الوحي والسيدة خديجة
كان الشيخ عدَّاس كاهنًا كبير السن، ضعف بصره وأحوجت شيخوختُه أُذنَيه إلى ترجمان، وقد وقع حاجباه على عينيه من الكبر، ولكنه كان لا يزال حافظًا رشاده وقد أنارت العبادة بصيرته.
كان عدَّاس كاهنًا نصرانيًّا من نينوى مدينة يونس النبي، وكان عنده علم من الكتاب، وكان مقيمًا بمكة لأنه كان مولى لعتبة بن ربيعة؛ فهو بوطنه وجنسه ودينه أجنبي عن العرب، ولكنه مكي بالولاء والتبعية، ولم يكن محمد يعرفه، ولكن خديجة عرفته بسبب تجارتها.
وإذ كان عدَّاس في عزلته يعبد ربه، أو يصلي للسماء، أو يتأمل في مصير الإنسان في هذه الحياة وينظر بعينيه الذابلتين في ملكوت السموات، دخل عليه رسول خديجة يسأله عن جبريل، ولم يكن اسم جبريل معروفًا في بلاد العرب فأفاق الشيخ من تأمله وقال: قدوس! قدوس! وما لجبريل يُذكر في هذه الأرض التي تُعبد فيها الأوثان؟! إن جبريل أمين الله بينه وبين رسله. عاد الرسول إلى خديجة وأسرَّ إليها ما قاله الشيخ العابد فرأت أن تزداد استفسارًا، فلم تضن بزيارته في سبيل هذا الأمر الجليل الذي شعرت بخطورته وعظيم شأنه بعقلها الثاقب وفكرتها الراجحة؛ وهما صفتان لازمتاها منذ صباها، فما بالها وقد وصلت إلى عقد الخمسين وهي سن النضج واستكمال الفهم، وقد تنبهت في نفسها عواطف جديدة سامية بعد الحياة الزوجية السعيدة، وبعد خمس عشرة سنة قضتها في كنف رجل أثبتت الأيام أنه أفضل الخلق وأكرمهم نفسًا وأثبتهم عزمًا وحزمًا وألينهم عريكة وأحسنهم عشرةً ووفاءً، وها هو محمد قد وقع في ورطة كبيرة وصار في خشية على نفسه من الموت أو دوام المرض وهو أحب الناس إليها؛ فهي لا تدخر في سبيل الاطمئنان عليه جهدًا ولا تتردد في تحمل المتاعب أيًّا كان نوعها من أجل راحته، وإذنْ فهي تذهب إلى عدَّاس وأعادت عليه ما سمعت من زوجها الأكرم فقال لها: سبوح! سبوح! يا خديجة، هذه بشرى كبيرة وخبر جليل إن كان هذا الذي تجلَّى له هو الملك، ولكن … اعلمي أن الشيطان ربما عرض للعبد فأراه أمورًا!
وأعطاها كتابًا.
هل هذا الكتاب تعويذة كتبها الكاهن المسيحي لساعته، أم أنه نسخة مخطوطة مباركة من العهد القديم أو العهد الجديد؟ أظنه تعويذة مكتوبة بالسريانية، وكان العرب يطلقون لفظ الكتاب على كل ما هو مخطوط سواءٌ أكان صحيفةً أو مجلدًا.
ويظهر أن خديجة كانت تؤمن ببركة هذا الكاهن كما كانت تثق بعلمه، وإن لم تكن تؤمن فإن اضطرارها إلى النظر في نفع زوجها الأكرم ورب دارها وفخر حياتها ومسعدها؛ كل ذلك أقنعها بقبول نصيحة ذلك الصالح المسيحي، وعادت إلى منزلها فإذا هي بمحمد ﷺ يقرأ آية من القرآن، فلما سمعت قراءته اهتزت فرحًا ثم قالت لمحمد: فداك أبي وأمي! امضِ معي إلى عدَّاس. فلما رآه عدَّاس كشف عن ظهره فإذا خاتم النبوة يلوح بين كتفيه، فلما نظر عدَّاس إليه خر ساجدًا يقول: قدوس! قدوس! أنت واللهِ النبيُّ الذي بشَّر بك موسى وعيسى.
ومسألة ختم النبوة ذكرها درمنجهايم في ترجمة الرسول وقال: إنه قبَّله وبكى.
وقيل إن خديجة سألت كاهنًا أو راهبًا آخر فكان رأيه أن الشيطان لا يجترئ أن يتمثل بجبريل ولا أن يتسمى باسمه.
وعند ذلك عزمت خديجة أن تلجأ إلى قريبها ورقة بن نوفل، وكان شيخًا كفيفًا وقريبًا من الموت، وهو الآخر قد هجر عبادة الأصنام وتنصر، ولكنه ما زال يطوف بالكعبة، كما كان يفعل النبي عقيب نزوله من حراء أثناء خلوته قبل نزول الوحي وظهور الملك وبعد ذلك.
ولكن خديجة قبل أن تذهب إلى ورقة كانت حريصة على أن تُطمئن بعلها وتبشره فأجابته ردًّا على قوله «لقد خشيت على نفسي» بهذا الجواب الحكيم الدال على قوة الإيمان وشدة الإخلاص: كلا والله يا ابن عمي ما يخزيك الله أبدًا! إنك لتصل الرحم، وتحمل الكَلَّ، وتُكسب المعدوم، وتُقري الضيف، وتُعين على نوائب الحق.
فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى ابن عم خديجة، وكان امرءًا تنصَّر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العبراني فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخًا كبيرًا قد عمي، فقالت له خديجة: يا ابن عم، اسمع من ابن أخيك (توقيرًا لسنِّ وَرَقَةَ، واستعطافًا للرحم).
ورقة: يا ابن أخي، ماذا ترى؟
فأخبره رسول الله بخبر ما رأى.
ورقة: هذا الناموس الذي نزَّل الله على موسى، يا ليتني فيها جذعًا! ليتني أكون حيًّا إذ يُخرجك قومك.
محمد: أَوَمُخرِجيَّ هم؟!
ورقة: نعم، لم يأتِ رجل قط بمثل ما جئت به إلا عُودِيَ، وإن يدركني يومك أنصرك نصرًا مؤزرًا.
ثم لم ينشب ورقة أن تُوفِّي وفتر الوحي.
هذا هو الحديث الصحيح الذي رواه عبد الله بن يوسف عن مالك بن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين — رضي الله عنها — في حديث الحارث بن هشام عندما سأل رسول الله عن الوحي (ص٥، من الجزء الأول من كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري).
وإذن كان ورقة بن نوفل شيخًا فانيًا كفيف البصر، من متنصرة العرب العلماء بالنصرانية، وابن عم خديجة، وكان يكتب من الإنجيل بالعربية، فهو يعرف اللغتين العبرية والعربية، وذلك قبل أن يُكَفَّ بصره طبعًا، وقد أُصيب بالكتركت — وهو ظلام عدسة العين من الشيخوخة — ولم يكن في مكة جرَّاح اختصاصي يُقدِم على العملية التي تعيد إليه نظره؛ فما زال أعمى حتى قضى نحبه.
وليس فيما بين أيدينا من المراجع والمصادر ما يدل على أن محمدًا ﷺ لقي ورقة بن نوفل قبل هذه المرة، وقد حضر حفلة زفاف خديجة إلى محمد، ولعل خديجة كان تعطف عليه وتعينه بشيء من مالها أو تزوره صلة للرحم.
وفي إحدى الروايات أن ورقة لقي محمدًا وهما يطوفان بالكعبة، فأدنى ورقة رأس الرسول وقبَّل يافوخه وافترقا وعاد محمد إلى أهله.
يقول بعض مؤلفي الإفرنج إن الرسول قد أخذ عن ورقة لأنه كان يقرأ الإنجيل ومن أهل الكتاب كما زعموا فيما يتعلق ببحيرا والحداد الرومي.
ومنشأ هذا السخف والإسفاف بساطة مؤلفي العرب القدماء وجنونهم بالنقل وعدم فحص النصوص والروايات وغربلتها قبل تدوينها؛ فهذا الشيخ علي بن برهان الدين الحلبي — رحمه الله — صاحب السيرة الحلبية التي فيها كثير من الغث وقليل من السمين يقول (في ص٢٨٦، ج١): «إن خديجة كتبت إلى بحيرا تستفتيه في الوحي فأجابها بكتاب عنوانه: سيدة قريش، اعلمي أن الوحي … إلخ.» وهذا بالطبع يستلزم أن بحيرا يكون على قيد الحياة عند البعثة، وأن العلاقات كانت مستمرة بين النبي وبينه حتى عرفت زوجته عنوان الراهب وخاطبته في شأن جبريل، في حين أن بحيرا كان قد مات من زمن طويل، ولم تكن له صلة بمحمد الذي مضى على لقائهما (إن صح هذا اللقاء) ثلاثون عامًا، والعجيب أن الحلبي يذكر هذه الرواية بغير سند، وهي بلا ريب مدسوسة عليه، ولكنه نقلها لأن فيها ما يُشعر بتأييد النبوة والتبشير بمحمد، وهذا المؤرخ الفاضل لم يكن يعلم ما يخبئه القدر لتاريخ محمد من عفاريت الإنس الذين يصطادون في الماء العكر، وما هذا الماء العكر إلا تلك السير التي اختلط فيها الحق بالباطل والصدق بالكذب والمعتدل بغير المعتدل.
وكذلك جاء المحدثون والمفسرون واستقصَوْا أخبار ورقة، لا ليعلموا إن كان أستاذًا لمحمد أو لا، فإن هذا الرأي لم يخطر لهم ببال، ولكن ليعلموا إن كان يعتبر صحابيًّا أم لا، وغاب عنهم أن تعريف الصحابي هو من لقي النبي بعد البعثة مؤمنًا به، والثابت أن ورقة لقي النبي قبل البعثة، وليس لدينا ما يدل على أنه آمن به، ولكنه وعده بالإيمان به بقوله: يا ليتني فيها جذعًا، ليتني أكون حيًّا إذ يخرجك قومك … وإن يدركني يومك أنصرك نصرًا مؤزرًا.
فقد علَّق ورقة المناصرة والمؤازرة على شرط خروج محمد من مكة مهاجرًا بفعل قريش.
وهذا شرط لم يتحقق إلا بعد نزول الوحي بثلاث عشرة سنة.
وفي بعض الروايات الضعيفة أن ورقة عاش حتى رأى بلالًا يعذبه المشركون ليرجع عن الإسلام، ولكن هذه الرواية شاذة ومخالفة لحديث عائشة؛ لأن هذا الحديث يدل على أن ورقة كان قد فقد بصره عند بدء الوحي، وكان تعذيب بلال بعد إظهار دعوة النبوة ودخول الناس في الإسلام، وكان هذا الرجل أعمى، والحديث يزيد على ذلك أنه لم ينشب أن مات؛ أي إنه مات بعد ذلك بسرعة؛ أي لم يلبث أن مات. وهذا اللفظ — لم ينشب — عند العرب عبارة عن السرعة، وأصله من نشب العظم في الحلق والصيد في الحبالة أي لم يعلق به شيء يمنعه عن ذلك. قال سبط ابن الجوزي: «إن ورقة آخر من مات في الفترة ودُفن بالحجون؛ فلم يكن مسلمًا.» وقال ابن عباس: «إن ورقة مات على نصرانيته؛ لأنه مَن أدرك النبوة وصدَّق بها ولم يدرك الرسالة بناءً على تأخرها لا يكون مسلمًا، بل يكون من أهل الفترة.»
وفي حديث ضعيف أنه لمَّا تُوفِّي ورقة قال محمد: «رأيت القس وعليه ثياب الحرير.» وقال: «لا تسبوا ورقة؛ لأنه آمن بي وصدَّقني.»
ومهما تكن قوة هذين الحديثين من حيث الإسناد، فإنهما يتضمَّنان مكافأة النبي لورقة لأنه بتبشيره النبي بالنبوة في هذا الظرف ما يستحق الشكر عليه.
ولا ريب أن ورقة مات قرير العين لأنه أيقن أن ابنة عمه لم تخطئ في اختيار زوجها، وورقة هو الذي وصف محمدًا بأنه الفحل الذي لا تقدع أنفه (ص٩٣، ج١، من الكامل للمُبرِّد) فها هو قبل أن يموت قد قرت عينه برؤية صهره على باب النبوة العظمى والرسالة الكبرى.
ولكن خديجة لم تقنع بهذا كله، ولعل كلمة عدَّاس عن تمثُّل الشيطان وظهوره لمحمد بمظهر الملك شغلتها؛ فأرادت أن تقنع بتجربة مادية عملية تختبر بها حقيقة هذا الذي يظهر لزوجها ويقض مضاجعه ويزعجه في نومه ويقظته، وللمرأة ذات العقل الكامل في الأحوال التي قد تشتبهُ استبصارٌ وإشراف على الحقيقة، وقد دلها هذا الاستبصار على تجربة جديدة في بابها، فطلبت إلى بعلها أن يترقَّب المَلَك عند ظهوره فيخبرها، ولم تكن لتقصد إليه.
وقد دار بينهما هذا الحوار:
(فجاءه جبريل كما كان يصنع فقال لخديجة):
(فقام محمد فجلس عليها، فسألته):
(فتحول فقالت):
(فتحول فجلس في حجرها فسألته):
(فتحسرت وألقت خمارها ومحمد جالس في حجرها، ثم قالت):
هذه رواية ابن إسحاق عن إسماعيل بن أبي حكيم مولى آل الزبير، وأضاف إليها قوله: حدَّثت عبد الله بن حسن هذا الحديث، فقال قد سمعت فاطمة بنت حسين تُحدِّث بهذا الحديث عن خديجة، إلا أني سمعتها تقول: أدخلت رسول الله بينها وبين درعها فذهب عند ذلك جبريل؛ فقالت للرسول: إن هذا ملك وما هو بشيطان (ص١٢٩، هامش زاد المعاد، ج١).
وسواءٌ أكانت التجربة التي قامت بها خديجة من تلقاء نفسها ومن وحي ضميرها أم بإيعاز من ورقة أو غير ورقة، فلا شك في صدق التجربة وموافقتها العقل؛ ومناط ذلك أنها إن حسرت وكشفت عن رأسها فإن كان الذي يظهر من الجن فإنه لا يذهب؛ لأنه لا يخجل ولا يتحاشى رؤية المرأة التي تكشف عن رأسها فيستمر ظهوره، وإن كان مَلَكًا فهو لا يرى الرأس المكشوف من المرأة؛ ولذا تراه يغيب.
•••
كل هذا صنعتْه خديجة عندما جاءها النبي عقيب اتصاله الأول بالوحي مرتجفًا محمومًا يشكو البرد ويطلب الدثار، وهو بداية الدور العظيم الذي قامت بأعبائه في خدمة الإسلام، والحمد لله على أن كانت خديجة في الخمسين من عمرها عند مجيء الوحي، وأن كانت عاقلة هادئة الطبع شديدة الحب لزوجها عظيمة الثقة به ذات نشاط وحركة. وقد ثبت لدينا أن كثيرًا من الخير للإسلام ترتَّب على مسلكها في اللحظة الأولى؛ فإنه مذ علمت من محمد سبب اضطرابه وروعته بادرت بتبشيره وتشجيعه وإدخال الاطمئنان على قلبه، كقولها: أبشر يا ابن عمي واثبت؛ فَوَالذي نفسي بيده إني لأرجو أن تكون نبي هذه الأمة.
وهذا الحديث يدلنا على الحب والعطف والإخلاص التي كانت سائدة في بيت محمد وخديجة، فإن هذا الاكتراث وهذه الهمة وذلك النشاط لا تُظهرها الزوجة إلا بفضل الود وشعور الرحمة، وقد اتحدت عواطف المحبة والمودة والوفاء بينهما؛ فلم يكن محمد ليخفيَ عن حليلته شيئًا من خفايا نفسه؛ فهي موضع سره وأمانته، ولم تكن لتستهين بشيء مما يحدث له سواءٌ أكان قريبًا منها أم بعيدًا عنها، فلا عجب أن بقي محمد طول حياته متعلقًا بحب خديجة وبذكراها بعد أن تُوفِّيت إلى رحمة الله ورضوانه، وكان يقول عنها إنها كانت أم العيال وربة البيت، وفي حديثٍ صحيحٍ أنها لو عاشت ما كان رسول الله ليتخذ عنها بديلًا وإن كانت كل زوجاته قد قمن بأعمال جليلة للإسلام؛ فعائشة حفظت نصف الدين وكانت كنز الحديث الغالي، وكانت أم سلمة حكيمة يستشيرها في المُلِمَّات ويعمل برأيها كما حدث في الحديبية.
وبعد نزول جبريل على محمد باقرأ باسم ربك، مكث مدة ثلاث سنين لا يرى جبريل، ولعل الحكمة في حدوث تلك الفترة الطويلة ليذهب عن محمد ما كان يجده من الرعب، وليحصل له الشوق إلى العود؛ ومن ثَمَّ حزن لذلك حزنًا شديدًا حتى غدا مرارًا كي يتردى من رءوس شواهق الجبال! فكان كلما وافى بذروة كي يلقيَ بنفسه منها يتبدَّى له جبريل فقال له: يا محمد، إنك رسول الله حقًّا. فيسكن لذلك جأشه وتقر نفسه، فإذا طالت عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك!
وإذنْ يظهر أن النبوة والبعثة شيء واحد، وأن الرسالة هي الدعوة إلى الإسلام، وأن النبوة جاءت بالوحي وبسورة «اقرأ باسم ربك». أما الرسالة فقد بدأت ﺑيا أيها المدثر، وبين السورتين ثلاث سنين. روى ابن إسحاق — أصدق كُتاب السير وأوجزهم — عن بعض أهل العلم أن ابتداء النبوة كان محمد إذا خرج لحاجته أبعد حتى تحسر عنه البيوت ويفضي إلى شعاب مكة وبطون أوديتها، فكان يسمع أصواتًا تحييه وتسلم عليه وتبشره بالرسالة، وما زال كذلك حتى جاءه الوحي بما جاء.
قد تحمَّل محمد من أجل الوحي رضا العباد وسخطهم، وللنبوة أثقال ومؤنة لا يحملها ولا يستطيع بها أهل القوة والعزم لِمَا يلقَوْن من الناس من الخلاف والأذى، وما يرد عليهم مما جاءوا به عن الله.
لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللهِ.
وقد آمنت به خديجة وصدَّقت بما جاءه ووزارته على أمره، فكانت أول من آمن فخفف الله بذلك عن محمد، وكان لا يسمع شيئًا مما يكرهه من رَدٍّ عليه وتكذيب له فيحزنه إلا فرج عن نفسه بالرجوع إليها؛ فكانت تثبته وتهون عليه أمر الناس.
وبعد فترة الوحي جاءه جبريل بسورة الضحى بأنه ما ودعه [ربه] وما قلاه، وذكَّره بنعمته عليه ووعده بالخير العميم وامتن عليه بعظيم فضله في أطوار حياته وفيها من البشرى والعتاب ما ارتاح له قلب محمد.
وَالضُّحَىٰ * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ * وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الْأُولَىٰ * وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ * أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَىٰ * وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَىٰ * وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَىٰ.