مسجد الضرار
إن مسجد الضرار الذي ورد ذكره في سورة براءة بناه اثنا عشر رجلًا (وهو كعدد المتآمرين على قتل الرسول ليلة الهجرة، ولعلها مصادفة)، انفرد بذكرهم ابن إسحاق؛ وهم: خذام بن خالد وهو صاحب الفكرة وفي بيته دبروها، وثعلبة بن حاطب، ومعتب بن قشير، وأبو حبيبة بن الأزعر، وعباد بن حنيف، وجارية بن عامر، ومجمع بن جارية، وزيد بن جارية؛ ولدا جارية بن عامر، ونبتل بن الحارث، ويحزج من بني ضبيعة، وبجاد بن عثمان، ووديعة بن ثابت، ومعظم هؤلاء من بني ضبيعة، وبعضهم من بني أمية.
وكان للمسلمين من المدينة إلى تبوك أربعة عشر مسجدًا، فلم يكونوا بحاجة إلى هذا المسجد الذي وصفه المؤرخون بأنه مسجد الشقاق، وقد كان الغرض منه سياسيًّا؛ وهو جعله نواة لحزب يناوئ النبي.
وقد بنوه قبل حملة تبوك، وجاءوا للنبي يسألونه أن يفتتحه بالصلاة فيه، وأعلنوا غايتهم من بنائه؛ وهي غاية بريئة في ظاهرها؛ قالوا: يا رسول الله، بنينا مسجدًا لذي العلة والحاجة والليلة المطيرة الشاتية، وإنَّا نحب أن تأتينا فتصلي لنا فيه!
فاعتذر قائلًا: إني على جناح سفر وحال شغل، ولو قدمنا إن شاء الله لأتيناكم فصلينا لكم فيه.
فلما عاد من الحملة ونزل بذي أوان؛ وهي محطة قبل المدينة بساعة، دعا مالك بن الدخشم ومعن بن عدي وقال: انطلقا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدماه واحرقاه.
فأخذ مالك بن الدخشم سعفًا من النخل فأشعل فيه نارًا ثم دخل هو وصاحبه المسجد وفيه أهله فأحرقاه وهدماه ففر المنافقون الذين بنوه.
وكانت غاية هؤلاء المتآمرين — وكلهم من الأنصار — أن ينفذوا خطة قيل إن الذي رسمها لهم أبو عامر الناسك أو الفاسق حافر الحفرات في أحد، أو رجل على شاكلته، وهي أن يدعوا أن المسجد ملجأ خير وضيافة ودار عبادة، وفي الوقت نفسه يملئونه بالعدة والسلاح فيجعلونه قلعة سرية، وأن أبا عامر يستعدي قيصرًا ملك الروم على النبي فيأتي بجند يلجئون إلى المسجد خفيةً ثم يعلنون الحرب على محمد وصحبه فيخرجونه من المدينة.
وبعد هذا كله يأتي مرغليوث العالم المؤرخ ويدافع عن مسجد الضرار ويأسف على هدمه ويعجب لمسلك النبي ويدعي أن سبب هدمه غامض! مع أن مرغليوث نفسه يقرر (ص٤٢٤) أن أبا عامر فر بعد غزوة حنين إلى إمبراطور بيزنطة مستنجدًا به على النبي.
ويدعي مرغليوث بكهانة أن المسجد لم يكن فيه سر، وأن أصحابه دعوا النبي؛ ليصلي لهم فيه، وأن إمامه «مجمع» كان مشهورًا؛ لاجتهاده في جمع القرآن، وقد غضب عمر على مجمع هذا، واستمر غضبه إلى أن صار خليفة، فاعتذر له مجمع بصغر سنه مذ كان إمامًا لمسجد الضرار وأن بناته جعلوه إمامًا؛ لحفظه القرآن! فقبل عمر عذره وعفا عنه!
وهل يخفى على رجل كمرغليوث أن مسجد الضرار كان جامعًا للصلاة في الظاهر، ومركزًا لجمعية سرية إجرامية في الحقيقة، وملجأ لحزب أبي عامر الناسك الفاسق؟!