الفصل الثالث
الترجمة العلمية في عهد الحملة
المجمع العلمي، لجانه، أعضاء لجنتي الترجمة والطباعة، أغراضه، جهوده، أهم من
اشتغل بالترجمة من أعضاء المجمع: «مارسل»، الأب روفاييل: ترجمة حياته قبل الحملة
وفي عهدها، جهوده في الترجمة في عهد «نابليون» وفي المجمع العلمي، اختياره مترجمًا
أول للديوان في عهد «مينو»، ترجمته لرسالة طبية عن مرض الجدري من تأليف «ديجينيت»،
الرسائل التي تُرجمت في عهد الحملة وطُبعت في مطبعتها.
***
أما الترجمة العلمية فقد بدأ بها المستشرقون من علماء الحملة يساعدهم نفر من المترجمين
السوريين، وإن كانت القلاقل السياسية التي انتهت بإخراج الحملة من مصر لم تمكنهم من
الاستمرار في أداء هذا الواجب.
أسس نابليون المجمع العلمي المصري، أو «مدرسة العلما في بر مصر»
١ — كما يسميه مستشرقو الحملة — من علماء الحملة المختصين في دراسة نواحي العلم
المختلفة، فكان بينهم المتوفرون لدراسة الرياضة والهندسة، والفلك، والميكانيكا، وطبقات
الأرض، والمعادن، والطب، والجغرافيا، والآثار، والآداب، والفنون … إلخ … إلخ، ويهمنا
أن
نذكر أنه كان من بينهم المختصون في:
فكانت لجنة الترجمة تتكون من:
فانتور
Venture، ماجالون
Magallon، لوماكا
l’homaca، أميدي جوبير
Amedee Jaubert، دلابورت
DeLaporte، ريج
Raige، براسرفيش
Bracervich، وبلتيت
Belletéte.
٢
كما كانت لجنة الطباعة تتكون:
مارسل
Marcel (مدير المطبعة)، بونتيس
Puntis، جالان
Galand، بودوان
Bouduin، بسون
Besson.
٣
وكانت مكتبة المجمع عامرة بآلاف الكتب، ومن بينها «كثير من الكتب الإسلامية مترجم
بلغتهم
… وعندهم كتب مفردة لأنواع اللغات، وتصاريفها، واشتقاقاتها، بحيث يسهل عليهم نقل ما يريدون
من أي لغة كانت إلى لغتهم في أقرب وقت …»
٤
وقد حُدِّدَت أغراض المجمع في الأمر الصادر بتكوينه في ٢٢ أغسطس سنة ١٧٩٨:
- (١)
تقدم العلوم والمعارف في مصر.
- (٢)
دراسة المسائل والأبحاث الطبيعية والصناعية، والتاريخية الخاصة بمصر، ونشر
هذه الأبحاث.
- (٣)
إبداء رأيه للحكومة في المسائل التي تستشيره فيها.
وجُعل للمجمع أقسام أربعة: (١) للرياضيات. (٢) وللطبيعيات. (٣) وللاقتصاد السياسي.
(٤)
وللآداب والفنون.
وقرر أن يمنح المجمع «جائزتَين كل سنتَين: الأولى لأهم بحث خاص بتقدم الحضارة في
مصر،
والثانية لأهم بحث خاص بتقدم الصناعة … وتُطبع الأبحاث التي أُجيزت في مجموعة المجلس،
وكذلك
الأبحاث التي لم تنل الجائزة متى رأت اللجنة أنها جديرة بالنشر …»
٥
وانتشر علماء الفرنسيين في كل طرف من أطراف مصر يبحثون وينقبون، وجمعوا بحوثًا طريفة
جليلة ستكون المادة التي يُكتب منها فيما بعد كتاب وصف مصر Description de
l’Egypte والكتب الكثيرة الأخرى التي ظهرت عن تاريخ الحملة من النواحي
العسكرية، والطبية والعلمية … إلخ.
ويتضح من القائمة السابقة التي تضم أعضاء لجنتي الترجمة والطباعة أن كثيرين من هؤلاء
الأعضاء قد شاركوا في نوعَي الترجمة الرسمية والعلمية، غير أنه يبدو أن عبء الترجمة العلمية
في جملته كان يحمله ويقوم به عضوان من أعضاء المجمع: أحدهما مستشرق فرنسي كبير هو «جان
يوسف
مارسل»، والثاني سوري مسيحي هو «الأب أنطون رفاييل زاخور راهبة المخلصي» وهو العضو الشرقي
الوحيد بمجمع نابليون.
أما «جان يوسف مارسل» (١٧٧٦–١٨٥٤) فكان رأس المستشرقين من رجال الحملة، وأكثرهم نشاطًا،
كان جده «جيوم مارسل» أحد قناصل فرنسا القدامى في الشرق، ولد في باريس في ٢٤ نوفمبر سنة
١٧٧٦، وفقد أباه وهو صغير فكفلته أمه وأشرفت على تربيته وتعليمه فألحقته بجامعة «باريس»
حيث
عُنِيَ بدراسة الرياضيات والعلوم، وفي السابعة عشرة من عمره التحق موظفًا بمعمل البارود،
ثم
اشتغل فترة ما بالإشراف على طبع مجلة مدارس المعلمين، ثم اشترك مع سوارد
Suard ولاكرتل
Lacretelle في تحرير
Journal des Nouvelles Publiques، وفي حوادث الثورة
أُلغيت هذه الصحيفة وفر محرروها خوفًا من إلقاء القبض عليهم، ولكن مارسل عاد من مخبئه
بعد
قليل وبدأ في سنة ١٧٩٠ يتفرغ — شأنه شأن أسلافه — لدراسة اللغات الشرقية، وقد تتلمذ في
مدرسة اللغات الشرقية على الأساتذة المستشرقين:
Langlès
و
De Sacy و
Venture، ومن
المحتمل أنه رُشِّحَ ليكون عضوًا من أعضاء اللجنة العلمية للحملة بناءً على توصية
٦ أستاذه «فانتور».
وقد عُين «مارسل» — لمعرفته باللغة العربية — مديرًا لمطبعة الحملة العربية، وذلك
في نفس
الوقت الذي اختار فيه «ديزيه» و«مونج» وهما في إيطاليا، دون إلياس فتح الله ليكون مديرًا
لنفس المطبعة؛ فلهذا منعه نبل أخلاقه أن يجمع بين أن يكون مديرًا للمطبعة وعضوًا في لجنة
العلوم والآداب، بل اكتفى بعضوية اللجنة وتنازل عن مرتب إدارة المطبعة لمعاونيه.
وقد أشرف وهو في مصر على إخراج الصحيفتَين الفرنسيتَين
Le Courier
d’Egypte و
La Décade Egyptienne، ثم
عُين بعد عودته إلى فرنسا مديرًا للمطبعة الأهلية التي سميت بعد قليل بالمطبعة الإمبراطورية
l’Imprimerie impériale، وله أبحاث جليلة
كثيرة — وخاصةً عن مقياس الروضة — نُشرت في كتاب وصف مصر.
٧
أما العضو الشرقي فهو الأب «أنطون رفاييل»
٨ زاخور راهبة، كانت أسرته من طائفة الروم الكاثوليك الملكانيين، وقد رحلت عن حلب
إلى مصر في أوائل القرن الثامن عشر، وفي القاهرة وُلد رفاييل في ٧ مارس سنة ١٧٥٩، وفيها
أيضًا نشأ نشأةً دينيةً فتلقى العلوم الدينية ودرس اللغة العربية على آباء طائفته، وخاصةً
على رئيس مذهبهم البازيلي في القاهرة الأب «أغابيوس مطر»، وعندما بلغ الخامسة عشرة من
عمره
سافر إلى إيطاليا مع أستاذه هذا ليتم علومه الدينية
٩ في روما، واستغرقت رحلته مائة يوم فوصل إلى مدينة البابوات في أواخر يناير سنة
١٧٧٥، وهناك التحق بمدرسة «سانت أتاناز
الإكليركية
Séminaire de Saint-Athanase» حيث بقي بها ٥ سنوات أتم في خلالها دراساته الدينية، ثم مكث
سنتَين أخريَين في إحدى الجامعات لدراسة اللغات، وخاصةً اللغة الإيطالية.
وفي سنة ١٧٨١، عندما أتم رفاييل الثانية والعشرين من عمره غادر روما وعاد إلى صيدا
مركز
الطائفة البازيلية فالتحق بدير المخلص
Couvent de
Saint-Sauveur، وهناك اشتغل بترجمة بعض الكتب الدينية
١٠ والوثائق المحفوظة في مكتبة هذا الدير، وظل يرتقي في المناصب الدينية، فعُين
شماسًا في سنة ١٧٨٢، ثم قسيسًا في سنة ١٧٨٥، ثم ارتحل بعد ذلك إلى روما في سفارة دينية
قام
في أثنائها بترجمة كثير من وثائق هذه السفارة عن العربية إلى الإيطالية وعن الإيطالية
إلى
العربية.
وبانتهاء هذه السفارة عاد رفاييل إلى مصر واستقر بها حتى وصلت الحملة الفرنسية، فكانت
أعمالها ميدانًا طيبًا لإشباع طموحه وتحقيق آماله العريضة.
في ٣ «فركتيدور» من السنة السادسة (٢٠ أغسطس سنة ١٧٩٨ / ٨ ربيع الأول سنة ١٢١٣) صدرت
اللائحة بتكوين المجمع المصري، وكانت المادة ٢٠ من هذه اللائحة تقول بأنه سيكون هناك
مترجم
عربي يتقاضى مرتبًا خاصًّا، ومن الممكن أن يكون عضوًا بالمجمع:
Ily aura un
interprete arabe qui aura un traitement particulier et qui pourra être membre de
l’Institut.
١١
واختير «أنطون رفاييل زاخور راهبة»
١٢ ليكون هذا المترجم، وعُين عضوًا في لجنة الآداب والفنون الجميلة بالمجمع، ولم
تذكر المراجع الأسباب التي مهدت لرفاييل سبل الاتصال بنابليون ورجال الحملة، واختياره
دون
غيره ليكون عضوًا بالمجمع، وإن كان الأستاذ بشاتلي
١٣ يقدم فرضَين قد يكون أحدهما أو كلاهما سببًا لهذه الصلة:
-
أولهما: أن نابليون كان قد أرسل إلى العالم «مونج» والجنرال «ديزيه» وهما في
إيطاليا يوصيهما بالاستيلاء على مطبعة «البروباجندا» وأن يتفقا مع عدد من
المترجمين الموجودين في إيطاليا، فكان من بين هؤلاء المترجمين سوريان من
طائفة الروم الكاثوليك هما: دون إلياس فتح الله ويوسف مسابكي،١٤ ومن المحتمل أنهما كانا على معرفة وثيقة برفاييل مذ كان يتلقى
العلم في روما، فقاما عند وصولهما إلى مصر بلفت أنظار أولي الأمر من
الفرنسيين إليه.
-
وثانيهما: أنه كان من بين أعضاء الديوان الذي أنشأه بونابرت عضوان من السوريين هما:
يوسف فرحات وميخائيل كحيل،١٥ ومن المرجح أيضًا أنهما كانا على اتصال بالأب رفاييل الذي كان
يقوم بشئون طائفتهما الدينية، فلعلهما مهدا له السبيل للاتصال برجال الحملة
الفرنسية.
ومهما كانت الأسباب فقد اختير رفاييل عضوًا بالمجمع، وبدأ به جهوده العلمية، فقد
ذكر في
صحيفة
La Decade Egyptienne أن المواطن «بونابرت» دعا
المجمع لوضع تقويم للسنة الثامنة، على أن يكون هذا التقويم ثلاثيًّا يشتمل على التاريخ
الفرنسي والقبطي والعربي، وكلف الأعضاء:
Nouet, Monge, Bauchamps, &
Raphaél. بوضع هذا التقويم، وقامت اللجنة بمهمتها، ووُضع التقويم،
وطُبع بالمطبعة العربية تحت عنوان: «تقويم الجمهورية الفرنسية حُسب تبعًا لتوقيت القاهرة،
والسنة الثامنة للجمهورية
الفرنسية، وذلك بالقاهرة بالمطبعة الأهلية، السنة الثامنة للجمهورية
Annuaire de la Republique Française, calculé pour le meridien du Caire, l’an VIII
de l’ère Française».
١٦
ونستطيع أن نقرر دون أن نكون مخطئين أن دون رافييل كان الواضع الوحيد أو الرئيسي
للجزء
الخاص بالعصرَين الهجري والقبطي،
١٧ ولا شك أن رفاييل قد قام بنصيب كبير من أعمال المجمع عند إعداد كثير من الأبحاث
وترجمة كثير من الوثائق التي كان يجمعها علماء المجمع ليصنفوا منها كتاب وصف مصر، وليضعوا
على ضوئها النظم الجديدة السريعة لإدارة البلاد، وحكم الشعب الجديد، كذلك يبدو أن رجال
الحكومة الفرنسية قد عهدوا إلى رفاييل بترجمة كثير من المراسيم والفرمانات والقوانين
الصادرة منهم إلى الشعب المصري، ويقول الأستاذ بشاتلي: إن كثيرًا من هذه الوثائق التي
تكون
جزءًا من
Fonds Marcel المحفوظة في المجمع المصري الجديد لا
تحمل أي توقيع، ولكن أي مقارنة بسيطة بين بعض نصوص هذه الوثائق وبين ما ورد في مخطوطة
رفاييل التي في حوزته تدل يقينًا على أن هذه الوثائق هي من وضع أو ترجمة رفاييل.
وأول هذه الوثائق الترجمة العربية لمرسوم خاص بجمرك السويس صدر في نوفمبر سنة ١٧٩٨
(نيفوز
عام ٧
Nivöse an VII، جماد ثاني ورجب سنة ١٢١٣)، وثانيهما
ترجمة أمر بتأجير بعض أملاك الجمهورية وتاريخها ٣٠ ديسمبر سنة ١٨٩٨ (١٠ نيفوز عام ٧ / ٢٢
رجب سنة ١٢١٣ﻫ).
١٨
وفي اليوم السابق لمسير بونابرت بحملته إلى سوريا (٥ فبراير سنة ١٧٩٩) (١٧ بلوفيوز
سنة ٨
Pluviose an VIII / ٣٠ شعبان ١٢١٣) عزل نابليون
«جلوتييه
Gloutier» عن وظائفه التي كان يتولاها من قبل
اللجنة الفرنسية في الديوان الجديد، وعهد بهذه الوظائف إلى «فورييه
Fourier» السكرتير الدائم للمجمع. وكان فورييه يعرف رفاييل زميله في
المجمع معرفة وثيقة فاستمر في التعاون معه، ولكن لا في الميدان العلمي، بل في ميدان الشئون
الإدارية؛ وفي اللحظة التي وصلت فيها القوات الفرنسية إلى العريش وصل من «برتييه» إلى
«الجنرال دوجا» منشور باللغة الفرنسية موجه إلى أعضاء ديوان القاهرة، وقد قام رفاييل
بترجمة
هذا المنشور إلى اللغة العربية.
١٩
وبعد سفر نابليون إلى فرنسا انتقلت قيادة الحملة إلى كليبر، وفي ٢٥ نوفمبر سنة ١٧٩٩ / ٢٧
جماد ثان ١٢١٤ أصدر القائد الجديد أمرًا بتكوين لجنة لجمع
المعلومات عن مصر
Commission des
renseignements sur l’Egypte.
٢٠
وقد ذكر رفاييل في مخطوطته التي يملكها الأستاذ بشاتلي أن هذه اللجنة كانت تتكون
منه ومن
سبعة أعضاء آخرين، وفي هذه المخطوطة أيضًا صورة لخطاب
٢١ أرسله رفاييل للشيخ السادات يشكره فيه على حسن استقباله لتابعه، ويطلب منه —
كعضو في اللجنة — أن يزوده بالمعلومات الوافية عن أسرته.
وإبان قيام رفاييل بهذا العمل قُتل كليبر في ١٤ يونيو سنة ١٨٠٠ / ٢١ المحرم سنة ١٣١٥
فانتقلت مقاليد الأمور إلى الجنرال «مينو»، وأصدر «مينو» أمره فأُعيد تكوين الديوان في
صورة
جديدة من تسعة من المشايخ المسلمين، يشترك معهم «فورييه» بلقب قوميسيير «كمثاري» أو «مدبر
سياسة الأحكام الشرعية» كما يسميه الجبرتي، وطفر رفاييل طفرة جديدة فعُين «ترجمان كبير»
للديوان الجديد، وتمكنت الصداقة في هذا العهد بين رفاييل والقوميسيير «فورييه» فكانا
يسكنان
معًا في بيت رشوان بك بعابدين حيث كانت تعقد جلسات الديوان.
وفي «ضحوة يومين في الجمعة»
٢٢ أي حوالي الساعة التاسعة صباحًا كان يدخل «فورييه» إلى قاعة الاجتماع يتقدمه
رفاييل «ترجمان كبير» كاتب مضبطة الجلسة أو «كاتب سلسلة التواريخ» السيد إسماعيل الخشاب
حيث
ينضمون إلى بقية الأعضاء، وقد أعدوا في بيت رشوان بك «للمترجمين والكتبة من الفرنساوية
مكانًا خاصًّا يجلسون به في غير وقت الديوان على الدوام، لترجمة أوراق الوقائع وغيرها،
وجعلوا لها خزائن للسجلات …»
٢٣
وقد أشار الأستاذ بشتلي في بحثه القيم عن رفاييل إلى أنه عثر في محفوظات المجمع المصري
الجديد على وثيقتَين هامتَين من ترجمة «رفاييل» أثناء قيامه بوظيفة المترجم الأول للديوان،
أولى هاتَين الوثيقتَين ترجمة عربية بخط «دون رفاييل» للائحة قضائية أصدرها «الجنرال
مينو»
لتنظيم المحاكم المصرية، وتاريخها أول أكتوبر سنة ١٨٠٠
(
10 Vendémiaire an LX فندميير السنة التاسعة / ١٠ جماد
أول سنة ١٢١٥)، وفي أسفلها هذه التوقيعات:
٢٤
مدير سياسة الأحكام الشرعية
فورييه
كاتب سلسلة التواريخ
الشيخ إسماعيل الخشاب
ترجمان كبير الديوان
دون رفاييل
والوثيقة الثانية ترجمة أمر يومي صادر عن «الجنرال مينو» في ٢٣ أغسطس سنة ١٨٠١ (٥
فركتيدو) / ١٢ ربيع الثاني سنة ١٢١٦ خاص بطريقة اختيار مشايخ البلاد وحقوقهم، وهي مكتوبة
أيضًا بخط دون رفاييل
٢٥ نفسه.
وظل رفاييل على نشاطه المعهود يقوم بترجمة الرسائل والمراسيم والفرمانات ويقرؤها
بنفسه
على أعضاء الديوان، ففي جلسة ٣٥ شعبان سنة ١٢١٥ أرسل صاري عسكر «مينو» إلى مشايخ الديوان
كتابًا وقرأه الترجمان الكبير رفاييل،
٢٦ وفي هذا الكتاب وجه «مينو» الشكر للمشايخ على تهنئتهم له بالمولود الجديد الذي
رُزِقَه من زوجته المسلمة «زُبَيْدة».
وفي المحرم سنة ١٢١٦ / مايو-يونيو سنة ١٨٠١ — وهي السنة التي حضر فيها الإنجليز والأتراك
لإخراج الفرنسيين — «حضر الوكيل والترجمان وطلبهم (أي مشايخ الديوان) للحضور إلى قائمقام،
فلما حصلوا عنده قال لهم على لسان الترجمان: نخبركم أن الخصم قد قرب منا، ونرجوكم أن
تكونوا
على عهدكم مع الفرنساوية.»
٢٧
وفي نفس الشهر «اجتمع المشايخ والوكيل بالديوان على العادة، وحضر «استوف» الخازندار،
وترجم عنه رفاييل بقوله: إنه يثني على كلٍّ من القاضي والشيخ إسماعيل الزرقاني باعتنائهما
فيما يتعلق بأمر المواريث وبيت المال …»
٢٨
وفي صفر من نفس السنة — ١٢١٦ — أُبْرِمَت شروط الصلح بين الفرنسيين وأعدائهم، فعُقد
الديوان «وحضر المشايخ والوكيل، فقال الوكيل: هل بلغكم بقية الشروط؟ … فقالوا: لا، فأبرز
ورقة من كمه بالقلم الفرنساوي فشرع يقرؤها، والترجمان يفسرها …»
٢٩
وفي أواخر هذا الشهر — ٢٤ صفر سنة ١٢١٦ — عُقدت الجلسة الأخيرة للديوان وأُلقيت فيها
الخطب، وكان من بينها خطبة للوكيل ألقاها بنفسه «حتى فرغ منها، ثم قرأ ترجمتها بالعربي
الترجمان رفاييل، ومضمونها حصول الصلح وتمويهات وهلسيات ليس في ذكرها فائدة …»
٣٠
وقد حاول رفاييل قرض الشعر إلى جانب عمله في الترجمة الرسمية والعلمية، فقد وصل إلى
مصر
في ١٤ سبتمبر سنة ١٨٠٠ خبر موت الجنرال «ديزيه» — توفي في ١٤ يونيو سنة ١٨٠٠ — وكان المعلم
يعقوب قد اشترك مع «ديزيه» في إحدى معاركه في الصعيد ضد جماعة من المماليك، وأبلى في
هذه
المعركة بلاءً حسنًا مما دفع «ديزيه» إلى تقليده سيفًا تقديرًا لشجاعته.
تألم يعقوب لهذا الخبر ألمًا شديدًا، وأرسل إلى الجنرال «مينو» يعرض عليه رغبته في
دفع
ثلث نفقة الأثر المزمع إقامته لتخليد ذكرى «ديزيه»، كذلك فكر يعقوب في إرسال تعزية شعرية
للحكومة الفرنسية، فتقدم بالرجاء إلى صديقه «رفاييل» أن ينظم له هذه القصيدة، فنظمها
من
أربعين بيتًا في ثلاثة أيام، وصورة هذه القصيدة موجودة في مخطوطة «رفاييل» التي يملكها
الأستاذ بشتلي الذي يرى أن المقارنة البسيطة بين الأصل العربي والترجمة الفرنسية للقصيدة
لا
تدع أي شك في أنها من نظم
٣١ رفاييل، وإن كانت الترجمة الفرنسية تحمل اسم يعقوب.
كذلك لم تشغل الترجمة الرسمية في العهد الأخير رفاييل تمامًا عن الترجمة العلمية،
فقد قام
في شعبان سنة ١٢١٤ / يناير سنة١٨٠٠ بترجمة رسالة طبية صغيرة ألفها «ديجينيت» كبير أطباء
الحملة عن مرض الجدري وطرق علاجه، وقد طُبِعَت هذه الرسالة مرتين في مطبعة الحملة، وكان
عنوان الطبعة الأولى:
هذا تنبيه فيما يخص داء الجدري المتسلط الآن، وذلك بشرح موجه إلى أرباب الديوان
بمصر القاهرة من قبل البلدي دجنخط رئيس الأطباء في الجيش الفرنساوي بجهة الشرق،
بمصر القاهرة بدار المطبعة الجمهور الفرنساوية (كذا)، في يوم ٢٠ من شهر شعبان سنة
١٢١٤ هجرية.
٣٢
وقد ذكر «ديجينيت» أنه أهدى ٢٥٠ نسخة من رسالته إلى الديوان، و٥٠ نسخة أخرى للست
نفيسة
المرادية، وأيد هذه الرواية الجبرتي، فقال في حوادث شعبان سنة ١٢١٥: «وفيه أرسل رئيس
الأطباء الفرنساوي نسخًا من رسالة ألفها في علاج الجدري لأرباب الديوان، لكل واحد منهم
نسخة
على سبيل المحبة والهدية ليتناقلها الناس ويستعملوا ما أشار إليه فيها من العلاجات لهذا
الداء العضال، فقبلوا ذلك منه، وأرسلوا له جوابًا شكرًا له على ذلك …» ولا شك أن الجبرتي
نال نسخة منها — فقد كان عضوًا في الديوان — وأنه قرأها، فقد قال معقبًا على هذا الحادث:
«وهي رسالة لا بأس بها في بابها.»
٣٣
هذه هي الطوائف التي شاركت في الترجمة الرسمية والعلمية في مصر في عهد الحملة الفرنسية
(١٧٩٨–١٨٠١)، وإنا لنرجح أنه إذا كان قد قُدِّرَ للحملة أن يطول عمرها في مصر لنشطت هذه
الحركة وأثمرت وآتت أكلها، غير أنها انقطعت بعد خروج الحملة فترة ما، على أن تبدأ حياة
جديدة أكثر نشاطًا وأوفر إنتاجًا في عهد العاهل العظيم محمد علي، وسنرى أن الفرنسيين
—
ومنهم بقية من علماء الحملة — هم الذين سيوجهون الحياة العلمية كلها — لا حركة الترجمة
فقط
— في ذلك العهد.
ونرى أخيرًا أن خير ما يُتَوَّج به الكلام عن الترجمة العلمية في عهد الحملة أن نرصد
فيما
يلي ثبتًا بالكتب — بل الكتيبات — القليلة التي تُرجمت
٣٤ وطُبعت في مطبعة الحملة:
- (١)
وصايا لقمان
الحكيم Fable de Loqman, surnommé le Sage. طُبعت باللغة العربية ومعها ترجمتها الفرنسية في
مطبعة الحملة في كتاب صغير من ١٢٠ صفحة، كان ثمنه تسعين نصف فضة.
- (٢)
نشرة بها محضر محاكمة سليمان الحلبي باللغات الفرنسية والعربية والتركية،
وكان عنوانها باللغة العربية: «مجمع التحريرات المتعلقة إلى ما جرى بأعلام
ومحاكمة سليمان الحلبي قاتل صاري عسكر العام كليبر، بمصر القاهرة، بمطبعة
الجمهور الفرنساوي، في سنة ٨ من إقامة الجمهور»، وعنوانها بالفرنسية:
Recueil des piéces relatives à la procédure et au
jugement de Soleyman al-Haleby, assassin du general en chef
Kléber، وتقع هذه الكراسة في ١٥٠ صفحة.
- (٣)
أجرومية للغة العامية Grammaire arabe Vulgaire à l’usage des Français et des Arabes (Incomplet)، وهي من وضع «مارسل»، وقد بدأ في
تصنيفها في قلعة القاهرة، ثم أضاف إليها زيادات في الإسكندرية، غير أنها ظلت
غير كاملة، وطُبعت في سنة ١٨٠١ باللغتين الفرنسية والعربية في ١٦٨ صفحة.
- (٤)
«رسالة في مرض الجدري»، تأليف «ديجينيت» كبير أطباء الحملة، وترجمة الأب
رفائيل زاخور، وقد ذكرنا فيما سبق عنوانها العربي والفرنسي الكامل، طُبعت
باللغتَين الفرنسية والعربية في ٤٣ صفحة طبعتَين: الأولى في شعبان سنة
١٢١٤ / يناير سنة ١٨٠٠، والثانية في شعبان ١٢١٥ / ديسمبر سنة ١٨٠٠.