الفصل الأول
المنظر الأول
(قيس – الربيع – عمارة – عنتر – مقري الوحش – شيبوب)
قيس
:
ألا يا رياح الرند والعلم السعد
فحي حما أرض الشربة من نجد
وإن جزت يومًا في العقيق وبارقه
فبثي غرامي واشرحي بينهم وجدي
لقد جُرت يا نعمان ظلمًا وملْت عن
طريق الهدى والحق والعدل والرشد
ظعنَّا وفي الأحشاء أرواحنا سرت
وأجسامنا بانت على النجب والجرد
وما نزحت عن حيها باختيارها
ولكن قضاء الله حتم على العبد
عنتر
:
لو طاوعتني يا ملك لما فارقنا الأوطان، ولو عادانا مع النعمان كسرى
أنو شروان، وملوك بني غسان، وأعوان صاحب الإيوان. ومع هذه النوائب،
والخطوب والمصائب، كلما دخلنا أرضًا من عرب اليمن يأتونك أيها الهمام،
فتشفق عليهم وتعطيهم الزمام، وما بقي قدامنا غير البحار، فنجاور الأسماك
والحيتان، ونعيش بالضنك والهوان، لا أرضى بمعصية ولا جيرة
مكربة.
قيس
:
أنا ما أعطيت الزمام إلى الملك الجون، خوفًا من بأسه أو من المنون،
ولكن رأيت أرضه كثيرة المرعى، وسهلت المسالك على الإبل أن تسعى،
فأعطيته ما طلب، وسرنا في البر والسبسب.
الربيع
:
الرأي عندنا أيها الملك المصان، ألَّا نقيم في هذه الأراضي والقيعان،
إلا بعدما نعرف مالكها وحاميها، والذي يحكم على منابعها ومراعيها.
فإذا وجدناه صاحب حميَّة، ومن أهل النخوة العربية، نبرطله بالأموال
والخيول والجمال، ونأخذ منه الأمان والزمام، ونقيم في ظله مدى الأيام،
آمنين من الحروب، ومن غوائل الخطوب.
عنتر
:
ما هذا يابن زياد؟
الربيع
:
اسكت يابن شداد، أنت دأبك إثارة الفتن، ولولاك لَمَا دخلنا بلاد
اليمن، ولا نزحنا من الأوطان، خوفًا من الملك النعمان. ومع غربتنا
وبعدنا عن الأطلال، هيَّجت علينا فرسان اليمن والأقيال، بقتل الأمير
داثر، وأخيه الأمير جابر، وقتل معاوية بن النزال، وبعض مشاهير الأبطال،
وقد احمرَّت الجمرة بقتل سيدَي بني ضمرة … ولا بدَّ أن بني سعد وبني
تميم، ما يجتمعون علينا في عالم عظيم، من سادات العربان، وجبابرة بني
قحطان، وكذلك بنو القين وبنو فهد، لا بدَّ أن يبذلوا في قتالنا الجهد،
لا سيَّما الملك الجون، الذي فارقناه محزون، وإذا بقينا على هذه
الأهوال، تفنى فرساننا والأبطال، ونصير بين البشر، عبرة لمن
اعتبر.
عمارة
:
إن أخي الربيع يا عنتر، قد أصاب فيما أشار ودبر، وإلا إذا بقينا على
رأيك، وتحت أمرك ونهيك، لا نفتر عن الحروب ليلًا ولا نهار، ولا نحصل
على قرار، إلى أن نصير كالهبا، وتلعب فينا أيدي سبا، وأنا قد سئمت من
الحرب، ومعاناة الضرب، حينما كنت أصول وأجول، وآخذ الميدان عرضًا وطول،
ونحامي بسيوفنا عن النساء، في كل صباح ومساء.
عنتر
:
ما هذا يابن زياد؟ ومتى تُخلصون الوداد؟ أمَا كشفت عنكم الكروب مرار،
وخلَّصت نساءك من أيدي الأشرار، وحكمتكم في الملوك، وكل أمير وصعلوك؟
وكيف تكون يا أمير عمارة، كأخيك الربيع بالشجاعة والزعارة، وتبرطلون
على حفظ أرواحكم بالأموال، أما هو عار عليكم أيها الرجال، أن تبذلوا
مالكم وخيلكم وجمالكم لمن لا يستحقها من الأنام، ولا ضرب لأجلها برمح
وحسام، وهل يُبذل المال والنوق والجمال، لغير صعلوك عديم، أو أرملة أو يتيم،
أو لقاصد من قصَّاد العرب، أو لشاعر من أهل الأدب، فما هذا يا فارس
النياق؟
مقري الوحش
:
هوِّن عليك يا حلاحل الآفاق؛ فعمارة وأخوه الربيع مطبوعان على كل فعل
شنيع، وقيس بشأنهما أخبر، وأنت أبو الفوارس عنتر، الذي قهرت الآساد،
وآكل خفارة كل البلاد، فبادر إن أمرت الآن، لنمرح إلى مروج
الفصلان.
عنتر
:
أحن إلى ضرب السيوف القواضب
وأصبو إلى طعن الرماح اللواعب
ويطربني والخيل تعثر بالقنا
حداة المنايا وابتهاج المواكب
وضرب وطعن تحت ظل عجاجة
كجنح الدجا من وقع أيدي السلاهب
لعمرك إن الفخر والمجد والعلا
ونيل الأماني والعلا والمراتب
كمن يلتقي أبطالها وسراتها
بقلب صبور عند وقع المضارب
ومن لم يروِ رمحه من دم العدا
إذا اشتبكت سمر القنا بالقواضب
ويعطي القنا الخطيَّ في الحرب حقه
ويبري بحدِّ السيف عرض المناكب
يعيش كما عاش الذليل بغصة
وإن مات لا تندب عليه النوادب
اتبعني يا فارس غسان.
مقري الوحش
:
أمرك يا أوحد الشجعان (يذهبان، يريد
الذهاب شيبوب).
قيس
:
قف يا أبا رياح.
شيبوب
:
أمرك أيها المنَّاح.
قيس
:
قد أخطأتما مع أبي الأبطال، وما هذا وقت خصام ولا جدال.
الربيع
:
المخطئ أخي عمارة.
قيس
:
أنت المخطئ من أول العبارة، فلو لم تبدأ بالملام، لما تجاسر أخوك على
الكلام، ولكن يجب علينا الآن، أن نعرف نحن في أي مكان، ومَن من ملوك
العرب مالك هذه الأراضي والسبسب. أوَتعرفه أبا رياح.
شيبوب
:
نعم أيها المناح، هذه الأراضي والرياض المزهرة، هي منازل بني كلب بن
وبره، وموردهم من ماء يقال له عراعر، وهم حوله مثل الأسود الكواسر،
وصاحب هذه المناهل والوهاد، الملك مسعود بن مصاد، وهو ملك عظيم الشأن،
قوي الشوكة والسلطان، وتحت أمره من الأمراء والفرسان، أكثر من عشرين
ألف عنان، والرأي عندي أيها الملك الهمام، أنكم تقصدونه وتطلبون منه
الزمام، ولا تتوقف من كلام أخي يا ذا النضارة؛ لأنه أغضبه كلام الربيع
وعمارة، وأنا أُليِّن قلبه وأترضَّاه، وأجعله لك تبعًا فيما تهواه.
قيس
:
هذا الرأي السديد، والتدبير الحميد، فهيا إذًا يا ربيع، لنذهب إليه
سريع، وإذا وجدناه بطل همام، نسوق له الخيول والأغنام، ونقيم في حماه
إلى أن يفرجها الله.
الربيع
:
إذًا فبادر بنا الآن، والحافظ الرحمن (يذهبوا).
المنظر الثاني
(ترتفع الستارة عن عبلة ومسيكة.)
عبلة
:
قد انصلحت يا مسيكة حالنا، وصحَّت بالكلاء خيلنا وجمالنا، وحصلنا على الوطر،
بهمة ابن عمي عنتر.
مسيكة
:
إي وأبيك يابنة مالك.
عبلة
:
من ذا القادم علينا؟
مسيكة
:
أظنه أمير أو ملك خطير.
عبلة
:
اصبري لنراه، ونفقه فحواه، مرحبًا بك يا وجه العرب، فماذا تطلب
وترغب؟
مسعود الملك
:
ارغب يا منيعة الحمى، شربة من رائق الماء، لأطفئ بها حر الأوام،
وأذهب بعدها والسلام.
عبلة
:
أبشر يابن الأقيال، بالماء العذب الزلال.
مسعود
:
بالله عليك يابنة الملوك، لا ترسلي الماء مع أمة أو مملوك، بل عودي
به إليَّ، ليحصل فؤادي على الري.
عبلة
:
أبشر بحصول مناك، وإطفاء حر ظماك.
مسعود
:
ما هذا الجمال الباهر؟ فجلَّ الصانع القادر! وما هذه العيون المقرونة
بسهم المنون؟
غازلتني بأعين كالظباء
ذات دل تبدي نفار الظباء
ظبية لو رأى محاسنها البد
ر استحى من طلوعه في السماء
وجهها معدن الجمال وفيه
عنصر اللطف قد نما والحياء
ينثني تحت ثوبها غصن بان
غرسته الأشواق في أحشاء
عبلة
:
خذ يا فتى واشرب وتهنَّ، واذهب بكل راحة وسلامة حسنى (يشرب الجرعة على ثلاث مرات، وهو ناظر نظرة
غرام).
يا هذا، إن كنت ظمآن فقد ارتويت، وإن كنت ضالًّا فارجع من حيث أتيت،
ولا تُطل النظر، فتوقع نفسك في الخطر … أمَا سمعت المثل السائر بين
القبائل والعشائر: «من أطلق ناظره أتعب خاطره.» فعاصِ نفسك وهواك، قبلما
تذوق الهلاك.
مسعود
:
رحمة يابنة الكرام.
عبلة
:
اذهب بلا كثرة كلام، وإلا تُقتل في هذا المكان، ولو كنت كسرى صاحب
الإيوان، والزم الأدب والشهامة، وارجع مصحوب السلامة، فما أغلظ جثتك!
وما أصقع لحيتك! (بعد أن تطرده عبلة تذهب،
وينزل ستار ويدخل مسعود.)
مسعود
:
أأكون مسعود بن مصاد، وقاهر الأبطال والآساد، وهيبتي ترهب جميع
البرية، وتحقِّرني جارية عبسية، ولا أستطيع الجواب، فما هذا المصاب؟!
وهل غير الهوى، أوهن مني القوى، وألزمني السكوت والاحتمال، والصبر على
الأهوال؟!
جئت أطفي غليل قلبي بماء
يشفي حر الأوام والالتهابا
فسقتني الزلال لطفًا وجودًا
وسقتني بعد الزلال عذابًا
أم مسعود
:
ما هذا يا ولدي مسعود؟ ولما تأخرت عن الجنود، وأشغلت بالي، وهيَّجت
بلبالي؟
مسعود
:
أماه، وا ويلاه من الوجد والبعد، اللذين ما لهما حد!
أم مسعود
:
ما سبب هذا المقال؟
مسعود
:
سببه العشق القتَّال، الذي لاعه جناني، وأطال أشجاني.
أم مسعود
:
ومن أين اعتراك يا ولدي هذا الغرام؟
مسعود
:
قد اعتراني في هذا المقام، في حب جارية عبسية، تفتن بمحاسنها
البرية.
أم مسعود
:
وأنت أصابتك هذه الرزية، من أجل جارية عبسية؟ فأخبرني بالعجل، وكيف
ذلك حصل؟
مسعود
:
اعلمي أيتها الوالدة، والشفوقة المساعدة، أن بعض رجالي والفرسان، قد
وصفوا لي أحوال بني عبس وعدنان، ونوقهم وجمالهم وخيلهم ورجالهم، وما هم
فيه من الخيرات والنعم الخيرات، فتاقت عيني للنظر إليهم، فملت في هذه
المرة عليهم فريدًا وحيدًا، بلا خدم ولا عبيد؛ لكي لا يرتابوا أو
يخجلوا أو يهابوا، وقلت للأعوان والجنود، اذهبوا وأنا مساءً أعود،
ودخلت بعدها هذا الخبا، فرأيت فيه فريدة الظباء، وشمس السماء، ومشكاة
البهاء، وطلبت منها شربة من الماء؛ لأطفي من فؤادي حرارة الظماء،
فانثنت كغصن البان، وعادت إليَّ بقدح ملآن، فأخذت منها القدح، وحبها في
فؤادي طفح، وما ازددت في شربه غير أوام، حتى اعتراني ما أنا فيه من
الغرام، فلما شعرتْ مني بالخبل، أخذت مني القدح بالعجل، وأخرجتني من
المكان ذليلًا مُهان، فوقفت برهة خارج الباب، وأنا لا أستطيع الجواب،
ودخلت لأراها، فما أبصرت محيَّاها، فدهشت من الفراق، ووقعت في
الاحتراق. وإن لم أبلغ من الظبي وصاله، مت من العشق لا محال، فساعديني
يا أماه، قبلما أفقد الحياة.
أم مسعود
:
أتصيبك هذه الرزية، من أجل جارية عبسية، لا قدر لها ولا قيمة، ولو
كانت درة يتيمة، وحسبك بنات اليمن وصنعاء وعدن من جميع نساء العرب،
فارجع عن حبها، وأنا أخطب لك سواها، وتتملا بجمال محيَّاها.
مسعود
:
ما هذا الكلام يا أماه، الذي لا أقبله ولا أرضاه؟! أظننت أني أسمع
كلام، أو يرجعني ملام؟! فوحق البيت الحرام، والركن والمقام، وزمزم
والحطيم، ومقام الخليل إبراهيم، لا بدَّ لي من تلك العبسية، ولو سُقيت
من أجلها المنية، وإن راجعتيني مرة ثانية، أجعلها على نفسي قاضية،
وأزهق روحي بهذا الحسام.
أم مسعود
:
لا لا يا ولدي الهمام، فاذهب أنت، وها أنا ذاهبة إليها وأخطبها لك يا ولدي، وعن قريب
تُزَّف عليها (يذهبان).
المنظر الأول
(عبلة – مسيكة)
(أهكذا يوجد وقاحة، وغلاظة وقباحة، مثل هذا الرجل الذي سقيناه الماء، وكان في
غاية الظماء.)
مسيكة
:
لا وأبيك يا ربة المقام المحمود، ما رأيت مثله في عالم الوجود، انظري
هذه المرأة، امرأة غريبة.
عبلة
:
ادخلي يا حرة العرب.
أم مسعود
:
أمرك يا عالية النسب.
أهدي سلامًا طيِّبًا
إليك يا ذات العلا
عبلة
:
أهلًا وسهلًا ومرحبًا
شرفت هذا المنزلا
اجلسي يا خالتي بالهنا، واطلبي ما شئت؛ فإن كل شيء حاضر
عندنا.
أم مسعود
:
أرجوك أن تخبريني يا ذات القدر، هل أنت ذات بعل أم ذات خدر؟
عبلة
:
ما هذا السؤال يا أماه؟ أوَعندك بعل تزوجيني إياه؟
أم مسعود
:
إي وأبيك إن كنت خالية من القرين، فأنا أزوِّجك بأسد العرين، وأعز
موقر ومخدوم من العرب والعجم والروم.
عبلة
:
ومن هو هذا السيد أيتها الجليلة؟
أم مسعود
:
هو الذي زارك من برهة قليلة وسقيتيه الماء، وذهب وهو في غاية
الظماء.
عبلة
:
ومن يكون من العرب؟ وأي ملك هو من ملوك الحسب؟
أم مسعود
:
هو الملك مسعود بن مصاد، والحاكم على هذه الوهاد، وهو ولدي الوحيد
وغصني الفريد.
عبلة
:
أتحبين مسعودًا يا حرة العرب؟
أم مسعود
:
نعم يا عالية النسب.
عبلة
:
إذن يجب عليك أن تردِّيه عن الجنون الذي هو فيه، وإلا لو علم زوجي
بهذا الخبر يجعله عبرة لمن اعتبر، وينهب أمواله ويهلك رجاله.
أم مسعود
:
أهو كسرى أم قيصر؟ أم أحد ملوك بني الأصفر؟
عبلة
:
هو أعظم منهم شان، وأرفعهم مكان، آكل خفارات الجميع، وسيد الرفيع
والوضيع، مغنِي عبس إذا افتقرت، ومعزُّها إذا ذلت، قاتل خالد بن محارب،
وفارس المشارق والمغارب، الليث الهصور والأسد الغضنفر، الذي قتل
العوبتا وابن المنذر النعمان، حية بطن الواد، وقادح النار بغير زناد،
الضارب بالسيوف الحداد، والطاعن بالرماح المداد، ومعلم الفرسان الحرب
والجلاد، عروس الخيل عنترة بن شداد.
أم مسعود
:
إذا كان زوجك بهذا المقدار؟ وهو فارس كرار؟ فلماذا يابنة اللئام،
أخذتم منه الزمام؟!
عبلة
:
الذين أخذوا الزمام ابن زهير، والربيع قليل الخير، وإلا لو علم بما
فعلوا، لقتل ولدك قبلما يصلوا، فاذهبي إلى ولدك وودعيه، قبلما تطلبينه
فلم تجديه، هيا اذهبي يا كهينة، وابنة الهجينة، فلا طعمت ولا سقيت، ولا
عشت ولا رعيت (يخرجونها، تذهب عبلة ومسيكة،
ينزل ستار، ويدخل مسعود وجندلة).
مسعود
:
قد أصاب فؤادي يابن بلال من لحاظ عبلة سهم قتَّال، وإذا ما دبَّرتني
أقتل ذاتي وأحترم سائر لذاتي، أو ألتزم إلى نقض الزمام الذي أعطيته لبني
عبس اللئام، وأقتل أسودهم عنتر، المطبوع على الدنس والأشر، وآخذ زوجته
سبية، ولو عيرتني جميع البرية.
جندلة
:
عفوًا أيها المهاب؛ فإن هذا الرأي ليس بصواب، ونقض الزمام ليس من
أخلاق الكرام، وأنت يا مولاي أعظم ملوك اليمن، ومشهور بكل لطافة وفعل
حسن، فلا تفعل ما يوجب الملام، ولا تنقض عهدًا ولا زمام، وإن كان ولا
بدَّ لك من تلك العبسية، فأنا أدبر هذه القضية، بأن أكلف لك زوجتي سعاد
ابنة الزرقاء، أن تسحرها لك بدون ما يتعب أحد منَّا أو يشقى، وإن
تعرضوا لنقض الزمام، فلا عتب إذ ذاك ولا ملام، إذا أذقتهم كاسات
الحِمام.
مسعود
:
زوجتك تسحرها يا جندلة؟
جندلة
:
نعم، وتكفيك هذه النازلة، فكن في راحة من عناك؛ فعن قريب تبلغ مناك.
الاثنين (لحن):
مسعود
:
فرجت عني جندلة همي وحزني.
جندلة
:
أبقاك ربي، أبشر سعاد كاملة.
مسعود
:
تقضي بقربي حق الهنا، زال العنا، وارتاح لبي، نلنا المنا.
جندلة
:
دمت لنا.
مسعود
:
عبيلة قصدي.
قد أشرقت شمس الإصلاح
وكوكب الأفراح لاح
هيا بنا نجلو الأقداح
فالأنس وافي والأفراح
الفصل الثاني
المنظر الأول
(يُرتفع الستار عن تنور نار في وسط المرسح، وتدور سعاد حوله وهي تقول.)
سعاد
:
قد أسعرت النار، وطرحت البخور للشرار، من سكان البراري والقفار،
والهوى والغمام، في الزوابع والآكام، أقبل يا خندش بحق أريك ذكاء، هلم
يا دهنش بحق القمر ذي الضياء، أسرع يا نقطش بحق كل كوكب أنور، سباسب
سباسب، صلاهب صلاهب، سبوكة سبوكة سيدوكة، زمار زمار هار هار، أسرعوا
أسرعوا، هرولوا هرولوا؛ فقد أسعرت النار، وارتفع الشرار، وخرج منها
لهيب ودخان، لكل من عصاني من الجان، أقسمت عليكم أيها الخدام، بأجل
الطلاسم والأقسام، أن تجيبوا دعوتي، وتسمعوا كلمتي، وتأتوني خاضعين،
ولأمري سامعين، عجِّلوا عجِّلوا، هرولوا هرولوا، أقبلوا بالخشوع،
أقبلوا بالارتعاد (تدخل ٤ عفاريت
تمام).
٤ عفاريت
:
لبيك يا سعاد.
سعاد
:
عليَّ بعبلة ابنة مالك في هذا الظلام الحالك، عارية، حاسرة، مغمومة،
باكية، وأتوا بها الآن إلى هذا المكان (يذهبون).
قد نفذ السحر، وتم الأمر، ولا بدَّ ما أجعل ابن شداد عبرة في هذا
النار (يدخل عنترة وبصحبته مقري
الوحش).
عنتر
:
أتاك الموت يا أم الدهاء
سريعًا فاشربي كأس الفناء
وما هذا البخور وما ترومي
بهذا الفعل يا بنت الخناء
لماذا أنت في ذا الليل تقري
ورائحة البخور إلى السماء
سعاد
:
أروم عبيلة ذات البهاء
لمسعود المطالع والعلاء
وقتلك بعدها أقصى مرامي
فابشر بالمهالك والعناء
عنتر
:
كذبت يابنة اللئام (يهجم عليها
بالسيف).
سعاد
:
ارجع يا لون الظلام (يرفع يده بالسيف، فلا
يقدر).
مقري الوحش
:
آه يا فاجرة.
سعاد
:
قف يابن الخاسرة (ويهجم عليها مقري
الوحش فيقتلها، ويكون معه حجاب يُلبسه لعنتر فترجع يده كما
كانت).
مقري الوحش
:
هذا عليك بعيد، ودونه كل عذاب شديد، قد عاد عليك يا رجيمة سوء
أفعالك الوخيمة … سلامتك يابن شداد، من الغوائل الشداد.
عنتر
:
بارك الله فيك يا فارس الشام، وسلَّمك من كدر الليالي والأيام، فقد
كدت أن أحترق من فعل هذه الفاجرة، العجوز الخاسرة، فلا زالت روحها في
العذاب، وحماك الله من الأوصاب … ما هذا؟
مقري الوحش
:
هذا حجابي يا فارس العرب، ولولاه ما نجوت من الكرب.
عنتر
:
صدقت يا أخي؛ فلولا هذا الحجاب لما خلصت من الأوصاب، ولكن من كتبه لك
يا همام.
مقري الوحش
:
قد كتبه لي أيها الهمام حكماء نجران؛ حفظًا من الجان، وتفر من حامله
الشياطين، فرار الجبان من أسد العرين.
عنتر
:
خذه بارك الله لك فيه، وأنالك كل ما تشتهيه، فلولاه لما نجوت من
العذاب، من هذه العجوز ذات الاكتئاب.
مقلِّعة النواجذ والثنايا
من الأسنان إلا فرد ناب
لها وجه كوجه الغول فيه
أمارات الضلال والاكتئاب
(هُنا يُرفع منظر عن عبلة مسحورة، ومعها الأربع
عفاريت الأول.)
عنتر
:
ما هذا يا فارس الشام؟
مقري الوحش
:
لا تخف يا همام، آه يا أشرار.
عفاريت
:
زنهار (٣ مرات).
عنتر
:
لا بأس عليك يا بنت العم، ومذهبة كل هم وغم، فأين يا صديقي
الحجاب.
مقري الوحش
:
ها هو يا مهاب (يضع الحجاب في
صدرها).
عبلة
:
آه، من هذا؟ وأين أنا؟
عنتر
:
لا تخافي يابنة مالك، أخبرينا عمَّا جرى لك، في هذا الظلام
الحالك.
عبلة
:
اعلم يابن العم، أنني كنت في المضرب، وإذا بأربعة كالغيلان، أو من
شياطين سليمان، أرجلهم كأرجل الكلاب، وروسهم كروس الكلاب، فهجموا عليَّ
وحملوني، وفي هذا المكان وضعوني، وبعدها رأيتك أمامي، فزالت همومي
وآلامي، وقد خلصت على يديك من الآلام، والحمد لله على ذلك يا
همام.
عنتر
:
اعلمي يابنة الكرام، أن نجاتك كانت على يد فارس الشام، ولأنني أنا
أيضًا سُحِرت، وفي شرك المكائد وقعت، وقد نجاني فارس الشام كما نجاك،
وخلَّصني من سرك كما خلصك من بلاك، فهيا بنا إذن للخيام، وعند الصباح
يفعل الله ما يرام (يذهبون يدخل مسعود
وجندلة واثنان من العرب معهما فقط ومسير المحن).
مسعود
:
قلب على وصب الهوى يتقلب
وحشا على لهب الجوى يتلهب
يا فتنة الألباب حسبك أنني
أودعت قلبي في يديك يعذب
عطفًا أيا ذات النفار على شجٍ
بفؤاده أيدي التصابي تلعب
إن كان حبك حلَّ في قلبي فلا
عجب فذا برج وذلك كوكب
أواه من غرام هذا الجمال الباهر، فجلَّ المنشئ القادر.
عبلة الحسن والفؤاد كفاني
ما بقلبي من الهوى والهوان
أنعمي لي بالوصل يا شمس عبس
ضاع رشدي وذاب وجدًا جناني
إن سكري من غنج طرف كحيل
فعله في القلوب فعل اليماني
وقوام إذا تثنَّى رأينا
حركات المران في المهرجان
إني أرى النار، وأثر البخور والشرار، فأين يا ترى سعاد؟
جندلة
:
سعاد يابن الأجواد، مشغولة باستحضار الجان، وجلب عبلة إلى هذا
المكان، ذليلة مطيعة، ولأمرك سميعة.
مسعود
:
من هذا القتيل؟
جندلة
:
سعاد أيها الجليل، سعاد بنت الزرقاء، ما هذا الكدر والبلاء؟
غابت عن الأبصار شمس سعاد
والرزء خيَّم فوق هذا النادي
قتلت سعاد فويل من قد غالها
من سيف مسعود صليل مصاد
مسعود
:
ما هذا يابن بلال؟ وهل يليق الندب بالرجال؟! فارجع الآن لرشدك
والسداد؛ لنبحث عن قاتل سعاد.
جندلة
:
وهل غير ابن شداد يفعل كهذه الفعال، ويتجرأ على النساء والرجال؟!
سعاد، آه، لقد ذاب الفؤاد!
مسعود
:
صبرًا يا بلال؛ لنعرف من القتَّال، فإذا كان عنتر، أذيقه الموت الأحمر،
وأُفني بعده بني عبس، ولو فرُّوا إلى مطلع الشمس، وبعدها لا ملام إذا
فسخنا الزمام.
جندلة
:
عندي أيها الهمام رأي أحسن من فسخ الزمام، وهو أن آخذ معي خمسماية
فارس، في زي بني قين وبني فهد الأبالس، ونكمن بهم تحت الظلام، بدون ما
يشعر أحد من الأنام، وحينما يجن الليل، نركب ظهور الخيل، بين بني فهد
وبني القين، ونرمي بني قراد بالبين والحَين، وننادي في كل ثورة وكسرة،
يا لثار سيدي بني ضمرة، عمر بن حزمة، صاحب الشفقة والمرحمة، وعندها
نجعل عنترة هالك، ونملك زوجته بنت مالك، ونعود بها تحت الظلام، بدون ما
يشعر أحد من الأنام.
مسعود
:
هذا يا جندلة صواب، ورأي سديد لا يُعاب، ولكن إذا رجعتم بالفشل، وما
بلغتم قصدًا بهذا العمل، ما نفعل بعد ذلك؟
جندلة
:
أذهب بأمرك أيها الملك إلى بني عبس وعدنان، وأبلِّغهم سلامك أيها
المصان، وأخطب لك على رءوس الأشهاد، عبلة ابنة مالك بن قراد، فإن
أجابوا تحصل أنت على المرام، وإذا امتنعوا فلا عتب إذ ذاك ولا ملام،
إذا نقضت بعدها الزمام، وأذقتهم كأس الحمام.
مسعود
:
هذا رأي نبلغ به المراد، ونكيد ابن شداد.
جندلة
:
ولكن يابن الأجواد، لا تنسَ ثأر سعاد.
مسعود
:
لا وأبيك يابن بلال، لا بدَّ أن أدفعه إلى القتال، وأذيقه الموت
الذؤام، ولو ركب على ظهر الغمام، فاحملوها الآن وواروها التراب.
جندلة
:
آه، ما هذا المصاب؟ (يحملوها العرب ويذهبون
جميعًا، وهنا يدخل قيس ومعه عروة بن الورد).
قيس
:
ماذا نفعل يابن الورد، في خروجنا من اليمن بغير قصد؟
ابن الورد
:
خروجنا من بلاد اليمن سالمين، هو خطأ مبين، وعار مشين.
(لحن من الخارج):
ثارت نار الحروب
فأين القتال
نخوض في الخطوب
في نيل الآمال
قيس
:
ما هذه الأصوات؟ أفرسان غائرات؟
ابن الورد
:
هذه أصوات أحزان وأتراح
لا أصوات أفراح وانشراح
قيس
:
لا يابن الورد، هذه أصوات سرور، وفرح وحبور (يدخل عنتر ومقري الوحش وشيبوب والربيع وعمارة
مكتَّفين.)
(لحن):
ذق ربيع الضلال
كئوس النكال
يا قيس لا تبالي
يا نسل الموالي
قيس
:
ما هذا يابن شداد؟
عنتر
:
لا تسل يابن الأجواد، عمَّا حل بأخيك الحارث، وما أنزل به من البلاء
والكوارث.
قيس
:
ومن أنزل به البلاء والدمار؟
عنتر
:
الربيع وأخوه عمارة الغدار.
قيس
:
وما هو السبب يا أبا الأبطال؟
عنتر
:
سلامتك يابن الأقيال.
مقري الوحش
:
قل له يا عنتر لتعذر وتشكر إذا تظاهر مسعود بالبغي في الوجود.
قيس
:
وما فعل مسعود من العدوان؟
عنتر
:
اعلم يا ملك عبس وعدنان أن مسعود ابن اللئام، قد تظاهر لعبلة
بالغرام، وأنا أقسم بالبيت ومن طاف، وبالركن والحجر الأسود والمطاف،
ونخوتي العبسية، ومروأتي العدنانية، لا بدَّ ما أقتل ابن مصاد، ولو
عصمته مني السموات الشداد، وأخرِّب دياره، وأنهب أمواله، وأقتل رجاله
بحد هذا الأسمر، الذي تعنو له البشر، فأنا خصمه وخصم الزمان، في التباعد
والتدان.
يريد مذلتي ويدور حولي
بجيش النائبات إذا أتاني
ولم يدري بأني سوف أُصْلي
حشاشته بجمر الهندوان
أيا ملكًا سما أصلًا وفصلًا
ودونك في المعالي الفرقدان
أيطلب عبلتي وغدٌ ليئم
وسيفي والقنا فرسا رهان
أيابن مصاد سوف ترى مصادا
عفيرًا في المذلة والهوان
وفوقك في الثرى العقيان تهوي
إذا ما سار في اليمن اليماني
(يذهب عنتر ومقري الوحش.)
قيس
:
نحن ما صدَّقنا أن خلصنا من الأوصاب، أتجددون علينا شيئًا ما كان في
الحساب، أوَهذا وقت خصام يا ربيع؟!
ربيع
:
لا وأبيك يا صاحب الجاه المنيع، نحن ما كنَّا في خصام، بل في احترام
واحتشام، وطرب وارتياح، وارتشاف أقداح، وبينما نحن في انشراح ولعب
وارتياح، قد ركب أخوك الحارث المصان، وأخي عمارة وبعض الفرسان، للنزهة
بين الهضاب، فرآهم عنترة الوثاب، وظن أنهم في قتال، وفعل بنا هذه
الفعال. والآن الأمر إليك، وها نحن جميعًا بين يديك.
قيس
:
أطلقهما الآن يا أبا رياح؛ لننظر ما يجدُّ في هذا النهار من الأتراح،
وهيا بنا إلى الخيام، ويفعل الله ما يرام (يذهبون جميعًا، ويدخل مسعود وجندلة ومسير المحن).
مسعود
:
من لصب غدا أسير الجمال
هائم الوجد هائج البلبال
بأبي غادة إذا ما تبدَّت
أخجلت بالجمال بدر الكمال
خدها والجبين نار ونور
واللمى والطلا شذا لآلي
مذ طلبت الوصال والقرب قالت
هل ينال الفتى طلاب المحال
وإذا ما المطلوب جاء على الطا
لب صعب فالفوز بالإجمال
قد أنزلتنا يا جندلة من الرفعة إلى الوهد، وسقيتنا في كئوس بني عبس
السم بالشهد، بآرائك المعكوسة، ومشوراتك المنحوسة.
جندلة
:
من ظن يا ذا الهيبة والجلال، أن تُقتل فرساننا والأبطال، ونلقى من
عنترة الزنيم، ما لاقيناه من الهول العظيم، وأنا ما حسبته أيها المصان،
إلا كمن أعهد من الفرسان؛ ولهذا أخذت لقتاله خمسمائة فارس، ترتاع من
بطشها الجن والأبالس، فما كان إلا ساعة أو أقل، حتى ألجأ من سلم من
القتل إلى الهرب والفرار، والتشتت في القفار.
مسعود
:
ومع عدم حصول المرام، ما لاح لنا وجه لنقض الزمام، وما علموا من هرب
ومن سكن اللحد، إلا من بني قين وبني فهد، ورأيك الثاني بخطبة عبلة،
أظنه لا يروي غلة؛ لأنهم على كل حال يجيبون سؤالي؛ خوفًا من بأسي وكثرة
رجالي، وأنا إن لم أتحصل على عبلة، وتركت قومها سالمين، فهو عين
الغلط.
مسير المحن
:
نعم، خروجهم من بلاد اليمن سالمين، هو خطأ مبين، وعار مشين، فمرنا
أنت أيها الخطير، لنستأصل كبيرهم والصغير، فابدأ بهم أنت أيها
المهاب.
جندلة
:
خروجهم لا يمكن يا ذا النوال، إلا بخطبة عبلة ذات الدلال، وأنا أخطبها
لك بعنف وجبروتية، فتلزم قومها الشهامة العربية، إلى الرد والامتناع،
والنضال بعدها والقراع، لا سيَّما أسودهم يابن الأكارم، لا يسلم
بعبلة وهو سالم، فطاوعني يا أوحد الزمن وأنا أفتح لك باب الفتن.
مسعود
:
وإذا لم تبلغني المراد؟
جندلة
:
ألحقني بزوجتي سعاد، إذا لم أبلغك المرام، من عبلة وقومها
اللئام.
مسعود
:
على الدنيا بني عباس السلام
إذا بتُّم وما نُقض الزمام
لقد أعطيتكم مني عهودًا
مدى الأيام ليس لها انفصام
ولكن عشق عبلة قد دعاني
إلى نقض العهود ولا أُلام
وعنترة الذي أفنى رجالي
فليس له من الموت اعتصام
سيلقى مني جبارًا عنيدًا
وسيفًا ليس بعروة انفصام
الفصل الثالث
(يُرفع الستار عن الملك قيس والحارث والربيع وعمارة جالسين.)
قيس
:
بلغي بالله يا ريح الصبا
سحرا نجدا وهاتيك الربا
واللِّوا والرقمتين وظبا الـ
ـعلم السعدي سلام الغربا
صبحي أطلال أنس وصفا
لعبت في حيها أيدي سبا
اعلموا يا بني الأعمام، وسادات عبس الكرام، أن قلبي خائف، وفكري راجف، من
عاقبة جهل ابن شداد، وعشق مسعود بن مصاد، ونحن ما صدقنا أن خلصنا من
الأوصاب، فتجدد علينا شيء ما كان في الحساب.
الربيع
:
وأنت أيها الغضنفر، صدقت كلام عنتر، وأكدت أن مسعود عشق عبلة، بعدما
رأيته وحققت نبله، ومتى رآها أيها الهمام، واعتراه من أجلها الوجد والغرام؟
فلا تكن يا ملك في وسواس، فالملك مسعود من أكمل الناس، وعنتر ما اتهم مسعود
بعشق عبلة، إلا من القهر الذي اعتراه والذل، حينما أخذنا من مسعود الزمام،
لم نسمع له قولًا ولا كلام؛ ولهذا استعمل الفساد، واتهم ابن مصاد، بالعشق
والغرام، لينال المرام، بقتال مسعود، وإهلاك الجنود، وتشتيت الفرسان، في كل
ناحية ومكان.
عمارة
:
أنا أقول يا ذا النوال، إذا كان لا بدَّ للملك مسعود من أخذ عبلة،
فنسلِّمها له بلا قتال، ولا حرب ولا نزال.
حارث
:
أهكذا يا عمارة، إذا عشق أحد من نسائك عقيلة، واشتهر أمر عشقه بين كل
قبيلة، نسلمه إياها يا ذا الشنار، ونعيش في الضنك والعار.
عمارة
:
وهل ذهبت النخوة يا ذا الإشراق، حتى نسلم نساءنا للعشاق؟!
حارث
:
إذا كنت تعرف النخوة، فلما ارتكبت هذه الهفوة، وحتَّمت أخذ عبلة، وتسليمها
لمسعود الأبله، وأنت تعلم أن دونها سيف عنتر الذي لا يبقي ولا يذر.
عمارة
:
عنتر يا عالي النسب، لا يعد من سادات العرب، وما هو إلا عبد زنيم، وابن أمة لئيم.
حارث
:
اللئيم يا عمارة والحقير، الذي يقهره الكبير والصغير، وأما عنترة ابن
الأمة، فأرفع من ألف ابن حرة مكرمة، وقاهر الأبطال والصناديد، ومذيب بهمته
الجلاميد، ومكرم الضيف، والضارب بالسيف، الذي قال في حقك يابن زياد،
حينما تعرضت لعبلة بنت مالك بن قراد، بعدما ضرب بك الأرض، وأدخل طولك في
العرض، ونتف سبالك، وضمخ أذيالك، وأضحك عليك البنات والنساء والإماء، وأبدع
وقال، وأجاد في المقال:
عمارة خلِّ عُجبك والفخارا
وهذا التيه والتزم النفارا
وقم واغسل ثيابك يا مهان
كفاك اليوم فخرًا وانتصار
هنئًا للتي ترجوك بعلًا
تحمِّلها الكآبة والشنارا
لئيم بني زياد تروم عبلًا
وما هِبت الذي يُردي البوارا
ويُرهب كل جبار عنيد
ومن سكن القفا كذا البحارا
أتيت عبيلة ترجو لقاها
فوافاكا شجاع لا يُبارى
وردَّك في التراب فرحت تعوي
ورجس الثوب ألبسك احتقارا
وعبلة والنساء ضحكن لما
بك الإذلال قد دارى ومارى
ولولا قيسنا الملك المفدَّى
يعاتبني على فعلي جهارا
لكنت فلقت رأسك يا دنيء
بماضٍ يملأ الأقطار نارا
أو تنكر هذا يا وهاب؟ وماذا يكون الجواب؟
عمارة
:
إن هذا الأمر أيها الهمام، قد وقع مني وأنا غلام، وأما الآن فأنا فارس
الفرسان، ومبيد الأقران، ولا تسل أيها الأفخر، إذا لبست الأخضر، وتحزَّمت
بالأحمر، ولبست المغفر المشغول والكركر، ونقلت الأسمر، وركبت حصاني السبوق
الأشقر، ما أفعل بألف ألف عنتر (يدخل عنتر ومعه
مقري الوحش وشيبوب).
عنتر
:
ما هذا يا حارث؟
عمارة
:
لا تذكر الباعث.
عنتر
:
وما الباعث يا وهاب؟
عمارة
:
قد كنَّا يا سيدي المهاب في فرح ومجون، ومسامرة فنون، والآن قد لزمنا
الحد، وذهب الهزل وأقبل الجد، فمرحبًا بك يا عالي الشان؛ فقد أضاء بوجودك
المكان، وبوجود فارس النياق صاحب البهجة والإشراق.
حاجب
:
قد جاءنا يابن الأخيار، ونخبة الملوك الكبار، قاصد على قاعود، من عند
الملك مسعود، وطلب الدخول عليك، والمثول بين يديك.
قيس
:
فليحضر إلى هنا بالعجل.
حاجب
:
أمرك أيها الملك الأجل.
جندلة
:
تصبِّحك المسرَّة والسيادة
أيا ملكًا حوى كل السعادة
ودمت كما تروم بصفو عيشٍ
ومجدك في حلا الدهر قلادة
قيس
:
فأهلًا مرحبًا آنست يا من
له الألطاف والآداب عادة
فما أمر المليك أخا المعالي
وما يبغي فعجِّل بالإفادة
جندلة
:
اعلم يا صاحب الرأي والسداد، أن الملك مسعود بن مصاد، قد أرسلني
لأهنِّيكم بالظفر والسلامة، وبلوغ الوطر من أعدائكم أهل النخس، الذين غاروا
عليكم أمس، وقد عول أن يغزو ديارهم، ويمحو من الدنيا آثارهم، ولكن يابن
الأماجيد، أفراحه ما عليها مزيد، بحصولكم على الانتصار، والسلامة وبلوغ
الأوطار، ولا تسل يا معدن الافتخار، عمَّا أصابه من الأكدار، من ساعة
الإخبار، بقدوم أعدائكم الأشرار، وعند رجوعي أيها البهلول، ما مكنني الملك
من النزول، بل أرسلني إليكم يا ذا القدر، لأهنِّيكم بالظفر والنصر، وحصولكم
على الانتصار، على أعدائكم الأشرار؛ ولهذا أراد أن يتقرب إليكم، ويسبل ستور
فضله وكرمه عليكم، وقد أرسلني عنه نائب، وراغبًا بقربكم وخاطب.
عمارة
:
مسعود أرسلك خاطبه؟
جندلة
:
نعم يابن الأطايب.
عمارة
:
ومن التي نادى منادي سعدها في السما، ويرغب أن يخطبها مسعود صاحب
الحمى؟
جندلة
:
اعلم يابن الحرة الكريمة، أنه لما كان عندكم في الوليمة، قد رأى عبلة
ابنة مالك بن قراد، التي زوَّجتوها لعنترة بن شداد؛ لأنه قد سمع أنه تزوج
بها غصبًا، وهذا زواج لا يجوز في شريعة العرب العُرَبا، وعار على أصحاب الحسب
والنسب أن يزوِّجوا بناتهم للعبيد، حمَّالين الحطب ورعاة الإبل والأغنام، في
السباسب والآكام، ويقول لكم إذا أجبتم الخبر وأردتم السلامة من الكدر
والضير، اجعلوا الجواب إرسال عبلة؛ لتسلموا من الكرب والذلة، وخذوها من ذلك
العبد الزنيم، وأرسلوها له أيها الفخيم، وعنتر يعوضه عنها الملك مسعود بجمل
يركبه وأمة من الإماء السود.
عمارة
:
والله يا شيخ لقد بالغت معنا في النصيحة، وقلت أقوالًا لا يدركها إلا
أصحاب العقول الرجيحة، وهذا زوج عبلة حاضر، وهو يسمع لك ويناظر، فإذا أراد
الخير ورغب السلامة عن الشر، فيسلمها لك بلا قتال ولا حرب ولا نزال، وإذا
استنكف وأبى، يضطر الملك أن يأخذها غصبًا، ويسلِّمها لك لتوصلها إلى الملك
مسعود، الذي من عاداه لا ينجح ولا يسود.
عنتر
:
اسكت أيها المهان، ويا أحقر من جبان، ودع الملك يرد الجواب، بما يكون فيه
الصواب.
قيس
:
الجواب لك يا فارس الفرسان، فنحن لا يعنينا هذا الشان، فجاوب الرسول بما
ترغب أيها المؤتمن، والذي تراه حسنًا نراه أحسن، وهذا هو جوابي أيها
المحترم، والشهم الأكرم.
عنتر
:
الجواب يابن زهير، وكثير المرحمة والخير، ما تراه من عنترة الآن، في
عنق هذا الجبان، الذي رغبني بالجمل والأمة، عوضًا عن عبلة المكرمة (يهجم عليه ويخنقه).
أنا عنتر بن شداد، أنا قاهر الأبطال والآساد، أنا مشبع الوحش من لحوم
الأعداء، أنا صاحب «هل غادر الشعراء».
النار أهون من ركوب العار
والعار يُدخل أهله في النار
والعار في رجل يسلم عرسه
جبنا ويدعى فارس الأقطار
والعار فيمن يا عمارة يختفي
يوم الوغى ويغور في الآبار
لا بدَّ ما يأتيك يوم شهده
صاب وبهجته كجنة نار
عمارة
:
عفوًا يابن شداد.
عنتر
:
آه يابن الأوغاد، ما أقبح لهجتك وأقل مروءتك!
الربيع
:
عظمتها يا عنتر.
عنتر
:
اسكت أيها الأحقر، فلا كنت ولا كان أخوك ولا كانت أمك ولا كان أبوك، هيا
احمله على ظهرك، قبل ذهاب عمرك، وساعداه أنتما بحمله، وبشِّرا مسعود وجميع
رجله، أني سأقتله عن قريب، وأذيقه البلاء والتعذيب (هنا عمارة يحمل جندلة هو والعربيان ويخرج من
المرسح).
عنتر
:
لا تقضي الدين إلا بالقنا الذبل
ولا تحكِّم سوى الأسياف في المقل
ولا تجاور لئامًا ذلَّ جارهم
وخلِّهم في عراص الدار وارتحل
ولا تفر إذا ما خضت معركة
فما يزيد فرار المرء في الأجل
أنا الشجاع الذي تعنوا السباع له
طوعًا وترهب مني سطوة البطل
(يدخل عمارة)
عمارة
:
أنا امتثلت أمرك يا أبا الأبطال، بحمل جندلة الخئون المحتال، وسلمته خارج
الخيام، إلى خادميه يابن الكرام، وجئت إليك أيها السامي، لتعفو عن ذنوبي
وآثامي.
الربيع
:
أنا أعلم يا أبا الفوارس، وزينة المحافل والمجالس، أن أخي عمارة ما قال
ما قال، إلا ليجبرك على قتل جندلة الختال، وقد قتلته أيها الأفخر، وأذهبت
روحه إلى سقر، وها نحن الآن بين يديك، ولا نبخل بأموالنا وأرواحنا عليك،
فمرنا بما تريد، لنفعله أيها الفريد. أما هو كذلك يا مهاب؟
قيس
:
نعم يابن الأنجاب، رءوسنا والأشباح، وأجسامنا والأرواح، فداء ابن شداد،
من الغوائل الشداد، فاسمح الآن عن عمارة، لندبر يا صاحب النضارة، أمر الحرب
والقتال، مع مسعود بن الأنذال.
عنتر
:
عمارة لا يؤاخذ بما فعل، وقد أفلته أيها الأفضل، أما مسعود بن مصاد،
وعشيرته والأجناد، فلا بدَّ أن أستأصلهم أجمعين، وأذيقهم العذاب
المهين.
حاجب
:
اعلم يا ملك أن الملك مسعود، قد بلغه ما فعل أسودكم الجحود، من الإهانة
والعار الذي ألحقته به في هذا النهار، وهو يقول لكم أرسلوا إليَّ عبلة، وهو
يسامحكم بدم جندلة، وإذا امتنعتم من الإرسال، فبادروا إلى الحرب
والقتال.
عنتر
:
خب أيها الأحقر، وقل له أن يتهيأ للميدان، فلا كنت ولا كان يابن الأرذل
المهان.
قيس
:
لا فض فوك يا أبا الأبطال، فما أنت وحياتي إلا فارس الدهر، وغرة هذا
المصر.
عنتر
:
أنا أقل عبيدك يابن زهير، وفداك من كل ضير، فهيا بنا لنستعد للقتال مع
مسعود بن الأنذال.
(لحن ختام):
عنتر
(يقول عنتر والجيش يرد عليه)
:
أصبح السيف الحكم
على النواصي والقمم
وكل ويل لمن ظلم
يوم تهوي به القدم
هيا بنا أسد الأكم
نجري الدما مثل الديم
مسعود أبشر بالعدم
نحن السباع فلا نضام
(تم)
الفصل الرابع
(تُرفع الستار عن قيس والربيع وعمارة وعنتر وشيبوب والحارث وابن الورد وعربان
باستعداد الحرب.)
عنتر
:
ها نحن قد اجتمعنا الآن، فما هو أمرك أيها المصان.
قيس
:
الرأي عندي أن نذهب إلى جبل الغمام ونعتصم فيه والنساء والأنعام، قبل ما
يصل المنهزمون، ويدري بذلك العالي والدون.
عنتر
:
وما يفعل إذا حضر المنهزمون.
قيس
:
يستحضر لقتالنا يا ذا الشئون.
عنتر
:
أمثلنا يا ملك يرتاع، من كل من سكن البقاع؟! فدعه يجمع الوحوش، والأسود
والجيوش، فلا يبلغون منَّا مرام، ولو ركبوا ظهر الغمام.
قيس
:
الرأي عندي أن نكمن لهم، وندهمهم على حين غفلة، ونمحو آثاره وآثار رجاله
بغمود حمله، والله البصير، على كل شيء قدير.
عنتر
:
هذا رأي سديد وتدبير حميد.
قيس
:
ولكن من نترك عند النساء؟
عنتر
:
إن أمرت نترك الربيع وإخوته وعشيرته والجميع.
عمارة
:
هذا لا يمكن يابن شداد.
عنتر
:
ولماذا يابن الأجواد؟
عمارة
:
أنت لكل حرب تصير طليعة، وتكسب بعدها الشهرة البديعة، وتترك بني زياد
لحفظ النساء والأولاد، وهم أهل الوقائع، وخواض المعامع.
عنتر
:
وماذا ترغبه الآن؟
عمارة
:
أرغب أن أطاعن الفرسان وأربض في الميدان كالرخِّ، وأذبح مسعود بخ، بحد شقيق
المجنِّ، المستحدِّ على المسنِّ.
عنتر
:
أنا أعلم يا وهاب، أنك كفوء مهاب، ولكن نحن لا نأمن على العيال، إلا
بوجودكم على كل حال، وفي غيرها يا سامي الشان، نقدمكم على سائر
الأقران.
عمارة
:
كن مستريحًا يابن شداد، من جهة النساء والأولاد، فنحن نحفظهم والمواشي من
كل طارق وواشي.
عنتر
:
بارك الله فيك يا وهاب.
عمارة
:
وفيك يابن الأنجاب.
عنتر
:
فهيا بنا إلى الحرب الآن؛ ليلقى مسعود في هذا النهار على وجه الصحصحان
(يذهبون جميعًا وتدخل عبلة ومسيكة).
عبلة
:
هل يا مسيكة زوجي يبلغ الأوطار، من مسعود ابن الغدار، أم يرجع بالفشل،
ولا يبلغ القصد بهذا العمل.
مسيكة
:
لا ريب يا ذات الفخر، يحصل على النصر، بهمته وهمة زوجي فارس النياق، صاحب
البهجة والإشراق (يدخل عنتر لوداع عبلة، ومقري
الوحش لوداع مسيكة).
مقري الوحش
:
مسيكة قبل بينك ودِّعينا
ومن طيب العناق فذوِّدينا
وإن حلَّ الفراق وكان حتمًا
علينا الموت ويحك فاندبينا
منازلنا بأرض الشام قفر
بنا كانت تسرُّ الناظرينا
تركناها لسكان سوانا
وعوضنا بقوم أكرمينا
كرام اتركونا في كل مكان
من العلياء أقصى الراغبينا
رأينا كل ليث لا يُبارى
ولكن مثل عبس ما رأينا
ليوث دأبها هز العوالي
وضرب السيف دون العالمينا
فكيف نخاف من صرف الليالي
وعنتر سيد الأبطال فينا
همام كلما كثر الأعادي
وجدناه لنا حصنًا حصينًا
مسيكة
:
بهمة ذي العلا فخرًا حبينا
وشمس السعد قد بزغت لدينا
شجاع ضيغم يفني ويبري
بعزم كالجنادل لن يلينا
عبلة
:
أعنتر قد غدا قلبي حزينًا
ومن طرف البلا دمعي سخينا
مدامع مقلتي زادت ففاضت
على خدي لآلئ مع لجينا
عنتر
:
غدًا يا بنت مالك تنظرينا
وسوف ترين آساد العرينا
وسوف ترين مسعودًا ملقًّى
على الصحراء من رمحي طعينًا
أيابنة مالك قرِّي وسُودي
وطيبي وافرحي وامشي الهُوَيْنا
ولا تخشي فإن حماك ليث
يميت الموت قبل الدار عينا
وها نحن ذاهبون إلى الحرب الآن، فادعوا لنا بالنصر في كل آن، يودعونهما،
ويذهب عنتر ومقري الوحش، ويدخل عمارة متغزِّلًا بعبلة، وهي لا تريده؛ لأنه
كان ثقيلًا عندها لسماجته.
عمارة
:
سودي عليَّ ببض الأعين السود
وادعي الحسود فما غيري بمحسود
ما أنت إلا عمود للجمال وما
أنا سوى مغرم بالحسن مكمود
أشقت خدودك قلبي وهي ناعمة
وعذبت كبدي في نار أخدود
عبلة
:
وإلى الآن وأنت في ضلالك؟
عمارة
:
إي وأبيك يابنة مالك إلى الآن، وأنا في الغرام وحليف الصبابة
والهيام.
عبلة
:
من تعني بشعرك يا عمارة؟
عمارة
:
وتجهلين يا صاحبة النضارة، من التي سلبت فؤادي وأعدمتني رشادي؟! أما هي
عبلة الجمال وربَّة الدلال؟
عبلة
:
هكذا يا عديم الرشاد، من يؤتمن على النساء والأولاد، فاذهب لا بارك الله
فيك، ولا أوصل إحسانه إليك (تدفعه بيدها فيقع
على الأرض، تذهب عبلة ومسيكة).
عمارة
:
قد أخذتني، وما وقرتني، آه، فلا كان الغرام، كيف يذل الكرام، لو أجابت
سؤالي، وترفقت بحالي، وأقالتني من الغم، كنت أطعمها مم، وأسقيها امبو، ولو
طاوعتني لو أجهلت ما لي من القدرة والحفاوة، حتى زجرتني وجعلتني واوة، آه
فلو لم أكن شرَّابًا بأنقُع، لكنت خوفتها بالبُعبُع، ولو عنتر الأسود الأفطس
الأنكد، وتأنيبه وعتبه، لقلت لها به به به (يدخل
عنتر وحده مارًّا).
عنتر
:
مما هبت يا وهاب.
عمارة
:
من هيبتك يا مهاب، ولما رجعت من القتال؟
عنتر
:
رجعت يابن الأقيال، لصديقي مقري الوحش وعروة صاحب البطش.
عمارة
:
اذهب مظفرًا ومنصور، على مدى الأيام والدهور … يذهب عنتر … لو سمع
مقالي، لعجل ارتحالي، اذهب لا رجعت ولا ستيت ولا طعمت، ما أغلظ جثتك وأسمج
لحيتك (تدخل امرأة وقابضين عليها اثنان حرامية
عربان).
امرأة
:
أين أهل المروءة؟ أين أهل النخوة؟ خلِّصني أيها الشجاع.
عمارة
:
عنها يا لكاع … (ينظر إليها) وخذاها
واتركاني؛ فقد لاع جناني.
عربي أول
:
اشلح يا جبان ثيابك.
عمارة
:
أنا ما كلمت جنابك، فلا تكلم حضرتي.
عربي أول
:
اشلح ثيابك بالتي، أو أرمي رأسك عاجلًا.
عمارة
:
لا لا، فلا حول ولا، خذ مسحي واقنع ورح.
عربي أول
:
لا يكفني.
عمارة
:
أين الرمح؟ ها، فذا سيفي الصقيل.
عربي
:
اشلحه حالًا يا ذليل.
عمارة
:
وبما أحارب بعدها؟
عربي
:
هذي لمن؟
عمارة
:
لا، رُدَّها؛ راسي برد يابن الكرام.
عربي
:
اشلح ولا تكثر كلام.
عربي ثاني
:
كفى أخي؛ فالباقي لي.
عربي أول
:
اغنم كسا أفخاذه.
عربي ثاني
:
أجل وهذه حصتي.
عمارة
:
يا ويلي، راحت جزمتي، لكن وأين شجاعتي؟ ﻫ ﻫ فهاتوا كسوتي.
عربي أول
:
قف خذها يا نذل العرب.
امرأة
:
انقذني يا عالي النسب (يذهبون العربان
والمرأة).
عمارة
:
هيا اذهبي، فلا ولا، من أجلك هذا البلا، تأتي ثيابي يا ترى، لا، لا تجي
بلا مِرا، وأقول هذا من المزاح، ها جاء حبوب الصباح(يدخل العربي الأول، ومعه حبل يكتف عمارة).
عربي
:
يا مرحبًا، مثلي فلا تلقى رحيم، أمد الملا يابن اللئيم. (يكتفه) كيف رأيت نقمتي؟
عمارة
:
اصبر أتتني همتي حتى أقوم لقتلتك.
عربي
:
مُت عاريًا في حسرتك (ويذهب).
عمارة
:
لو كنت غير مكتوف، لشربت من دمك يا منتوف، قد أخذتم ثيابي، وما هبتم من
جنابي، أما علمتم أني مهاب، واسمي عمارة الوهاب، تعالى فكني (يدخل عنتر).
عنتر
:
ما هذا يا دني؟ ومن فعل بك هذه الفعال؟
عمارة
:
فكني يا أبا الأبطال، وأنا أخبرك في الحال (يفكه عنتر).
عنتر
:
ها قد صرت مفكوك، فما الذي صار يا زعلوك؟
عمارة
:
اعلم يا أبا الأبطال، أنها دهمتنا الرجال، فلقيتهم بصدري، ومزَّقتهم بسيفي
وأسمري، ولو لم يعثر الجواد، لما قدروا عليَّ يابن الأمجاد، وأخذوا ثيابي،
وكتفوا جنابي.
عنتر
:
ومن أين ساروا يا وهاب؟
عمارة
:
من هنا يابن الأنجاب.
عنتر
:
اتبعني لأخلص ثيابك، ممن كتفوا جنابك (يذهب
عنتر).
عمارة
:
هكذا تكون العبيد، مع الأسياد الأماجيد (يذهب
الآخر، يدخل عروة ابن الورد مترنِّمًا، ومعه مقري الوحش، وكلاهما
بملابس حربية).
ابن الورد
:
إذا هبت الأرياح من ملعب الحزد
طفأت بها حر الصبابة والوجد
وإن جزت يومًا في العقيق وبارق
فبثي غرامي واشرحي بينهم وجدي
فبالله يا ريح النسيم تحملي
رسالة مشتاق يحنُّ إلى نجد
وعند بني عبس من الشوق والأسى
ومن نائبات الدهر مثل الذي عندي
ونحن جميعًا قد يئسنا من اللقا
ولكن قضاء الله حتم على العبد
مقري الوحش
:
ما هذا يابن الورد؟
ابن الورد
:
سببه الصبابة والوجد، والشوق يا فارس غسان، لشقيقتي أم نعمان، ولا أدري
هل نعود إلى الوطن سالمين، أو نكون في اليمن من الهالكين، ولا أدري
الأوطان، ولا أم حسان.
مقري الوحش
:
هذا يابن الورد مع انتصار الجند والظفر والاستظهار، على أعدائنا الأشرار
(هنا يدخل عنتر، وحامل رمحًا عليه رأس مسعود
وقيس وعموم العربان، يقول شعره والعرب ترد عليه).
عنتر
:
جئنا بالفوز العالي
والعز والإفضال
مسعود ولا الي
نار الشقا والبلا
حاجب من الخارج
(يدخل يقول)
:
اعلم يا ملك أن الملك مسعود بن مصاد، قبلما تحاربوه ويقتله ابن شداد قد
أرسل كتبًا إلى بلاد اليمن، وكل من له من أطلالها مناخ وسكن، يحضهم على
قتلكم، وإهلاك أبطالكم، والآن واصل بنوا بارقة وبنوا حريقة وبنوا باغضة وبنو
زؤيب وبنو القين وعرب البرَّين وجيوش البحرين، إلى أن وصلوا إلى عند حسان بن
مسعود، ورفعوا على رأسه الرايات والبنود، وجعلوه ملكًا عوض أبيه، ووعدهم
بالظفر أيها النبيه، بعدما اجتمعت يا ذا المفاخر، المنهزمون من فرسان
أتيا عراعر، وعدة الجميع أيها الموقر، خمسون ألفًا أو أكثر، وكلهم بالحديد
والزرد النضيد، وخيلهم سابقة، ورماحهم بارقة، ولهم دمدمة كالرعود، وقلوبهم
أقسى من الجلمود.
عنتر
:
مه أيها الجبان، وإذا كانوا ألوف، وفرق وصفوف، فما هم وحياة أبي شداد،
إلا كالغنم السارحة في الوهاد، وعند الامتحان، يُكرم المرء أو يهان.
كل من يدعي بما ليس فيه
طالبًا إرغام أنف الزمان
فهو فدم وجاهل وغبي
كذبته حوادث الامتحان
لا تكن يا ملك في التياح؛ فعندك من يكفيك سكان البطاح، وسكان البحار
والخلجان، وسر شياطين سليمان.
رسول أول
:
لك البشرى يابن شداد.
عنتر
:
وما هي يابن الأجواد؟
رسول أول
:
قد أقبل صاحبك نعمة الأشطر، ومعه جيش كثير أيها الموقر.
عنتر
:
وأين تركته يا باسم؟
رسول أول
:
قريب من جبل الغمام، فبادر لملتقاه، والنصر على الله.
عنتر
:
صدقت يا بسام، فهيا يا ملك الأنام.
رسول ثاني
:
بزغ السعد يا ذا الأياد، بقدوم الملك عباد، ومعه خمسماية فارس؛ لأجل
حضرتكم أيها القناعس.
عنتر
:
حقًّا بزغ السعد، ولله الشكر والحمد.
رسول ثالث
:
لك البشرى يا ملك الأنام، بقدوم الملك النعمان.
قيس
:
حقَّا بزغت لنا شموس الأفراح، فمرحبًا بلقاء الملوك أهل الكفاح.
(لحن، عنتر يقول وهم يردون عليه):
عنتر
:
مرحبا يا مرحبا يا مرحبا
بالملوك الفضلاء النجبا
بلقاكم يا ملوك الأمم
نرتجي حتم صروف النقم
علنا بعد الشقا والألم
ننسى في الأوطان هذا النصبا
الملك عمر بن هند
:
لا ريب تنسونه يا أبا الفرسان؛ فقد رضي عليكم أخي النعمان، بشفاعة
المتجرة، ذات الشمائل المفردة.
عنتر
:
حُفِظ أخوك يابن هند، وحُفِظت معه يا سامي المجد، وقد جئتنا أيها الشقيق،
ونحن بغاية الضيق، وكل منَّا يتكلم وهو سقيم، ويتحرك وهو حثيم، من توالي
الحروب وغوائل الخطوب.
الملك عباد
:
الحق يا ملك على أبي الفرسان، الذي جعل مثلي ملكًا وسلطان، وسلمني بسيفه
والسنان، أرض السواد وجبل الدخان، وتركني بعدما آب، في هذه الكروب
والأوصاب، لانتهاز فرص الزمان، لأكافئه على هذا الإحسان.
الملك النعمان
:
اتركوا الآن المدح والعتاب، واشكروا رب الأرباب، الذي جمعكم سالمين، ومن
الخطر آمنين.
عنتر
:
حمدًا وشكرًا للعليم
المنعم البر الرحيم
كذا للنعمان الفخيم
ذي الجود والفضل العظيم
دور
احفظ وأيد يا مجيد
سلطاننا عبد الحميد
كذا خديوينا الفريد
بدء وحسنًا وختام
(تمت الرواية)