أول العام١
بالنَّاس في الجديد من الزمان رغبة وإليه شوق، نفرح بالعام الجديد والشهر الجديد، كأنَّ حاضرنا يَثْقُلُ علينا حمله، نرغب في الفرار منه إلى غيره؛ أو لأنَّ النفوس شيقة إلى معرفة ما يكنه المستقبل في الصحائف المطوية وراء حجب الغيب، في ظرف الزمان نستبطئ الحاضر ونستعجل المستقبل، والذي نرجو أن يحقق فيها كل امرئ آماله وأمانيه، وما أول العام إلا باب هذه المسافة الزمنية؛ لذلك كان استقباله عندنا عيدًا من الأعياد.
يا عجبًا من الإنسان! هو يحب الحياة ويفرح بانقضاء الزمن وما هو إلا انقضاء الحياة، ولقد جرَّب ثم جرَّب أنَّ المستقبل إنْ حقَّق له لذة منتظرة، فقد رماه أيضًا بألم جديد، وإن أسدى نعمة فقد أتبعها بنقمة، وإنْ جاء بحسنة فما يلبث أنْ يُصيب بالسيئة، وما هذا المستقبل المنتظر إلا أشبه ما يكون بالماضي بل هو شر منه؛ لأنَّه زمن الهرم وموطن الضعف والمانع من قدرة التَّنَعُّمِ بنعيم الحياة، من الصعب أنْ نُدرك ذلك السر الخفي الذي يجعل المرء يستعجل المستقبل فيما يتعلق بحياته الفردية ويشتغل به إلى حد الانصراف عن كل الحاضر، ما دام المستقبل هو فناء الحياة، نعم تنقضي حياة الفرد وهو يرجو من المستقبل أن يعوض عليه ما فاته فهو لا يفتأ يرجو، والدهر لا يفتأ يخيب ذلك الرجاء.
ولكن الإنسان إذا قصرت حياته عن تحقيق آماله الشخصية فإنَّ الأمم طويلة الأعمار إذا أدركها الهرم لا مانع يمنعها من استعادة شبابها وقوتها، فلا جرم أنْ ننتظر من المستقبل أن تتحقق فيه آمالنا العامة، وأطماعنا القومية، ويجني شعبنا ثمار ما غرسه آباؤنا، وما يغرس الجيل الحاضر من المبادئ القومية، ونستعجل الأعوام المستقبلة تجيء بالسعادة التي يرجوها المصريون.
أهلًا بأول العام مهما نشر لنا عامه من مطوي الحوادث، فإنَّه يُجدِّد لنا ذكرى جده الأول يوم هجرة نبينا محمد ﷺ، ذلك اليوم الذي سن فيه النبي للنَّاس كافة أنَّ الحق أحق أن يُتبَّع، وأنَّ المرء يجب عليه أن يُضحي في الدفاع عن الحق ما استطاع من الضحايا ولو كلفه هجرة وطنه وأهله، والسلب مما هو فيه من نعمة الطمأنينة والراحة، بل لو كلفه تعريض حياته إلى أشدِّ الأخطار، ذلك اليوم الذي قلَّب وجه العام، وبدَّل الشرك توحيدًا، والضلال هدى، والظلام نورًا، والظلم عدلًا، وتفاضل النَّاس بالأنساب والأموال مساواة، يوم الإخاء والمساواة، يوم الديمقراطية الصحيحة، يوم تقرير سلطة الأمة في شئونها الدنيوية، والدين لله الواحد القهار.
لكل قوم عيد، وهذا عيد الأبرار الذين يقولون بالإخاء والمساواة، ويَجْرُونَ وراء تحقيق سلطة الأمة، ويسيرون على المبادئ القويمة التي جاء بها الدين الحنيف لخير الأفراد والشعوب.