(يُرفع الستار عن حديقة ملك الهند، وبها هند وورد وشمس
الصباح.)
المنظر الأول
هند
:
قد أتينا الرياض حين تجلَّت
وتحلَّت من الندى بجمان
ورأينا خواتم الزهر لما
سقطت من أنامل الأغصان
ورد
:
لله بستان حللنا بروضه
وأزهاره تزهو وتزهر كالشهب
تراقصت الأغصان فيه ونقشت
معاني رباه السحب باللؤلؤ الرطب
محمود
(من الخارج)
:
بالذي أشكر من عرف اللما
كل كأس تحت ظل وحبب
والذي كحَّل جفنيك بما
سجد السحر لديه واقترب
والذي أجرى دموعي عندما
عندما أعرضت من غير سبب
ما على جفني إذا ما سجدا
فجرى الماء بإطفاء اللهب
هند
:
من هذا يا شقيقتي ورد؟
ورد
:
لا أدري وحياتك يا هند.
هند
:
انظري يا نور الصباح، من تجاسر ودخل بستان ملك الأفراح. هل أبوك
يا ورد أرسل لنا بعض المطربين، ليطربنا بين هذه الرياحين؟
ورد
:
أين أبوك الآن يا شقيقتي هند؟ ومن أين يخطر في باله هذا القصد وهو
مرتبك الأفكار، وحليف الهموم والأكدار؟
هند
:
وما سبب بكائه يا ورد؟
ورد
:
عجبًا! أتجهلين ما عليه استجد؟
هند
:
نعم، أعلم ما حدث، وما عليه خبث، فأخبريني بما صار؛ فقد أشغلت مني
الأفكار.
ورد
:
أمَا في أفكارك يا شقيقتي من منذ خمسة أعوام، حينما زار والدك أزدشير
أحد ملوك الأعجام، وغلبه أبوك بالشطرنج بين الوزراء والأعيان، ورجع إلى
بلاده وهو حاقد عليه وغضبان!
هند
:
نعم، ذلك في أفكاري. والآن ما هو جاري؟
ورد
:
الآن بلغ أباك الخبر، بأنه جهَّز ألوفًا من العسكر، وأمَّر عليهم
وزيره ورد شان، ليسيروا لنار الحرب العوان، في جميع بلاد الهند، وأن
يهلكوا جميع الجند، ويقودوا أباك أسيرًا، وذليلًا حقيرًا، بعدما
يخرِّبون البلاد، ويُهلكون العباد.
هند
:
ويلاه! ومتى جاء هذا الخبر؟
ورد
:
منذ يومين.
هند
:
الله أكبر.
شمس
:
قد فتَّشت يا مولاتي جميع البستان، فما وجدت فيه إنسان (صوت خارجًا).
يا الآه أي حين
تنجح الأعمال
ثم أنجو من أنين
ويروق البال
أنت لي خير معين
أيها المتعال
يا سميعًا لأنيني
أحسن الأحوال
هند
:
وهذا الصوت من أين؟
ورد
:
صبرًا يا قُرَّة العين، فأنا أستوضح الخبر، وأستجلي ما استتر
(تذهب).
هند
:
أحضري الخولي إلى هنا.
شمس
:
أمرك يا كل المنا (تذهب).
محمود
:
قد طاب يا خل وردي
ما بين ند وورد
فذكر باهي المحيَّا
أمسى حديثي ووردي
(يدخل الخولي)
هند
:
ويلك! ما عندك في البستان؟
خولي
:
مولاتي الأمان.
هند
:
تكلم وعليك الأمان.
خولي
:
حفظك الواحد المنان، إن عندي يا راحة الأرواح، درويشًا من السوَّاح،
حسن الصوت والألحان، وله معرفة بالشعر والأوزان، لا يملُّ جليسه، ولا
يسأم من كان أنيسه، فإن أمرت بإحضاره، فهو بين يديك، وإن شئت صرفته
والأمر إليك.
هند
:
ما قولك يا ورد بإحضاره إلى هذا المكان؟
ورد
:
الأمر إليك في هذا الشان، وما يكون عذرنا إذا بلغ أبانا
الخبر؟
هند
:
أبونا الآن في أعظم كدر، لا يفكِّر بإنسان، ولا يأتي إلى هذا
المكان.
ورد
:
العهدة عليك إذا حدث ما يشين.
هند
:
لا تجزعي، لا يحدث إلا ما يزين. أحضره إلى هنا بالعجَل.
خولي
:
أمرك يا غاية الأمل.
ورد
:
هند، ما هذا العمل؟ أيكون والدنا في الهموم والأكدار، ونحن في انبساط
وسماع أشعار؟
هند
:
لا تقنطي يا ورد من النصر، ورفعة الشان والقدر، وننتهز فرص الزمان
بما ينعش الروح والجنان (يدخل
محمود).
محمود
:
سادتي أُبدي السلام
لعلاكم بالاحتشام
فاقبلوا من جاءكم
راجيًا نيل المرام
يقبِّل الأرض عانٍ مسَّه نصب
من لوعة البين والأسفار والكمد
فعاملوه بإحسان القبول لكي
يعود بالفوز مسرورًا مدى الأمد
هند
:
أبشر يا درويش الخير، بما يُذهب عنك كل ضير، فما هي حاجتك أيها
المُصان؟
محمود
:
حاجتي، آه يا ربة الحسان، قرب من اتصفت بهذا الجمال، وحمَّلتني في حبها
الوجد والبلبال.
حمَّلتني في الهوى
منيتي ما لا يطاق
غادة تهوى النوى
وأنا أهوى التلاق
هند
:
يظهر عليه سيمة الغرام.
ورد
:
نعم، ولواعج الوجد والهيام.
محمود
:
نعم، سيم الصبابة والغرام
تلوح على فؤادي المستهام
وما لي منقذ من نار وجدي
فها في مهجتي أزكى ضرام
خولي
:
قد شرَّف يا مولاتي، مولاي السلطان.
هند
:
آه، حيننا حان.
ورد
:
هند، لا تجزعي.
هند
:
وهت أضلعي.
محمود
:
أين الخلاص؟
هند
:
جاء القناص، فكيف العمل؟
خولي
:
ها هو قد أقبل.
ورد
:
اختف هنا أيها السوَّاح (يختفي
بطابق).
ملك
:
أحسنت ظنك بالأيام إذ حسُنت
ولم تخفْ سوء ما يجري به القدر
وسالمتك الليالي فاغتررت بها
وعند صفو الليالي يحدث الكدر
ما كان ذنبنا أيها الوزير، مع الملك أزدشير، حتى أرسل لنا وزيره
وردشان، الذي لا يقاومه إنسان، ألحقه منَّا في حياته أقل ضرر، أو
أظهرنا عليه أدنى بطر أو أشر؟! ومن يطيق منَّا هذا الشجاع، أو يقدر على
مقاومته عند الدفاع؟!
وزير
:
أنا قد فهمت أيها السلطان، أنه ما خصَّنا وحدنا بالحرب والطعان، بل
وجَّه وزيره وأجناده بالكلية؛ ليسيروا لنار الحرب في عموم البلاد
الهندية، وأنا أتأكد أن جميع ملوك الهند أهل الهمم، يقومون لفداء وطنهم
على ساقٍ وقدم، ومن أين للملك أزدشير أن يقاوم بلاد الهند، أو يستطيع أن
يصد ملكًا منهم أو يرد؟! فكن في راحة من هذا الضرر، فلا يلحقنا منه أدنى
شرر، ولا بدَّ بعون القريب المجيب، أن نحصل على النصر القريب، ونرده
على أعقابه مكسور؛ لأنه متعدي والمتعدي مقهور.
ملك
:
وأنا أقول إنه لا يقدر على صد جميع الملوك الهندية، ولو حاز ما حازه
إسكندر المقدوني من السطوة والجبروتية، وما أظنه يقصد أحدًا من ملوك
الهند، ولا يبذل في محاربة أحد منهم أدنى جهد، وما قصده إلا بلادي فقط،
وأنا لا أقدر على مقاومته قط، فبما نكفى أذاه ونحصل على رضاه؟
وزير
:
أيها الملك الشجاع، والحلاحل المطاع، إن من يكون مثلك من ملوك الأمم،
وله في ممالك الهند أثبت قدم، لا يمكن أن يخاف أو يجبن من لقاء
الأعداء، ومعاناة الطعن والضرب، إذا التخمت النجباء، فاثبت إلى أن يصل
الوزير وردشان، ونقف على ما يقصده أيها المصان، وحينئذٍ يُفرِّجها رب
الأرض والسموات، وعالم الجليات والخفيات.
ملك
:
أأثبت إلى أن تطأ عساكره بلادي، وتمزِّق شمل أعواني وأجنادي، ومن
يقدر على محاربة من يكون هكذا من ملوك البرية، أما يجب أن تنظر بعين
البصيرة في نتيجة هذه القضية؟! أيها الوزير، هذا الملك أزدشير، الذي لا
يقدر على بطشه إنسان، ولا يرهبه ملك من ملوك الزمان، ما هذا الخطب
العميم، والبلاء الجسيم؟ قد ترقب أزدشير غياب الحكيم الدهقان، فوجَّه
إلينا وزيره وردشان.
وزير
:
مولاي، ما هذا الاضطراب؟
ملك
:
حاقت بي يا وزير جميع الأوصاب، ولا أتصور أن وردشان وزير أزدشير، يرجع
بدون ما ينزل بنا الذل والتحقير، ويستولي علينا قسرًا ويقودنا بالأسر
جبرًا.
وزير
:
خفِّض عليك أيها السلطان، ومن يكون وردشان من الفرسان؟ فكن في راحة من
العنا، وأنا أبلغك القصد والمنا.
ملك
:
وبما تبلغني القصد أيها الوزير؟
وزير
:
بحيلة أملِّكك بها ملك أزدشير قد جالت الآن في أفكاري. مَن هذا
المتواري؟ انظر يا ملك الزمان.
ملك
:
من أين هذا المُهان؟
وزير
:
لا أدري يا ملك الزمان، ويك من أدخلك هذا المكان؟
محمود
:
أنا دخلت، وما رآني إنسان.
وزير
:
وكيف دخلت بدون استئذان، أما تعلم أنه منتزه السلطان؟
محمود
:
لا وحياتك يا رفيع المقام، ما أعلمني أحد من الأنام، وما دخلت إلا عن
جهل وبغير اختيار؛ لأني غريب عن هذه الديار.
ملك
:
أنا لا أظن أيها الوزير، إلا أنه جاسوس خطير، أتى يكشف أخبارنا،
ويسعى بما يجلب دمارنا.
محمود
:
لا وحياتك أيها السلطان، عبدك غريب عن هذه الأوطان، لا أعرف التجسيس،
ولست من أهل التدليس.
ملك
:
الآن نحن في شغل شاغل، من الفحص في أمرك أيها المخاتل، اسحبوه إلى
السجن وكبِّلوه بالأغلال، وبعد نعلم ما أضمره من النكال.
رسول
:
قد وصل يا مولاي وزير الملك أزدشير، ونزل تجاه المدينة بعسكر كثير،
فأغلقنا في وجهه أبواب البلد، بعدما جزع كل العسكر، وتخيل أنه فُتح له
البلد.
ملك
:
ها قد وصل وردشان أيها الوزير، فما هي الحيلة؟ وما هو
التدبير؟
وزير
:
الحيلة أيها الملك، أن نخلي له البلد من الأموال والآلات الحربية،
ونملِّكهم من دخولها بعد خروجنا من الجهة الغربية.
ملك
:
أهذه هي الحيلة أيها الوزير؟
وزير
:
نعم أيها الملك الشهير.
ملك
:
ما هذا الرأي الفاسد؟
وزير
:
وما فساده أيها الملك؟
ملك
:
فساده لا ينكره عاقل، ولا يتردد فيه جاهل، وكيف نجعل إعطاء المدينة
براعة الاستهلال، ونعتاض لسكن القفار والجبال، أملًا أن نجعله محصورًا،
ومكبَّلًا مقهورًا، ألهمنا الرشد يا مستعان، في هذا المكان.
محمود
:
اعفُ عني أيها المفضال، وأنا أحلُّ لك هذا الإشكال، وأُخلِّصك من
الكرب، وأكفيك نصَب هذا الحرب.
ملك
:
أنت تكفيني نصَب الحرب يا مهان؟!
محمود
:
إي وحياتك يا ملك الزمان، وأجلب لك الوزير وردشان يقبِّل قدمك في هذا
المكان.
ملك
:
وأنا وحياتك أجعلك قائد أجنادي، وأُحكِّمك بجميع بلادي.
محمود
:
مُر لي بدواة وقرطاس؛ لأفديك بالعين والراس.
ملك
:
أحضروا له ما طلب، فعسى نكتفي النوب (يكتب
محمود جوابًا).
محمود
:
خذ هذا الجواب وسلِّمه لوردشان، واطلب منه الرد، وأنت ثابت الجنان،
لا تكن أيها الملك في حرج؛ فعن قريب يحصل الفرج.
ملك
:
وحياتي إن حصل الفرج على يديك، فلا أعوِّل بعد الله إلا عليك، وأجعلك
وزيري الأكبر، النافذ أمره على كل العسكر.
محمود
:
وما موجب العداوة أيها الملك الشهير، بينك وبين الملك أزدشير؟
ملك
:
موجبها يا ولدي لا يُذكر، ولا يستوجب هذا الفعل المُنكر؛ لأنه زارنا
منذ خمسة أعوام، فقدمنا له كل خدمة وإكرام، وفي أثناء ذلك الصفو
والانبساط، غلبته بالشطرنج فغضب واستشاط، وعاد إلى مركز ملكه غضبان،
وقطع المخابرة إلى الآن، وفي هذه الأيام ثار للحرب، وسبَّب لنا ما
رأيته من الكرب.
محمود
:
أهذا موجب العدوان؟
ملك
:
هذا موجبه يا مصان، بعد الصداقة والألفة، التي قطعت من بيننا كل
كلفة.
محمود
:
تبًّا لكل حقود، وخئون جحود! لا تحزن يا ملك الزمان، وها هو
وردشان.
وردشان
:
عفوًا يا مولاي محمود، عطفًا يا منهل الكرم والجود.
محمود
:
ما هذا الزيغ الذي ارتكبه أزدشير؟
وردشان
:
هذا خطأ يمحوه عفوك أيها الأمير.
محمود
:
ماذا ترغب أن أفعل معه أيها السلطان؟
ملك
:
أرغب أن تعامله بالإحسان، ليعترف عند أزدشير بعفوك عنه وكرمك
الشهير.
محمود
:
حلم هذا الملك أنقذك من الدمار، وأرجعك سالمًا أيها الغدار، فخُذ
عسكرك من حيث جئت، فلا عشت يا كنود ولا كنت.
ملك
:
قد غمرتني أيها الأمير بفضلك، وجعلتنا عتقاء طولك ونيلك. فنرجوك
العفو عمَّا فرط، في حقك منَّا من الغلط، ونرجوك بعد العفو يا مُصان،
إيضاح نسبك ولك الفضل والإحسان.
محمود
:
أنا سبب غلطك أيها الهمام، فلا تثريب عليه ولا ملام، وأما نسبي
الرفيع المُهاب، فيوضِّحه لك هذا الجواب.
ملك
:
مرحبًا بك أيها الأمير الأكرم، ونجل ملك ملوك العرب والعجم، ذي
المقام الذي يجب احترامه، وتقابل بالخضوع أعوانه وخُدَّامه، صاحب الظل
الظليل، الجاه العظيم الجليل، والبطش والقوة والرفعة والسطوة، من لا
يضاهى فخاره، ولا يماثل نجاده.
ملك بهمة بأسه وطئ العلا
وبنى حصون المجد عالية العمد
عم الورى إحسانه لا سيَّما
من حوا بهذا الشبل من ذاك الأسد
أهلًا وسهلًا بالأمير الكريم، الذي أغمرنا بفضله العميم، ما هذا الزي
أيها المنَّاح، الذي أظهر عليك أمارة السوَّاح، وكيف خرجت بدون خدم وأعوان،
أزُهدًا في الملك، أم لغرض أيها المُصان؟
محمود
:
آه، خرجت لغرض أوقعني في حرقة الرمد (يُظهر
الصورة).
جُبت الأماكن والبلاد فلم أرَ
ما يشفي قلبي من لهيب أواره
رفقًا بمن بالملك جاءك زاهدًا
يسعى للقياك على أبصاره
ملك
:
هذا من العجب العجاب، الموجب للاستغراب. وكيف عشقت صورة أيها الأمير،
وسحت في حبها بدون أنيس ولا سمير، ولا تعلم لها مكان، ولا جهة تقصد
أيها المصان؟!
محمود
:
قدَرُ الله يا ملك لا يُرد، وحكمه على العبيد لا يُصد، فإن أرشدتني فلك
الفضل، وإلا فدعني من التأنيب والعذل.
ملك
:
أنا أيها الأمير الكامل، لست بلائم ولا عاذل، بيد أني جهلت معنى هذه
الصورة، واستعدت من هذا الطي منشوره، وأرغب نظرًا لما لك من الإحسان
عليَّ، أن أعوِّضك عنها بإحدى ابنتيَّ، وبهذا أكون وفيت لك بعض كرمك،
وأعيش بعدها في ظلال نعمك.
محمود
:
هذا يا مولاي أمر خارج عن إرادتي، وغير ممكن أن يحسن في عيني غير حسن
مالكتي، فلا تكلِّفني ما هو مستحيل، واعذرني بهذا الرد أيها
الجليل.
ملك
:
أما عندك رأيٌ أيها الوزير، ينحلُّ به هذا المشكل العسير؟
وزير
:
عندي يا ملك رأي سديد، أتأمَّل أن نستأنس به بما يفيد.
ملك
:
وما هو الرأي الذي ينتج تبيانًا.
وزير
:
هو أن نفرز حمَّامًا يدخلونه الأغراب مجَّانًا، ونضع أيها المهاب هذه
الصورة على ذروة الباب، ونكلِّف كل داخل النظر إليها، فعسى نحصل على
الوطر.
ملك
:
وهل يحصل بهذا المراد؟
وزير
:
ربما يحصل؛ حيث إنه أمر مجهول، وبغير هذه الحيلة لا يمكننا
الوصول.
ملك
:
لا مانع أيها الوزير، افعل ما إليه تشير، فعسى واجد الوجود، يفرج عن
الأمير محمود.
محمود
:
عسى الأمر الذي أمسيت فيه
يكون وراءه فرج قريب
فيأمن خائف ويُغاث عانٍ
ويرجع بالمنى النائي الغريب