مؤامرة على قتله ﷺ
عند انصراف النبي من تبوك اجتمع رأي من كانوا معه من المنافقين وهم اثنا عشر رجلًا على أن ينكثوا به في العقبة التي بين تبوك والمدينة فقالوا: إذا أخذ في العقبة دفعناه عن راحلته في الوادي.
ويقول المؤرخون: إن الله أعلم رسوله بسر المؤامرة. ويقول مرغليوث: إن جواسيسه هم الذين أخبروه! ويستنتج أن هذه المؤامرة دليل انتقاض المسلمين على النبي، وفاتَه أن اثني عشر مجرمًا من المنافقين لا يُحسبون شيئًا بجانب ثلاثين ألف مسلم، وقيام فوضوي أو جمعية فوضوية بالمؤامرة على ملك في عصرنا الحاضر يعد جريمة فردية ولا يعد انتقاضًا على الملك والدولة، فانظر إلى تعصب هذا الرجل واختلاقه!
فلما وصل الجيش العقبة نادى منادي الرسول: «إن رسول الله يريد أن يسلك العقبة فلا يسلكها أحد، واسلكوا بطن الوادي؛ فإنه أسهل لكم وأوسع.» فسلك الناس بطن الوادي وسلك الرسول العقبة.
فلما سمع المتآمرون بذلك استعدوا وتلثموا وسلكوا العقبة، فأمر الرسول عمار بن ياسر أن يأخذ بزمام ناقته يقودها، وأمر حذيفة بن اليمان أن يسوق من خلفه.
فسمع النبي صوت المتآمرين وقد غشوه فنفرت ناقته حتى سقط بعض متاعه، فغضب وأمر حذيفة أن يردهم، فرجع إليهم وجعل يضرب وجوه رواحلهم بمحجنه وقال لهم: إليكم إليكم يا أعداء الله!
فولوا مدبرين، وانحطوا من العقبة مسرعين إلى بطن الوادي واختلطوا بالناس، فقال له النبي: هل عرفت أحدًا من الركب الذين رددتهم؟
وفي الصباح جاءه أسيد بن حضير وقال: يا رسول الله، ما منعك البارحة من سلوك الوادي؛ فقد كان أسهل من سلوك العقبة؟
فذكر له القصة، فقال أسيد: قد نزل الناس واجتمعوا، فمُرْ كل بطن أن يقتل الرجل الذي همَّ بهذا، فإن أحببت بيِّن بأسمائهم، والذي بعثك بالحق لا أبرح حتى آتيك برءوسهم.
فأجاب النبي هذا الجواب العظيم الشأن: إني أكره أن يقول الناس إن محمدًا قاتل بقوم حتى إذا أظهره الله تعالى بهم أقبل عليهم يقتلهم!
ولم يكتفِ النبي بهذا؛ بل جمع المتآمرين سرًّا وأخبرهم بما قالوه وأجمعوا عليه، فحلفوا بالله ما قالوا ولا أرادوا الذي ذكر، فأنزل الله تعالى: يَحْلِفُونَ بِاللهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ.
وأسرَّ النبي إلى حذيفة أحد حارسيه ليلة المؤامرة بأنه لا يصلي على فلان وفلان، فلما توفي الرسول كان عمر إذا مات الرجل ممن يظن أنه من أولئك الرهط المتآمرين، أخذ بيد حذيفة فقاده إلى الصلاة عليه؛ فإن مشى معه حذيفة صلى عليه عمر، وإن انتزع يده من يده ترك الصلاة عليه.
أشخاص المتآمرين
أما المتآمرون عليه ﷺ فهم: عبد الله بن أُبَيٍّ رأس المنافقين وسعد بن أبي سرح، وأبي خاطر الأعرابي، وأبو عامر الفاسق، والحلاس بن سويد بن الصامت، وقد نُسب إليه أنه قال: لا ننتهي حتى نرمي محمدًا من العقبة الليلة، وإن كان محمد وأصحابه خيرًا منا إنَّا إذن لغنم وهو الراعي ولا عقل لنا وهو العاقل!
ومن المتآمرين أيضًا مجمع بن حارثة، ومليح التيمي وهو الذي سرق طيب الكعبة وارتد عن الإسلام وانطلق محاربًا في الأرض فلا يدري أين يذهب، وحصن بن نمير الذي أغار على تمر الصدقة فسرقه، ولما قبض عليه قال له الرسول: ويحك! ما حملك على هذا؟!
فقال: حملني عليه أني ظننت أن الله لا يطلعك عليه، فأما إذا أطلعك عليه وعلمت؛ فأنا أشهد اليوم أنك رسول الله وأني لم أؤمن بك قط قبل هذه الساعة!
فأقال رسول الله عثرته وعفا عنه، وهذا الجواب هو صورة طبق الأصل من جواب اليهودية التي دست السم لرسول الله وصحبه في كتف الشاة المشوية، وهي كانت صادقة ومخلصة، وفي الشعب اليهودي مثيلات لها في التضحية في سبيل الوطن والدين ممزوجة بالذكاء والصراحة مثل يهوديت وربيكا وراحيل وغيرهن، أما حصن بن نمير فكان كاذبًا ومنافقًا وظن أن هذا الجواب يرضي النبي، ولكن النبي كان صبورًا على المنافقين ويأخذ بالظاهر ويترك سرائرهم لله.
أما بقية المتآمرين فهم طعيمة بن أبيرق، وعبد الله بن عيينة وهو الذي قال: اسهروا هذه الليلة تسلموا الدهر كله، فوالله ما لكم أمر دون أن تقتلوا هذا الرجل! فقال له رسول الله: ويحك! ما كان ينفعك من قتلي لو أني قُتلت؟!
فقال: فوالله يا رسول الله لا نزال بخير ما أعطاك الله النصر على عدوك، إنما نحن بالله وبك!
وأخيرًا مرة بن الربيع وهو الذي قال: نقتل الواحد الفرد فيكون الناس عامة بقتله مطمئنين.
فقال له الرسول: ويحك! ما حملك على أن تقول الذي قلت؟!
فقال: إن كنت قلت شيئًا من ذلك إنك لعالم به، وما قلت شيئًا من ذلك!
وقد قيل إنهم أربعة عشر. ولعلهم عشرة فقط؛ فإن عبد الله بن أُبَيٍّ رأس المنافقين تخلف عن تبوك، وسعد بن أبي سرح لم يسلم البتة، وأبو عامر الذي كان مع الكافرين في أحد لم يسلم، وسماه رسول الله أبا عامر الفاسق، وكان بعد أحد خرج إلى الشام فمات طريدًا وحيدًا، أو إنهم اثنا عشر ولم يعرف اسم اثنين أو ثلاثة منهم، فدُسَّ بينهم اسمان أو ثلاثة من أسماء مشاهير المنافقين.
وقد سبق أن هؤلاء المتآمرين لم يعرفهم أحد حتى عمر بن الخطاب نفسه، سوى حذيفة الذي سمي صاحب السر الذي لا يعرفه سواه، فلعل هذه المواجهة والتحقيق حصلت سرًّا، وإن كان النبي عرفهم فلا بد أن يسألهم، وقد تعود العظماء بعد حبوط المؤامرات لاغتيالهم أن يجروا تحقيقًا سريًّا؛ لمعرفة المشتركين في المؤامرة.