رواية لباب الغرام أو الملك متريدات
شخيصية ذات خمسة فصول وهي رواية أدبية غرامية حربية
الفصل الأول
الواقعة الأولى
(ترتفع الستار عن هيئة برية، وبها الملك متريدات والوزير أرباط والجند.)
الجميع
:
دمت يا قان العلا
ذا جلال وولا
ولك الفخر الذي
كشموس تُجتلى
أنت كشاف الكروب
أنت صهار الحروب
سيفك الماضي الغضوب
كم شجاع جندلًا
آن يا رومان آن
أن تروا حربًا عوان
وتبوء بالهوان
والفنا والابتلا
من رماح راصعة
وسهام قاطعة
وسيوف لامعة
تُردي آساد الفلا
إنهم قوم لئام
بغيهم عم الملا
ملك
:
بشِّروا الرمان بالويل الوبيل
من حسام قاطع الحد ثقيل
كم له وقع على هاماتهم
وله عند لقاهم من صليل
أنا رب السيف والرمح الذي
يجعل الضرغام في الحرب كليل
أنا متريدات هصَّار الوغى
أنا ذو العليا والمجد الأثيل
ملك يرتد من سطوته
كل طود عاصم سامي وقيل
ولي الآساد تعنو خشية
ولي الإقدام والباع الطويل
لا أبالي بجموع شمترى
فرقًا بين دخيل وخليل
من غضاب كلما جردته
هابه كل ضئيل وجليل
الواقعة الثانية
(مونيم – وفوديم – ملك – وزير)
مونيم
:
الغيرة الغيرة … النصرة النصرة … البدار البدار … الثأر الثأر، من
قاتلي والدي فليبوليمان، انتقم لي يا مولاي من الرومان، الذين جندلوا
أبي ولوَّعوا بعدها كربي، وتركوني في احتراق، وحُزن ولا يُطاق.
من نصيري يا مليك سواك
أدام في ذروة الفخار علاك
أحزم الرزء في الحشا نار حزن
أحرقتني وأورثتني الهلاك
كن مجيري ومنقذي وملاذي
وأذل لوعتي جُعلت فداك
إن بغى الرومان ألبس جسمي
ثوب سقم صاحبت فيه انهتاك
قتلوا والدي وأجروا دموعي
فانتقم لي أطال ربي بقاك
ملك
:
يا حسامي آن أن أروي ظماك
من دماء العدا وأجلوا صداك
حاشا ألوي عن أخذ ثأر خليل
صادق الود ولو عدمنا الحراك
كفكفي مونيم أدمعًا بلبلتني
وأبشري بالمنا … …
مونيم
:
… … إلهي رعاك
ملك
:
إن بغي الرومان يا أرباط قد لوع فؤادي؛ فقد استشاط، لا سيَّما قتلهم
فليبوليمان الذي كان لنا من أعز الخلان؛ فإنهم قطعوا من بيننا علاقة
الوداد، وألزموني أن أنصب عليهم بجيوش كالجراد، وأقسم بهذا البتار
وأعمارهم وأقلع من الدنيا آثارهم.
ويلهم ويلهم إذا ما رأوني
ورأوا للجيوش حولي اشتباك
أن يلقوا إلى النجاة نصيرًا
أو ينالوا من المنون انفكاك
أرباط
:
وفَّق الله أيها الملك سعيك، ونفذ في كل الأمور أمرك ونهيك، ولا زال
سيفك في رقاب الأعداء مكين، ودمت محفوظًا بعناية الله ونصره المبين،
إلى غاية الزمان، ومنتهى الدوران.
الجميع
:
وفَّق الله سراك
يا مليك البشر
ورمي كل عداك
بالبلا والضرر
دمت مصحوب السعود
بالصفا والظفر
وطئًا هام الحسود
مشرقًا كالقمر
سرْ بنا يا ذا الفخار
لبلوغ الوتر
والمنا والانتصار
بالقنا والأبتر
نحن في الحرب نبيد
كل ليث قسوري
ولنا البأس الشديد
ولنا البطش الجري
دأبنا يوم الحروب
شق هام المفتري
كم أسرنا في القلوب
شررًا من سقر
هيا قان المجد هيا
حان حين السفر
وبدا النصر زهيا
في العلا كالمشتري
ملك
:
قد سلَّمتك يا أرباط زمام السدة الملوكانية، ووكلتك مدة غيابي وكالة
وقتية، فاحفظ مقام الرئاسة، والزم حقوق السياسة، وإياك أن تخابر ولدي
فرناس وإكسيفار، إلا إذا حدث ما ليس في الأفكار.
أرباط
:
سرْ يا مولاي بالأمان، والله الموفق والمستعان.
ملك
:
كوني يا مونيم في راحة وسرور؛ فعن قريب بعون الله تحصلين على
الحبور.
مونيم
:
أعانك الله أيها المهاب، وسلَّمك ذهابًا وإياب.
ملك
:
تأهبوا أيها القواد إلى السفر، وعلى الله النصرة والظفر.
الجميع
:
هيا بنا للحروب والقتال، نحن فرسان في البراري والقفار، بسيوف ورماح
كالصواعق الشداد في يد الفرسان.
يا عظيم يا قدير، يا سميع يا بصير، اجعل مولانا الشهير كوكبًا فينا ينير، يا عظيم يا سميع يا بصير، اجعل مولانا الشهير، كوكبًا منزَّهًا علاه، نحن ما لنا مثيل، ما لنا عديل، في الحروب والقتال.
يا عظيم يا قدير، يا سميع يا بصير، اجعل مولانا الشهير، كوكبًا فينا ينير.
يا عظيم يا قدير، يا سميع يا بصير، اجعل مولانا الشهير كوكبًا فينا ينير، يا عظيم يا سميع يا بصير، اجعل مولانا الشهير، كوكبًا منزَّهًا علاه، نحن ما لنا مثيل، ما لنا عديل، في الحروب والقتال.
يا عظيم يا قدير، يا سميع يا بصير، اجعل مولانا الشهير، كوكبًا فينا ينير.
الواقعة الثالثة
(مونيم – فوديم – أرباط)
مونيم
:
حكم الزمان بفرقتي
والبين ضاعف حرقتي
وا لوعتي وا حسرتي
سلب المنون أحبتي
أرباط
:
مونيم ما هذا النحيب
صبرًا فذا حزن مذيب
مونيم
:
أرباط عيشي لا يطيب
والموت فيه راحتي
فوديم
:
صبرًا يا مولاتي مونيم.
مونيم
:
آه نديمتي فوديم، فراق والدي فليبوليمان أثار في حشاشتي النيران،
وهذه الحروب المتوالية قد أوقعتني في أشد داهية، وسئمت من الحياة
والنياحة، وليس في غير الموت راحة.
فوديم
:
حسبك يا مولاتي عويلًا ونحيب، واطلبي الفرج من القريب المجيب؛ فإنه
السميع البصير، وعلى ما يشاء قدير.
مونيم
:
لا فرج يا فوديم بغير الممات، الذي هو راحتي من الحسرات، وبه الخلاص
من الأحزان، ومن آفات الزمان.
سهم النوى، قلبي انكوى، لما زوى، بدر منير، في سما العز
استوى.
لحى الله الزمان ولا رعاه
فلا يدع الصلاح بلا فساد
زمان يعقب النعمى ببؤس
ويشقي الناس في كل البلاد
فكم ألقى على الدنيا خطوبًا
وكم أجرى دموعًا كالعهاد
يشتت كل شمل كالمنايا
ويبدل كل قرب بالبعاد
فوا فرط انتحابي واكتئابي
لفرقة من له في القلب نادى
الجميع
:
سهم النوى … إلخ.
مونيم
:
فليبوليمان أيا طود الفخار
ظلمًا سقاك البين كاسات الدمار
مولانا متريدات ركن الصبر هار
عجِّل بأخذ الثأر أفنانا الجوى
الجميع
:
سهم النوى … إلخ.
مونيم
:
وفقه وأنصره على الأعداء اللئام
واجلُ ظلام الكرب عنَّا يا سلام
الجميع
:
واسبل علينا الستر وانفي الاصطدام
فضلًا فداء الحزن قد أعيا الدوام
الفصل الثاني
الواقعة الأولى
(ترتفع الستار عن هيئة بيت وبه فرناس وأرباط.)
فرناس
:
كيف العمل يا أرباط بمونيم؟ وإلى متى وأنا في العذاب الأليم؟ وبأي
جسارة تعاملني بأسوأ معاملة، وتوالي إلى مهجتي سهام هجرها القاتلة، مع
أني أصبحت ملك هذه البلاد، وما بها من الرجال والنساء والأولاد، أما
سمعت بوفاة والدي متريدات؟ أم تجهل أنها تحت طاعة أمري في سائر
الحالات؟ فوحياتي إذا ما رجعت عمَّا بها من الامتناع اختيارًا، فأنا
أرجعها عنه جبرًا واقتدارًا. فاذهب الآن وأخبرها بأني في انتظارها،
وأني قد سئمت من إعراضها واعتذارها، واستعلم هل قدوم أخي إكسيفار حقيق،
أم هو من أنواع الأكاذيب والتلفيق، وعد إليَّ بأصدق الأخبار؛ فإني لك
في الانتظار.
أحرق الحب مهجتي وكواها
بفتاة تهوى القلوب رضاها
ليس ترضى من المحب بقرب
وهو يبغي دون الأنام لقاها
ما نعتني الأيام عنها بظلم
ويح هذه الأيام ما أقساها
بهواها ترى الملوك عبيدًا
ذات حسن سبحان من سوَّاها
وصلها جئتي وطيب نعيمي
وعذاب الجحيم عند جفاها
كيف ترضى مونيم هجري وأني
لست أرضى دون الأنام سواها
أرباط
:
أمرك أيها الأجلُّ.
فرناس
:
سرْ وعُد بالعَجل (يذهب).
الواقعة الثانية
(فرناس)
فرناس
:
آه، ماذا ينفعك يا فرناس ملك اليونان والرومان، إذا ما تحصلت على
مونيم ربة الحسان؛ إذ ببعدها لا نجاح، وقربها هو عين الفلاح، فلا راحة
ببعدك يا مونيم، وإعراضك عني هو العذاب الأليم، فآه ثم آه من قلبك
ما أقساه، كيف النجاة من الآلام، والخلاص من حرقة هذا الغرام.
بهجرك يا مونيم فنيت صدًّا
ولم أبلغ من الأيام قصدًا
وأحكام الزمان عليَّ جارت
بحبك والجفا قد زاد حدًّا
وحقك إنني ملك عظيم
ولكني لذا لك صرت عبدًا
فلبِّي دعوتي كرمًا وفضلًا
وإلا فالهلاك يكون عمدًا
كيف التخلص مما قد بُليت
والدهر حاربني ظلمًا وعدوانًا
أنا العليل ومن أبغى الشفاء بها
نوت على تلفي سرًّا وإعلانًا
ما ضرَّها لو بطيب الوصل تسعفني
مونيم بعد الجفا فضلًا وإحسانًا
في حبها ضل عقلي عن طريق الهدى
ومن مدام الهوى أصبحت سكرانًا
الواقعة الثالثة
(مونيم – فرناس)
فرناس
:
أهلًا بك يا شمس الصباح، ومشكاة الحزن وزينة الملاح، فلا عدمتك مدا
الأيام والليالي، ولا سقيت من يديك إلا كاسات الوصال.
مونيم
:
ماذا تريد مني أيها الأمير المصان، فالوزير أرباط أمرني أن أقابلك في
هذا المكان، فإجابة للطلب أتيت، وللأمر لبَّيت فسعيت.
فرناس
:
أو تجهلين يا مونيم ما أنا طالب وما أريد؟ أم تتجاهلين ليزداد عذابي
الشديد؟ أم تعلمي أني لا أرغب من الدنيا سواك، ولا أطلب منها إلا قربك
ورضاك، فأنت مشتهاي ومرادي، وعليك دون الأنام اعتمادي، فارحمي ضعفي
ورقِّي لانتحابي؛ فقد زاد وجدي وعظم والله مصابي.
انعمي بالوصل يا ذات الجمال
إنما الصبر عن الهجر محال
مونيم
:
دون وصلي أخذ روحي فارتجع
عن سؤالي إن ذا الأمر ضلال
فرناس
:
ذابت الروح بنيران الجفا
وغدا جسمي نحيلًا كالخيال
مونيم
:
انتبه واصحوا فقلبي قد غدا
مثل جلمود فلا ترجو منال
فرناس
:
إن يكُ قلبك صخرًا قاسيًا
فمن الصخر جرى الماء الذلال
راقبي الله بصبٍّ مغرم
صال في أحشائه الوجد وصال
مونيم
:
ما هذه الحالة يا سيدي؟ أعدمت عقلك؟ أم فقدت رشدك ونبلك؟ متى كنت
تخاطبني بمثل هذا الكلام؟! أما تعلم بأني خطيبة والدك الهمام؟
فرناس
:
أوَتجهلين وفاة والدي يا مونيم؟
مونيم
:
موته ما تأكد أيها الفخيم.
فرناس
:
بل قد تأكد موته عندي؛ ولهذا أظهرت لك وجدي؛ لتعلمي أني بجمالك ولهان،
وتبلغيني الأمل بعقد الاقتران.
مونيم
:
كيف تطلب مني عقد الزواج، وأبوك أهداني لأجله عقدًا وهَّاج، وهو علامة
الارتباط، ويشهد على ذلك رجال الدولة والوزير أرباط.
فرناس
:
أما قلت لك إن أبي قد مات؟
مونيم
:
ارجع يا فرناس عن هذه الجهالات، ولا تُشمت ما لنا من الحساد والعواذل،
واخلع عنك رداء الجهالة؛ فإنه داء قاتل، وافتكر يا سيدي في العواقب،
وأخرج ذاتك من ظلمة النوائب، وألزم نفسك حفظ العهد والزمام، ولا
تخاطبني بعدها بكلام، يوجب عليك الملام.
فرناس
:
ارحمي مونيم حالي
ذبت وجدًا وغرام
في الهوى طال انتحابي
فاصرفي عني السقام
مونيم
:
كف يا فرناس عني
واجتنب هذا الكلام
إن ما تبغيه مني
أضحى في الناس حرام
فرناس
:
أحرقت نار الصدود
بالجفا منك وعود
يا حياة الروح جودي
لي ولا تخشي صدام
مونيم
:
أيها المغرور جهلًا
في الهوى قولًا وفعلًا
أنا لا أرضاك بعلًا
لي ولو ذقت الحِمام
فرناس
:
ليس في هذا المقال
لك خير في المآل
أنا ما بين الرجال
ملك حاز احترام
مونيم
:
يا أخي البغي كفاك
ما به خنت أباك
لا تطع جهلًا هواك
وارعى للأهل الزمام
فرناس
:
اتركي يا مونيم هذا الجدال، وارجعي عن هذه الأحوال؛ فامتناعك لا
يجديك نفعًا، ولا بدَّ من الاقتران بك قطعًا، ولا تسلي عمَّا يحل بك من
الخسران، إذا حاولتي وامتنعتي عن الاقتران.
مونيم
:
ما هذه الحالة والرزية القتالة … وكيف يمكني أن أقترن بك أيها
الأمير، وأنا لأبيك دون كل كبير وصغير؟! ومن أشاع لك عن وفاته هذا الخبر
حتى استندت على فعل هذا الأمر المنكر؟! وما يكون جوابك لأبيك إذا كان
الأمر بخلاف؟ عافني يا مولاي وارجع عن هذه الأوصاف التي تجلب لنا
الأكدار، وتُلبسنا أثواب الذل والعار، وارحم مونيم الواقعة على أقدامك
الطالبة الرجوع عن قصدك ومرامك.
فرناس
:
طال يا مونيم أيني
وبرى جسمي الغرام
فارحميني حان حَيني
وانعمي لي بالمرام
مونيم
:
يا مليك الكون ارحم
حالتي وانفي العناد
أنت بي أدرى وأعلم
يا فتى دون العباد
فرناس
:
بان يا مونيم صبري
وفؤادي في لهيب
فاغنمي بالوصل أجري
مدمعي أضحى صبيب
مونيم
:
أنا لا أرضى لذاتي
صاحبًا غير أبيك
والوفا من واجباتي
فاقتصر لا أرتضيك
فرناس
:
كفى يا مونيم، كفى عني إعراضًا وجفا، فإلى ما أطلب منك قربًا فتطلبين
مني ابتعاد، وأبتغي منك لينًا وأنت لا تزيدي إلا قساوة وعناد؟! فكفاكي
أيتها القاسية تجبر وازدراء، واعلمي أني سأضاعف لك الجزاء، إذا بقيتي
مصرة على هذا العناد، وحاولتي سبيلًا لمسالمتي والسداد، كم عاملتكي
بالرحمة، فقابلتيني بالقساوة، وخاطبتكي بالرأفة فأظهرتي الإعراض
والعداوة! فأمعني النظر بمن تخاطبين، وافتكري عن من تمتنعين، واعلمي
أني سيِّدك ومولاك، وفي يدي سعادتك وشقاك. وها أنا أعرض لك يا مونيم
أمرين، فانظري فيهما وميِّزي شانهما من الزين، وهما الحياة والسعادة
بالقرب مني، والممات والشقاة بالبعد عني، فاختاري لنفسك ما يطيب،
واعتمدي على السلامة دون التعذيب، وها أنا ذاهب عنك الآن، لتفضلي الربح
عن الخسران، ويتم الأمر حسب المراد، ونكتفي شر هذا العناد.
الواقعة الرابعة
(أرباط)
أرباط
:
إن خبر قدوم أخيك يا مولاي صحيح، وعن قريب يحضر إلى هنا وترى وجهه
الصبيح.
فرناس
:
أفهمت سبب مجيئه إلى هذه الديار؟
وسالمتك الليالي فاغتررت بها
وعند صفو الليالي يحدث الكدر
أرباط
:
لا يا سيدي، ما تحصلت منه على فرصة الاختبار.
فرناس
:
أظن أنه سمع بوفاة أبيه الملك متريدات، فأتى طامعًا في الملك وبلوغ
الغايات، وهذه عليه أبعد مرام، ودونه حد هذا الحسام.
أرباط
:
ما فهمت منه يا سيدي أدنى إشارة، وما أظن مجيئه إلا بقصد
الزيارة.
فرناس
:
إن كان ذائر فحبابة وكرامة، وإن كان مشاجرًا فخسرًا له وندامة، فسِرْ
واستعلم عن مقصده بقدر الإمكان، وارجع إليَّ بالخبر الصحيح في هذا
المكان.
أرباط
:
أمرك يا ذا الشهامة.
فرناس
:
سرْ مصحوبًا بالسلامة.
الواقعة الخامسة
(فرناس – مونيم)
فرناس
:
وها أنا ذاهب عنك الآن يا مونيم، لتفضلي الرجوع إلى السبيل المستقيم،
وأؤمل أن أراك موافقة لي فيما أريد، لتحصلي بعدها على الرفعة والحظ
السعيد، باقترانك بالملك فرناس، صاحب البطش والشهامة والبأس.
(ويذهب)
الواقعة السادسة
(مونيم)
مونيم
:
وا كرباه، وا عذاباه … وكيف يمكني أن أقترن بمن لا أحبه ولا أرغب أن
أراه، وأعيش بعيدة عمن أصبحت قتيلة هواه، منية القلب إكسيفار، صاحب
البهجة والوقار، وقرة العيون، من أورثني الشجون، وحمَّلني الوجد والغرام،
وقيِّدني بسلاسل الهيام، أنا ألبست على فرناس الأمر، وخادعته بالتمويه
والمكر، وأظهرت له حب أبيه، مع أني لا أرغبه ولا أشتهيه، وأسأل رب
الأرض والسموات، أن يُلحِق فرناس بمتريدات، ويبقى لي حبيبي إكسيفار،
الذي تخجل لحسنه الأقمار، متى أرى طلعته البهية، وأجتني بمحاسنه
السنية، إكسيفار … إكسيفار، آه، أحرقتني النار، إلى ما أقاسي في هواه
العنا، وما كنت أحصل على المنا، يا ترى عنده ما عندي من الغرام، أم هو
في راحة من الهوى، وأنا حليفة السقام، أنا الأسيفة الأثيرة، أنا
المظلومة الكثيرة، التي أحرمت أباها، والحبيب جفاها، وألوعها الزمان، في
كل نكبة وهوان.
ما لي إلا أن أذهب إليه، وأترامى على قدميه، وأتوسل به أن يخلِّصني من
أخيه، وأقدِّم له قلبي فعساه يرتضيه، وبعدها أحصل على الإيناس، بالقرب
منه، والبعد عن فرناس.
من مجيري من لظى نار الغرام
أو نصيري يا ترى بين الأنام
بان عني كلما أرغبه …
وعلاني كل قهر واصطدام
والدي غالته أيدي الظالمين
وحبيبي القاسي ما كان يلين
يا حياتي رق لي قلبي طعين
واشفه بالقرب يا نسل الكرام
الواقعة السابعة
(إكسيفار – أرباط)
إكسيفار
:
واه، وا حزناه! من خبر كلم فؤادي، وأضاع عقلي ورشادي، أسفًا عليك يا
ولدي متريدات، يا من جددت بفراقه الحسرات، قتلك فرقة الطغيان،
وأورثتني بعدك الأحزان، آه من الدهر وبلاه القهر.
الدهر إن صافى فظلٌّ زائل
وله مدا الأيام ختل غائل
يا دهر كم أرديت من بطل وكم
دكت بنورك يا ظلوم جنادل
تبًّا لدهر جار بالحكم على
ملك بأحكام الرعية عادل
ملك رحيم في البرية كم له
من مكرمات عادلتها فضائل
فجعت به اليونان وانقطع الرجا
عنهم وحلت في البلاد مشاكل
تعسًا لأيام بها ظهر الأسى
بزوال من هو للمراحم فاعل
أبكيه ما بقيت حياتي بعده
حتى أراه ودمع عيني هاطل
أرباط
:
ارفق بنفسك أيها الأمير.
إكسيفار
:
عظمت كروبي أيها الوزير، ولاعني البين أشد التياع، وحمَّلني الدهر
خطوبًا لا تستطاع، وأعظم من هذه الخطوب والكروب، عداوة أخي الكنود
العضوب، وأحقاده التي هي ينبوع الشرور، وتجده أن يكون ضدي في جميع
الأمور، وحيث إنه منافق وأنا متَّقٍ، فبعيد علينا أن نتفق.
أرباط
:
وما سبب عدم الاتفاق؟
إكسيفار
:
أوَتجهل غدر أخي والنفاق اللذان انطبع عليهما، ولا ينفك لحظة عنهما،
أما كنت تنظر بغضه لي ولوالده في كل آن، وحبه الزائد ورعايته لأعدائنا
الرومان، أما هو السبب في موالات الحروب والقتال، والذي جرأ الرومانيين
على أقبح الفعال، أما كان ينقل لهم أخبارنا ويحرِّضهم دائمًا أن
يخرِّبوا أمصارنا، ويحترم دائمًا أمورهم، ويروح غامضهم ومشهورهم، أما
هو مشهور لدى جميع البرَّين أن جميع حركاته رومانية، أما هيَّج الشعب ضد
والده مرارًا، وزيَّن لنا المخالفة مع أعدائنا الأشرار، ومع هذا المكان
يظهر الحب الزائد لأبيه، ويفعل شرًّا كلما يكدره ويؤذيه، وحيث الآن
قُتِل والده وبلغ المراد، فلا بدَّ حالًا ما يظهر لي العناد، ويفوق على
هذه الأسباب سبب واحد، يجبر أخي أن ينصب لي أشراك المكائد، وتدور رحى
المفاضلة، لتحصل بيننا المقاتلة.
أرباط
:
وما هو السبب الذي يجبر أخاك أن ينصب لك الشرك؟
إكسيفار
:
آه … هو شيء كتمته في صدري، وسيصحبني يا أرباط إلى قبري، وهو حبي
لمونيم ذات القوام القويم، الذي خلَّد لوعتي، وأطلق عبرتي، وأثار النار
في فؤادي، وحرمني لذة رقادي، ورهبًا من والدي متريدات، كنت أكتمه
وأكابد الحسرات؛ ولهذا طلبت من أبي مقاطعة كلسوس، فأجاب طلبي وصرت حليف
النحوس، واخترت البعد عن الإقامة؛ لأسلم من غوائل الملامة، وكذل أعطى
أخي مقاطعة البون، لما رأى من المخالفة والجنون، وقصد عدم رؤيته
والراحة من ثقالته، ومنذ حكمت في كلسوس إلى الآن، وأنا في وطيس الكروب
والأحزان، رقادي سهادي ورشادي فساد، وسروري كمد وحبوري نكد، وأعظم شيء
أوهن من الجنان، هو أيها الوزير الكتمان، خشية من أبي أن يعجل عطبي،
وحيث الآن قُتل والدي وشرب كأس الدمار، حضرت لانتقم من أعدائه الأشرار،
وبعد حين من الزمان، أعرض لدى مونيم قلبي المهان، وأُظهر لها وجدي
المكين، فعساها تقبلني لها قرين، وأعيش معها بالصفاء، حاصلًا على الراحة
والشفاء.
أرباط
:
مونيم يا سيدي لا ترغب سواك، وقصار آمالها أن تراك.
إكسيفار
:
وأنا بغيتي رضاها، ولا أشتهي قرينة سواها، ولكن أيها الوزير، بلغني
أن أخي الخئون الحقير، أظهر لها الحب والتسهيد، وانخلط عليها بعنف
شديد، ومراده أن يجبرها على الاقتران، إذا قابلت طلبه بغير
الإذعان.
أرباط
:
نعم يا سيدي، وقع ذلك من أخيك، ولكنها رفضت طلبه رغبةً فيك، وأظن أنها
لا تجيب له طلب، ولو أذاقها أنواع العذاب والعطب.
إكسيفار
:
وأنا لا أسلمها له مدا الزمان، وأجبره ألَّا يذكرها تجاه إنسان، فسِرْ
وبشِّره بضد مراده، وحذِّره أن يرجع عن غدره وعناده، وإلا أسقيه كاس
الدمار، من حد هذا البتار، إذا خالف مقاصدي ولو مرة، أرجع عليه غدره
وشره … وأنت من الآن، فاختار لنفسك سيِّدًا منَّا، أو فاعتزل في كل
الأمور عنَّا، وجانب كل حسن وقبيح، لتعيش صريحًا ومستريح.
أرباط
:
ما هذا الكلام يا سيدي إكسيفار؟ أتظن أني سواك أختار، وأعيش في ظل
غيرك، وأتنعم في خير غيرك وبرك؟ وغاية مقصدي يا ذا المكارم أن تقبلني لزهنك خادم.
إكسيفار
:
أنا أقبلك أيها الوزير، وأرضاك لي سميرًا ومستشيرًا، وأجعلك في سائر
الحالات محل والدي الملك متريدات، فسِرْ وأخبر مونيم بحضوري، وحذِّر
فرناس أن يعاكسني في أموري، وعد إليَّ بالجواب.
أرباط
:
أمرك أيها المهاب (ويذهب).
الواقعة الثامنة
(إكسيفار)
إكسيفار
:
الحب قد رشق الفؤاد بجمرة
فغدوت من نار الغرام بحرقتي
مونيم جودي بالوصال فإنني
أهوى المنيَّة كي تخف بليَّتي
إن الممات لمغرم ألِف الجوى
هو راحة ومتى أفوز براحتي
مونيم، ما هذا التجافي
رقِّي فذا الإعراض كافي
حسب اللقا يا نور عيني
منك توافيني وصافي
كم ذا التجني والبعاد
يا منيتي ضاع الرشاد
أنت المنا والمراد
ووصلك للقلب شافي
الواقعة التاسعة
(إكسيفار – مونيم)
مونيم
:
جورًا على قلبي حكم
دهري بالأذية صدر
وبات قلبي في ألم
وقلب من أهوى حجر
إكسيفار
:
مونيم ماذا الارتباك
مونيم
:
فرناس لي نصب الشراك
دخيلة وافت حماك
أغثها … … …
إكسيفار
:
… لا تخشي ضرر
مونيم
:
يا سيدي كن مشفعًا
لحالتي ومنصفًا
أصبح جسمي تلقا
وأنت لا تدري الخبر
إكسيفار
:
أبشري يا مونيم بالمنا، والسلامة من كل عنا، واشرح لي ما نابك من
فرناس، لألحقه بسكان الأرماس.
مونيم
:
اعلم يا سيدي، أنه أتى مشهِرًا خبر وفاة أبيه، وكلفني به الاقتران، مع
أني لا أرغبه ولا أشتهيه، وعن قريب يحضر إلى هذا المكان ليجبرني قهرًا
على الاقتران، أو يذيقني الدمار، إذا خالفت ما يختار.
إكسيفار
:
كفى، كفى يا مونيم هذه الدموع، وستنظرين رأس فرناس مقطوع، ورأس كل
مقعد مهان، من اليونان والرومان، ولا بدَّ ما أشق الصفوف، وأبدر المئات
والألوف، وأرجعهم جميعًا إلى الأعقاب، وألجئهم إلى الكهوف والأشعاب،
وأذيقهم كاس العطب، بحد هذا المشطب.
أنا البطل الذي خضعت لسيفي
بنوا الدنيا كما خضع الزمان
إذا هاجت بحور الحرب يومًا
أخوض بها ولا عاش الجبان
فكوني يا مونيم بطيب عيش
ومن كيد الأعادي لك الأمان
وسوف ترين لي في الحرب سيفًا
يقدُّ الهمام إن وقع الطعان
مونيم
:
لغير علاك لا يعنو العنان
ويخشى السيف بأسك والسنان
أيا رومان سوف ترون قيلًا
له ملا الدنيا والإفك شان
ويا فرناس خاب رجاك فاقصر
وعد بالخسر حاق بك الهوان
رعاك الله يا مولاي فاسلم
بعز ما أنار النيِّران
إكسيفار
:
ستنظرين يا مونيم فعال إكسيفار، وكيف يحصد رءوس أعدائه الأشرار،
وكذلك أخي فرناس … أخي فرناس، أخمد منه الأنفاس، وأُذهب روحه إلى صقر،
إذا بقي على غدره والأثر … ولكن يا ذات الجمال، أتسمحي لي بعدها
بالوصال، وتبقليني لك قرين، وتنقذيني من هذا العذاب المهين؛ لأني قتيل
عينيك، وأسير بين يديك، فارحمي يا مونيم حالي، وأصرفي حرقتي وبلبالي،
واعلمي أن سعادتي في رضاك، وشقاوتي في هجرك وجفاك، فعامليني بالإحسان،
وخلصيني من الأحزان، وتأكدي أني أموت قتيل الغرام، إذا رفضتي مسألتي
والسلام.
بقربك يا مليحتي أسعفيني
فوصلك راحتي وجفاك أيني
لقد هدم الجفا أركان صبري
وقلبي على جمر الشجون
فرقِّي وارحمي حالي فقلبي
لقد لعبت به أيدي المنون
وقد أصبحت مأسور التصابي
وليس سوى اللقا منك معيني
مونيم
:
أنت يا سيِّدي تحب مونيم؟
دعيني يا خطوب وفارقيني
فقد قرت بما تهواه عيني
ونلت مناي من محبوب قلبي
وحاسم لوعتي ومبين بيني
فيا بشراي أتحفني زماني
بدرة عقده الزاهي الوصين
فما أحلاه لما قال لطفًا
بقربك يا مليحة أسعفيني
إكسيفار
:
نعم، نعم، وبسيف لحظها كليم.
مونيم
:
وا فرحاه.
إكسيفار
:
بعد ترحاه (يتعانقا).
الاثنين
:
بشرى لنا نلنا الأماني
وأشرقت شمس التهاني
طب بالصفاء آه يا جناني
قد نلت لذَّات التداني
يا فرحتي لاحت سعودي
ترهوا على رغم الحسود
ونلت من ورد الخدود
لثمًا من الوجد شفاني
الواقعة العاشرة
(إكسيفار – مونيم – فرناس – جند)
فرناس
:
سلامي على ذات الجمال التي سبت
معاطفها الأغصان بالتيه والعُجب
وتاقت على البدر المنير بوجهها
ضياء وضنَّت بالتواصل والقرب
فهيا بنا يا منية القلب للقا
فقد آن وقت الأنس يا ظبية السرب
مونيم
:
يا طالبًا مني الوفا
النجم منه أقرب
كدرت أوقات الصفا
مني وعز المطلب
فرناس
:
إلى متى هذا الجفا
وأنا بقربك أرغب
كفاك مونيم كفى
لا شك قلبي يغضب
مونيم
:
اعلم يا سيدي، أني لا أقترن بك لأسباب، إذا أردت معرفتها فأنا أشرحها
لك يا مهاب.
فرناس
:
اشرحي لي جل أفكارك، ولا تُبقي شيئًا من أسرارك.
مونيم
:
إن لا يخفاك أيها الريبال، أني من نسل ملوك وأبطال، وأبوك خطبني من
أبي من منذ سنين فأجاب طلبه؛ لسمو نسبه ونسبي، وقبل عقد الزواج حدث ما
يسبب الانزعاج، وهي الحروب السالفة بين أبيك والرومان، وكان من
المحاربين مع أبيك أبي فليبوليمان، فأُسِر وقُتِل تحت اسم أبي مونيم
قرينة عدوهم والدك الملك الفخيم، والآن قتلوا والدك الملك متريدات،
وجددوا لي المصائب والحسرات، فما كفاني ذلك قهرًا حتى أقترن بك عنوة
وجبرًا، وأنت أول متحد مع الرومان الشاحذين سيوف البغي والعدوان،
فحوِّل أفكارك عني أيها العاتي، ودون اقتراني بك ذهاب حياتي.
فرناس
:
ومن أخبرك أني متحد مع الرومان؟
مونيم
:
اتِّحادك مع الرومان لا يجهله إنسان، وأكبر دليل على ما قلته يا ذا
الشئون اختلاط عساكر الرومان بعساكر البون، مع أنك أميرها وحاكمها
وكبيرها، فوجود هذه الأسباب هي المانعة من الاقتران، فدعني بالله عليك
وشأني، ولا تزدني حزنًا فوق أحزاني.
فرناس
:
لا لا … إن أسباب رفضك الاقتران لا لكوني متحد مع الرومان، بل لأسباب
فهمتها الآن، وستكون عليك وبالًا وخسران.
إكسيفار
:
مهما كانت أسباب امتناعها تكون، وأنت ما حملك على إجبارها يا خئون،
مع أنها لا ترضاك ولا ترغب أن تراك؟!
فرناس
:
التزم حدَّك يا ذميم، ولا تعارضني في أمر مونيم.
إكسيفار
:
وكيف لا أعارضك بأمر هو عين العار، وألبستنا أثواب الفضيحة والشنار،
وماذا تقول يا ترى الملوك والأمراء إذا سمعوا بهذا الفعل الذي لا تفعله
الجهلاء، أما يجب عليك أن تقدم على شهوتك الانتقام من قاتل والدك يا
قليل الزمام، فاصحوا من سكرتك والذهول، وارتجع عن هذا الزيغ يا جهول،
وبادر لأخذ الثأر من أعدائنا الرومانيين الأشرار، وبعد بلوغ الآمال لكل
مقام مقال.
فرناس
:
وها أنا في احتياجك أيها المهان، حتى تشور عليَّ بإشهار الحرب على
الرومان، ومن أنت أيها الجبان من الأبطال، حتى تطلب مني إشهار القتال،
أما تعلم أني ملك اليونان والرومان، والمتصرف المطلق في جميع البلدان،
أوَتجهل أني ملكك ومولاك، والمذيق لك إن خالفتني الهلاك، فاحذر أن تفوه
بشيء أمامي، وإلا أذقتك المنون من حد حسامي.
إكسيفار
:
وبأي جسارة يا أنذل الأنام، تهدد مثلي بهذا الكلام، وتعلمني أنك ملك
عظيم، وشيء غليظ جسيم، أتظن أني أخافك أو أخشاك، أو أرهب بأسك لي يا
أفاك، فدونك مبارزتي وقتالي، لتذوق الموت من نصالي.
فرناس
:
صه يا جبان وجعبة الإظعان … دونكم هذا النذل فاقتلوه، وإلى نار
الجحيم أرسلوه.
إكسيفار
:
ارجعوا يا لئام، قبل أن تذوقوا الحِمام … وأنت ما أوقفك يا جبان عن
الحرب والطعان، فبادر إن كنت من الأبطال، لترى من حسامي
الأهوال.
فرناس
:
ألك أيها الأحقر، حسام بين الرجال يُذكر، أم حسبت أني امتنعت عن
قتالك ارتياع، فما هو وحياتي إلا احتقارًا بك يا بلكاع.
إكسيفار
:
دع عنك يا جبان هذه الأعذار، وأسرع لشرب كأس الدمار.
في الحرب تعرف يا فرناس أفعالي
وليس تخفى على الفرسان أهوالي
إن كنت تجهلها فاليوم تعرفها
حقًّا وتدرك مني صدق أقوالي
أنا الشجاع الذي تعنوا السباع له
وتختشي في الرحى من طعن عسالي
فرناس
:
صه يا مهذار، وحذاري حذار؛ فقد أسأت الأدب، وجزاؤك حد هذا
المشطب.
أنا الذي لا يهاب الموت إن سعرت
نار الوغى بين أبطال وأقيال
أنا المنون لمن يبغي مخاصمتي
وهمتي ترشق الدنيا بزلزال
دع عنك ما أنت مني الآن طالبه
أو تسقي كأس الرد من حد فصال.
إكسيفار
:
سترى من يُسقى الردى، ويذهب سعيه سدى (يتبارزان).
يا ساقط الهمة خذ ضربة
من صارم تسقط منه الجبال
فرناس
:
وأنت خذ أعظم منها فلا
أظن تلقى مثلها في القتال
إكسيفار
:
كذبت يا ندل بما قلته
فأنت عندي في قدم خيال
فرناس
:
كن مستعدًّا والقى مني أبتر
حربًا شديدًا يردي أسد الدجال
مونيم
:
إلهي، ما هذا البلاء العظيم والخطب الجسيم، ارحمهما يا بديع السموات،
وخلِّصهما من البليَّات …
(لحن)
بالله ماذا الاعتدا؟
الجميع
:
يا أخوة صاروا عدا.
مونيم
:
أرواحنا لكم فدا.
الجميع
:
يا ربنا أكفيهما شر العدا. أمان، أمان، أمان، أمان.
مونيم
:
هيا اتركوا أمر الجدال.
الجميع
:
واسقوا أعادينا النكال.
مونيم
:
بالله أصغوا للمقال.
الجميع
:
وبادروا لأخذ ثأر الوالد الشهم الهمام. أمان، أمان، أمان،
أمان.
الواقعة الحادية عشر
(أركاس – مونيم – فرناس – إكسيفار – جند)
أركاس
:
لكم البشرى أيها الأميران.
فرناس
:
ما الخبر يا أركاس؟ عجِّل بالبيان.
أركاس
:
إن شاطئ البحر قد امتلأ بالعساكر من سائر الجهات، فذهبنا لكشف الخبر
فرأينا والدك الملك متريدات وهو مقلَّد بحسامه المشطب، وخبر وفاته قد
تكذَّب.
إكسيفار
:
والدي قد أقبل؟
أركاس
:
نعم أيها الأكمل، وقد نزل لملاقاته الوزير أرباط وجميع رجال الدولة
بكل انبساط، فبادرا لملاقاته، لتحصلا على مرضاته (يذهب أركاس).
الواقعة الثانية عشر
(فرناس – إكسيفار – مونيم – جند)
إكسيفار
:
قد منعتنا يا مونيم الأقدار، عن بلوغ الآمال والأوطار.
مونيم
:
نعم أيها الأمير الأجل، خاب القصد والأمل، وتأكدت ألَّا خلاص من أبيك
ولا مناص، فأستودعك الله أيها الأمير.
إكسيفار
:
اذهبي بكلاة السميع البصير (تذهب
مونيم).
الواقعة الثالثة عشر
(إكسيفار – فرناس – جند)
فرناس
:
وأنا بقدوم أبي خابت مقاصدي، وتوارت سعودي، وفقدت مساعدي، وأصبحت
عرضة للأخطار، من غضب والدي العنيد الجبار … فاذهبوا الآن أيها الجند؛
لأن لي مع أخي قصد (يذهبوا الجند).
الواقعة الرابعة عشر
(فرناس – إكسيفار)
فرناس
:
قد مضى ما مضى يا إكسيفار، وعلينا الآن أن نستخدم الأفكار، لنخلص من
العذاب الشديد، وغضب والدنا الجبار العنيد؛ لأنك تعلم قساوته وجبره
وعداوته، خصوصًا إذا علم ما جرى بنينا وبين مونيم، فيوقع بنا كل ضرر
وبلاء جسيم.
إكسيفار
:
وأنا ما جرى بيني وبين مونيم؟
فرناس
:
أحسبت يا إكسيفار أني صميم، أمَا سمعت كلامكما عند الوداع، وصار لي عن
حالك وحالها اطِّلاع، ولكن فلندع هذا الأمر لوقت آخر، وندبِّر أمور،
نحصل بها على الحبور.
إكسيفار
:
وما هو التدبير يا سديد الآراء؟
فرناس
:
التدبير أن … أن نقتل آبانا ونخلص من العنا، قبل أن يبطش بنا، ويوصل
إلينا ما يؤذينا، وأنا وأنت نملك جميع البلاد، ونحكم على سائر
العباد.
إكسيفار
:
دع يا فرناس هذا المقال، ولا تتمسك بأذيال المحال، فمهما كانت طباع
والدي ردية، فأنا لا أطاوعك في أمر يوصل إليه أدنى أذية، وهل أنا عديم
النخوة بهذا المقدار، حتى تكلِّفني قتل والدي يا غدار، أما هو ينبوع
ذاتك وذاتي، والسبب في حياتك وحياتي، فأنا لا أتجاسر على فعل ذلك، ولو
سقاني والدي كئوس المهالك، ولا أقدم له غير الطاعة والاحترام، مع عدم
مخالفة أوامره على الدوام، وأنا أبشِّرك بأنك لا تسود ما دمت مصرًّا
على هذا البغي يا جحود.
فرناس
:
اعفُ يا إكسيفار عني، واكتم ما سمعته مني؛ فقد اعترفت بأوزاري،
وارتجعت عن أفكاري، وأعاهدك ألَّا أخرج بعدها عن طاعة أبي، ولغير
مرتضاته لا يكون طلبي، وحيث علمت أمرك وعلمت أمري، فأكتم سرك وتكتم
سري، والناجي منَّا لا يتخلى عن أخيه، إذا أبصر عين الغدر من
أبيه.
إكسيفار
:
هذا الأمر أعاهدك عليه، وتنجح جميع أفكاري لديه؛ لأنه عين صلاحك
وصلاحي، وبه نجاحك ونجاحي.
فرناس
:
هيا إذن لملاقاة أبينا، الله يحفظه ويحمينا (لنفسه): إن أبقيت عليك أو على أبي، فلا
أكون فرناس أيها الغبي.
إكسيفار
:
ولِم توقفت عن الذهاب؟
فرناس
:
هلمَّ أيها المهاب.
الاثنين
:
أتى ذا الملك مولانا المعلَّى
فغض الطرف عن ملك المعالي
وها نحظى بلثم الكف منه
وربي سابل ستر الأمالي
الفصل الثالث
الواقعة الأولى
(ترتفع الستار عن هيئة تخت ملوكي، وبه الملك والوزير وإكسيفار وفرناس وأركاس والجند.)
الجميع
:
مظهر لسعد تجلَّى
فوق أفلاك الكمال
وبه الكون تحلَّى
وازدهى وجه الجمال
يا ليالي الأنس عودي
عاد سلطان الوجود
بعلامات السعود
والمعالي والجلال
ملك سامي المناري
ذو وقار واعتبار
دام في أعلا فخار
فائقًا نور الهلال
ملك
:
ما فهمت السبب الذي ألجأكما يا إكسيفار لأن كلًّا منكما يترك مقاطعته
ويأتي إلى هذه الديار.
زمان لعوب بهذا الأنام
وكلٌّ يود نوال المرام
وما كل سارٍ يحل بالديار
وما كل طير يطول الغمام
وما كل عانٍ ينال مراما
وما كل عين تذوق المنام
فما الدهر إلا ظلوم خئون
كثير التعدي قليل الزمام
كليث الدحال يرينا ابتسامًا
ويبطش من بعد ذا الابتسام
نود الدفاع بدر التأني
فيغزي الدروع بسيف الصدام
فيا قلب صبرًا ولا تيأس
فإني صبور جسور همام
إكسيفار
:
السبب في مجيئنا أيها الولد الجليل، هي أكاذيب أهل العدوان
والأضاليل، التي أشاعوها في جميع البلدان، بأنك قُتِلت في بلاد الرمان؛
ولهذا جئت وجاء أخي فرناس، وكل منَّا لا يعي على أحد من الناس، وعزمنا
على الانتقام وأخذ الثأر من أعدائنا الرومانيين الأشرار، وفي أثناء
عزمنا على هذا الأمر، وردت لنا البشائر، بتشريفك من البحر، فحمدنا
المنعم الراحم، الذي ردك إلينا سالم، وأسرعنا لملتقاك؛ لنحصلا على
رضاك، فهذا يا صاحب البطش والبأس، السبب في مجيئي ومجيء أخي
فرناس.
ملك
:
أصادق أخوك يا فرناس؟
فرناس
:
نعم يا معدن الإيناس، هذا الخبر الذي سمعناه، والأمر الذي قصدناه،
وقد اكتفينا والحمد لله العظيم، بتشريفك سالمًا من كل خطب جسيم، ونسأله
تعالى أن يحفظ ذاتك العلية من الزمان، وينصرك على الأعدا في كل آن
ومكان.
– أنا لا أشتبه بصدقك يا فرناس، ولا بصدق أخيك الخالي من الأدناس، وحيث إني رجعت مكسور، وخائبًا مقهور، وقد سمحت الإرادة باجتماعنا بعد مشقاة عظيمة، وحروب هائلة وخطوب جسيمة، فأرغب أن أتمتع قليلًا بالراحة، وأخبركم بعدها بما ترغبون إيضاحه، وندبر أمور نحصل بها على النجاح، والفوز على الأعادي بعناية الملك الفتاح، فاذهبا بالسلامة الآن، وحين الطلب تحضران (يذهبوا الجميع ما عدا الملك والوزير).
– أنا لا أشتبه بصدقك يا فرناس، ولا بصدق أخيك الخالي من الأدناس، وحيث إني رجعت مكسور، وخائبًا مقهور، وقد سمحت الإرادة باجتماعنا بعد مشقاة عظيمة، وحروب هائلة وخطوب جسيمة، فأرغب أن أتمتع قليلًا بالراحة، وأخبركم بعدها بما ترغبون إيضاحه، وندبر أمور نحصل بها على النجاح، والفوز على الأعادي بعناية الملك الفتاح، فاذهبا بالسلامة الآن، وحين الطلب تحضران (يذهبوا الجميع ما عدا الملك والوزير).
الواقعة الثانية
(ملك – أرباط)
ملك
:
إنني بعد معاناة الحروب، ومقاساة الأهوال والكروب، قد رجعت إلى الوطن،
وأنا في تيار الأجن، من القهر والكسر، وعدم الفوز والنصر، فرأيت ولديَّ
الخائنين، قد حضرا إلى هنا بكل قبح وشين، لما شاع عني من الأخبار، بأني
شربت كأس الدمار، ولكن رجوعي سالمًا إلى الأوطان، ألجأهما إلى التزوير
والبهتان، فاكشف لي يا أرباط جميع الأسرار، التي فقهتها من فرناس
وإكسيفار، وحذاري من الكتمان؛ لنأمن الخسران.
إلى ما يميل الحظ عني ويرغب
وأطلب منه نصرة وهو يهرب
وأستقبل الأيام وهي عبوسة
وأستضحك الآمال وهي تغضب
حسامي وعزمي لم أجد لي سواهما
معينًا إذا ما غرَّ سعديا مطلب
ولا بِدْع إن صادفت أعظم شدة
بما أرتجي فالحُرُّ يشقى ويتعب
فوا عجبًا ممَّن أود لقاءها
فمني لها قرب ومنها تجنُّب
ألين لها قلبًا وأرضى بحكمها
عليَّ فتقسوا كل حين وتغضب
أرباط
:
إن أول من أتى هو الأمير فرناس، وأشاع خبر قتلك بين عموم الناس،
وبقينا مدة بين الشك واليقين، إلى أن حضر الأمير إكسيفار آسفًا حزين،
وأكَّد لنا بفزارة دموعه وشدة احتراقه وعدم هجوعه.
ملك
:
وما فعلا بعد ذلك؟
أرباط
:
إكسيفار أيها المالك أزعم على الانتقام من الرومان، وفرناس مانعه عن
ذلك الشأن، أملًا أن يطرده من هذه الديار، ويقترن بعدها بمونيم ذات
الافتخار، ويصير ملكًا وسلطان، وحاكمًا على جميع اليونان
والرومان.
ملك
:
وهل اجتمع فرناس بمونيم؟
أرباط
:
نعم أيها الفخيم؛ فإنه بحال وصوله استحضرها وطلب اقترانها بعدما
أخبرها بأنك أيها المصون، قد سُقيت كأس المنون.
ملك
:
وما كان جواب مونيم لفرناس؟
أرباط
:
مونيم يا سيدي أرجعته باليأس، بعدما تهددها بالإعدام، إذا رفضت قصده
والمرام.
ملك
:
آه يا لك من ولد خئون، أهكذا سوَّل لك الجنون، وجرأك على خيانة
أبيك، فأبشر يا فرناس بما لا يرضيك، من حد هذا الحسام الذي يذيقك
الحِمام. وإكسيفار ما تعرَّض لمونيم؟
أرباط
:
لا يا مولاي الفخيم، إكسيفار ما زاع أسراره، ولا أوضح أفكاره، ولا
أبصرنا منه سوى الاهتمام، والرغبة في الحرب والانتقام.
ملك
:
بالحرب والانتقام، سنستوضح المرام، ونميز الصدق من التزوير، بعون
الله أيها الوزير.
أرباط
:
أنت يا مولاي أعلم بفرناس الجري، وأدرى بإكسيفار البري، وأنا
أخبرتك بالظاهر، والله أعلم بالسرائر.
ملك
:
أنا لا أشك ببراءة إكسيفار، وما عنده لي من الطاعة والاعتبار، ولكن
ذلك كان من قديم الزمان، وأما بعدما سمع بوفاتي، ربما صار كأخيه
عاتي، فلا بدَّ من الفحص والتدقيق؛ لنعرف العدو من الصديق، ونقابل
العدو بالإعدام، والصديق بالإحسان والإنعام. آه من زماني الغادر
الخوَّان، كيف أوقعني في أشراك، وحملني على بلاء وارتباك، وظفر أعدائي،
وطال عنائي، وجرَّأ ولديَّ على فعل الزيغ والغي، فأزعما على الخيانة وقلة
الحفظ والأمانة.
لا يرتجي المرء حفظ الود من أحد
ولا يعوِّل في الدنيا على ولد
فالغدر في الناس طبع لا يغيره
شيء فيا قلة الإنصاف والمدد
هم والزمان على نهج الفساد سروا
في كل حال وقد ضل عن الرشد
كيف التخلص مما قد بليت به
وقد تجردت عن صبري وعن جلدي
أرباط
:
قد أقبلت يا مولاي مونيم.
ملك
:
سرْ من هنا أيها الفخيم؛ لأحظى بها وحدي، وأبذل في تقريرها
جهدي.
الواقعة الثالثة
(ملك – مونيم)
مونيم
:
بزغ الهنا بالطالع المسعود
وأضاءت الدنيا بخير وقودي
يا أيها الملك المعظم شأنه
لا زلت بالتوفيق والتأييدي
شرفت ملكًا أنت عين حياته
يا غاية المأمول والمقصودي
ملك
:
أهلًا وسهلًا يا مونيم ومرحبًا
بك بالتقرب منك أكبر عيدي
إن ساءني دهري ببعد محاسن
عن ناظري فالقلب غير بعيدي
مونيم
:
أهلًا وسهلًا ومرحبًا
ملأت ذا الكون شعاع
وتفرقت أيدي سبا
أكدارنا بالاجتماع
ألبستنا ثوب الهنا
بعد العنا والانقطاع
ونلنا غاية المنا
بالقرب يا ذا الارتفاع
ملك
:
أنا لا أقدر أن أصف لك يا مونيم، أشواق قلبي الكليم، الذي لاعه
الهوى، وألهبته نار الجوى، وأرغب بعد هذا الفراق، أن نجمع أيام
التلاق، بتهاني الاقتران، قبل عواقب الزمان؛ لأني رجعت مكسور، وخائبًا
مقهور، وعازم بعد حين، بمدد الله المعين، أن أستعد لقتال الرومان، وآخذ
لك بثأر أبيك فليبوليمان، فبادري الآن للسعادة، وحصول الفوز والإفادة،
قبل موانع الدهر، الذي طبعه الغدر والكدر.
مونيم
:
أمرك يا رب العلا
عندي هو الأمر المطاع
فأنت سلطان الملا
وأنت قنَّاص السباع
إني لهذا بانتظار
وليس لي عنه امتناع
وبه حبوري والفخار
وسعادتي والارتفاع
ملك
:
حيث الأمر على هذا المنوال، فهيا بنا إذًا لعقد الاقتران في الحال …
ولِم توقفت عن الذهاب؟ هل لك مانع؟ ما الجواب؟
مونيم
:
لا يا سيدي ليس لي مانع … ولكن …
ملك
:
ولكن … ما هذا الدمع الهامل؟
مونيم
:
حزنًا يا ملك الزمان، على والدي فليبوليمان؛ فهذا الذي أجرى دموعي،
وأحرمني لذة هجوعي، وعلى كل لا أرغب عما تريد … ولا …
ملك
:
ولا … الخلاصة بلا ترويد.
مونيم
:
الخلاصة … أن …
ملك
:
أن لا ترغبين غير فرناس المطبوع على الأدناس.
مونيم
:
ما هذا الكلام أيها الجرفاس؟ وما أخبرك أني أرغب فرناس؟
ملك
:
امتناعك يا فاجرة، روغانك يا خاسرة، أحسبت أني ما أخذت الخبر، وعرفت
ما جرى وتدبَّر، بينك وبين فرناس، المُخاطر الخناس، وكيف تجاسرتي على نقض
الزمام، مع أنك لي من سنين وأعوام.
مونيم
:
لا تظلمني أيها الهمام، أنا ما نقضت لك ذمام، ولا اجتمعت بفرناس، ولا
بأحد من الناس، وأعلم أني مسلَّمة لك من أبي، ولغير قربك لا يكون طلبي،
فأمرني بما تريد يا ذا الشجاع، ولا يكون جوابي لك سوى الطاعة.
يا مليك الكون مالي
مقصدًا إلا رضاك
وأنا في كل حال
لم أزل تحت لواك
لست أعصي لك أمرًا
يا فريدًا في الزمان
كل من في الكون طرًّا
يرتجي منك الأمان
ملك
:
وكيف أنكرت اجتماعك بفرناس؟ مع أنه أرشفك من حديثه أطيب كاس، ووعدك
أن يجعلك ملكة اليونان والرومان، إذا أجبت طلبه وقبلت به
الاقتران.
مونيم
:
نعم يا ملك الزمان، ما تفضلت به كان، ولكني كتمت عليك الأمر، لما
رأيتك مغمومًا من القهر، وقصدت ألَّا أزيد على الكرب كربًا جديدًا،
فهذا يا ذا الفخار ما جبرني على الإنكار، وها أنا لك الآن مطيعة،
ولأوامرك سميعة، ومهما …
ملك
:
ومهما … والغاية؟
منيم
:
الغاية بلا شك لا أرغب غيراك … إك … إكليل المجد والتعظيم، الذي
سأناله بقربك أيها الفخيم.
ملك
:
قد لاح لي منك أمور، توجب البغضاء والنفور، وهي التردد في الكلام،
وعدم إظهار المرام، فأوضحي لي جل أفكارك، وأنا أبلغك جميع
أوطارك.
مونيم
:
أنا ما لي أفكار إلا …
ملك
:
يا إكسيفار.
مونيم
:
ما هذا الاتهام والوسواس؟! أنا لا أرغب إكسيفار ولا فرناس، وجل ما
أرغبه وأتمناه، اقتراني بك بلا اشتباه، فعجِّل بما تريك، وأنا لأمرك
كالعبيد، لا أعصي لك أمر، ولو ألقيتني في الجمر.
ملك
:
آه يا باغية.
مونيم
:
ما هذه الداهية؟
ملك
:
شبهتي الاقتران مني بالجمر، وما هِبت يا عظيمة الوزر، أني أقتلك وأقتل
إكسيفار وفرناس وأسقيهم كئوس الدمار.
لا بدَّ ما أبدأ بقتل فرناس، المتصف بالخيانة والأدناس، وأعجِّل لك
بعدها الانتقام جزاءً لك على ارتكاب الآثام.
سريرة فكري سوف تظهر للورى
وتعرف أبناء الزمان مآلها
وسيرته من خان العهود عن الورى
إذا حملته النائبات جبالها
زماني وأولادي وأهلي تعمَّدوا
نكالي وكل لاح لي زيغ ختله
ستنظرين فرناس الخئون مجندلًا
جزاءً له مني على سوء فعله
تصورته في باطن الأمر صادقًا
فبان كذوبًا مستحقًّا لقتله
وعن شكوتي لا يفيد بغاية
وهيهات أن ترجى النجات لمثله
وبعده … … …
مونيم
:
… مليكي، زيغ فرناس ظاهر
عن الرشد فاقتله على سوء فعله
ومُنَّ لإكسيفار بالعفو والرضى
فأفعاله بالصدق عنوة قوله
ملك
:
إكسيفار صادق؟
مونيم
:
نعم يا سيدي وموافق.
ملك
:
آه يا خائنة، آه يا شقية، ما هما وحياتي إلا أشقى البرية، فرناس
غدار، وإكسيفار … إكسيفار … أحضروه بالعجل.
جندي
:
أمرك أيها الأجلُّ.
مونيم
:
إلهي ما هذا العمل؟ ماذا تريد يا مولاي من إكسيفار؟ اقتلني عوضًا
عنه، آه، أحرقتني النار، أعفي عنه فإنه بري.
ملك
:
صه.
مونيم
:
ضاعت أفكاري.
الواقعة الرابعة
(ملك – مونيم – أرباط)
أرباط
:
قد شاع يا مولاي خبر قدوم الرومان، وقبل أن أقف على الصحيح، أتيت
لأخبرك يا ذا الوجه الصبيح.
ملك
:
ومن أشاع ذلك الخبر؟
أرباط
:
قد أشاعه يا مولاي معظم العسكر، فيلزم أن تتدارك الأمر قبل ما نقع في
الخسر.
ملك
:
اتبعني أيها الوزير.
غارت عليَّ جيوش الهم والكدر
والدهر قد قدَّ مني درع مصطبري
ولم أجد لي على خطب أكابده
عونًا وصار قلبي حادث الخطر
فخانني من عليه كنت معتمدًا
حتى أراني لا أنفكُّ عن حذر
قد جرت يا دهر فيما أنت فاعله
ونار شرِّك لا تخلو من الشرر
إن الليالي أتتني في عجائبها
وحادثات الأسى قد جبرت فكري
ولم أرَ في سما حظي سوى زحل
حتى تريني ضياء الشمس والقمر
أرباط
:
أمرك أيها الخطير.
الواقعة الخامسة
(فوديم – مونيم)
مونيم
:
آه ثم آه من تقلبات الزمان، وغوائله المذيبة للجنان، زمان غدار
غرار قهار، في الصباح يسرُّ، وفي المساء يضر، يعطي باليمين ويسترد
باليسار، صفاءه درهم وكدره قنطار، أنا ما صدقت أن أراني الحبيب،
فاسترجعه وتركني في لهيب، وعوضني عنه بمتريدات، الذي هو عندي من أعظم
البليَّات، ظننت أني خلصت من الأهوال، وبلغت بقتل متريدات الآمال، فرجع
وأرجع لي المصائب، وحلَّت عليَّ جميع
النوائب بقدومه وفراقه، وإكسيفار الذي ألبسني بعده الأكدار، بمن أستعين
على المصائب، وأكتفى من غوائل الأوصاب، أبالصبر؟ وأين أراه؟ أبالقبر؟
ومتى ألقاه؟ آه، وا حزناه.
فوديم
:
صبرًا يا مولاتي مونيم، واتكلي على السميع العليم؛ فهو المفرِّج
القريب، المنقذ من التعذيب.
مونيم
:
آه نديمتي فوديم، فؤادي في عذاب اليم، من فراق حبيبي إكسيفار، وقرب
متريدات الجبار.
رماني زماني بالمصائب والبلا
وصادمني من كل خطب يريده
يفارقني في الناس من لا أريد فراقه
ويصحبني في الناس من لا أريده
الواقعة السادسة
(ملك – مونيم)
ملك
:
اعلمي يا مونيم أني أصبحت عرضة للنوائب، وفريسة أتقلب في مخالب
المصائب، ولا أدري متى الفرج من مصائب الحرج، وقد بلغت هذا العمر وأنا
في العذاب والقهر من الرومانيين وعدم راحة اليونانيين.
أرى الدهر من أخلاقه الغدر والمكر
وهيهات أن يلقى المراد به الحر
يساعد أعدائي على سلب راحتي
ومع كل هذا لا يساعدني الصبر
يحرك مني الغيظ بعد سكونه
فألقى همومًا لا تقاسى بها البحر
ولكنني ملت للحلم بمقصدي
ولله فيما قد جرى الحمد والشكر
فلو أُعطيت نفسي مرادها
لأدركها بعد رجحانها الخسر
مونيم
:
وهل تأكد خبر قدوم الرومان؟
ملك
:
لا ما تأكد بعده للآن، وقد وجهت ولدي إكسيفار، وهو متأهب لأخذ
الثأر، والذي ظهر من أفعاله أنه صادق في أقواله؛ ولهذا زعمت أن أتنازل
عن التخت الملوكاني، وأجعله ملكًا مكاني، يحكم على كل قاصي وداني. أما هو
رأي سديد؟
مونيم
:
افعل يا مولاي ما تريد.
ملك
:
نعم، أجعله ملك عظيم، وقَيْلًا جليلًا فخيم، رغمًا عن أنف فرناس، وأنف
كل حسود خناس، وحيث خطني المشيب، وبلغت سن الترهيب، فالأجدر أن أزوج
مونيم بإكسيفار، وأنفرد بعدها للراحة والاستغفار، إلى أن أذوق الممات،
وأساوي الرفات الناخرات، فماذا تقولين يا مونيم؟
مونيم
:
عافني يا مولاي الفخيم، فأنا لا أقترن بسواك، ومنتهى رغبتي
رضاك.
ملك
:
إكسيفار، ريحانتي الزكية، وخلاصة محبتي القلبية، قد أحببت أن أجعله
لك قرين، فلماذا تمتنعين؟
مونيم
:
إلام يا مولاي تلقيني في أخطار، وتذكر لي تارة فرناس وتارة إكسيفار،
وأنا في سائر الحالات هواي بالملك متريدات؛ لثقتي بصدق مودته، وراحتي
في ظل شوكته، فإن رغب عني يكون قد قصد أيني، وسلمني لأيدي المنون، في
جميع الأحوال والشئون.
ملك
:
ما هذا الهمس يا مونيم، عزيزي إكسيفار الوسيم، قد أهديتك إياه، وهو
كالقمر في سناه، ازهدي به حب فرناس.
مونيم
:
أنا يا مولاي لا أحب فرناس.
ملك
:
كفى تروغين أيتها الظالمة، فلا بدَّ وحياتي ما أجعلك نادمة، إذا
بقيتي مصرة على هذه الأفكار، ورفضتي الاقتران بولدي إكسيفار، أما
تعلمين أني أبغض فرناس، وأحب إكسيفار دون جميع الناس، والذي يوده فهو
حبيبي، والذي يأباه فهو عدوي ورقيبي، فطاوعيني يا مونيم، ليكمل حظك
الوسيم، بقرب ولدي إكسيفار، صاحب البهجة والوقار.
مونيم
:
هذا الترغيب، وبماذا أجيب؟
ملك
:
عجِّلي بالجواب.
مونيم
:
مهلًا أيها المهاب … آه، قد تاه فكري، وحِرت في أمري.
ملك
:
ما هذا الهمس يا مونيم؟
مونيم
:
سلامتك أيها الفخيم (لنفسها)
وكيف أبوح له بسرِّي، وأُطلعه على حقيقة أمري قبل ما أقف على
المراد.
ملك
:
ما هذا العناد؟ قربك من فرناس بعيد، ودونه كل عذاب شديد، وكل راحة
واعتبار، بقرب ولدي إكسيفار، فامتثلي الأمر لتأمني من الضر، وتحصلي على
الافتخار، بزفافك على ولدي إكسيفار.
مونيم
:
إلهي، ماذا أقول؟ أنا يا مولاي آه، …
ملك
:
ما هذا الذهول؟ … ولِم قطعتي الكلام؟
مونيم
:
آه سلِّمني يا سلام … قلبي غير مطمئن.
ملك
:
لا، كوني في راحة وأمن، وتكلمي بالمرام، ولك الفوز والسلامة.
مونيم
:
لي الفوز والسلامة؟
ملك
:
نعم.
مونيم
:
آه يا مولاي الهمام، إكسيفار ريحانتي وروحي، إكسيفار غبوقي وصبوحي،
إكسيفار نشأتي وأنيسي، إكسيفار قمري وشمسي.
غرامي غريمي في هواه فليته
يمنُّ على قلبي وينفي جفاه
فلو قيل لي ماذا على الله تشتهي
لقلت رضى الرحمن ثم رضاه
ملك
:
كوني يا مونيم مطمئنة البال؛ فقد حصلت على الآمال، فادخلي غرفتك
الآن، وسيطيب منك الجنان، ببلوغ الأوطار، وقربك بولدي إكسيفار.
(تذهب)
الواقعة السابعة
(ملك – جندي)
ملك
:
آه من زماني الغدار … أحضروا فرناس وإكسيفار.
جندي
:
أمرك يا صاحب الافتخار.
ملك
:
الدهر علَّم أولادي خيانته
فيا قلة الحظ من دهري وأولادي
ولم أجد لي من الأيام فائدة
مثل المسافر في الدنيا بلا زاد
وإن من كنت أبغي من مودته
يومًا صلاحًا سعى نحوي بإفساد
أنا أفسد الداء عضوًا منك يا جسدي
فداؤه بعلاج القاف والصاد
فسوف يجري على من خانني غضبي
والحزن له دومًا بمرصاد
لا كان من عاش في الدنيا بلا شرف
ولا يرى الخير في قرب وإبعاد
الواقعة الثامنة
(ملك – فرناس – إكسيفار)
فرناس
(لحن)
:
طالع الأفراح عم الوجود
بالمليك الأعظم
إكسيفار
:
وصفت أوقاتنا بالسعود
يا بهي الشيم
شيد الله معالي علاك
بجيوش الظفر
إن من تدعوه طوعًا أتاك
لاكتشاف الخبر
ملك
:
إنكما يا ولداي تعلمان، ما لنا من العداوة عند الرومان، وانتصارهم
عليَّ في هذه المرة، أوقع في فؤادي كل حسرة وجمرة، وفرق شمل العسكر
وجدع، وملأ قلوبهم خوفًا وفزع، وعلى هذا تخور دعائم المملكة من اختلاف
الأحوال والحركة، وقد أزمعت أن أجرِّد جيشًا جرار، أزحف به على أعدائنا
الأشرار، وذلك بعد مدة وجيزة، أتمكن بها على ما أرغب تجهيزه، وفي هذا
اليوم قد جاءني كتاب، من طرف ملك البورس المهاب، يعلمني أنه مستعد
لإنجازي، وأن جميع ملكه طوع مرادي، وقد فوَّض أمر ابنته لديَّ لأجعلها
قرينة لإحدى ولديَّ، ويصير بعدها حليفي وسميري ومساعدي في كل الأمور
ونصيري، وقد توجهت يا فرناس إرادة أبيك أن يخصَّك بهذا الاقتران دون
أخيك، فبادر للهدايا والأموال، من ذلك الملك المفضال، وبعد عقد
الاقتران نستعد لقتال الرومان.
فرناس
:
لا ريب هذه الأفكار، هي مغناطيس الانتصار، سبل النجاح الموصلة لكل
ربح وفلاح.
ملك
:
ألك شبهة يا ولدي بهذا الكلام؟
فرناس
:
لا يا والدي الهمام … وكيف لا أشتبه بأفكار تجعلنا أتباع التبع،
وتجبرنا أن نعيش أذلاء ما بزغ الصبح وما لمع، ومن يكون ملك البورس أيها
السلطان، حتى نصاهره ونجعله من الأقران، أما نخجل أن يكون عوننا مع أنه في
كل في شيء دوننا، وأنا أقول بكل جسارة، وأجلي مقالة وعبارة، إذا كان
ولا بدَّ من التنازل لأحد السلاطين، فليكن تنازلنا للرومانيين؛ لأنهم
أعظم منَّا اقتدارا، ولنا بمحالفتهم أجل افتخارا.
إكسيفار
:
متى ترجع يا فرناس عن هذا الكلام؟ الذي لا تقبله شهامة أحد من
الأنام، ومن طمَّع الرومانيين سواك، وكلَّفهم موالاة الحرب يا أفَّاك،
أما هو أسف عليك أيها الجبان، أن تكون ابن ملك وسلطان، أسف وألف ألف
أسف عليك يا عديم النخوة والشرف … أنا يا والدي للرومان، ولو ملئوا
جميع القيعان، أنا ابن الملك متريدات، أنا إكسيفار صاحب الغارات، أنا
طود الشجاعة والبأس، أنا الأسد الحلاحل يا فرناس، مر يا والدي بتجهيز
العسكر؛ لأريحك من نصف السفر، وستسمع ما أفعل بأعدائنا الفجار، وكيف
أبدد شملهم في البراري والقفار، إذا التقت الجيوش والأبطال، وثارت
نيران الحرب والقتال.
نحن الذين إذا هاجت مواكبنا
ترتد أعداؤنا من بأسنا جزعًا
فكيف نخشى لهم حربًا وهمتنا
صبح الشجاعة من أفلاكها طلعا
إن الزمان لنا بالفتك قد شهدت
أبناءه لنا بالبطش قد خضعا
من ذا الذي يخبر الرومان إن لنا
مشطبًا كيفما وجَّهته قطعا
لو قابلته الرواسي وهو مشتهر
لطأطأت هاماته من بأسه فزعًا
ملك
:
بارك الله بهمتك يا إكسيفار، ولا زلت مزيلًا عن أبيك الأخطار، فما
أنت وحياتي إلا فارس اليونان والرومان، وحصنها العاصم لها من طوارق
الزمان … وأنت أيها الجبان، متى ترجع عن الطغيان؟ أما كفاك أن جعلتنا
سخرية عند الرومان؟ حتى تعمَّدوا حربنا في كل آن، فإلى ما يا خائن ترد
كلامي، وتظهر كل خيانة أمامي، فسِرْ لما أمرتك به الآن، وإلا أذيقك الموت
ألوان.
فرناس
:
عافني يا مولاي من هذا الاقتران، الذي أفضِّل عليه عذاب
النيران.
ملك
:
تفضِّل عليه عذاب النيران؟
فرناس
:
نعم، ولا أود الزواج مدى الزمان.
ملك
:
ولِم لا تود الزواج؟
فرناس
:
لأنه داء ما له علاج، وصاحبه يعيش مأسور، ومجبور عليه ومحيور.
ملك
:
ولو كان بمونيم؟
فرناس
:
ذاك نعيم في نعيم … لا … لا يا والدي جحيم في جحيم، آه، قد سبقني
اللسان، ووقعت في الخسران.
ملك
:
الآن تأكدت ما تقرر لديَّ، وعرفت من معي ومن عليَّ. آه يا خناس! بنت
ملك البورس كعذاب النيران! والزواج لا توده مدى الزمان! وقرب مونيم ذاك
نعيم في نعيم! آه يا لئيم! وكيف تجاسرت على ارتكاب الخيانة، وتجرأت على
مونيم يا قليل الأمانة، مع أنك تعلم أنها خطيبتي، وبغير رضاها لا يحصل
نشأتي، ما هذه الذنوب الفظيعة، والخطوب الهائلة الشنيعة؛ فقد استحقيت
غضبي يا خئون، وستذوق من سيفي المنون.
أسعر الرزء بقلبي
غضبًا عم البطاح
من خئون ليس يلقى
بعد ذا اليوم نجاح
أوثقوه واحبسوه
دمه صار مباح
من حسام كم عليه
عن دم الأكباد ساح
فرناس
:
ارحمني يا أبي، ولا تعجِّل عطبي؛ فقد أخطأت وأرجو السماح، عمَّا
ارتكبته من آثامي القباح، وأنا فعلت ما فعلت عن عقل، وما هو إلا عن طيش
وجهل، وكذلك أخي إكسيفار …
ملك
:
اسكت يا غدار، ولا تنجس هذا المحل بأنفاسك، إكسيفار سيدك ومبرأ من
أدناسك … اسحبوه أيها الجند، وكبِّلوه بالقيود والأغلال؛ فقد وقع في
النكال، وحرِّضوا على حفظه الحراس، إلى أن أطلبه لقطع الراس.
الواقعة التاسعة
(ملك – إكسيفار)
ملك
:
أنظرت يا إكسيفار، فعل أخيك الغدار؟
إكسيفار
:
حلمك يا مولاي أوسع من جهله، وسيرجع قريبًا إلى عقله، وأرجوك أن تمن
عليه بالإطلاق، وأنا أكفله أن لا يرجع إلى الشقاق.
ملك
:
لا تطلب مني ما لا يُنال، فلا بدَّ عن قتله في الحال.
إكسيفار
:
اقبل شفاعتي يا أبي، أو فاجعل قبله عطبي، كي لا أراه قتيل، وألازم
بعده الويل.
ملك
:
أنا حسبتك يا إكسيفار عاقل، فوجدتك مثل أخيك جاهل.
إكسيفار
:
وما رأيت من جهلي؟
ملك
:
اعتراضك على فعلي، أنت اصبر إلى الآخر، وستعلم الباطن من
الظاهر.
إكسيفار
:
ما فهمت يا والدي المعنى.
ملك
:
ستفهمها يا ولدي وتراها حسنة، أنا ما سجنته إلا لأجلك.
إكسيفار
:
لأجلي؟
ملك
:
نعم لأجلك.
إكسيفار
:
كذلك ما فهمت المقصود.
ملك
:
اعلم يا ولدي الودود، أني بلغت سن اللغوب، وأنحلني الخطوب والكروب،
وقد أزمعت أن أرقِّيك على التخت الملوكاني دون أخيك، وأزوِّجك بمونيم
ذات الجمال الوسيم، وأنفرد بعدها للعبادة والراحة والزهادة، وبعد أن
تصير ملكًا وسلطان، وحاكم على اليونان والرومان، ويصير تحت أمرك ونهيك،
ويُناط لأمرك، إطلاقه لرأيك، فهذا ما كلَّفني حبسه، لنكتفي كيده
ونكسه.
إكسيفار
:
أنت تزوِّجني بمونيم، وتجعلني ملكًا عظيم؟
ملك
:
إي وعينيك يا إكسيفار، أصيِّرك ملكًا في هذا النهار، واجعل في هذه
الليلة مونيم لك يا ولدي حليلة.
إكسيفار
:
وا فرحاه … وا طرباه، جبرتني يا أبتاه، فأعز أن يوجد في المخلوقات
مثلك يا والدي متريدات، وأكمل وأجمل وأعظم وأفضل، ميمون الحركات، كثير
البركات، حسن السيرة، طاهر السريرة، وأوحد ملوك الملا، فهكذا هكذا وإلا
فلا.
إليك وإلا لا تشدُّوا الركائب
لديك وإلا لا تُنال النجائب
عليك وإلا ليس يؤخذ مَوْثِق
ومنك وإلا لا تُنال الرغائب
وفيك وإلا فالحديث زخارف
ومنك وإلا لا تسوغ الشارب
لديك وإلا فالنزيل محقل
وعنك وإلا فالحديث مآدب
ملك
:
أنا تفرَّست فيك يا ولدي النبالة، وأرغب أن أراك في كل حالة، كثير
المحاسن والإحسان، كثير الأنصار والأعوان، حسن السياسة والسلوك، مع
الرعاية والملوك، ليُقال يا عزيزي الأوحد، حبذا الشبل ونعم
الولد.
إكسيفار
:
ستراني يا والدي الفخيم، في كل ضئيل وعظيم، شفوقًا عطوف، صدوقًا
رءوف، حتى يقال يا والدي الأوحد، حبذا الشبل ونعم الأسد.
ملك
:
وكذلك أوصيك قبل ما أرقِّيك، أن تعامل مونيم بكل احترام وتعظيم؛ لأنها
عزيزة عليَّ، وتعادل ضياء ناظريَّ.
إكسيفار
:
وكيف لا أعظم مونيم، وهي حياة قلبي الكليم، ولذة حواسي وينبوع
إيناسي.
ملك
:
قد بالغت يا إكسيفار.
إكسيفار
:
ما بالغت يا ذا الوقار؛ لأني قتيل هواها، ولا أشتهي قرينة سواها،
وكذلك هي تهواني، وشأنها في الغرام كشأني.
آه من العشق والغرام، وحرقة الوجد والهيام.
ذاتها ذاتي وذاتي ذاتها
من رآنا لم يفرق بيننا
عينها عيني وعيني عينها
جرمها جرمي وجرمي جرمها
إذا أبصرتني أبصرتها
فأنا مونيم ومونيم أنا
قلبها قلبي وقلبي قلبها
نحن روحان حلَلنا بدنا
ملك
:
أبشر يا خئون بمناك، وستحصل على مشتهاك، بقطع رأسك وإخماد أنفاسك،
أوثقوه أيها الجند؛ فقد تجاوز كأخيه الحد، وظهر أنه خوَّان، وجحود مهان،
اسحبوه إلى السجن.
إكسيفار
:
يا والدي الأمان.
ملك
:
اخسأ يا شيطان، فلا كنت ولا كان، أهكذا الأهل والولد؟! فلا عشت أيها
الألد، ولا عاشت مونيم، أحبولة إبليس الرجيم.
آن أن أعطيك حكمًا
يا حسامي في الأعادي
خفروا عهدي وخانوا
ثم حادوا عن ودادي
كل من ينصب فخًّا لسواه
فهو الواقع فيه دون أن يلقى نفاد
فليصافيني المصافي
وليعاديني المعادي
وأنا في كل حالٍ
على مولاي اعتمادي
الفصل الرابع
الواقعة الأولى
(ترتفع الستار عن هيئة سجن مظلم، وبه فرناس وإكسيفار ومونيم.)
فرناس
:
نعم نعم، لا بدَّ ولا جرم، من صعود وهبوط، وارتفاع وسقوط، وفرح
وحبور، وحزن وسرور، وصحة وسقم، ووجود وعدم، وكذلك من آدم إلى انقراض
العالم، وعلى الأديب السديد، أن يكون طودًا حديد، لا تزعزعه النوازل،
ليعد في البوازل، وأنا ما زعزعني الحبس، ولا جور أبي المشئوم بالبخس،
فأي مهند لا يُغمد، وأي أسد تراه لا يتردد، ومن النبل الحزم، والصبر على
المصائب، والتجلد عند حلول المصائب.
ولكن فهمت شيئًا وجهلت أشياء بالعاشق العاني، تضيق به الدنيا لأنه لا
يطيق الصبر عاشق، ولو كان بالصبر ينال المحيا، وكيف أصبر على مونيم
التي تركتني كليمًا سقيم، وقلبي في شجن، وجوارحي في محن، وحزني لا
يُطاق، من لوعة الفراق، والوجد والجوى، والصبابة والهوى، اللذان يأكلان
الاصطبار، كما تأكل الحطب النار.
ما على مونيم إذا منحتني رضاها، وحصلت على جميع قصدها ومناها،
فلولاها ما كابدت هذا العذاب، ولا عاينت هذه الأوصاب، وصار العشق يجول
في جوارحي، ويصير إكسيفار لديها محبوب، وفرناس شقي ومغضوب، ولأجلها أبي
تعمَّد عطبي، فما هذا الحرج؟ ومتى أنال الفرج؟ وأقتل أبي وإكسيفار الغبي،
وأصير ملكًا عظيم، ومالكًا زمام مونيم، الله إلام أخاطب ذاتي، وأنا
مضيع لأوقاتي، وحتى ما هذا الذل، والتمنطق بهذا الفعل، وعلى أي شيء
أتحمَّل هذه المكابدة، وما كنت أحصل على فائدة، فلا بدَّ ما أدبر أمور،
أحصل بها على الحبور، أو أصير حديثًا منسيًّا، فإما الثرى وإما
الثُّريَّا.
على قدر فضل المرء تأتي خطوبه
ويحمل من في الصبر همًّا يصيبه
فمن قلَّ فيما نلتقيه اصطباره
لقد قلَّ فيما تلتقيه مصيبه
ثلاثة يعز الصبر عند حلولها
ويزهل عنها عقل كل لبيب
خروج أحرار من بلاد تحبها
وفرقة إخوان وفقد حبيب
بان اصطباري
وقل احتمالي
والدمع جاري
كفى ما جرالي
أشعلت ناري
رقِّي لحالي
كم ذا التواني
أطلت انتحابي
والقلب بالي
مونيم لبِّي
أسير الغرام
وارحمي قلبي
قد زاد كربي
وحكم الغرام
أفتى بسلبي
حليف السقام
فكيف احتمالي
والوصل بالي
إكسيفار
:
آه، كيف أغراني أبي بنكره، وخاضعني بتمويهه ومكره، حتى اطَّلع على
سري، وفهم حقيقة أمري، وأوقعني في الشدائد، والمصائب والمكائد، وقد ظهر
لي علامات الصلاح، وأوضح لي سبيل النجاح، وقال لي إني بلغت سن
اللغوب، وأنحلتني الكروب والخطوب، وقد أزمعت أن أرقِّيك، على التخت
الملوكاني دون أخيك، وأزوِّجك بمونيم، وأجعلك ملكًا عظيم، فرقَّاني حالًا
إلى الحبس، وجعل قريني النحس، ما أيمنها من عبارة، وما أحسنها من
زهارة، يا ترى أين مونيم الآن، وما فعل بها والدي الخوَّان، هل عيوني
تراها، أو أقضي شهيد هواها، آته وا عنائي وشدتي وطول بلائي، من ظلم
أبي ولواعج كربي، وجور طوالع الهوى التي أذاقتني علقم الجوى، وسيَّرتني
محزون وأسير مسجون.
إن الأمور إذا اشتدت مسالكها
فالصبر يفتح منها كل ما ارتدجا
لا تيأسنَّ وإن طالت مطالبه
إذا استعنت بصبرٍ أن ترى فرجا
لولا الهوى ما نابني
ضيم ولا ذقت العذاب
كلا ولا أبصرت سـ
ـجنًا قد علاني باكتئاب
هلا يا ترى مونيم تد
ري ما بقلبي من العذاب
أم هل أنال منها بعد
البعد ذا الحبس اقتراب
والدعتي جسمي غدا
من حرقة البين مذاب
أنا في القيود مصفد
وفؤادي عاد في التهاب
وسواي بالإطلاق ير
فل والنعيم المستطاب
سبحان من قسم الحظو
ظ فلا ملام ولا عتاب
طال انتحابي وزادت شجوني
والقلب صابي ألا فارحموني
نار الجوى بي أبادت شجوني
لكم ثوابي فلا تظلموني
قيدي ثقيل وحبي جحيم
وجسمي نحيل ودمعي سجيم
حزني طويل وقلبي كليم
إني دخيل فلا تقتلوني
مونيم
:
آه، قربي من الملك متريدات، أوقعني في هذه البليَّات، فلو أخذت حبيبي
إكسيفار، ونزحت به من هذه الديار، لحصلت بقربه على المنا، وخلصت من أصل
الكروب والعنا، وما كنت رأيت الحبس، المعدَّ لأهل النحس، يا ترى ما فعل
إكسيفار، هل أباه مثلي على الأسرار، أم بقي مصرًّا على الكتمان، وأنا قد
بحت وأُلقيت في الهوان، هل يوجد خدَّاع كمتريدات، الذي ألزمني الإقرار
بألطف العبارات! قطع الله لساني؛ فإنه هو الجاني، فلولاه ما وقعت في
السجن، ولا كابدت أنواع العذاب والحزن، أنا قد بحت وصار ما صار، ولا
أخشى إلا على حبيبي إكسيفار، أن يبوح فيُسجن، أو يُهان فيحزن، هل يا
ترى علم بحبسي، وأني سأعجل في رمسي، أم درى بما صار وجرى، من يخبره
بحالي! آه، عظمت بلبالي، أنسيت مونيم يا إكسيفار؟! وا شقائي كلمتني
الأكدار، وذبت من الهوى ونوائب الجوى.
إذا أدناك سلطان فزده
من التعظيم واحذره وراقب
فما السلطان إلا البحر عِظمًا
وقرب البحر محذور العواقب
متى اتصالي يا أهل ودي
رقي لحالي قد زاد وجدي
يا ذا الجلال قد خنت ودي
فاطفى اشتعالي أطلت صبري
من لي مجير من متريدات
زاد العسير حان وفاتي
قلبي كسير فوا حسرتي
غصني النضير ذوى من بعد بعدي
ما حيلتي ما حيلتي
عيني جفَت طيب المنام
وكوى الغرام مهجتي
أوَّاه من جور الغرام
وأبان عني أحبتي
فعلاني ذل واصطدام
وا صبوتي وا كربتي
ذاب الفؤاد من الغرام
وقد زادت ظلمتي
فمتى أرى البدر التمام
يا بغيتي يا منيتي
صلني برى جسمي السقام
غادرتني في حرقتي
والقلب إكسيفار هام
إن لم تعامل بالتي
فعليك يا سؤلي السلام
فرناس
:
الحب أضنى حالي
وقد كوى قلبي بناري
مونيم جسمي بالي
وفي الهوى طال انكساري
من مقلتيها قلبي طعين
في حاجبيها سحر مبين
بدا وفي خديها قد طـ
ـاب لي خلع العذارى
إكسيفار
:
متى أرى الوصالا
فهو الدواء لداء وجدي
مونيم
:
جرمي غدا خيالًا
فمن النوى يا طول بعدي
فرناس
:
مونيم أهلًا.
إكسيفار
:
وا لوعتي!
مونيم
:
بدري وسهلًا.
فرناس
:
وا حرقتي، أرجو وصالًا.
مونيم
:
من ذا الذي يرجو مزاري؟
إكسيفار
:
قتيلك المسجون.
فرناس
:
أسيرك المحزون.
مونيم
:
من هذا يا سيدي إكسيفار؟
فرناس
:
مهجورك فرناس عديم الاصطبار.
مونيم
:
وأين أنت أيها الأمير؟
فرناس
:
في السجن وعذاب السعير.
مونيم
:
وأنت أيضًا محبوس؟
فرناس
:
نعم، ومغموم ومنحوس.
إكسيفار
:
وأنا مصفد بالقيود.
مونيم
:
أغثنا يا إلهي المعبود! ومَن حبَسَك يا حبيبي إكسيفار؟
إكسيفار
:
حبسني والدي الجبار.
فرناس
:
وأنا ما حبسني أبي.
إكسيفار
:
آه طالت كربي.
مونيم
:
كلنا حبسنا متريدات.
الجميع
:
أغثنا يا بديع السموات.
أصرفت بالجور والضر والظلم متريدات والدهر، بالقهر والكثر، ولنا القرار.
أصرفت بالجور والضر والظلم متريدات والدهر، بالقهر والكثر، ولنا القرار.
فرناس
:
أنقذنا يا جبار.
الجميع
:
قد طالت الأكدار.
فرناس
:
متى من العسر لليسر ننجوا؟
الجميع
:
كفى حسرات.
فرناس
:
امنحنا ذا الغفر بالنصر.
الجميع
:
في سائر الحالات.
أرباط
:
بالله اعفُ واسمح يا مهاب، وأنعم وأكرم وأصفح، تابوا تابوا.
فرناس
:
نعم، نعم.
إكسيفار
:
يا ذا النعم.
أرباط
:
فاقبلهما.
فرناس
:
يا من سما.
إكسيفار
:
دمعي هما.
الجميع
:
ما جرى كفانا طال العنا والعذاب.
ملك
:
أخرجوهما بالعجل.
أرباط
:
الأمل أيها الأجلُّ، أن تصفح عنهما.
ملك
:
معلوم لانتفش بهما، وكيف لا أصفح عن أعدائي، وأطيل بحياتهم
شقائي.
أرباط
:
سيدي.
ملك
:
صه … أنا لا أصفح عن عدو محض، ولو انطبقت السموات على الأرض … ويلك
يا فرناس، كيف رأيت حالك؟
فرناس
:
رأيت حالي مذنبًا بتوقع نوالك.
ملك
:
بتوقع نوالي؟
فرناس
:
نعم، وهو الدوا لي.
ملك
:
أبشر يا فرناس، بحصول الإيناس … وأنت يا عاشق مونيم؟
إكسيفار
:
أنا جرمي عظيم، وما لي سوى رضاك، يقذني من الهلاك.
ملك
:
ستنالان مني العفو والرضى، والذي مضى مضى.
ركِّعوا فرناس في الأول.
إذا كنت بين الحلم والجهل جالسًا
وخُيِّرت أنى شئت فالحلم أفضل
ولكن إذا أنصفت من ليس منصفًا
ولم يرضَ منك الجهل فالحلم أتبل
إذا جاءني من يطلب الجهل عائدًا
فإني سأعطيه الذي جاء يسأل
ولم أعطيه إياه إلا لأنه
وإن كان مكروهًا من الذي أجمل
فرناس
:
اعفُ عني أيها الأفضل، وإلا فأصغي لكلامي، واسقني بعدها
حِمامي.
ملك
:
تكلم أيها الخئون.
فرناس
:
اعلم يا عظيم الشئون، أن الغضب على من تملك لؤم، وعلى من لا تملك
شؤم، وليس من أخلاق الكرام سرعة الغضب والانتقام، والحر يمنعه
الاقتدار، من العقوبة والاستغفار، والمرء لا يكن من المسحيين، ما لم
يكن من العافية عن المسيئين، وأنا فعلت ما فعلت، وقد ندمت ورجعت، وها
أنا بين يديك، فافعل بي ما يطيب عليك.
لذة العفو إن نظرت بعين الـ
ـعدل أحلا من لذة الانتقام
فهذه تكسب المحامد والمجد
وهذه تلجئ بالآثام
ملك
:
لسان الفتى أكبر شفعائه، وأنفذ سلامة على أعدائه، به يتصل الود
وينحسم الحقد … قد عفوت عنك يا فرناس.
فرناس
:
حُفِظت يا ذكي الأنفاس، فمثلي من يهفو ومثلك من يعفو.
ملك
:
فكُّوا قيده أيها الجند.
فرناس
:
سلمت يا فرقد المجد.
ملك
:
سرْ وسافر إلى مقاطعتك الآن؛ فقد حصلت على الربح بعد الخسران، وإياك
أن تحضر بغير طلب؛ لتأمن من غوائل العطب.
فرناس
:
أمرك يا والدي الفخيم.
ملك
:
سرْ بكلاءة الملك العظيم … وأنت يا إكسيفار؟
إكسيفار
:
أنا يا ذا الاقتدار أعشق مونيم، وفؤادي بها كليم، وقربها حياتي،
وبعدها مماتي، وقصار كلامي، أيها الوالد السامي، أوعدتني أن تنقذني من
نار وجدي، والكدر العظيم، بقرب ذات الجمال مونيم، فأنلني غاية القصد،
فقد أنجز الحر ما وعد.
ملك
:
أنا قد وعدتك صحيح؛ لأقف على فعلك القبيح، لا لأعطيك مونيم يا
خوَّان.
إكسيفار
:
هذا من غرائب الزمان، وهل يوجد الخلف في الملوك؟
ملك
:
اسكت يا أفوك … ركِّعوا هذا الأثيم.
أرباط
:
ارحمه يا مولاي الفخيم، ولا تؤاخذه فإنه أسير جهله، وردَّه في السجن
ليرجع إلى عقله.
ملك
:
السجن يرده إلى الهداية؟
أرباط
:
نعم، ويخلِّصه من الغواية، وأنا أوالي تأبينه وأتولى تهذيبه … أرجعوه
بأمر الملك إلى السجن.
إكسيفار
:
آه قتلني الحزن.
ملك
:
مُت في السجن يا عديم الأدب، إلى كم أعاني التعب والنصب، الأهل
والأبناء، يرجون لدفع الداء، فإذا كانوا هم الأعداء، عظم البلاء، اشتد
العمل، وأصل الداء، أخرجوا مونيم.
أركاس
:
أدركنا أيها الفخيم.
ملك
:
ما الخبر يا أركاس؟
أركاس
:
إن الأمير فرناس قد سوَّل للجند العصيان، وأخذهم وصار لملتقى
الرومان.
ملك
:
أقبلت جيوش الرومان؟
أركاس
:
نعم، وملئوا جميع القيعان.
ملك
:
والجند خانوا كفرناس؟
كم أشتكي زمني ولو أنصفته
لغدرته وشكوت أهل زماني
أركاس
:
نعم يا معدن الإيناس.
ملك
:
اتبعني أيها الوزير، وأنتما أيها الجند.
يندم المرء على ما فاته
لو قتلناه لاكتفينا شره
سيرى فرناس يومًا هائلًا
وحسامًا يلقى من قبره
أرباط
:
قد بلغت الأرب، وفزت بالهرب، فخذيه وفرِّي من هذه البلدان، قبل أن
يراكما إنسان.
مونيم
:
قد بلغت الأمل، وسأتقن العمل … اتبعني أيها الحبيب؛ فقد فرَّجها
القريب المجيب.
الجميع
:
يا ربنا استجب منَّا دعانا، سهِّل لنا مسعانا، أمان أمان أمان، وأسبل
لنا يا ربنا، سترًا سليمًا دائمًا من الأزمان.
الفصل الخامس
الواقعة الأولى
(ترتفع الستار عن هيئة بيت وبه فرناس.)
فرناس
:
ويك يا فرناس، إلامَ تضرب أخماسًا في أسداس، وتحمِّل نفسك الذل
والهوان، وترغب التي ترغب بعدك في كل آن، ولا تهوى غير إكسيفار، الذي
سيذوق من سيفك الدمار، أما آن أن تصحو من سكرتك، وتنتبه يا ذهول من
غفلتك، أما أنت الأمير فرناس؟ صاحب الشهامة والبطش والبأس، التي خضعت
لك السباع والأطواد، وستصير ملكًا على هذه البلاد، ارجع يا فرناس إلى
ساحة القتال، واقتل أبوك الغدار المحتال، واقتل بعدها إكسيفار ومونيم،
وعش ملكًا جليلًا فخيم، وها أنا ذاهب إلى الميدان، ويفرجها العظيم
المنان (يذهب فرناس).
مونيم صبري
قد صار فاني
وضاق صدري
والقلب عاني
وضاع فكري
والدمع فاني
ولست أدري
متى التهاني
سلبت لبي
ذات الجمال
جودي بقربي
زاد اشتعالي
أذبت قلبي
فرقِّي لحالي
لقياك طلبي
في كل آن
صروف الدهر قد حكمت بظلمي
وإبعادي وتعذيبي وسقمي
ألا يا دهر قد حمَّلت جسمي
عذابًا ليس تحمله الجبال
ألا يا دهر سلبي ما كفاك
ألا يا دهر قربت الهلاك
ألا يا دهر من أفنى سواك
فؤادي فيه وجدًا واشتعال
ألا يا دهر من أفنى بسلبي
ألا يا دهر من في الخلق مثلي
ألا يا دهر لو فرقت حملي
على الدنيا لحاق بها الزوال
الواقعة الثانية
(مونيم – فوديم)
فوديم
:
ستُلقى يا ظلوم في حفرتك، وتعود عليك عاقبة نيتك.
مونيم
:
آه، ما صدقت أن رآني الحبيب وبلغت المنا، بتخليص حبيبي إكسيفار من
العنا، فداهمني الرزء رزاء، أضاع مني الحواس، من ذوي القباحة فرناس،
فإنه أقام الحرب على قدم وساق، وألهم قلوب الأعداء أشد احتراق، فيا له
من شيطان مريد، وعدو حقود عنيد، وكذلك حبيبي إكسيفار، قد هاج كالأسد
الكرار، وذلك لنصرة أبيه، وقتال أعاديه، مع أنه عامله بغير الإحسان،
وأذاقه في السجن كل هوان، ما هذه الخطوب المريعة، والكروب الهائلة
الشنيعة.
حكم الدهر بقهري وقضا
ورماني بالبلا ظلمًا وجار
وبه سلمت أمري للقضا
حيث مني طلب الصيد الفرار
فلمن أشكوا تياتيج الهوى
بلظاها حرقت مني الفؤاد
وعلى تشتيت شملي قد نوى
حادث البين ودمع العين جار
الواقعة الثالثة
(مونيم – فوديم – إكسيفار)
إكسيفار
:
إن الغرام سبا صبري
ومهجتي ذابت وجدا
مونيم
:
أهلًا وسهلًا يا بدري
بدر اللقا ينفي الوقدا
إكسيفار
:
حبيبتي ودعيني
يوم التلاقي مجهول
مونيم
:
بالله يا نور عيني
ارجع فجسمي منحول
الحرب لا يُجدي نفعًا
وأنت غير مكلف
إكسيفار
:
لا بدَّ ما أمضي قطعًا
للحرب شوقي لا يوصف
(يذهب إكسيفار)
الواقعة الرابعة
(مونيم – فوديم)
مونيم
:
أوَّاه، وا حزناه! إكسيفار إكسيفار، آه، قد عدمت الفرار، قد غاب عني
الحبيب، ولست أبغي سواه، وما لي في الدنيا نصيب إلا هواه، هل يجتمع بعد
هذا الفراق، أو أقضي شهيدة الحزن والاحتراق، أفٍّ لك يا زماني، قد
صيرت قلبي كليم، لفراق الحبيب والكرب والتعذيب.
لقد بان عني من إليه أميل
ونار الجوى بين الضلوع تجول
عليَّ قسى دهري وأحرمني المنى
وزادت همومي والفؤاد عليل
فيا ليتني قد مت قبل فراقه
ونجم حياتي قد عراه أفول
سأبكي بكاء الخنساء على فقد صهرها
وتجري دموع العين وهي سيول
فوديم
:
آه يا مولاتي مونيم.
مونيم
:
ما الخبر يا فوديم.
فوديم
:
اهربي … اهربي، فرناس.
مونيم
:
آه تأكدت اليأس (تذهب مونيم
وفوديم).
الواقعة الخامسة
(فرناس)
فرناس
:
أين توارت تلك الباغية؟ وأين يا ترى مونيم العاتية؟ لأجرعها علقم
العطب، من حد هذا المشطب، قلبي نفر، مونيم على عهدي، آه، وقد شُهِر سيف
الجفاء والصد، آه، حان الظفر فأبشري باللحد، آه، كم في خطر ألقيتني، ووجدي،
آه، وفي كدر وزي وا لوعتي، آه!
عارٌ على مثلي الرجوع إلى الهوى
بعد السلوِّ فذاك فعل لئام
أو كيف تقتحم الغرام ودونه
صالت ظُبا همي وشهر حسامي
إن تفتخري بجمالك الزاهي فلا
يسلوه فخر مدى الأيام
اليوم يوم الملتقى والهجوم
والسلب والضرب وكشف الغموم
وارجع الخيل وفرسانها
بالكسر والقهر وذل الهجوم
آه فلو برز الزمان إليَّ شخصًا
لخضب شعر مفرقه حسامي
إذا امتلأت عيون الخيل مني
فويل في التيقظ والمنام
الواقعة السادسة
(ملك – أرباط – جند – فرناس)
ملك
:
آه يا عديم الوفا يا خوَّان.
فرناس
:
الأمان يا والدي الأمان.
ملك
:
إني أراك قد عصيت وأكثرت العصيان، فذق كأس الردى يا لئيم، واهبط
بسوء فعلك إلى الجحيم … احملوه واصلبوه أيها الجند الآن؛ ليصير عبرة
لكل خوَّان، وسأتبع به مونيم وإكسيفار بعدما أذيق الأعادي كأس
الدمار.
الواقعة السابعة
(مونيم – وفوديم)
مونيم
:
هل ذهب فرناس يا فوديم؟
فوديم
:
قد قُتِل يا مولاتي وصار رميم.
مونيم
:
ومن قتله يا فوديم؟
فوديم
:
قتله الملك الفخيم، وأمر بعد قتله بصلبه، ليصير عبرة لحزبه، وقد
أزمع أن يقتلك ويقتل إكسيفار، بعدما يرجع من قتال الأعادي الأشرار،
فنعوذ بالله من شرِّه ورد الله كيده في نحره.
مونيم
:
لا يسعني يا فوديم، سوى الرضى والتسليم، بما حكم الإله وما قدَّره
وفضَّله، أنا امتنعت من الوداع يا إكسيفار، خشيةً عليك من الدمار،
والذي حسبته سيصير، من جور أبيك العنيد الخطير، فالبدار البدار، يا
حبيبي إكسيفار، الوداع ما بعده اجتماع، وفرقة ليس لها انقطاع.
أودع من سيلبثني الحداد
على كره وادي الفؤاد
نأى فأهاج في الأحشاء نارًا
تذيب بحرِّ جمرتها الجماد
وأورثت مهجتي حزنًا شديدًا
وعن عيني قد حجب الرقاد
وخلَّف لي الأسى والحزن لما
قد اختار الفضالة والبعاد
فوديم
:
قد أقبل يا مولاتي أركاس، وبيده كاس.
مونيم
:
أرجو أن يكون شراب الراحة، من مزعجات الحزن والنياحة، بشِّر يا أركاس،
ما الخبر؟
أركاس
:
قد حصل يا مولاتي هذا الظفر، ومن علاماته هذا الكاس.
مونيم
:
وما فيه يا أركاس؟
أركاس
:
فيه يا مولاتي شراب الفراق.
مونيم
:
أسُمٌّ؟
نعم
:
نعم، سُم.
مونيم
:
هذا هو الترياق، الذي يشفيني من العذاب، ويخلِّصني من الأوصاب … ومن
أرسله لي؟ أمتريدات؟
أركاس
:
نعم، لتساوي بشربه الرفات، ويقولوا لك أهداك هذا الكاس، لتشربيه
حبًّا بإكسيفار الخناس؟
مونيم
:
يا لها من هدية سنية، وشربة سائقة هنية، هات يا أركاس هات، شراب
الفرح والمسمرات، مرحبًا بالهدية المطلوبة، والتقدم المحبوبة المرغوبة،
مرحبًا بفراق هذا العالم الفاني، مرحبًا بلقاء هذا العالم النوراني،
مرحبًا بفراق اللوعة والاحتراق، مرحبًا بفراق ما بعده تلاق.
طوالع حكم السعد تهوي وتُظلم
وطوالع حكم النحس تعلو وتبسم
تكدرت من يومي وأمس بكية
وعلقت آمالي بما سوف يندم
وكل عظيم سوف يلقى كروبة
وكل صغير سوف يعلو ويعظم
فهذا فعال الدهر والدهر ظالم
له في اجتماع الشمل أيدي تقسم
أودعه إن كان يبغي حياته
كجنح دجى في طيه الرزق أرحم
أودِّع أحياء لأهلي وجيرة
له الخيال شوق في الفؤاد عرمرم
أودع ذاك السجن والكرب والشقا
وأغلال ذل للمفاصل تكلم
أودع نفسي من قبل يدهم حينها
فإن جيوش الموت للعمر تهزم
يهون عليَّ الموت بعد فراق من
له في الحشا نار من الوجد تضرم
أموت ولكن الهوى غير مائت
وأقوى ولكن الفؤاد متيم
(تهم بشرب الكاس.)
فوديم
:
مهلًا يا مولاتي مهلًا؛ فقد أساء الملك فعلًا، وظلم مونيم بجوره
الذميم، فسِرْ وأنذره يا أركاس؛ عساه يرجع عن الأدناس.
أركاس
:
أنت لا يعنيك هذا الشان، ولا بدَّ من تنفيذ أمره الآن، وهو يدبر أمرًا
شغله أن صادمه الدهر بخيله ورجله.
مونيم
:
دعيه يا فوديم دعيه، فما أمر به الملك ارتضيه، وقد تلقيته بالقبول،
وهو بغيتي والمأمول، وعليك أن تبلغي أهلي السلام، وتخبريهم أني شربت
كأس الحِمام، من يد الملك متريدات، وتذكري أمامهم هذه الأبيات.
لاع النوى في قلبها وهي تلتهب
وقد قضت ما قضت في العمر ما يجب
بانت عن الأحباب والخلان راجية
نيل المراد فخاب القصد والطلب
وما رأت أبدًا مع متريدات سوى
عيش هو الذل والأكدار والكرب
أيامها معه سوى إذا بزغت
كذا لياليها لا مؤنس ولا شهب
هذا إلى أن سقاها السم من يده
ظلمًا فمذَّقها من شربه العطب
جزاكم الله عنها الخير أجمعه
سلمتموها لفرد يدره اللهب
لا لوم ولا عتب ذا حظى وذا
قدري وذا نصيبي فما ينفع العتب
منها السلام عليكم دائمًا أبدًا
ورحمة الله مثل السحب تنسكب
فوديم
:
أركاس، ماذا؟
أركاس
:
زمان كله خَطب، لا صفو فيه ولا بصط ولا طرب.
فوديم
:
حقت ظلمًا أمتريدات أني أرى
من يحمل الحقد لا تعنو له الرتب
لا بدَّ ما تلتقي جيشًا فوارسه
تعنو السباع له والعجم والعرب
هناك تأكل كف الخسر من ندم
إذا أتاك من الزلزال منقلب
مونيم
:
راح الحبيب وراحت الأرواح
وبسيره كاس المنون مباح
أسفًا على بدر تحجَّب نوره
عني وماتت بعده الأرواح
ما دمت في هذا الوجود حزينة
هيهات يشمل أضلعي إصلاح
فالروح مني في العذاب نعيمها
والسم إكسيفار بعدك راح
الواقعة التاسعة
(مونيم – فوديم – أرباط – أركاس)
أرباط
:
لا تفعلي يا مونيم، لا تفعلي (يمسك كاس
السم يكسره).
أركاس
:
دعها أيها الفخيم، ولِمَ كسرت الكاس؟
أرباط
:
اسكت يا أركاس؛ فإن إكسيفار صاحب الشوكة والاقتدار.
مونيم
:
أصِدقٌ أيها الوزير؟
أرباط
:
نعم يا ذات الوجه المنير، والسبب أن جيوش الرومان قد أحاطوا بالملك
متريدات من كل مكان، وسدُّوا عليه الطرق من جميع الجهات، فجرح نفسه
جرحًا أشرف به على الممات، خوفًا من أن يأخذوه أسير، أو يقتله أحد من
جيوش الأعداء حقير، لما رأى إكسيفار ذلك ألقى نفسه في تيار المهالك،
وانقض على الرومان كالقضاء المبرم، وأذاقهم من سيفه كل عزم وهمم، وضرب
فيهم ضربًا يقدُّ الجبال، ويروي أسد الدحال، وصاحوا جميعًا بفرد لسان:
الأمان يا إكسيفار الأمان … الأمان يا فارس الأقطار … الأمان أيها
الأسد الكرار، وقدَّموا له الطاعة والإذعان، وصار ملكًا على اليونان
والرومان، وذلك بأمر الملك متريدات، لما رأى منه الشجاعة والثبات، وعن
قريب يحضر إلى هذا المكان، ليكلله بالتاج الملوكاني، ويسلِّمه
الصولجان، فافرحي طربًا يا مونيم؛ فقد بزغ سعدك الوسيم.
مونيم
:
بزغت شمس التهاني
في سماء الافتخار
مذ بدا قان الزمان
ذو المعالي إكسيفار
بطل سمح عطوف
منعم بر رحيم
محسن عدل رءوف
طاهر القلب سليم
قادم بالسرور
يا إلهي والصفا
أبدًا مدى الليالي
مسعفًا ومنصفًا
الجميع
:
مظهر الجمال بدا، ونار مطلعا شموس هدى، سيفه إذا العدا توار يردي
بأسه الأسد، مرحبًا بمن أجزل المنن، وجهه الحسن يذهب الحزن، من رأى
سناه غدا، وصار فاقدًا النهى أبدًا.
ملك
:
ها قد صرت يا ولدي إكسيفار ملكًا وسلطان، وحاكمًا على بلاد اليونان
والرومان، فاحمد العليم العلَّام، الذي أوصلك إلى هذا المقام.
إذا اشتملت على البؤس القلوب
وضاق لما بها الصدر الرحيب
وأوطنت المكاره واطمأنت
وأرست في مكاتبها الخطوب
فلا ترى لانكشافها غير أني
ولواعي بحيلتها الأديب
أتاك على قنوط ويأس ولكن
يمن به اللطيف المستجيب
فكل الحادثات لها تهون
فموصول بها فرج قريب
الجميع
:
الحمد لله العظيم، ذو الفضل والجود العميم، أبقاك مولاك الكريم، يا أيها الملك الفخيم،
مدى الزمان، شهم همام، وبالإحسان تشدو الغمام، أنت
الملك الأوحد، أنت الأصيل الأمجد، بك الورى تسترشد، أبدًا وفعلك يُحمد،
في كل آن تروى الأوان، وأنت قان هذا الزمان.
ملك
:
اعلموا أيها القواد الفخام، أني تنازلت عن الملك لولدي الهمام،
فقدِّموا له الطاعة والإذعان، وامتثلوا جميع أوامره مدى الزمان.
أركاس
:
يعيش مليكنا إكسيفار ويبقى، في دست الملك تقيًّا أتقى، وكلنا نقدِّم
له الطاعة والخضوع، ونمتثل أوامره الثانية في كل مشروع، حفظه الله
تعالى وحماه، وحرسه في كل الأحوال وتولاه وأبقاه، في ذروة الفخار، وما
توالى الليل وأضاء النهار.
ملك
:
كللوه إذًا بالتاج، وألبسوه الأرجوان، وقلِّدوه بسيف الملك
والصولجان، ليقوم على قدر الإقامة، ويحكم بما نتيجته السلامة، وتجتهد
بإحياء ذكرى مدى الزمن، ويوالي شكر واهب الفضل والمنن.
أرباط
:
أيها الهمام بادر.
الجميع
:
قد بدت أنجم سعدك.
أرباط
:
فارتقي عيش المفاخر.
الجميع
:
كلنا طوعًا لأمرك.
أرباط
:
خذ بتاج الملك واهنا.
الجميع
:
يا وحيدًا في الأنام.
أرباط
:
ما بدا طير وغنا.
الجميع
:
وانجلا البدر التمام.
أرباط
:
وتقلَّد سيف نصر.
الجميع
:
وكذا ذا الأرجوان.
أرباط
:
دمت محفوظ بنصر.
الجميع
:
ناشرًا عدل الأمان.
ملك
:
وهذه مونيم التقية النقية الجميلة، قد صارت لك يا ولدي حليلة، فعليك
أن تقوم بأعباء الملك، وتعصمه من السقوط والهلك، ولا تجعل مبتدأ أمرك
بين الأنام خيرًا، وأعلم أن عليك رقيبًا يسمع ويرى، فأنِب إليه تدبير
أمر الرعية، وابري أقلامك ليتوقع بهما ما يجب عليك للبرية، واسحبه
لينام الأنام في مهادي الأمان، وكن في اللين والشدة بين بين؛ فإن الناس
لا يؤاخذون بالمحض من الطرفين، واحكم بالحق ولو على نفسك، فضلًا عن
أبناء جنسك، وراقب الله في جميع الأمور، وأوصل إحسانك إلى عموم
الجمهور، وارفع شأن العلماء؛ لأن لهم شرف من السماء، واقتصر على مجالسة
الحكيم؛ فإنه يهديك إلى الصراط المستقيم.