هل كان إبراهيم الخليل بدويًّا أم حضريًّا؟
قلنا من أهم النزوحات رحلة إبراهيم الخليل؛ فقد رحل وهو رجل ذو أسرة ورب عيلة من أور
الكلدانيين على ضفاف الفرات السفلي إلى شمال العراق، حتى بلغ سفح سلسلة جبال أرمينيا
إلى بادان أرام فيما وراء الفرات متبعًا مواضع المراعي متنقلًا بينها صاعدًا مئات
الأميال، ثم عاد إلى بادان أرام (الجنوب بغرب) إلى أرض كنعان، ومن كنعان إلى مصر، ومن
مصر إلى كنعان يجر وراءه أقاربه وقطعانه، وما زال كذلك حتى أرغمته كثرة الأقارب وندرة
الكلأ على تقسيمهم وتوزيعهم.
وقد أقامت تلك الأسرة البدوية بزعامة شيخها وبطركها إبراهيم الخليل في جوار مدينة
أور
جنوب الفرات وعلى حدود الكلدان، فكان في هذا الجوار أول احتكاك بين البداوة والحضارة؛
فاستفادوا وتعلموا ولم يقدروا أن يطغَوْا أو يتقدموا خطوة في المدن الآهلة بالسكان
المملوكة لأربابها والمشغولة بمزارعهم ومساكنهم، وهناك سمع اليهود باسم إبراهام وسارة
ونقلوهما إلى اللغة العبرية.
١ ولم يستطيعوا أن يمدوا إقامتهم في ضواحي المدن الكبرى، فتابعوا سيرهم إلى
الشمال، ولعل أُسرًا أخرى كانت تدفعهم من ورائهم ليُخلوا لها الجو والمكان، وما زالت
بادان أرام في ذهنهم وفي ذاكرة أخلافهم يعتبرونها وطنهم ومستقرهم، وإن لم تكن سوى
محطًّا من محطات رحلتهم الطويلة في سبيل القوت لأنفسهم ولأنعامهم؛ فهي الوطن الأول
المحبوب.