الرجل الصريح١
إذا كنت تقابل الناس بأكثر من المعروف هشًّا وبشًّا وتلطفًا وتسوم طبعك المزح الذي ليس من خلقك ليقول عنك الناس ما ألطفَه وما أرقَّ حاشيته، فإنَّك بذلك توشك أن تعد في ضمن المخادعين، وما أنت بالرجل الصريح.
إذا كتبت أو خطبت فأخفيت ما تعتقد لتظهر ما لا تعتقد مجاراة لرأي الناس، فما أبعدك عمَّا يشخص الرجل الصريح.
إنَّ الخداع درع خلقة تكاد لا تستر الخادع إلا ما دام الناس عميًا، فإن أبصروا لا يلبث ستر الخداع أن يتمزق إربًا ويتلاشى هباء عن الكذب عريان خجلًا لا يستطيع بعدها أن يكون مطرحًا للثقة ولا محلًّا للمعاملات.
كأني بالخداع لا يركب نفسًا إلا نزلت عن شخصيتها، وضلت في تقدير ماهية المنفعة الشخصية، وجبنت عن احتمال المسئولية عن أعمالها، فضعفت أن تبرز في ميدان المعاملة الإنسانية إلا مقنعة بالزور مشتملة بثوب كثوب الثعبان من النفاق، فلولا رحمة من الله وعقل هادٍ إلى الصواب وتسامح من طيبات النفوس لهلك المخادع لساعته ضعفًا عن الحياة وأسفًا على ما فرط في حق نفسه وفي حق الصراحة الإنسانية.
الصراحة ضمير حي وعزة تحمي من المداجاة وشجاعة تكفي لاحتمال مسئولية ما ينكره الناس على الرجل الصريح.
ذكرت جريدة الأهرام أحد نوابنا فقالت: (… حلو الدفاع عذب العبارة شديد العارضة إلا أن له ضميرًا حيًّا لا يخالفه …) ذلك هو المثل الصريح للرجل الصريح.
كثرة الصرحاء في الأمة أمارة على عزتها، فمتى تكثر فينا صورة الرجل الصريح؟