العودة من تبوك
ولما دنا رسول الله من المدينة تلقاه عامة الذين تخلفوا، فقال رسول الله لأصحابه: لا تكلموا رجلًا منهم ولا تجالسوهم حتى آذن لكم، فأعرض عنهم هو والمسلمون.
أما المنافقون فجعلوا يحلفون ويعتذرون، فقبل رسول الله علانيتهم، ووكل سرائرهم إلى الله واستغفر إلى الله.
أما الثلاثة المتخلفون وأولهم كعب؛ فقد لقيه الرسول بابتسامة الغضب وقال له: ما خلفك؟!
كعب: والله ما كان لي من عذر، والله ما كنت قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنك، ولو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أن سأخرج من سخطه بعذر، ولقد أُعطيت جدلًا، والله ما كان من عذر.
فقال الرسول: أما هذا فقد صدق، فقم حتى يقضي الله فيك.
وقال مرارة وهلال قول كعب.
فمكثا في بيوتهما يبكيان، أما كعب فكان يشهد الصلاة مع المسلمين ويطوف بالأسواق فلا يكلمه أحد.
وبعبارة حديثة أمر الرسولُ الناسَ بمقاطعتهم، وبعد أربعين يومًا من المقاطعة أمر الرسول ثلاثتهم بعدم قرب نسائهم فأطاعوا، وقضوا عشرة أيام في هذا الحرمان.
وفي تمام الخمسين دعا رسول الله كعبًا وقال وهو يبرق وجهه من السرور، وكان إذا سُرَّ استنار وجهه كأنه قطعة قمر: أبشر بخير يوم يمر عليك منذ ولدتك أمك!
ونزلت آية: لَّقَد تَّابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ * وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّىٰ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَن لَّا مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا ۚ إِنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ.
وآية: وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ.
فقال له كعب بن مالك الخزرجي: يا رسول الله، إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقةً إلى الله ورسوله.
فقال الرسول له: أمسك عليك بعض مالك؛ فهو خير لك.