القضاء على بني قريظة
لقد كان الشتاء جند الله في هزيمة الأحزاب، وأول ما فكر فيه النبي هلاك بني قريظة، وكانوا محصنين في حصون كالتي كانت لبني النضير وهي تنفع في الدفاع ولكن لا ترد هجوم المسلمين، وقد أصبح لديهم ميرة وعَدد وعُدد، وكان قائد حملة بني قريظة علي بن أبي طالب.
ولما دنا محمد من حصون بني قريظة ناداهم: يا إخوان القردة، هل أخزاكم الله وأنزل بكم نقمته؟
وكان غيظ اليهود شديدًا فكانوا يكذبون رسالته ويطعنون عليه وينالون من عرض نسائه، فلما رأوه وسمعوا نداءه لهم قال أحدهم: يا أبا القاسم ما كنت جهولًا!
فأمر بحصارهم.
ودام الحصار ٢٥ يومًا، ثم طلبوا من الرسول أبا لبابة؛ ليستشيروه في أمرهم؛ وهو من حلفائهم الأوس، ومثلوا منظرًا مسرحيًّا؛ فقام إليه الرجال، وأجهشت النساء والأطفال بالبكاء فسألوه: أننزل على حكم محمد؟ قال: نعم، إنه الذبح إن لم تفعلوا. وأشار بيده إلى رقبته وانصرف.
فعرض كعب بن أسد أن يتابعوا محمدًا على دينه فينجوا بمالهم وحياتهم وأولادهم.
فرفض أصحاب سعد سيدهم وقالوا لا يفارقون التوراة أبدًا! فعرض عليهم فكرة فوضوية؛ يقتلون أهلهم ويخرجون رجالًا للحرب! فقالوا: نقتل هؤلاء المساكين؟! فما خير العيش بعدهم؟! وصحيح هم متعلقون جدًّا بنسائهم وأطفالهم، وكل حبهم للمال من أجل النساء والأولاد.
وأخيرًا قالوا: نطلب الخروج مثل بني النضير، وعرضوا على النبي الخروج إلى أذرعات تاركين وراءهم ما يملكون.
فلجئوا إلى الأوس، والأوس كلموا النبي ﷺ فقال لهم: اجعلوهم يختارون رجلًا، فاختاروا سعد بن معاذ الذي كان قدم إليهم أول نقضهم العهد وردوه أقبحَ الرد، وكان حذرهم عاقبة نقضهم العقد، وسبِّهم المسلمين، وأخذ سعد المواثيق على الفريقين أن يسلم كلاهما لقضائه وأن يرضى به، فأعطوه المواثيق، فأمر ببني قريظة أن ينزلوا وأن يضعوا السلاح، ففعلوا، فحكم سعد فيهم أن تُقتل المقاتلة، وتُقسم الأموال، وتسبى الذرية والنساء، وهذا هو نزولهم على حكمه.
وضُربت أعناق اليهود ودُفنوا في خنادقَ عامةٍ، وكان اليهود لا ينتظرون هذا من سعد بن معاذ حليفهم، ونسوا أنهم خذلوه مع النبي لما جاء وسيطًا.
وفيم الرحمة بهم؟! إنهم لو انتصروا لفعلوا ذلك وأكثر منه بالمسلمين!
وأظهر بعض اليهود شجاعة لدى الموت، وعرف حيي بن أخطب كيف يموت بعد أن مثل دوره المدهش، فقال له النبي حين تقدم لضرب عنقه: ألم يخزك الله يا حيي؟
فأجاب: كل نفس ذائقة الموت، ولي أجل لا أعدوه، ولا ألوم نفسي على عداوتك.
ثم خطب الناس: أيها الناس، إنه لا بأس بأمر الله؛ كتاب وقدر وملحمة كتبها الله على بني إسرائيل.
وكان زعماء بني قريظة الذين قُتلوا: كعب بن أسد، وحيي بن أخطب، وعزال بن سموأل.
وكان المسلمون لا يقتلون النساء والأطفال، ولكنهم قتلوا امرأة (مثل ميس كافل)؛ لأنها طرحت الرحى على مسلم فقتلته، فطابت نفسها لدى القصاص، وكانت تضحك وهي تعرف أنها تُقتل، وحازت إعجاب عائشة، قالت — رضي الله عنها: «ووالله ما أنسى عجبًا منها طيب نفسها وكثرة ضحكها وقد عرفت أنها تُقتل!»
ولم يسلم من اليهود إلا أربعة فنجوا من القتل، وإن دم الذين قُتلوا جميعًا في عنق حيي بن أخطب.
ورقة اتهام ضد حيي بن أخطب!
-
(١)
حنث بالعهد الذي عاهد قومه من بني النضير حين أجلاهم محمد ﷺ عن المدينة ولم يقتل منهم بعد النزول على حكمه أحدًا.
-
(٢)
ألَّب قريشًا وغطفان وخدعهم بأن دينهم أحسن من الإسلام.
-
(٣)
حزَّب العرب كلها لقتال محمد ﷺ.
-
(٤)
جعلهم يعتقدون ضرورة استئصال النبي والمسلمين.
-
(٥)
أفسد نفوس يهود بني قريظة وخدعهم حتى نقضوا عهدهم.
-
(٦)
دخل الحصن مع كعب ووضع حظه في كفة حظه، فنال جزاءه.
-
(٧)
عرض بني قريظة كلهم للقتل بعد أن انقلبوا كلهم على المسلمين في أحرج الأوقات.
وقسمت أموال بني قريظة على المسلمين وشري ببعضها خيل من نجد وسلاح للمسلمين (زيادة في ميزانية الحرب)، ووقعت ريحانة اليهودية الحسناء في سهم محمد ﷺ فعرض عليها الإسلام فأصرت على يهوديتها، وعرض عليها أن يتزوجها فقالت: «تتركني في ملكك؛ فهو أخف علي وعليك.» وبقيت في ملكه حتى ماتت عنده.
وبهذه الوقائع ثبت مركز النبي والمسلمين في المدينة واطمأن ﷺ على الشئون الداخلية.