طول الدهر
والسعد لديكم زها كالبدر
والأنس بجودكم طول العمر
دم بحفظٍ غانمًا وكمال دائمًا
ربي يبقيك إلينا سالمًا
فابقى يا نسل الكرام
في نعيم لا يُرام
بالغًا كل المرام
في صفا حسن الختام
(تم الفصل الخامس)
(وبه تمت الرواية بحمد الله وعونه.)