الرسالة المحمدية
لم يكن محمد مبعوثًا للأميين خاصةً من عرب الحجاز ولا لعرب اليمن، بل للعالمين، وكان خاتم النبيين؛ فهو رسول الله إلى الأبيض والأحمر والأسود والأصفر والجاهل والمتعلم والبادي والحاضر، ولكن رسالته كانت في مظهرها الأول للعرب وباللغة العربية.
وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ (سورة إبراهيم).
فهذه ضرورة محتمة ليكون العرب المصدر الأول. أما الدين نفسه فهو: كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَىٰ صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (سورة إبراهيم).
وإذنْ لا تكون عظمة الرسالة المحمدية في إخراج العرب الأميين الجاهلين وحدهم من الظلمات إلى النور، ولكن في إخراج الأمم كلها وفيهم الوثنيون والبوذيون واليهود والنصارى وأهل الكتب التي نسخها القرآن؛ فالظلمات ظلمات الشرك، والنور نور التوحيد، والناس كلهم من جاهلٍ ومتعلم، ألا ترى أن ضلال العلم أخبث وأضر من ضلال الجهل؟!
أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللهِ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (سورة الجاثية).
ولذا ترى الرسالة المحمدية قد أخرجت العرب من ظلمات الشرك والجهل والفوضى، كما أخرجت الفرس والرومان والمصريين والهنود والصينيين وبعض اليابان وسواهم من الأمم المتحضرة. وهي مستعدة بطبيعتها إلى يوم القيامة أن تُخرج كل أمة مهما بلغت من العلم والحضارة من الظلمات إلى النور. وقد يظن بعض الناس أن البدو أسرع قبولًا للحق والهدى لسلامة طباعهم من عوج الملكات، وبراءتها من ذميم الأخلاق، ولكن العرب كانوا أهل مكر ونفاق ورياء وطغيان وجدل وخصام.