الدعوة إلى الإسلام خارج الجزيرة العربية
بعد الحديبية انتهت الجزيرة كلها حربًا أو صلحًا، ففكر الرسول في البلاد الخارجية، فصنع خاتمًا من فضة نقش عليه: «محمد رسول الله» وأرسل الكتب إلى الملوك، فسار دحية بن خليفة الكلبي بكتابه إلى هرقل، وعبد الله بن حذافة السهمي إلى كسرى، وعمرو بن أمية الصخري إلى النجاشي، وحاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس، وعمرو بن العاص إلى ملوك عمان، وسليط بن عمرو إلى اليمامة، والعلاء بن الحضرمي إلى ملوك البحرين، وشجاع بن وهب الأسدي إلى الحارث الغساني، والمهاجر بن أمية المخزومي إلى الحارث الحميري ملك اليمن.
ولما تُرجم خطاب محمد ﷺ إلى هرقل لم يغضب وردَّ ردًّا حسنًا، وكان عامله الحارث الغساني أكثر تحمسًا منه فأرسل يستأذنه في مقاتلة النبي، فهدأ هرقل من رَوعه وصرف نظرًا عن تحمسه.
وكانت الفرس حديثة العهد بالهزيمة من هرقل، فلما وصل الخطاب إلى كسرى أرسل إلى عامله باليمن بازان أن يرسل إليه رأس محمد! ولكن بازان نفسه أسلم وبقي عاملًا على اليمن من قبل الرسول؛ لأن كسرى مات وحل محله شيرويه ابنه، وضعفت حال الفرس ففضل بازان أن يبقى حيث هو تابعًا للنبي العربي، وظن بازان أن هذا أمر بسيط مع أنه أعطى الإسلام قوة عظمى في جنوب الجزيرة.
أما المقوقس فقد أرسل امرأتين وركوبتين وهديتين من نفائس مصر. ورد النجاشي ردًّا جميلًا، وأعاد المسلمين الذين هاجروا إلى الحبشة ومعهم رملة أم حبيبة بنت أبي سفيان أرملة عبد الله بن جحش الذي تنصر وبقي نصرانيًّا إلى أن مات، وقد تزوجها النبي على ما قدمنا. وقد فرح النبي بلقاء جعفر بن أبي طالب عائدًا من الحبشة مع المسلمين المهاجرين وبلقاء الرسل العائدين من الملوك العظام، على أن بعض أمراء العرب ردوا على كتب النبي إليهم ردًّا قبيحًا، وبعضهم اشترط الملك لقبول الدعوة.
وعاد جميع رسل النبي ولم يُقتل منهم أحد أو يُسجن أو تلحقه إهانة.
ومما تجدر الإشارة إليه أن هؤلاء الملوك لم يتعاونوا على محاربة الرسول؛ لأن الزمن كان زمن أنانية ومادة وتفكك روابط بين الأمم والطوائف، وترف ونعومة في العيش، وغلبة للشهوات، وأصبحت الأديان رسومًا وطقوسًا، والنفوس تحب الخضوع لمن يحميها، ولذا فقد خاف هؤلاء الملوك سطوة النبي الجديد ولم يجدوا قوة في نفوسهم على مقاومته.