غزوة مؤتة
حشد الكفار والروم مائة ألف رجل، بينما كان عدد المسلمين ثلاثة آلاف، وفي هذه الغزوة قُتل زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وكانت سنُّه إذ ذاك ٣٣ سنة، وعبد الله بن رواحة، فكان موت هؤلاء الأبطال خسارة كبرى للإسلام، وكان المسلمون قبل الحرب يريدون العودة؛ لكثرة عدد جيش العدو، ولكن ابن رواحة هو الذي شجعهم بإيمانه.
وانتقلت الراية إلى ثابت بن أرقم ولكنه رفضها وقال: اتفقوا على رجل. فاختاروا خالد بن الوليد فقام بمناورات أوهم بها العدو وانسحب بانتظام بجيشه إلى المدينة، فاستقبلهم أهلها استقبالًا سيئًا وقالوا لهم: يا فرارُ فررتم في سبيل الله!
ولم ينتصر جيش العدو في هذه الغزوة.
وقد عطف الرسول على زوجات أبطاله الثلاثة وعلى أطفالهم وبكاهم بكاءً مرًّا.
ثم أراد الرسول أن يعيد هيبة المسلمين في الشام فبعث عمرو بن العاص وأبا عبيدة بن الجراح، فصلى عمرو بالناس وتقدم بالجيش فشتت جموع أهل الشام الذين أرادوا محاربته وأعاد هيبة المسلمين في تلك الناحية.
عاد جيش المسلمين من مؤتة راضيًا من الغنيمة بالإياب، مع أن خالدًا كسر تسعة أسياف في الحرب بعد موت أصحابه الثلاثة، ولكن هذه المظاهرة رفعت شأن الإسلام؛ فأسلم بعض الزعماء والقبائل، وفضَّل فروة بن عمرو الجذامي أحد قواد جيش الروم أن يموت على أن يترك دينه الجديد.
أما العرب الذين اشتركوا مع هرقل في الشام في الحرب ضد المسلمين فلم يأخذوا مرتباتهم؛ لاضطراب المالية البيزنطية، فانصرفوا عنه وشموا رائحة الجاه والمال عند الزعيم الجديد، فاعتنق ألوف منهم الإسلام من قبائل سليم بقيادة العباس بن مرداس ومن أشجع وغطفان خلفاء اليهود سابقًا، وقد يئسوا بعد سقوط خيبر، ومن عبس وذبيان وفزارة، فكانت مؤتة سببًا في ازدياد قوة الإسلام، ولم يذهب دم الذين ماتوا فيها هدرًا.