معاهدات صلح
حضر للنبي وهو بتبوك يوحنا بن رباح صاحب أيلة؛ وهي بلدة على رأس خليج العقبة، وصحبته أهل جرباءَ إحدى قرى الشام وأهل أَذْرُحَ؛ وهي مدينة تلقاء السراة وأهل مكناء.
وأهدى يوحنا لرسول الله ﷺ بغلة بيضاء، فكساه الرسول بردًا وصالحه على إعطاء الجزية، فكتب له رسول الله عهدًا يعد وثيقة حماية من العدو الخارجي نصها: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب محمد النبي ﷺ لأهل أذرح وجرباء أنهم آمنون بأمان الله وأمان محمد، وأن عليهم مائة دينار في كل رجب وافية طيبة، والله كفيل بالنصح والإحسان إلى المسلمين.
ومن نصوص معاهدة يوحنا بن رباح أيضًا: هذا أمنة من الله ومحمد النبي رسول الله ليحنة بن رؤبة وأهل أيلة؛ سفنهم وسيارتهم في البر والبحر لهم ذمة الله ومحمد النبي، ومن كان معهم من أهل الشام وأهل اليمن وأهل البحر، فمن أحدث منهم حدثًا؛ فإنه لا يحول ماله دون نفسه، وإنه لمن أخذه من الناس، وإنه لا يحل أن يُمنعوا ماءً يردونه، ولا طريقًا يردونه من بر أو بحر.
وفي البلاذري أن الجزية كانت ثلاثمائة دينار على كل إنسان، وهو يعادل أربعين قرشًا بمالنا.
وعلى هذه الجزية نفسها صالح أهل البلد الأخرى، أما أهل مكناء فقد صالحهم الرسول على ربع ثمارهم؛ لأنهم يهود، وهم بنو حبيب، وأعطاهم ميثاقَ أمنٍ وحماية وقد جعل الجزية شاملة نتاج نخيلهم ومصايد أسماكهم ومناسجهم، وللنبي حق في رقيقهم وخيلهم وأسلحتهم.
وربع الإيراد يعادل عشرة أمثال ما كان يدفعه المسلم زكاة.
وأهم ما يلفت نظرنا في هذه الحوادث أن خضوع أهل أيلة على خليج العقبة مهد السبيل لفتوح مصر، وكان هذا من نتائج حملة تبوك التي فضحت المنافقين.
أسر أكيدر بن عبد الملك
بعث رسول الله خالد بن الوليد على رأس كوكبة من الفرسان عددها أربعمائة وعشرون رجلًا إلى أكيدر بن عبد الملك الكندي النصراني ملك دومة الجندل التي ورد ذكرها في التوراة، وكان النبي يعلم شغف هذا الملك بصيد البقر، فأوصى خالدًا بانتهاز فرصة خروجه للصيد، ولقيه خالد بفرسانه في ليلة مقمرة يصيد ومعه أخوه ونفر من أهل بيته، فأسره خالد وقتل أخاه؛ لأنه قاوم وأراد حربًا، ولكن الملك لم يقاوم، وفتح خالد دومة الجندل، وغنم قباء القتيل وهو من ديباج مخوص بالذهب، وأقبل خالد على الرسول بالملك فحقن دمه وأكرم مثواه وصالحه على الجزية، ثم خلَّى سبيله، فرجع إلى قريته، وقد اجتمع أكيدر مع يوحنا عند النبي، ونال أكيدر وثيقة حماية وأمن لقاء الجزية من بعير وغنم وسلاح.